وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] ولئن جئت أيها الرسول أولئك الذين أعطوا الكتاب التوراة والإنجيل بكل حجة وبرهان على أن توجهك إلى القبلة إلى الكعبة في الصلاة حق من عند الله -تبارك وتعالى- ما تبعوا قبلتك، عنادًا واستكبارًا، فلا تتعب في إقناعهم، والاحتجاج لذلك.
وما أنت بتابع قبلتهم التي حولت عنها وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ لا اليهود يتبعون قبلة النصارى ولا النصارى يتبعون قبلة اليهود، ولئن اتبعت أهواءهم في شأن القبلة وغيرها بعدما جاءك من العلم لأنك على الحق وهم على الباطل إنك حينئذ لمن الظالمين لأنفسهم، فقد وضعت الاتباع والتوجه في غير موضعه.
وهذا خطاب لشخص النبي ﷺ وهو متوجه إلى جميع الأمة باعتبار أن الأمة تُخاطب في شخص قدوتها ومُقدمها -عليه الصلاة والسلام- وهو تهديد ووعيد لمن يتبع أهواء المخالفين لشريعة الإسلام.
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة من الهدايات والفوائد: أن ما يصد اليهود عن الدخول في الإسلام وكذلك النصارى ليس هو الجهل به، وأنهم لا يعرفون دين الإسلام، أو أنهم لم يُقدم إليهم بعرض صحيح، ولكن القضية هي كما قال الله -تبارك وتعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ بكل برهان وبكل حجة مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [سورة البقرة:145].
إذن القضية ليست عبارة عن عرض قاصر للإسلام، وليست عبارة عن جهل فيه، وأنه الحق الذي جاء به الرسول ﷺ ولكن هؤلاء لهم موقف من هذا الدين، ومن ثَم فإنهم يرفضون الدخول فيه، فهم يعرفونه لكن يخشونه على مصالحهم وسلطانهم ومن ثَم فإنهم يكيدون له بأنواع الكيد، وبشتى الطرق والوسائل، بطرق مُباشرة وبطرق غير مُباشرة منذ بعث الله نبيه ﷺ تارة يُحاربونه بأنفسهم، وتارة يشعلون حروبًا بالوكالة وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [سورة البقرة:145] هذه حقيقة يُقررها القرآن، نعم يوجد من الأتباع من هم مُضللون، يوجد من لم يبلغه الإسلام بصورة صحيحة، هذا أمر لا يُنكر، ولكن هل الذي يمنع هؤلاء في الجملة هو جهلهم بالإسلام أو أنه لم يُعرض عليهم بطريقة صحيحة؟
الجواب: لا، مع أنه قد يصدر من بعض من ينتسب إلى الإسلام ما يصد الناس عن قبوله، ويحصل بسبب ذلك من الفتنة لهؤلاء الكفار ولبعض المسلمين ممن لا يعرف حقيقة ما جاء به الرسول ﷺ فيؤدي ذلك بطوائف إلى لربما استحسان هذا الإجرام، ويؤدي بطوائف آخرين إلى نسبة ذلك إلى الإسلام فيتشككون فيه، وهذا كله غلط، وغير صحيح.
فهذا الذي حصل هذه الأيام في فرنسا، هذا من أعظم الصد عن دين الله -تبارك وتعالى- ولو جد الناس واجتهدوا أعني الأعداء ما جادت قرائحهم بأعمال تصرف الناس عن الدين وتصدهم عنه أبلغ من هذا، يعني: مهما قالوا من الخُطب، ومهما حذروا من الإسلام ومهما دقوا نواقيس الخطر أن الإسلام ينتشر في القارة الأوروبية، ومهما ألفوا من الكتب، ومهما شوهوا من حقائق الدين، ومهما أوجدوا من ترجمات معاني القرآن المحرفة التي تُعطي انطباعًا سيئًا عن الإسلام، ومهما بعثوا من المنصرين جيوش المنصرين، ومهما أنفقوا من الأموال كل هذا يطير في الهباء، ولكن مثل هذه التصرفات تكون رسالة قوية موجهة إلى تلك الشعوب أن هذا الدين -يعني لسان هؤلاء الأعداء الذين يشوهون الإسلام- يقولون: انظروا هذا الذي كنا نحذركم منه ها أنتم ترون بأعينكم وتشاهدون حقيقة ما كنا نُحذركم، هذا هو الإسلام -نسأل الله العافية- الجهود التي تُبذل عبر عقود العقود الماضية في الدعوة إلى الإسلام، المراكز الإسلامية، الأموال التي تنُفق، الدعاة إلى الله الذين يقدمون صورة عن الإسلام ويشرحون شرائعه وآدابه وهدايات الإسلام يأتي حدث كهذا يهدمها.
