السبت 29 / ربيع الآخر / 1446 - 02 / نوفمبر 2024
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَٱسْتَبِقُوا۟ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا۟ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة البقرة:148] قال العوفي عن ابن عباس: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا يعني بذلك: أهل الأديان."القبلة: فِعْلة من المواجهة، وهي بمعنى الجهة، ولكل وجهة يعني: أي جهة هم مستقبلوها، ومتوجهون إليها، على كل حال أي أنهم لا يتبعون قبلتك، ولا أنت ستتبع قبلتهم، لكل وجهة، أي هو متوجه إليها، وموليها وجهه، والضمير في موليها راجع إلى (كل)، هذا الأقرب، والأرجح، وهو الذي عليه كثير من أهل العلم من المفسرين، والمحققين، واختيار الحافظ ابن القيم، وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [سورة البقرة:148] راجع إلى ما سبق من قوله: "كل"، وعلى هذا يكون المعنى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [سورة البقرة:148] أي: متوجه إليها، فكل قوم يتوجهون إلى قبلتهم من أهل الملل، والديانات، فكل ملة تتجه إلى قبلتها، هذا هو المعنى المتبادر، وأما ما قيل من غيره ففيه بعد؛ لأن بعضهم يقول وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [سورة البقرة:148] أن ذلك في أهل الإسلام بحسب مواقعهم من الأرض، وتوجههم إلى الكعبة، فناس في الشمال، وناس في الجنوب، وناس في كذا، فهذا فيه بعد.
ومنهم من يقول: إن الضمير في قوله: "هو" عائد إلى الله مع أنه لم يرد له ذكر، وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا [سورة البقرة:148] أي: أن الله موليهم إياها، وهذا أيضاً فيه إشكال إلا إذا فسر بما ذكرت آنفاً مع أن فيه بعداً، إذا فسر بأنه هو موليها أي: الله موليهم إياها، بمعنى أن ذلك في المسلمين حيث يقعون في أنحاء شتى عن الكعبة، فكل يستقبل القبلة من ناحيته، أما عن القول الذي ذكره بعض أهل العلم من أن المقصود هو موليها أي: الله هو موليهم إياها، والمقصود به أهل الملل، فهذا فيه إشكال، فكيف تكون قبلة أولئك المختلقة الله هو الذي ولاهم إياها؟! فالأقرب أن الضمير "هو" راجع إلى ما سبق من قوله: "كل"، ولكلٍّ يعني من الملل، والنحل، وأهل الديانات، وجهة - جهة - هم مستقبلوها، هو موليها هؤلاء الناس أهل هذه الديانة هم متجهون إليها، وليس الله هو الذي وجههم إليها.
"وهداكم أنتم أيتها الأمة للقبلة التي هي القبلة، وروي عن مجاهد، وعطاء، والضحاك، والربيع ابن أنس، والسدي نحو ذلك، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا [سورة المائدة:48]."لكن على قراءة ابن عامر: "هو مُولاّها" كيف يكون المعنى؟ على ماذا يحمل؟ هل يكون ذلك في أهل الأديان؟ لا، وإنما هو بالنسبة للمسلمين، كما ذكر هذا جمع من أهل العلم، وأحياناً تجدون القول يذكر في التفسير، والواقع أنه منزل على قراءة أخرى، وعلى كل حال ربما فسر بعضهم إحدى القراءتين بالأخرى، يعني مثلاً: "هو موليها" تحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الله، الاحتمال موجود، ربما بعضهم يفسر هذا بالقراءة الأخرى: "مَولاّها" لكنه لا يخلو من إشكال؛ لأن الضمير: في "هو مُولاّها" في القراءة الأخرى يرجع إلى (كل)، ما يمكن أن يرجع إلى الله، "هو مُولاّها" الله مولاها، ما يجئ.
