السبت 29 / ربيع الآخر / 1446 - 02 / نوفمبر 2024
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُۥ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"وقال تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ۝ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [سورة البقرة:149-150] هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض، قيل: إنما ذُكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق، فقال: أولاً: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء [سورة البقرة:144]."يقول: هذا أمر ثالث من الله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:149] يعني أنه كرر ذلك ثالثاً، والقاعدة في هذا الباب: أنه لا تكرار إلا لمعنى، يعني ليس تكراراً محضاً، وإنما في كل موضع يكون هذا التكرار لمعنىً يتعلق به، وسبق الكلام على هذه القضية، ذكرنا في قصص الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - حينما تتكرر قصة موسى - عليه الصلاة، والسلام - في أكثر من موضع هذا ليس تكراراً محضاً فهو يذكر في كلٍّ ما يتعلق بالمناسبة التي من أجلها سيقت هذه القصة، فتارة يذكر منها ما يسلي النبي ﷺ، ويقويه على تحمل الأذى الذي يصيبه من قومه، وتارة يذكرها لبيان فضل الله ، وإنعامه على بني إسرائيل مثلاً، وتارة يذكرها لبيان نقمته، وشديد عقابه، وعظيم سطوته التي لا تطاق، ونكاله بالمجرمين، وتارة يذكر ذلك في سياق بيان فضائل موسى ﷺ إلى غير ذلك.
والآيات التي تتكرر كثيرة، وقد ذكرت لكم من أوضحها قوله - تبارك، وتعالى - في سورة الرحمن: فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [سورة الرحمن:13] ففي كل آية من هذه الآيات هي تتعلق بما ذكر قبلها، وليست تكرراً محضاً.
وكذلك قوله: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [سورة الكافرون:1-2] أي: في الحاضر، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون:3] أي: في الحاضر، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ [سورة الكافرون:] في المستقبل لن أتحول إلى دينكم، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون:5] أي: في المستقبل لن تتحولوا إلى ديني، فالكل على حال، ودين مخالف للآخر، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [سورة الكافرون:6].
وإذا فهمت هذا المعنى سهلتْ عليك أمور كثيرة جداً، بل حتى يسهل عليك الحفظ، يعني مثل سورة الكافرون بعض الطلاب ربما يستصعب حفظها، فإذا أدرك هذا المعنى اتضحت له القضية، رأيت مرة طالباً في الجامعة يقول: هذه السورة لم أتمكن من حفظها، قلت: الأمر سهل، هذه كذا، وهذه كذا، وهذه كذا، وهذه كذا، قال: لأول مرة الآن حفظتها، ولذلك مما يذكر في تسهيل الحفظ هو ربط المعنى خاصة في الآيات المتشابهة، وهذا له كلام - على كل حال - في غير هذا الموضع.
فهذه الآية: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ [سورة البقرة:149] الذي مشى عليه الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا هو بناء على القاعدة التي ذكرتها آنفاً: أن هذا في كل موضع بحسبه، وذكر بعض أهل العلم غير هذا، لكنّ فيه معانِيَ بعيدة، وفيها شيء من التكلف، وبعضهم يقول: هذا كله للتأكيد لأهمية الموضوع، فهو أمر مزلزل لكثير من النفوس، فاحتاج إلى أن يعاد مرة بعد مرة.
والأحسن - والله أعلم - أن يربط كل موضع من هذه المواضع المتكررة بالسياق الذي ذكر فيه، فليس ذلك من التكرار المحض.
وأيهما أحسن أن نقول: هذا للتأكيد أو نقول بأن هذا في كل موضع له معنىً آخر؟ الأحسن الثاني؛ لأن القاعدة أن التأسيس أولى من التأكيد؛ لأن التأسيس يأتينا بمعنى جديد، وأما التأكيد فهو مجرد تكرار ليؤكد فيه المعنى، ولا معنى جديد، إنما هو المعنى الأول يقرره، ويؤكده.
"ولا ريب أنهم أدخلُ في هذا الخطاب منه ﷺ، فتأمل هذه النكت البديعة فلعلك لا تظفر بها في موضع غير هذا -  والله اعلم -.

مرات الإستماع: 0

"فَوَلِّ وَجْهَكَ الأمر كرر للتأكيد، أو ليناط به ما بعده".

"أو ليناط به ما بعده" يعني الحافظ ابن كثير - رحمه الله - [1]: ذكر أن ذلك لتعلقه بما قبله، أو بعده من السياق، يعني لو نظرت في المواضع الثلاثة، التي أمر الله بها بالتوجه إلى بيته الحرام، في هذه الآيات، ثلاث مرات:

ففي المرة الأولى:

كان ذلك إجابة لنبيه ﷺ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ إلى أن قال: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هذا في الأولى.

