وقوله - سبحانه -: إِلَى نِسَآئِكُمْ عديت بـ"إلى" لتضمنها معنى الفعل، وهي أحسن من تضمنها معنى الحرف؛ لأننا إذا قلنا: إنها تتضمن معنى الحرف كانت بمعنى مع، وإذا تضمنت معنى الفعل صارت بمعنى الإفضاء، والمقصود الإفضاء إلى النساء بالقسط؛ وقد ورد التعدي بإلى في غير موضع كما في قوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [سورة الممتحنة:8] فالمتبادر أن يقول: تقسطوا معهم، لكنه قال: وتقسطوا إليهم، فهنا يقال بالتضيمن، فهو مضمن معنى الإحسان، أو الإفضاء، والبر في الآية بمعنى الإحسان، والقسط بمعنى العدل، وأراد من تضمينه معنى الإفضاء تداخل المصالح في العلاقات التجارية التي تشتركون فيها، في حالة إذا لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، ولم يظاهروا على إخراجكم.
"هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفْع لما كان عليه الأمر في ابتدأ الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل، والشرب، والجماع إلى صلاة العشاء، أو ينام قبل ذلك، فمتى نام، أو صلى العشاء حرم عليه الطعام، والشراب، والجماع إلى الليلة القابلة، فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة".
كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هو جمع بين الآثار الواردة؛ لأن منها ما قيدتْ ذلك بصلاة العشاء، ولم تذكر النوم، فأباحت له الأكل، والشرب حتى صلاة العشاء في الليلة القابلة، ومنها: ما جاء التقييد فيها بالنوم، فإذا نام حرم عليه الطعام، والشراب إلى الفطر في اليوم الثاني، فهو جمع بينهما بقوله: يأكل، ويشرب، ويحل له الجماع إلى العشاء ما لم ينازعه النوم قبل ذلك، فإن نازعه امتنع بعدها عن الأكل، والشرب حتى الليلة القابلة.
"والرفث هنا هو الجماع قاله ابن عباس ، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وطاوس، وسالم بن عبد الله، وعمرو بن دينار، والحسن، وقتادة، والزهري، والضحاك، وإبراهيم النخعي، والسدي، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان".
كثير من السلف على أن الأصل في معنى الرفث أنه أعم من الجماع، وهو كل ما يطلبه الرجل من امرأته من ألوان الاستمتاع، يقال له: رفث، وهو الأصل في كلام العرب، لكن ما المراد به في بعض المواضع، مثل قوله تعالى هنا: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ ؟ [سورة البقرة:187] ظاهر كلام الحافظ ابن كثير، وكثير من السلف أن المقصود الوقاع فقط، فلم يدل دليل على تحريم ما دونه في نهار رمضان على مفهوم المخالفة، وفي قوله - تبارك، وتعالى -: فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [سورة البقرة:197]، المقصود بالرفث هو الجماع، ودواعيه، ومقدماته، حتى الكلام بخصوصه في حضرة النساء يدخل فيه.
"وقوله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [سورة البقرة:187]، قال ابن عباس ، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان: يعني هن سكن لكم، وأنتم سكن لهن.
وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم، وأنتم لحاف لهن، وحاصله أن الرجل، والمرأة كل منهما يخالط الآخر، ويماسه، ويضاجعه، فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان؛ لئلا يشق ذلك عليهم، ويحرجوا".
قوله سبحانه: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ تفسير من فسره بالسكن يعتبر من تفسيره باللازم؛ لأن هذا السكن إنما يحصل بهذه المعاشرة، والمضاجعة.
وقول من قال: هن لحاف لكم، وأنتم لحاف لهن، هذا أشبه ما يكون بالتفسير المطابق؛ والمعنى: أنّ كل واحد منكم ستر لصاحبه - فيما يكون بينكم من الجماع - عن أبصار سائر الناس.
أو كما يقول بعضهم: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ فقال: للامتزاج، الذي يحصل بامتزاج كل منهما بالآخر عند الوقاع، كما يحصل الامتزاج بين الثوب، ولابسه، ومعلوم أن المرأة يقال لها: فراش، ويقال لها أيضاً: إزار، يكنى عن المرأة بالإزار، وبالفراش.
وبعضهم يقول: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ بالنظر إلى تجردهما في لحافٍ واحد، فكل واحد منهما يكون بالنسبة للآخر بمنزلة ما يلبسه على جسده من ثيابه، فهو كناية على هذا الاعتبار عن اجتماعهما متجرديْن في فراش واحد، أو في لحاف واحد، هذا قاله بعض أهل العلم، والثياب يكنى بها عن الجسد، فهو أحد المعاني المذكورة في قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [سورة المدثر:4]، فقد قيل: القلب، والنفس، وقيل: الجسد، وقيل: الثياب الظاهرة تطهر من النجاسات، وهذه المعاني كلها تدخل فيه، -والله أعلم -.