فعلى كل حال القاعدة: أن القراءتين إن كان لكل واحدة معنى يخصها فهما بمنزلة الآيتين، فيكون هذه لها معنى، وهذه لها معنى.
هُوَ مُوَلِّيهَا [سورة البقرة:148] أي: صاحب القبلة متوجه إلى قبلته أياً كانت، "هو مُولاها" على هذه القراءة يكون المعنى أن الله موليه إياها، باعتبار أن ذلك في القبلة الحق، ولهذا بعض أهل العلم يقول: إن ذلك في تعدد القبلة حيث  كان من أمر الله، فسواء توجهتم إلى بيت المقدس، أو توجهتم إلى الكعبة فهذه قبلة، وهذه قبلة، ولكلٍّ وجهة - قبلة - هو مولاها بمعنى أن الله  وجه إلى هذا ووجه إلى هذا، وكله حق حينما وجهكم إليه، وهذا المعنى ليس ببعيد، والآية تحتمل معنى آخر، لكنني لم أقف على أحدٍ ذكره، وهو معنى قريب، - والله تعالى أعلم -.
وفي قوله: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [سورة البقرة:148] ما المناسبة بين ذكر استباق الخيرات، وبين الوجهة؟ يعني يمكن أن يقال: فبادروا إلى امتثال أمر الله ، واستقبال قبلتكم التي وجهكم إليها، والتقرب إلى الله  بهذا الامتثال، وبالصلاة نحوها.. إلى غير ذلك.
قال المفسر - رحمه الله تعالى -: "وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا [سورة المائدة:48]، وقال هاهنا: أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة البقرة:148] أي: هو قادر على جمعكم من الأرض، وإن تفرقت أجسادكم، وأبدانكم."فعرفنا وجه الشبه بين هذه الآية، وبين قوله: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [سورة المائدة:48]، وقوله - تبارك، وتعالى -: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [سورة البقرة:148] أي: سارعوا إلى امتثال أمر الله بالتوجه حيث وجهكم إلى هذه القبلة، ويدخل في عمومها المبادرة إلى الأعمال الصالحة، والمسارعة إلى فعل الطاعات، والتقرب إلى الله   بألوان القربات، وقد أخذ منه بعض أهل العلم المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت أخذاً من عمومها؛ لأنه قال: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [سورة البقرة:148]، ومن الاستباق إلى الخيرات المسارعة إلى الصلاة، وفعلها في أول الوقت، فيدخل فيه المسارعة إلى كل خير.
وقوله: أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [سورة البقرة:148] أي: يجمعكم من سائر الجهات المتفرقة في نواحي الأرض، وذلك في البعث، كما أنكم تتوجهون إلى بيته الحرام من سائر الجهات، فهذا الربط الذي ذكرته بناءً على المناسبة بين خاتمة هذه الآية، وبين موضوعها، الموضوع يتعلق بالقبلة، فالله قال في آخرها: أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا [سورة البقرة:148] أي: أن الله قادر على حشركم، ونشركم، وجمعكم، وإن تفرقتم في أنحاء الأرض، فهو على جمعكم قدير، فكما تتوجهون من سائر الجهات إلى القبلة التي وجهكم إليها فهو أيضاً يجمعكم من سائر الجهات ليوم البعث، والنشور.