الحاصل والخلاصة أن القرائح قرائح الأعداء لا يمكن أن تجود بكيد للإسلام، وضرب له في مقتل أبلغ من مثل هذه التصرفات التي لا ندري هل تنبعث من حماقات، أو أن وراء ذلك ما وراءه من كيد خفي الله -تبارك وتعالى- أعلم بحقيقته، نحن لا نعلم، لكن الذي نعلمه أن هذا ليس من دين الله في شيء لا من قريب ولا من بعيد، وأن هذا مفاسده خالصة ليس فيها مصالح للأمة، وأن الأمة تدفع الثمن باهظًا يدفعه المسلمون في الغرب ويكونون في حال يُرثى لها، ويدفعه المسلمون في العالم ويؤدي إلى مزيد من تسلط الأعداء والطعن في الدين واستضعاف الأمة وكيل التهم إلى هذا الدين القويم، فإلى الله المُشتكى -والله المستعان.
المقصود أن هذه الآية الكريمة تُقرر معنى لا مرية فيه، هؤلاء لا يتركون أهواءهم مهما قُدم لهم من البراهين: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:96، 97] لكن هذا لا يعني أن لا تُقدم الدعوة فإن ذلك فيه من إقامة الحجة، ويفتح الله قلب من شاء، والنبي ﷺ وأتباعه من بعده أمروا بالبلاغ والدعوة إلى الله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة النحل:125] الهداية بيد الله ليست إليك: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [سورة النحل:125] لا تتدخل تقول: هؤلاء لا يؤمنون، هؤلاء لا خير فيهم، هذا الإنسان لا يهتدي، لا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [سورة النحل:125] فدع هذا إلى الله النتائج إلى الله ليست إليك.
قد ترى إنسانًا في غاية العتو وتستبعد إيمانه وهدايته ثم يتحول بعد ذلك إلى شيء آخر يتحمس لهذا الدين وينصره نصرًا لربما لا تؤدي بعضه، فهذا أمر مُشاهد، الذين حاربوا الإسلام وحاربوا النبي ﷺ كيف حولهم الإسلام إلى شيء آخر إلى أنصار، خالد بن الوليد عكرمة بن أبي جهل، من قادة المسلمين، وكم أبلوا! وكم فُتح على أيديهم -رضي الله عنهم وأرضاهم- وكانوا في يوم من الأيام يعادون النبي ﷺ وهذا الدين أشد العداوة، أبو سفيان القائد الأكبر للمشركين تحول إلى الإسلام وهو أول من قاتل المرتدين، كان عائدًا إلى اليمن وفي الطريق قُبض النبي ﷺ فلقي ذا الخمار مرتدًا عن الإسلام فقاتله قبل أن يشرع أبو بكر الصديق بحرب المرتدين، أبو سفيان أول من قاتل المرتدين.
سُهيل بن عمرو العامري الذي أراد عمر أن يقلع ثنيتيه؛ لأنه خطيب مفوه فلما أُسر في يوم بدر عمر عرض على النبي ﷺ أن يخلع ثنيتيه بحيث يصبح ألثغ لا يعرف أن يخطب، فنهاه النبي ﷺ عن هذا وقال: فعسى أن يقوم مقامًا تحمده عليه وفعلاً لما توفي النبي ﷺ قام خطيبًا في قريش وقال: "أيها الناس! يا معشر قريش إنكم آخر من دخل في هذا الدين فلا تكونوا أول من يخرج منه".