وفي الثانية:

لما ذكر اعتراض المعترضين، ونحو ذلك، بيّن أن هذا هو الحق، وليس مجرد أيضًا الإجابة إلى ما كان يرغبه النبي ﷺ ويرضاه فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا بيّن أن هذا هو الحق أيضًا عند الله - تبارك، وتعالى -.

وفي الموضع الثالث:

ذكر ذلك في سياق قطع حجة اليهود، والرد عليهم، هذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه اللله - لكن غيره يذكرون أمورًا أخرى في توجيه هذا التكرار، وكونه ذكره ثلاث مرات.

السهيلي مثلًا يقول: بأن قوله: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ لاحظ هنا الخطاب للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعبّر بلفظ الخروج وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ حمله السهيلي هذا الموضع باعتبار أن النبي ﷺ هو الإمام الذي كان يخرج على أصحابه؛ ليصلي بهم، فخاطبه بهذا، وعُبر بلفظ الخروج وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لكن لما خاطبهم جاء بصيغة الجمع، ولم يأت بلفظ الخروج، قال: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فالسهيلي يرى أن الأول للنبي ﷺ والثاني: للأمة، أي في أي موضع كنتم فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وعلل ذلك بإن منهم من لا يُطالب أصلًا بالخروج للصلاة: كالنساء، وأهل الأعذار من المرضى، والزمنى، ونحو ذلك، فهؤلاء حيث صلوا، وكذلك على تباعد النواحي، واختلاف الأقطار، والجهات فـ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ في أي موضع.

لكن الحافظ ابن القيم - رحمه الله - يذكر غير هذا، فهو يرى أن الأول وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ لا يختص بالنبي ﷺ وإن جاء بصيغة الخطاب للمفرد، فإن الأمة تخاطب في شخصه - عليه الصلاة، والسلام - فيقول: هذا يشمل المبدأ، في المخرج إذا خرج إلى الصلاة، إذا خرج في غزو، إذا خرج في حج، إذا خرج في عمرة، في أي حال كان مخرجه، فإنه مأمور أن يتوجه إلى بيت الله الحرام، فهذا له، ولأمته، في كل مخرج، ووجهة، يقصدونها فإنهم يتوجهون إلى ذلك.

وأما قوله: وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ قال: هذا في المنتهى، إذا استقروا، واستوطنوا، أو نزلوا، أو أقاموا في مكان، فالأولى في المخرج، والثانية: حيث أقاموا، فهم مأمورون في كل الحالات، في مخرجهم، وحال إقامتهم، ونزولهم، وبلوغهم إلى مقصودهم فهم مأمورون بالتوجه إلى بيت الله الحرام في كل الحالات هذا حاصل كلام ابن القيم - رحمه الله -.

السهيلي في هذا التكرار، وكونه ثلاث مرات، يذكر بأن ذلك باعتبار أن المعترضين ثلاثة أصناف:

اليهود، والمنافقون، والمشركون.

اليهود: باعتبار النسخ - وهم ينكرون النسخ - قالوا: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة: 142] والمنافقون: كان هذا أول نسخ، فأرجفوا، واضطربوا، والمشركون: باعتبار أنها قبلة إبراهيم - عليه الصلاة، والسلام - قالوا: هو ينتسب إلى إبراهيم فكيف لا يتوجه إلى قبلته؟! فلما توجه إليها طمعوا بموافقتهم، فقالوا: وافقنا في القبلة فلماذا لا يوافقنا في ديننا؟ هذا كلام السهيلي.

لكن الحافظ ابن القيم: يرى أن الأول ابتداء الحكم، تشريع النسخ في تحويله إلى الكعبة، هذه الأولى قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هذا يكون في الأول، الذي هو لتشريع الحكم، ونسخ الاستقبال الأول، ثم أعاده في سياق أن لكل وجهة هو موليها، فلما ذكر أن كل أهل ملة، وطائفة لهم قبلة، أمره أن يتوجه إلى القبلة الصحيحة، التي شرعها الله - تبارك، وتعالى - له، ثم أعاد ذلك فيما بعد لما في ضمنه من حكم، أو معنى، وهو: أنهم يستقبلونها حيث كانوا وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّول وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أنهم في أي موضع كانوا يستقبلون القبلة، هذا كلام الحافظ ابن القيم في سبب هذا التكرار ثلاث مرات، والعلم عند الله .

لكن من أهل العلم كما قال هنا ابن جزي: أن الأمر كُرر للتوكيد، يعني لأهمية القبلة، ولشأنها، وأنها شعار الملة، ولكثرة ما وقع من الاضطراب، والإرجاف بسبب ذلك جاء هذا التأكيد.