"وقال أبو إسحاق عن البراء بن عازب قال: كان أصحاب النبي ﷺ إذا كان الرجل صائماً فنام قبل أن يفطر، لم يأكل إلى مثلها، وإنّ قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً، وكان يومه ذلك يعمل في أرضه، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام. قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، فغلبته عينه فنام، وجاءت امرأته فلما رأته نائماً قالت: خيبة لك أنمت؟ فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي ﷺ، فنزلت هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ إلى قوله: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ففرحوا بها فرحاً شديداً".
سبب النزول في الآية صريح، ابن كثير نظر إلى هذه الرواية، ونظر إلى الروايات الأخرى التي تذكر ذلك محدوداً بحد، وهو وقت العشاء، فجمع بينها بقوله: يأكل، ويشرب إلى العشاء فقط ما لم يحصل له نوم، فإن حصل النوم امتنع عن الأكل، والشرب، وهذا وجه حسن من الجمع بين الروايات.
"ولفظ البخاري هاهنا من طريق أبي إسحاق سمعت البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ [سورة البقرة:187]".
قوله - سبحانه -: تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ الخيانة المقصود بها الخروج عن الطاعة، والوقوع في المعصية، والمعنى أنكم تفعلون ما نهاكم عنه.
وقوله - سبحانه -: فَتَابَ عَلَيْكُمْ لها نظائر في القرآن الكريم، ويحتمل أن المراد بها قبول التوبة؛ لأن بعضهم كان يختان نفسه فالله وفقهم للتوبة فندموا عليها، ولذا جاء عمر إلى النبي ﷺ يخبره بما وقع له، وهو نادم، فجعل ندمهم توبة لهم، وعليه فيكون معنى قوله: فَتَابَ عَلَيْكُمْ أي: قبل توبتكم.
ويحتمل أن يكون فَتَابَ عَلَيْكُمْ بمعنى خفف عنكم، ورخص لكم هذا التكليف الشاق على نفوسكم، كما جاء في قوله تعالى: عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ [سورة المزمل:20] ففي أحد الوجوه في تفسيرها خفف عنكم في قيام الليل، وكذا الكفارة للقتل الخطأ يقول سبحانه: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ [سورة النساء:92] يحتمل أن يكون توبة صادرة من المتعدي، أو توبة من الله على العبد، فيكون ذلك تخفيفاً من الله على عباده، والمعنى تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ أي: تخفيفاً عليهم حيث قبل منهم الصيام، وشرعه لهم؛ والقاتل خطأ ليس عليه ذنب حتى يقال يتوب، فالتوبة صادرة من الرب؛ لأن العبد ما صدر منه معصية.
"وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء، والطعام إلى مثلها من القابلة، ثم إن أناساً من المسلمين أصابوا من النساء، والطعام في شهر رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب ، فشكوا ذلك إلى رسول الله ﷺ، فأنزل الله تعالى: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ... الآية [سورة البقرة:187]، وكذا روى العوفي عن ابن عباس".
قوله سبحانه: وَعَفَا عَنكُمْ قد يراد به العفو عن الذنب أي: عفا عن إساءتكم، ويحتمل أن يكون العفو هنا بمعنى خفف عنكم، أو وسع لكم، وتاب عليكم فلا يكون ذلك مختصاً بتجاوز من وقع منه الإساءة فحسب، بل تشمل مجموع الأمة، فنسخ هذا الحكم الذي شق عليكم تخفيفاً عنكم، وتوسيعاً لكم، والآية تحتمل الأمرين، ولا شك أن إسقاط الحكم عنهم هو من سعة عفوه - سبحانه، وتعالى -، وهولاء الذين وقعوا في الإساءة داخلون في هذا دخولاً أولياً؛ لأنهم سبب نزول الآية، - والله أعلم بالصواب -.
فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ أصل المباشرة من ملاقاة البشرة للبشرة، ويكنى بذلك عن الوقاع، ويدخل فيه أيضاً ما دون الجماع كمقدماته، ودواعيه، وقد ثبت أن النبي ﷺ كان يباشر، ويقبل وهو صائم، ويقصدون بها ما دون الوقاع من الأمور المباحة للزوج، لكن لعل المراد من المباشرة في الآية الجماع، وما دونه، فهو شامل للأمرين بناء على الأصل، وهو حل مثل هذه المحظورات للصائم ما دام قد دخل عليه وقت الإباحة استشهاداً بقوله سبحانه: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ أي: بعد غروب الشمس، ودخول وقت الفطر للصائم حتى طلوع الفجر الصادق.