فثبتهم فثبتوا فلم ترتد قريش، بينما قبائل العرب ارتدت، هذا سُهيل بن عمرو الذي كان سفير قريش في يوم الحديبية، فلا تبتأس، ولا تيأس، فالهداية بيد الله -تبارك وتعالى- لا تملكها أنت ولا أنا ولا أحد من الناس.
ثم يؤخذ من قوله -تبارك وتعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ [سورة البقرة:145] فأفرد القبلة في قوله: قِبْلَتَهُمْ مع أن النصارى لهم قبلة يستقبلون المشرق، واليهود لهم قبلة يستقبلون التابوت وإذا كانوا في بيت المقدس يستقبلون الصخرة، فوحد القبلة بالنسبة لهؤلاء جميعًا مع أنها مُثناة، يحتمل أن يكون ذلك باعتبار أن كل واحدة من هاتين القبلتين باطلة أصلاً مُخالفة للقبلة الحق فاشتركتا في الاتحاد بالبطلان، فعبر عنهما بالمفرد وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ الباطلة، أيًا كانت وجهتها.
وكذلك أيضًا مقابلة المفرد في قبلة المسلمين مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ هذا بالإضافة إلى أمر ثالث وهو أوضح في توحيد القبلة من جهة اللفظ هو أن: وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ قبلة مفرد مضاف إلى المعرفة الضمير الهاء وهذا يفيد العموم، الإضافة هذه تفيد العموم، يعني: يصبح بمعنى الجمع، يعني: قبلتهم قبلة اليهود وقبلة النصارى فهو بمعنى الجمع وإن كان لفظه مفردًا، يعني: وما أنت بتابع قبلات هؤلاء.
وكذلك أيضًا يؤخذ من هذه الآية المُبالغة في النفي بعدة مؤكدات:
اسمية الجملة: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ [سورة البقرة:145] اسمية الجملة، وتكرر الاسم فيها مرتين مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [سورة البقرة:145] فيما ذكره فيما بعد ذلك.
وتأكيد النفي بالباء في قوله: بِتَابِعٍ فهذا الأمر لن يتحقق، لن يحصل، هذا بالنسبة للمجموع، وإلا فإنه يؤمن من الأفراد كما هو معلوم من اليهود ومن النصارى لكن أن يتحول هؤلاء إلى الإسلام لا، قد تتحول بعض الأمم الوثنية، يعني: في جزيرة العرب أسلم جميع الناس في جميع أنحاء الجزيرة العربية تقريبًا، لكن بقي أهل الكتاب المجاورون للنبي ﷺ في المدينة لم يدخلوا في الإسلام دخل أفراد، النصارى الذين كانوا في نجران لم يدخلوا في الإسلام، اليهود الذين كانوا في خيبر لما فتحت خبير وقبل فتح خيبر وبعد فتح خيبر لم يدخلوا في الإسلام، لكن العرب في مكة الأنصار في المدينة أهل اليمامة، أهل اليمن، وغير هؤلاء كلهم دخلوا في الإسلام، ولما جاء الفتح الإسلامي إلى بلاد الشام ومصر وما وراء ذلك كل هذه الأمم دخلوا في الإسلام، لكن من الذي بقي؟
بقي أهل الكتاب، صاروا أهل ذمة، قد يدخل أفراد لكن هل تحولوا كغيرهم إلى مسلمين وذابوا في هذه الفتوح الإسلامية؟ يعني مملكة فارس بكاملها لما سقطت بأيدي المسلمين تحولوا إلى الإسلام، وهكذا ما وراء ذلك، لكن أهل الكتاب يبقون في هذه الأماكن عبر القرون على دينهم لا يتحولون عنه جملة، لكن قد يُسلم بعض الأفراد، فالذين هم أقرب الناس إلى النبي ﷺ ويرونه صباح مساء في المدينة لم يدخلوا في الإسلام، بينما أهل المدينة دخلوا في الإسلام من غير هؤلاء اليهود.