فقوله هنا: "أو ليناط به ما بعده" كما سبق في توجيه كلام ابن القيم، يعني بمعنى أن الأول: للنسخ، تشريع استقبال الكعبة، والثاني: ليناط به ما بعده، لما ذكر أن لكل وجهة، فقال: أنتم توجهوا إلى القبلة الصحيحة، والثالث: باعتبار أنهم حيثما كانوا في أي موضع نزلوا، فإنهم يتوجهون إلى الكعبة، هذا معنى "أو ليناط به ما بعده" أي يعلق به، أو ليربط به ما بعده، ولا يوجد في القرآن تكرار محض، وقد ذكرنا هذا في بعض المناسبات، حتى في الآيات التي لربما تتكرر بلفظها: فبأي آلاء فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن: 13، 16، 18، 21، 23، 25، 28، 30، 32، 36، 38، 40، 45، 47، 49، 51، 53، 55، 57، 59، 61، 63، 65، 67، 69، 71، 75، 77] يعني مما ذُكر، ترجع إلى ما قبلها، وكذلك وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات: 15، 19، 24، 28، 34، 37، 40، 45، 47، 49] ترجع إلى التي قبلها، فلا يوجد تكرار محض في القرآن، وهكذا في قصص الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - فإنه يُذكر منها في كل موضع ما يناسب السياق. 

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 463).

مرات الإستماع: 0

ثم قال الله -تبارك وتعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة البقرة:149] ومن أي مكان خرجت الخطاب موجه للنبي ﷺ ولجميع الأمة في سفر وغير ذلك وأردت الصلاة فوجه وجهك نحو المسجد الحرام وهذا هو الحق الثابت من ربك: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة البقرة:149] سيُجازيكم على ذلك.

ويؤخذ من هذه الآية لزوم استقبال القبلة في الفرض في جميع الأحوال في السفر والحضر أيًا كان سواء كان في الطائرة مخرجه: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:149] أو في الباخرة، أو في السيارة، أو في غير ذلك من المراكب فإنه يتوجه إلى المسجد الحرام إلا إذا عجز عن ذلك، أما النافلة فقد دلت السنة كما في حديث ابن عمر وغيره[1] على أن المصلي يتوجه حيث توجهت به راحلته في السفر وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:149] وهذا أمر والأمر للوجوب.

وفي قوله -تبارك وتعالى: وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة البقرة:149] للحق من ربك، يعني: هذا هو الحق الثابت من الله فليست بقبلة مُحدثة.

وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ هذا فيه ما يبعث على مراقبة الله في الأعمال بالإتيان بها على الوجه الأكمل على الوجه الصحيح على تحري القبلة دون تفريط فإنه إذا فرط لا تصح صلاته، وكذلك أيضًا ما يتعلق بأعمال العباد من الصالحات فيُجازيهم عليها؛ لأن الله ليس بغافل عنها، وكذلك ما يقع من الإخلال بشيء من ذلك أو المُخالفات والمعاصي: وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فهذا كله مما يُربي المُراقبة في النفوس، فإذا استحضره المؤمن صار يُراقب ربه في جميع أحواله، وأعماله، ولا يكون في قلبه أدنى التفات إلى غير الله -تبارك وتعالى- فكما يتوجه بوجهه إلى المسجد الحرام يتوجه بقلبه إلى الله دون أن يلتفت إلى أحد سواه يُرائي أو يُسمع أو غير ذلك، فهما وجهتان وجهة المصلي بوجهه حيث يستقبل القبلة، ووجهته بقلبه إلى ربه وفاطره -جل جلاله وتقدست أسماءه فلا يكون فيه أدنى التفات إلى أحد من المخلوقين يُزين العبادة من أجلهم، ونحو ذلك.

وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فيدخل في أعمال القلوب من الإخلاص والنيات والمقاصد، ويدخل فيه أعمال البدن، ويدخل فيه أعمال اللسان، ويدخل فيه التروك، يعني: ما يتركه الإنسان هو من جملة الأفعال كما هو معلوم، وقد مضى الكلام على هذا في مناسبات سابقة.

لئن قعدنا والنبي يعمل فذاك منا العمل المُضلل[2]

فسماه عملاً سمى القعود: كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [سورة المائدة:79] فسماه فعلاً، يعني: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

  1.  أخرجه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب صلاة التطوع على الدابة وحيثما توجهت به، برقم (1093)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر، برقم (701). 
  2. انظر: سيرة ابن هشام ت السقا (1/ 496)، وعيون الأثر (1/ 224)، والسيرة النبوية لابن كثير (2/ 306).