"وقوله تعالى: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ [سورة البقرة:187] قال أبو هريرة، وابن عباس، وأنس ، وشريح القاضي، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، والربيع بن أنس، والسدي، وزيد بن أسلم، والحكم بن عتيبة، ومقاتل بن حيان، والحسن البصري، والضحاك، وقتادة، وغيرهم: يعني الولد".
إذا فسرنا المراد من قوله: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ بأنه الولد الذي هو نتيجة للجماع، فيحتمل أن يكون ذلك من قبيل التفسير باللازم؛ لأنه يبيح لهم الوقاع ليلة الصيام الذي هو سبب الولد، وهذا قول بعض السلف، ومن السلف من فهم غير هذا فلا يُخطَّأ، لكن من قال: إنه بمعنى الولد، طلب الولد، قد لا يسَّلم له بأن ذلك من قبيل التفسير باللازم؛ لأن دلالة الآية تحتمل أكثر من وجه، - والله أعلم بالصواب -.
"وقال قتادة: وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم، وقال سعيد عن قتادة: وابتغوا ما كتب الله لكم، يقول: ما أحل الله لكم".
اختلف المفسرون في المراد بقوله سبحانه: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ على أقوال:
أنها بمعنى الرخصة، أي: ابتغوا الرخصة التي وسع بها عليكم كما جاء في الحديث: إن الله يحب أن تؤتى رخصه[1]، وقيل: ما أحل لكم، وهو معنى مقارب جداً للرخصة، وهذا يسمى خلاف التنوع، وليس ذلك من خلاف التضاد في شيء، وبعضهم يقول: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ يعني القرآن بما أبيح لكم فيه، فالقرآن تتلقون منه التشريع، فهو يخاطبكم، ويقول لكم: إن ذلك قد أبيح بعد أن كان محرماً عليكم، فابتغوا ما كتب الله لكم، واطلبوه لتتعرفوا على الحلال، والحرام؛ لأنه مصدر التشريع.
وقيل: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ يعني الإماء، والزوجات.
وقيل: المراد به ليلة القدر، ويلاحظ هذا التباين الكبير بين هذه الأقوال، ولكن توجيه ذلك ينحل به الإشكال، فالقائلون بأن المقصود من لفظ الآية ليلة القدر وجهوا قولهم بأن الله أحل لهم الجماع في ليالي الصيام، ثم نبههم، ولفت أنظارهم إلى ما لا ينبغي أن يشغلهم عنه هذا الوقاع الذي وسع الله به عليهم، وأحله لهم عن التماس ليلة القدر، التي هي في أحد ليالي هذا الشهر، ولابن القيم - رحمه الله - جمع جيد بين هذه الأقوال مفاده: أن الله لما خفف عنهم بإباحة الجماع، وكان المجامع دافعه إلى ذلك الشهوة، وتلبية الغريزة، أرشدهم إلى طلب مرضاته بهذا الوطر وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ، يعني يحتسبون في ذلك الأجر عند الله، ويطلبون به العفاف، والولد؛ ليكون نتيجة هذا الجماع إنسان يقيم العبودية لله ، فهذا الولد يخرج ليعبد ربه - تبارك، وتعالى -، ويطلبون الرخصة لأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، ولا يشغلهم هذا الوقاع عن التماس ليلة القدر، وطلبها، وهذا من أجمل، وأجود ما يكون من الجمع بين الأقوال التي يتوهم الإنسان لأول وهلة أنها في غاية التنافر، والتباعد، وأما ابن جرير - رحمه الله - فإنه يحمله على معنى قريب، يقول: وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ في اللوح المحفوظ من هذه الرخص من ولدٍ، وتوسعة، وجماع، فأدخل فيه هذه المعاني لكن بهذه الطريقة، والتوجيه الذي ذكره ابن القيم أحسن من هذا، وأقرب، - والعلم عند الله -.
فائدة: التحقيق في اسم قيس بن صرمة، وواقعة سبب نزول الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ إلى قوله: وَكُلُواْ، وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ.
" وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الإصابة: صرمة بن مالك الأنصاري ذكره ابن شاهين، وابن قانع في الصحابة، وأخرج من طريق هشيم بن حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بسنده، ثم ساق سبب النزول الذي ذكر سابقاً، وفيه صرمة بن مالك، ويقال: إن القصة، وقعت لصرمة بن أنس أخرج ذلك هشام بن عمار في فوائده، بسنده عن القاسم بن محمد ثم ذكر بالنزول، وقال فيه: صرمة بن أنس، قال: وفيه إسحاق بن أبي فروة، وهو متروك.