وفي قوله -تبارك وتعالى: وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ [سورة البقرة:145] إشارة إلى أن من عرف الله معرفة صحيحة عرف حقيقة دين الإسلام أنه لا يتحول عنه، ولذلك انظروا إلى سؤالات هرقل لأبي سفيان سأله مجموعة من الأسئلة لا يوجد فيها سؤال واحد عن معجزة، هو يسأل أبا سفيان قبل إسلام أبي سفيان، يسأله عن النبي ﷺ وما يدعوا إليه، سأله عن أمور ليس فيها معجزة، فلما أجابه عنها، قال: إن كانت كما يقول فسيملك ما تحت قدمي هاتين، ولولا ما أنا فيه لأتيته حتى أغسل عن قدميه -عليه الصلاة والسلام- هذا هرقل لكنه شح بملكه، حتى تعجب أبو سفيان، قال: قد أمِر أمر ابن أبي كبشة أن يخشاه ملك بني الأصفر، أمر النبي ﷺ أن ملك الروم صار يقول سيملك ما تحت قدمي هاتين، فهؤلاء من ضمن الأسئلة من جملة الأسئلة التي وجهت لأبي سفيان من قِبل هرقل: هل يرتد أحد من أتباعه بعد دخوله في الإسلام بعد دخوله فيه سخطة له؟
فقال: لا، فقال: هكذا الإيمان إذا خالط القلوب، أو كما قال، لا يرتد، لكن هؤلاء الذين يرتدون من بعض المنتسبين إلى الإسلام هؤلاء كما قال بعض أهل العلم بأن هذا الذي يُقدر أنه معرفة عرف دين الإسلام الواقع أنه لم يحصل له اليقين والعلم الصحيح بهذا الدين، إنما هو ظن متصور بصورة العلم، أما العلم الحقيقي يعقبه ارتداد فهذا بعيد وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فمن عرف الإسلام معرفة صحيحة وآمن به إيمانًا صحيحًا واستقر ذلك في قلبه فإنه لا يرتد عنه، لكن كما قال شيخ الإسلام كثير من المسلمين يرثون الإسلام وراثة فمثل هؤلاء لو حصل لهم تشكيك لحصل لهم زعزعة في هذا الإيمان لحصل خلخلة، هذا الذي يحصل الذين أخذوه وراثة، لكن من عرفه بقناعة فإنه لا يرجع عنه أبدًا، لكن إذا كان أخذه وراثة، لا يعلم حقائقه فيكون قلبه محلاً قابلاً للتشكيك -والله أعلم.
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] تحدثنا عن صدر هذه الآية، ثم نواصل الحديث في الكلام على قوله -تبارك وتعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] هذا فيه زيادة من التحذير من اتباع أهواء هؤلاء، فيه أيضًا استفظاع لحال من ترك الحق البين والدليل الظاهر اتباعًا لهواه، وفيه أيضًا حث وحظ وتحريض على لزوم الحق والثبات عليه.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ [سورة البقرة:145] هذا بعد بيان حاله الثابتة المستقرة: وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ [سورة البقرة:145] فحاشا النبي ﷺ أن يتبع أهواءهم، ولهذا فإن القاعدة أن التعليق على الشرط لا يقتضي إمكان الوقوع، كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [سورة الزخرف:81] لا يمكن أن يكون، هذا من المُحال أن يكون لله -تبارك وتعالى- ولد، فالتعليق في الشرط لا يقتضي إمكان الوقوع وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ كقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [سورة الزمر:65] وحاشا النبي ﷺ أن يقع منه الإشراك هذا لا يكون، ولكن هذا على سبيل الفرض والتقدير فيكون ذلك من قبيل التحضيض على لزوم الحق والثابت عليه، والتحذير من الباطل وأهله وأهواءهم، هذا بالإضافة إلى أن النبي ﷺ قد يوجه إليه الخطاب ويكون ذلك خطابًا لأمته؛ لأن الأمة تُخاطب في شخص قدوتها -عليه الصلاة والسلام- فيكون الخطاب للنبي ﷺ ويُراد به الأمة من بعده، وهذا لا شك أنه أبلغ حينما يوجه إلى شخصه -عليه الصلاة والسلام- أبلغ في التحذير والتخويف.