مرات الإستماع: 0

"وَلِكُلٍّ أي: لكل أحد، أو لكل طائفة. وِجْهَةٌ أي: جهة، ولم تحذف الواو؛ لأنه ظرف مكان، وقيل: إنه مصدر، وثبت فيه الواو على غير قياس".

 

الوجهة قال: أي الجهة، وهذه (فِعْلة) من المواجهة، وفي معناها: الجهة، والوجه، فالوجه يعني الجهة، تقول: يممت هذا الوجه، أو نحو ذلك، أقصد هذا الوجه، يعني هذه الجهة، والمراد القبلة وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ يعني قبلة، يتوجه إليها، هذا المقصود بالوجهة.

قال: "ولم تحذف الواو لأنه ظرف مكان" يعني لماذا لم يقل: ولكل جهة؟ فيحذف الواو؟ بل قال: وِجْهَةٌ قال: لأنه ظرف مكان، وقيل: إنه مصدر، وثبت فيه الواو على غير قياس، يعني أنه سماعي.

 "هُوَ مُوَلِّيهَا أي: موليها وجهه، وقرئ (مولاها) أي: ولّاه الله إليها، والمعنى: أن الله جعل لكل أمة قبلة".

هنا قال: هُوَ مُوَلِّيهَا (هو) فالضمير يرجع إلى من؟ بعضهم يقول: الضمير راجع إلى كل وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا وهذا الذي اختاره الحافظ ابن القيم - رحمه الله - يعني أنه يتوجه إليها، كل أحد يتجه إلى قبلته هُوَ مُوَلِّيهَا وهو ظاهر السياق، أن المقصود أن هذا المتوجه يتوجه إلى قبلته. 

وبعضهم يقول: هُوَ مُوَلِّيهَا (هو) أي الله، وهذا على هذه القراءة بعيد، فيكون المعنى على هذا: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ يعني قبلة هُوَ أي الله مُوَلِّيهَا يعني موليها إياه، وهذا يحتاج إلى تقدير، والأصل عدم التقدير، وإذا دار الكلام بين الاستقلال، والإضمار، فالأصل الاستقلال، وظاهر السياق لا يساعد على هذا، فيكون قوله: هُوَ مُوَلِّيهَا طيب أهل الإيمان؟ هم أيضًا يتوجهون، بمعنى هُوَ مُوَلِّيهَا يعني بحق، أو بباطل، فيعود الضمير إلى قوله: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ أي المتوجه، صاحب هذه الوجهة مُوَلِّيهَا أي: مستقبل هذه الوجهة بحق، أو بباطل، كل سيستقبل قبلته، قال: مُوَلِّيهَا وجهه، يعني متوجه إليها، ولكل قبلة هو موليها. 

وقال: وقرئ (مولاها) فهنا بُني للمجهول، من الذي وجهه إليها؟ يقول: أي ولاه الله إليها، والمعنى أن الله جعل لكل إمة قبلة، هذه القراءة هي قراءة ابن عامر، والقراءة التي نقرأ بها، هي قراءة الجمهور، يعني مصروف إليها، موجه إليها، ولم يُذكر فاعله.

وكلام ابن جزي - رحمه الله - قال: أي ولاه الله إليها.

لكن الاختلاف الذي بينهم في القبلة المحدثة، هل الله هو الذي وجه النصارى إلى المشرق مثلًا؟ أو وجه اليهود إلى هذا الطور، أو إلى الصخرة؟

طبعًا هو يقصد بـ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا القبلة الحق، يعني أن الله وجهه إليها، باعتبار أن بيت المقدس قبلة صحيحة، ثم نُسخت، لكن هذا لا يخلو من إشكال - والله أعلم -. باعتبار أن هذه القبلة التي يتوجهون إليها أيًا كانت هي قبلة محدثة، حتى على القول بأنها بيت المقدس، فأين هذه من استقبال الصخرة مثلًا؟ أو استقبال المشرق؟ أو استقبال ذلك الجبل لبعض طوائف اليهود؟ فـ(كل) أقوى صيغة من صيغ العموم، فهل هذه الجهات التي يستقبلونها كلها، الله، وجههم إليها؟ لا يخلو ذلك من إشكال.

(ولكل وجهة هو مولَّاها) أي يوليه إياها مولٍ، وهو دينه، أو نظره، أو هواه (هو مولاها) وهذا الذي قاله الطاهر بن عاشور - رحمه الله -[1] يولها إياه المتبوع رؤساؤهم، الذين شرعوا لهم هذه الضلالات، ونحو هذا - والله أعلم -.