وأخرج الطبري من طريق حماد بن سلمة بسنده إلى يحيى بن حبان أن صرمة بن أنس، ثم ذكر سبب النزول.
وأخرج الطبري من طريق السدي، وذكر سبب النزول، وفيه أبو قيس بن صرمة، ووقع في صحيح البخاري أن الذي وقع له ذلك قيس بن صرمة، أخرجه من طريق البراء بن عازب، ووقع عند أبي داود من هذا الوجه صرمة بن قيس، وفي روية النسائي أبو قيس بن عمرو.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: فإن حمل هذا الاختلاف على تعدد أسماء وقع لهم ذلك، وإلا فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد، فإنه قيل فيه: صرمة بن قيس، وصرمة بن مالك، وصرمة بن أنس، وقيل فيه: قيس بن صرمة، وأبو قيس بن صرمة، وأبو قيس بن عمرو، فيمكن أن يقال: إن كان اسمه صرمة بن قيس فمن قال فيه: قيس بن صرمة قلبه، وإن كان اسمه صرمة فكنيته أبو قيس، أو العكس، وأما أبوه فاسمه قيس، وصرمة على ما تقرر من القلب، فكنيته أي - كنية أبيه -، فكنيته أبو أنس، ومن قال فيه: أنس حذف أداة الكنية، ومن قال فيه: ابن مالك نسبه إلى جده، - والعلم عند الله تعالى -.
وقال الحافظ ابن عبد البر في "الاستيعاب": صرمة بن أنس، صرمة بن أبي أنس، اسم أبي أنس صرمة بن مالك بن عدي بن عامر بن غن بن عدي بن النجار الأنصاري، يكنى أبا قيس، غلبت عليه كنيته، وربما قال فيه بعضهم: صرمة بن مالك، فنسبه إلى جده، وهو الذي نزلت بسببه، وفي عمر، ثم ذكر الآيات - هذا، والله أعلم -.
وقوله تعالى: وَكُلُواْ، وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة:187].
"أباح تعالى الأكل، والشرب مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصبح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله: مِنَ الْفَجْرِ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري عن سهل بن سعد قال: أنزلت وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ، ولم ينزل من الفجر، وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض، والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد مِنَ الْفَجْرِ، فعلموا أنما يعني الليل، والنهار[2]".
فقوله - تبارك، وتعالى -: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أي: يتميز لكم بياض الصبح من سواد الليل، وذلك بظهور الفجر الصادق الذي ينتشر في السماء، وينبلج، ولا يزال يزداد حتى تطلع الشمس.
ويستنبط من رواية البخاري عن سهل بن سعد فوائد كثيرة، أهمها فائدتان:
الأولى: أن ذلك وقع لجماعة حيث ربطوا خيطاً أبيض، وخيطاً أسود.
والثانية: أن قوله: مِنَ الْفَجْرِ لم تنزل مع الآية ابتداءً، وإنما نزلت متأخرة، وهذان الأمران أبلغ جواب في الرد على من قال: إن النبي ﷺ قصد بقوله: إن وسادك لعريض القفا[3]، والوساد هو المخدة، وهذا الكلام كناية عن الوصف بالغباوة إذا فهم هذا الفهم، وفعل هذا الفعل، ومثله في الحديث: إنك لعريض القفا[4]، وهو مؤخرة الرأس، وعرضه عنوان الغباوة في المرء قصد عدي بن حاتم ، لما جعل تحت وسادته خيطين أسود، وأبيض، فكان يأكل، ويشرب، وينظر إليهما، فقال له النبي ﷺ ذلك؛ لأن هذا أولاً: لم يقع لعدي ، وإنما وقع لجماعة كما ورد في هذه الرواية من الحديث.
ثانياً: أن قوله: مِنَ الْفَجْرِ لم تنزل إلا متأخرة فلم يدركوا أن المراد من الخيط الأبيض، والخيط الأسود هو الفجر الصادق، والفجر الكاذب، فحملوا الخطاب على ظاهره، فلما تبين لهم من لفظة مِنَ الْفَجْرِ أحجموا عن صنيعهم هذا.
إضافة إلى أن الصحابة من أكمل الناس عقلاً، وعدي بن حاتم كان سيداً عظيماً من سادات قومه، وأخلاق النبي ﷺ تأبى أن يقول ذلك لرجل من أدنى أصحابه فضلاً عن أن يقوله لرجل من سادات العرب، وكبرائهم، وإذا كان الرجل لا يقول ذلك لصاحبه تخلقاً، وتأدباً فما بالك بالبني ﷺ الذي هو أكمل الناس خلقاً - عليه الصلاة، والسلام -، فهذا بعض ما يجاب به عن ذلك الكلام الذي يقرأ كثيراً في شروح الحديث، وفي الكلام أحياناً على مسألة الصيام.