ثم أيضًا: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] لكن النبي ﷺ لا يتبع أهوائهم فهو ليس من الظالمين في شيء، ولكن هذا التركيب وما تضمنه من الألفاظ فيه من صور التشديد والتأكيد والتحذير الشيء الكثير، انظر إلى ما اشتمل عليه مجموع الشرط والجزاء من المؤكدات التي منها القسم المدلول عليه باللام: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ والله لئن اتبعت أهوائهم، فالقسم يُفيد توكيد الكلام كما هو معلوم، هذا المؤكد الأول.
مؤكد آخر وهو اللام هذه الموطئة للقسم وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ فهي تزيد هذا القسم تأكيدًا، وكذلك أيضًا حرف التوكيد في جملة الجزاء: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ [سورة البقرة:145] فجاء بـ"إن" المؤكدة وهي بمنزلة إعادة الجملة مرتين، من المؤكدات عند العرب إعادة الكلام تقول للإنسان مثلاً: اسمع اسمع، اقرأ اقرأ، تعال تعال، احذر احذر، ونحو ذلك، أو تأتي بـ"إن" فهي بمنزلة إعادته مرتين، كذلك أيضًا الإتيان بـ"إذًا" الدالة على الجزائية: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فهذه أكدت ربط الجزاء بالشرط، إذا تحقق هذا فإنك إذًا بناء عليه تكون بهذه الصفة.
وكذلك أيضًا يمكن أن يؤخذ من جملة هذه المؤكدات، أو المقويات لهذا النص الإجمال ثم التفصيل في قوله: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] فإنه يدل على الاهتمام وجعل ما نزل عليه هو نفس العلم: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ثم بعد ذلك جاء بالتفصيل: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] ففي الأول أجمل اتباع الهوى، ثم بعد ذلك فصل فذكر أخطر صوره وأشد هذه الصور فظاعة أن يكون ذلك من بعد مجيء العلم، فمن يتبع أهواء الُمضلين بعد علمه ليس كالذي يتبع ذلك جهلاً منه وغفلة وليس عنده علم في ذلك.
وتأمل أيضًا قوله: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ [سورة البقرة:145] لم يقل: ولئن اتبعت دينهم، وذلك أن ما هم عليه هي أهواء هي مجرد أهواء، ولذلك قد لا يصح أن يُقال: الديانات السماوية مثلاً غير الإسلام، هذه الديانات المحرفة: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا [سورة آل عمران:67].
وكما سبق في الآيات حيث إن إبراهيم وصى أبناءه ويعقوب وهو إسرائيل وصى أبناءه أيضًا: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [سورة البقرة:132] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [سورة آل عمران:19] وما عداه فهي أهواء، فموسى لم يكن يهوديًّا، وعيسى لم يكن نصرانيًّا، وإنما كانوا على الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء، فالأديان المحرفة لا تُنسب إلى الله، أديان سماوية.
ويمكن أن يُقال هذا قبل التحريف فهذا صحيح؛ لأنها مُنزلة من السماء، أو يمكن أن يُقال الأديان السماوية في أصلها ثم بعد ذلك دخلها ما دخلها من التبديل والتحريف فصارت أهواء، فقال هنا: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ [سورة البقرة:145] فما قال: دينهم؛ لأن ما هم عليه هي مجموعة من الأهواء، وهم يعلمون ذلك، وكل من ترك الحق فهو مُتبع للهوى ولابد: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [سورة الجاثية:23] يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [سورة ص:26] قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وفي المقابل قال في الاهتداء: فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ [سورة سبأ:50].
أيضًا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فجاء هنا بصيغة الجمع أَهْوَاءَهُمْ هنا لأن هؤلاء لهم أهواء لا تتناهى، فاليهود طوائف وفِرق يُكفر بعضها بعضًا كما قال النبي ﷺ: افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فهؤلاء أهواء ولهم أسماء هذه الفرق معروفة من نظر في كتب الأديان وجد فرق اليهود وفرق النصارى، فكل ذلك أهواء.
وإذا نظرت إلى المجموعين يعني اليهود بفرقهم والنصارى بفرقهم فهذان اثنان فجاء بالجمع يمكن أن يكون باعتبار أن أقل الجمع اثنان، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ يعني: الميت فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وهي تُحجب من الثلث إلى السُدس باثنين من الإخوة فأكثر، فعبر بالجمع، وكذلك في قوله -تبارك وتعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [سورة البقرة:197] مع أن الحج شوال وذو القعدة، وعشر من ذي الحج، فيكون ذلك باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو باعتبار جبر الكسر العشر من ذي الحجة فيُجبر ذلك بالشهر كله كما هي طريقة العرب.