لكن لو كان ذلك باعتبار أن الله هو الذي شرّع، ثم نسخ، فهذا يكون: ولكل قبلة وجهة، أو جهة، يوجه، ويصرف إليها (وجهة هو مولاها) أي موجهٌ إليها، لكن إذا قلنا: إن ذلك محدث، فتكون القراءة الثانية بمعنى القراءة الأولى إلا أنه حُذف الفاعل، في القراءة الأولى: مُوَلِّيهَا أي متوجه هو إليها، وفي القراءة الثانية لم يُذكر مَن وجهه، فإن لم يكن ذلك من الله، فمعنى ذلك أنه من قِبَل نفسه، أو من قِبَل كبار أهل ديانته، أو من قِبَل الشيطان، وجههم إليها، وأضلهم عن القبلة الصحيحة - والله أعلم -.

 "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أي بادروا إلى الأعمال الصالحات".

 فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ يعني بادروا أيضًا إلى امتثال ما أمركم الله به من استقبال القبلة، وأخذ منه أيضًا بعض أهل العلم: المبادرة إلى الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها، باعتبار أن الحديث عن القبلة، والقبلة إنما هي في الصلاة وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ يعني بادروا إلى الامتثال فيما أُمرتم به من استقبال القبلة الجديدة، وهي الكعبة، ولما كانت المسألة في تحويل القبلة فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ما هي الخيرات المتعلقة بالقبلة؟ المبادرة إلى الصلاة، فهذا بعض ما يدخل فيه، وإلا فاللفظ عام، وإنما ذكروا ذلك باعتبار السياق، فاستبقوا الخيرات مطلقًا، وبادروا إلى الأعمال الصالحات في وقت الإمكان. 

"يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ أي: يبعثكم من قبوركم".

 أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا أي: يبعثكم من قبوركم، وهذا المعنى ذكر نحوه الحافظ ابن كثير - رحمه الله -[2] لكن الحافظ ابن القيم - رحمه الله - قال: أي يجمعكم من الجهات المختلفة الأقطار، والأماكن المتباينة إلى موقف القيامة، كما تجتمعون من سائر الجهات إلى جهة القبلة، يعني العلاقة في موضوع القبلة، وأَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا أنه مهما تباعدت أقطاركم، وتباينت، فإن الله - تبارك، وتعالى - يجمعكم يوم القيامة، كما تجتمعون من سائر الجهات إلى القبلة، يعني مهما تفرقت بكم الأقطار، فأنتم تجتمعون، وتتوجهون إلى القبلة، فكذلك الله - تبارك، وتعالى - يجمعكم ليوم القيامة، كما تباعدت أقطاركم، وتباينت دياركم، فكما جمعكم إلى وجهة واحدة على تفرقكم في النواحي، فكذلك يجمعكم للقيامة، ذكر هذا، وذكر هذا، وهذا كثير في القرآن، كما سيأتي في قوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197] وهذا له نظائر أيضًا في كلام الله كما في آيات الحج: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة: 203] ذكر الحشر، فهؤلاء الذي يجتمعون في الحج كما في المحشر لكثرتهم، ثم يتفرقون، ولا يجتمعون ثانية، وإنما الذي يجمعهم بعد تفرقهم هو الله - تبارك، وتعالى -؛ لأنهم إذا فارقوا تلك المشاعر لا يمكن أن يجتمعوا مرة أخرى جميعًا، فإن بعضهم لا يرجع إلى الحج، وبعض هؤلاء يموت قبل أن يفارق مكة، وبعضهم يموت في الطريق، وبعضهم يموت في بلده، لا يمكن أن يجتمع نفس العدد في سنة أبدًا، لكن من الذي يجمعهم؟ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ مهما تفرقوا، لا يستطيع أن يجمعهم أحد، ولكن الذي يجمعهم هو الله - تبارك، وتعالى - بالحشر، فذكرهم بالجمع، والحشر بهذه المناسبة، وكذلك هنا لما ذكر توجيههم، وجمعهم إلى قبلة واحدة على اختلاف نواحيهم، ذكر بالأمر الآخر، فهذا الرب - تبارك، وتعالى - قادر على جمعهم ليوم القيامة، على تفرق أقطارهم، وبلدانهم - والله أعلم -. 

  1. التحرير، والتنوير (2/ 43).
  2. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 463).