"وروى البخاري عن الشعبي عن عدي قال: أخذ عدي عقالاً أبيض، وعقالاً أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال: يا رسول الله ﷺ جعلت تحت وسادتي، قال: إن وسادك إذاً لعريض إن كان الخيط الأبيض، والأسود تحت وسادتك[5]".هذا جواب أصرح من الرواية الأخرى في الجواب على من زعم أن المقصود في الحديث عدي بن حاتم؛ لأنه قال: إن وسادك لعريض إن كان، باعتبار أن الوسادة تضمن بياض الصبح، وسواد الليل.
ويؤخذ من الآية أن الصائم يعذر، ولا يؤمر بالقضاء إذا أكل، وشرب جاهلاً، وقد طلع الفجر، وهذا واضح من دلالة الحديث، وهذا له صور كثيرة جداً في قضايا مختلفة، مثل حديث معاوية بن أبي الحكم السلمي لما تكلم في الصلاة، فلم يأمره النبي ﷺ بالقضاء، وحديث المسيء صلاته ما أمره النبي ﷺ إلا بقضاء الصلاة التي في الوقت، حيث علمه أن صلاته هذه لا تصح، ولا تجزئ، وقصة حمنة عندما كانت تستحاض فتترك الصلاة، والصيام سبع سنين ما أمرها النبي ﷺ بالقضاء، إلى غير ذلك من أمور كثيرة جداً، وأدلة يؤخذ منها هذا الحكم.
"وجاء في بعض الألفاظ إنك لعريض القفا، ففسره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيف، بل يرجع إلى هذا؛ لأنه إذا كان وساده عريضاً فقفاه أيضاً عريض، - والله أعلم -.
ويفسره رواية البخاري أيضاً عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله ﷺ ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال: إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين، ثم قال: لا، بل هو سواد الليل، وبياض النهار [6].
وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر دليل على استحباب السحور؛ لأنه من باب الرخصة، والأخذ بها محبوب؛ ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ بالحث على السحور، ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: تسحروا فإن في السحور بركة[7].
وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: إن فصل ما بين صيامنا، وصيام أهل الكتاب أكلة السحر[8].
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: السحور أكله بركة، فلا تدعوه، ولو أن أحدكم تجرع جرعة ماء فإن الله، وملائكته يصلون على المتسحرين[9].
وقد، ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة من ماء تشبها بالآكلين".
الحافظ ابن كثير - رحمه الله - استخرج من إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر الدليل على استحباب السحور، فمن أين مستخرج الاستحباب؟
يطرق الأصوليون مسألة موجب الأمر بعد الحظر إلى ما يرجع الحكم فيه؟ فيقولون: يرجع الحكم إلى ما كان يفيده قبل الحظر، فالأكل، والشرب كان مباحاً ابتداء ليلة الصيام بعد العشاء، وبعد النوم، لينزل بعده الحكم بالتحريم في الحالين، ثم جاء الأمر في الآية: وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا [سورة البقرة:187]، والأمر يأتي للإباحة، ويأتي للاستحباب، ويأتي للوجوب، والأصل أنه للوجوب إلا لصارف، وعندنا قرينة صرفت الأمر من الوجوب في الآية إلى ما كان عليه قبل ذلك من الإباحة، فصار الأكل، والشرب في ليلة الصيام، وبعد النوم مباحاً، وفي المقابل، وجدت نصوص أخرى تدل على طلب الشارع، ومحبته للأكل، والشرب في وقت السحر، فصار مقوياً للأمر من مجرد الإباحة إلى الاستحباب، وعليه فقوله - سبحانه: وَكُلُواْ وَاشْرَبُوا يؤخذ منه استحباب الأكل، والشرب في وقت السحور، إذ إن في وقت السحر عندنا قدراً زائداً من الأدلة يمكن أن نفهم على ضوئها هذا الأمر بالأكل، والشرب فيها، كحديث: إن الله، وملائكته يصلون على المتسحرين، وحديث: فصل ما بين صيامنا، وصيام أهل الكتاب أكلة السحور، ومثله: تسحروا فإن في السحور بركة إلى غير ذلك من الأدلة..، فمن مجموع هذه الأمور أخذ استحباب أكلة السحور من قوله - سبحانه -: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة:187]، - والله أعلم -.
"ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر كما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع رسول الله ﷺ ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد كم كان بين الأذان، والسحور. قال: قدر خمسين آية.[10]"
المستحب في السحور تأخيره إلى وقت طلوع الفجر كما جاء عن أبي ذر أن النبي ﷺ قال: لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور[11]، وهنا تحديد للمقدار بين الأذان، والسحور قال: قدر خمسين آية، فإذا كان المؤذن يؤذن الأذان الثاني عند طلوع الفجر، والأول قبل ذلك، فالوقت بينهما يسير، وقد جاء في المقنع أنه قدر ما ينزل هذا، ويصعد هذا، والمقصود تقليل مدة الوقت، فيأكلون في ذلك الوقت الذي هو آخر أجزاء الليل، ومن آخر أجزاء الليل، وعلى هذا تحمل مثل هذه الروايات.
وأما النصوص الأخرى الواردة عن بعض الصحابة كأبي بكر، وجماعة من كبار الصحابة، بما يشعر ظاهره أنهم كانوا يأكلون بعد طلوع الفجر وقت الإسفار، أو قريباً منه، فمثل هذه النصوص مشكلة في ظاهرها، ومحملها، ومعناها، إلا أنّ لأهل العلم محاملَ، وتأويلاتٍ في ذلك، والأفضل التعامل معها وفق ما قرره الإمام الشاطبي - رحمه الله - في كتابه "الموافقات" حيث جعل قاعدة في التعامل مع النصوص، ومحورها إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: النصوص الجادة حيث تتوارد النصوص، وتتضافر على معنى من المعاني، فهذا يعمل به، ولا إشكال فيه.
النوع الثاني: أن تتضافر النصوص، وتتوارد في معنى، ويوجد في النادر ما ظاهره يخالف ذلك، فيعمل به على الجادة، والأصل الذي تضافرت فيه النصوص.
القسم الثالث: ما وردت فيه النصوص متضافرة تقرر معنى، ووجد قليل يخالف ذلك، فهذا إن ظهر له محمل حمل عليه، وإن لم يظهر له محمل فإنه يعمل بالأصل الذي تتابعت النصوص على تقريره.
القسم الرابع: أن يوجد أدلة كثيرة تدل على معنى، ويوجد أدلة أخرى كثيرة تخالفها، فمثل هذه يجمع بين هذه الروايات، وينظر أنه كان يفعل هذا أحياناً، أو كان ذلك على وجه كذا، ونحو ذلك.
القسم الخامس: ما وردت فيه الأدلة في كذا، وكذا، فمثل هذا لا تطرح الأدلة الأخرى، وينظر فيها، فمسألة الأكل، والشرب بعد الإسفار، وعند الإسفار، ونحو هذا، نرجع فيها إلى الأصل المحكم الثابت، وهو قوله سبحانه: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة:187]، ولا نتتبع أشياء أخرى تخالف هذا الأصل.
ومثل هذه القضية ما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص في قصة الرجل الذي قال فيه النبي ﷺ: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ،... فلما قام النبي ﷺ تبعه عبد الله بن عمرو إلى بيته فقال له: "إني لاحيت أبي، فآليت أن لا أدخل عليه ثلاثاً،.. " ثم أخبره بعد مضي الثلاث أنه لم تكن بينه، وبين أبيه أي ملاحاة، أنما أراد أن ينظر في صنيعه، وعبادته..." القصة، فالشاهد هل يصح أن نجوّز الكذب للمصلحة، حيث لا ضرر، ونقررها قاعدة للناس، ونستدل بهذا الدليل؟ الجواب لا؛ لأننا سنترك الأدلة الكثيرة المخالفة، والمتضافرة في الكتاب، والسنة على تحريم الكذب، ووسْمه بأنه ثلث النفاق، وأما صنيع عبد الله بن عمرو فهو لاعتبارات معينة فهم ذلك، وتأول، ولسنا متعبدين بما أقدم عليه، فهذه القواعد التي أرساها الإمام الشاطبي عظيمة، لو تحاكمنا إليها عند ورود مثل هذه الإشكالات.
"وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر، روي مثل هذا عن أبي بكر ، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت أجمعين، وعن طائفة كثيرة من التابعين منهم محمد بن علي بن الحسين، وأبو مجلز، وإبراهيم النخعي، وأبو الضحى، وأبو وائل، وغيره من أصحاب ابن مسعود، وعطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإليه ذهب الأعمش، ومعمر بن راشد، وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد، - ولله الحمد -".