ثم أيضًا اقتران الظلم والعدل بالحقائق والأعمال، وما يكون عليه الناس حقيقة، بعيدًا عن الألقاب والأسماء والدعاوى فكل طائفة تدعي أنها على الحق، كل طائفة تدعي أنها على الحق، لكن الواقع أن من خالف الحق فهو مُتبع للهوى وهو ظالم، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فكل من وضع شيئًا في غير موضعه فهو ظالم، هذا أصله في اللغة.
وقائلة ظلمت لكم سقائي |
وهل يخفى على العكد الظليم. |
العكد عصب اللسان، ظلمت لكم سقائي، يعني: ضرب اللبن قبل أوانه قبل أن يروب يكون هذا الضرب في غير موضعه، وهكذا الحفر الذي يكون للقبر في أرض لم يكن ذلك فيها يُقال لها: الحفرة هذه، القبر يُقال لها: مظلومة في لغة العرب مظلومة، وهذا جاء في كلامهم وفي أشعارهم.
فكل من وضع الشيء في غير موضعه فهو ظالم، كل من ترك الحق فهو ظالم، وأعظم ذلك الإشراك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13] ؛ لأنه وضع للعبادة في غير من خلق، ولهذا قال الله لنبيه ﷺ: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فالمسألة ليست مرتبطة بدعاوى يدعيها الإنسان، أو نسبة ينتسب إليها، وإنما هي بلزوم الحق واتباعه والعمل به.
وفي قوله -تبارك وتعالى: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] "ال" هنا هذه "ال" علم، العلم الذي جاءه ما هو؟ هو العلم الشرعي، علم الوحي الذي أوحى الله به إليه فلم يحتاج أن يقيده من بعد ما جاءك من علم الوحي، أو علم الدين، أو علم الشرع، فجاء بهذا الإطلاق فدل على أن العلم إذا أُطلق فهو العلم الشرعي، فهو العلم الأعظم، العلم الأكمل، العلم الأشرف، والباقي يقال لها: علوم، وهي علوم نافعة تتفاوت في نفعها، ولكنها ليست كالعلم بالله، وليست كالعلم بشرعه، وليست كالعلم بالدار التي يصير الناس إليها.
فهذه العلوم حتى العلوم الشرعية تتفاوت في شرفها وفضلها ومكانتها لكن لا شك أن علوم الشريعة أفضل من غيرها من العلوم، فجاء بهذا الإطلاق مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فإذا أُطلق العلم فهذا هو العلم، وأما ما يُعبر به كثيرون بمثل هذه الأوقات يقولون للعلوم التجريبية مثلاً: العلمي، والعلوم الشرعية يقولون لها: الأدبي، فهذه تسمية ليس لها أصل، وليس لها أساس إطلاقًا ولا وجه، يعني: ليس لها وجه أصلاً يعني لا تُبنى على وجه صحيح؛ لأن علوم الفقه، والحديث، والتفسير، والاعتقاد، وما إلى ذلك ليست من الأدب أو الآداب أو العلوم الأدبية أدبي، فما المقصود العلم الأدب يعني الذي هو جزء من علوم اللغة، النحو ليس من الأدب، يعني ليس من علوم الأدب، الأدب يُقال بمنزلة يعني إزاء الخلق وكذا، ليس هو المقصود.
المقصود الأدب، الأدب الذي هو أحد فروع علوم اللغة فتسمية هذه العلوم كلها ما يتعلق بالسلوك الذي يسمونه التربية، أو ما يتعلق بالفقه، والحديث، والتفسير، والعقيدة، وعلوم الآلة مثل: أصول الفقه، والنحو نحو هذا، هذه لا علاقة لها بهذه التسمية الأدب أدبي، فهذه تسمية لا أعلم كيف نشأت وكيف وجدت وهذه المُباينة بين العلم وإطلاق لفظ العلم إذا أُطلق توجه إلى العلوم التجريبية والمادية، فهذا غير صحيح إطلاقًا، بل أول ما يتبادر إذا أُطلق العلم هو العلم بالله، وبكتابه وبسنة رسوله ﷺ وما أشبه ذلك.