ابن جرير الطبري أورد في تفسيره روايات عن جمع من الصحابة، والتابعين في جواز السحور عند مقاربة الفجر، بل ووقْت رؤيتهم له، وبعد طلوعه، إلا أن ابن كثير حملها على تسامحهم في السحور في هذا الوقت، لكن مثل هذا لا يُترك فيه المحكمات، ويُلجأ إلى مثل هذه المشكلات، ولا يفهم إنسان هذا الفهم فيصدق عليه قول الشاعر:
ألقاك فهمك في مهاون | فليتك ثم ليتك ما فهمت |
وروى الإمام أحمد عن قيس بن طلق عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: ليس الفجر المستطيل في الأفق، ولكن المعترض الأحمر[13]".
يشير في الحديث إلى الفرق بين الفجرين الصادق، والكاذب، وكلام الفقهاء أن الفجر الكاذب كذنب سرحان أي: كذنب الذئب حيث يكون ضوؤه إلى أعلى، ويكون مستطيلاً، وأما الفجر الصادق فيكون معترضاً، ومنبلجاً، ويزيد إضاءةً، أما ذاك فيختفي.
"ورواه أبو داود، والترمذي، ولفظهما كلوا، واشربوا، ولا يَهِيدَنَّكم الساطع المُصعَد، فكلوا، واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر[14].
وروى ابن جرير عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله ﷺ: لا يغرنكم أذان بلال، ولا هذا البياض - لعمود الصبح - حتى يستطير[15].
ورواه مسلم في صحيحه مثله سواء.
مسألة: ومن جعْلِه - تعالى - الفجر غاية لإباحة الجماع، والطعام، والشراب لمن أراد الصيام، يُستدل على أنه من أصبح جنباً فليغتسل، وليتم صومه، ولا حرج عليه، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور العلماء سلفاً، وخلفاً".
هذا النوع من الاستنباط يعرف عند الأصوليين بدلالة الإشارة، والراجح أن دلالة الإشارة من أنواع المنطوق، لكنه المنطوق غير الصريح؛ لأن المنطوق ينقسم إلى قسمين:
- منطوق صريح.
- منطوق غير صحيح.
فهي من المنطوق غير الصريح، ويعرفه الأصوليون بأنه: إشارة اللفظ لما لم يكن القصد له قد علما.
ودلالة الإشارة تارة تكون بنص واحد، وتارة تكون بالجمع بين الدليلين، فمثل الأول ما جاء في قوله سبحانه: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ إذ المعنى أنه يجوز للرجل أن يجامع إلى آخر جزء من الليل حتى بعد طلوع الفجر، وهذا يدل على جواز أن يصبح الإنسان جنباً، لكن الآية ما سيقت لتقرير هذا المعنى، ولذلك سميت دلالة الإشارة.
وتارة بدليلين مثل قوله سبحانه: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [سورة الأحقاف:15] مع قوله سبحانه: وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [سورة لقمان:14]، فالعامان أربعة، وعشرون شهراً، فإذا وضعتَ أربعة، وعشرين من ثلاثين يبقى ستة شهور هي مدة الحمل؛ لأنه إذا ثبت كون مدة الرضاع حولين من ثلاثين شهراً، بقي ستة أشهر فتكون هي مدة الحمل ضرورة أخذاً من مجموع الدليل، فهذه أيضاً دلالة إشارة، مع أنه ما سيق أحد الدليلين لتقرير أقل مدة الحمل، ودلالة الإشارة عند الأصوليين غير دلالة الإشارة عند المفسرين، وعند الصوفية، - والله أعلم -.
"وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور العلماء سلفاً، وخلفاً لما رواه البخاري، ومسلم من حديث عائشة، وأم سلمة - ا - أنهما قالتا: كان رسول الله ﷺ يصبح جنباً من جماع غير احتلام، ثم يغتسل، ويصوم[16].
وفي حديث أم سلمة عندهما، ثم لا يفطر، ولا يقضي.
وفي صحيح مسلم عن عائشة - ا - أن رجلاً قال: يا رسول الله تدركني الصلاة، وأنا جنب فأصوم؟ فقال رسول الله ﷺ: وأنا تدركني الصلاة، وأنا جنب فأصوم فقال: لست مثلنا يا رسول الله ﷺ فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي[17]".
وهذا التأخر من النبي ﷺ لا يمكن أن يكون وقع على وجه التساهل، والتفريط؛ لأنه مشرِّع، وأتقى الأمة لله.
"وقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة:187] يقتضي الإفطار عند غروب الشمس حكماً شرعياً كما جاء في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ﷺ: إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم[18]، وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله ﷺ: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر أخرجاه[19].
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ يقول الله : إن أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً، ورواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب[20]."