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] هذا العلم الذي هو العلم الشرعي جاء فيه الثناء بالنصوص الكثيرة المتكاثرة، لكن فيما يتعلق بالثناء على أهله فكما قال أهل العلم كابن رجب والشاطبي وغير هؤلاء كالحافظ ابن الجوزي قالوا: "كل النصوص الواردة في الثناء على أهل العلم إنما المقصود به أولئك الذين يعملون به، وإلا فإن العلم وحده لا يُحمد صاحبه إذا كان بعيدًا عن العمل، ولهذا ذم الله -تبارك وتعالى- أحبار اليهود، كما قيل: لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله أحبار اليهود، فلابد من العمل: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [سورة آل عمران:79] فالمشتغل بالعلوم الشرعية ينبغي أن يكون ربانيًّا.
ويدل قوله -تبارك وتعالى: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] يدل على أن مؤاخذة من وقع في المخالفة وهو يعلم أشد وأعظم، وهذا فيه تحذير للعلماء الذين يقع منهم المخالفة بعد العلم فليس ذلك كالجُهال، لاسيما أن ذلك يكون فتنة للناس، الناس ينظرون إليه ويقتدون به كما قال بعضهم:
كفوفة الظفر تخفى من حقارتها |
ومثلها في سواد العين مشهور. |
كفوفة الظفر، مثل: الأشياء الوسخ الذي يكون تحت الأظفار تخفى من حقارتها، ومثلها في سواد العين، سواد العين لو وجدت مثل هذه كل الناس يقولون ما بعين، في سواد العين مشهور.
وخطأ العالم المشهور مشهور |
وخطأ الجاهل المغمور مغمور. |
الناس لا ينظرون إلى أخطاء الجاهلين، وإنما ينظرون إلى أخطاء العالم فإذا أخطأ تحدث الناس بهذا وقالوا: انظروا ماذا صنع مع أنه يصنع هذه الصنيع لربما الملايين من العامة لكن لا يلتفتون إليهم.
وكذلك فيه التحذير للأمة من اتباع أهواء أهل الكتاب وترك محاكاة هؤلاء: إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فإذا كان النبي ﷺ يوصف بهذا وحاشاه فإن غيره من باب أولى.
وكذلك في التعبير بقوله: لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] الدخول في جملتهم والواقع أنه أشد مع أن بعض أهل العلم قال: هذا ألطف في الخطاب حيث لم يوجهه للنبي ﷺ فيقول: أنت ظالم إذا اتبعت أهوائهم، وإنما قال: لَمِنَ الظَّالِمِينَ.
وكذلك أيضًا التعريف في الظَّالِمِينَ هذا يدل على أن هذا الوصف الظالمين يعني الذين استحقوا الحالة الأكمل من الظلم لَمِنَ الظَّالِمِينَ الذين قد استوفوا هذا الوصف كأنه قد تحقق فيهم على أكمل وجوهه وصف الظلم لَمِنَ الظَّالِمِينَ فدخول "ال" المعرفة هنا كأنها تُشعر باستجماعهم لهذا الوصف، وأن ذلك قد صار صفة راسخة ثابتة لهم.
وكذلك في صيغة الجمع الظَّالِمِينَ فهذا الظلم هؤلاء الذين يتصفون به كُثر لكن يدخل في جملتهم من كان متصفًا بشيء منه.
وفي الآية أيضًا ما يدل على شدة عناد هؤلاء وتمسكهم، وأنهم لا يتركون باطلهم كما ذكرنا سابقًا.
وكذلك أيضًا النبي ﷺ في مقابل ذلك هو في غاية الثبات على الحق، وأنه أبعد ما يكون عن اتباع هؤلاء، ولم يتجه إلى بيت المقدس؛ لأنه قبلة اليهود وإنما لأن الله أمره بذلك، فلما وجهه إلى الكعبة بعد ذلك توجه إليها فذلك محض العبودية.