قوله - تبارك، وتعالى -: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة:187] لما كانت "إلى" تدل على الغاية، وأنها في بعض صورها يكون المغيا خارجاً عما قبله كما في هذا المثال فإن الليل بهذا الاعتبار ليس محلاً للصوم فلا يقول قائل: إنه لا يتحقق صيام النهار إلا بصيام جزء من الليل فإن هذا يذكرونه من باب ما لا يتم الواجب إلا به لكن لا شك أن الجميع يوافق على أن وقت الصوم هو النهار إلى آخر جزء منه، أي: إلى غروب الشمس فقط، وهذا الذي دلت عليه هذه الغاية، وهذا الاستنباط الذي أشار إليه الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -، والحديث الذي ذكره كقوله ﷺ: إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم[21]، يحتمل أنه يكون معنى أفطر الصائم أي: قد حل فطره، ويحتمل أن يكون معناه قد أفطر حقيقة، أو حكماً، ومعنى أفطر حكماً أي أنه صار في حكم المفطرين شاء أم أبى، والكلام في مسألة الصيام في الليل - الوصال - معروف.
"ولهذا، ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال: وهو أن يصل يوماً بيوم، ولا يأكل بينهما شيئا روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تواصلوا قالوا: يا رسول الله إنك تواصل قال: فإني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي، ويسقيني[22]."
قوله: يطعمني ربي، ويسقيني : على الأرجح من أقوال أهل العلم، وهو الذي يقتضيه الحال أنه ليس معنى ذلك الطعام، والشراب الحقيقي، وإلا لم يكن صائماً بهذا الاعتبار، وإنما المقصود ما يحصل له من الكفاية عن الطعام، والشراب بلذة المناجاة، والقرب من الله ، وما أشبه ذلك من المعاني، وهذا هو الذي ذكره المحققون، وهو أمر ليس بمستغرب فالنبي ﷺ قال: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، والشراب فإن الله يطعمهم، ويسقيهم[23]، ولذلك تجد المريض ربما يبقى اليوم، واليومين لا يطعم، ومع ذلك لا يجد أثر الجوع كما أنه يحصل للإنسان من الإعانة في وقت الصوم ما لا يحصل له في غيره إذا كان صحيح القصد، والنية.
أما ترون أن الإنسان إن كان صائماً ينتصف عليه النهار، بل يذهب معظمه، وهو لا يجد أثر الجوع في كثير من الأحيان؟ وإذا كان مفطراً فلا يكاد ينتصف عليه النهار إلا وهو في غاية الجوع حتى إن أطرافه ربما ترتعش؟ وإذا كان صائماً لا يلتفت إلى شيء من هذا فالإنسان يعان على الصيام، وأحوال الناس في هذا في غاية التفاوت، والمقصود أن الإنسان ربما يحصل له شيء من هذه المعاني، ولا شك أن ذلك دون رسول الله ﷺ بمراحل لكن المقصود الدلالة على أصل المعنى، وتقريبه.
حكم الوصال:
الذي تدل عليه ظواهر النصوص بمجموعها أن النبي ﷺ لم يعزم عليهم في النهي عن الوصال، وإنما نهاهم عنه رفقاًَ بهم، وشفقة عليهم، وقد كان بعض الصحابة يواصل بل نقل عن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل خمسة عشر يوماً، والحافظ ابن حجر - رحمه الله - يقول كلاماً معناه: أطول من حفظنا عنه في الوصال ما جاء عن ابن الزبير أنه كان يواصل عشرة أيام متواصلة، وكان يواصل هذا الوصال في الوقت الذي كان محاصراً في المسجد الحرام، وكان يخرج على الكتيبة بمفرده فيفلها حتى ربما بلغ بهم الحَجُون، ولا يقف أحد في وجهه مع أنه كان يواصل هذا الوصال العظيم حتى إنه سئل مرة كيف تطيق هذا؟ فذكر أنه يشرب الوَدَك، ومعلوم أن الوَدَك إذا شربه الإنسان فإنه لا يهضم بسهولة؛ لكثافته، وكثرة ما فيه من الدهون.
"قال: فإني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي، ويسقيني قال: فلم ينتهوا عن الوصال فواصل بهم النبي ﷺ يومين، وليلتين، ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم، وأخرجاه في الصحيحين[24]، وقد ثبت النهي عنه من غير وجه، وثبت أنه من خصائص النبي ﷺ، وأنه كان يقوى على ذلك، ويعان."
يعني أن النبي ﷺ كان يتقرب إلى الله بهذا، فهو بالنسبة إليه من مراتب الكمال، وأما الأمة فهي غير مطالبة بذلك، وإنما تجشمه من تجشمه من الصحابة لفرط رغبتهم في مزيد من التقرب، والعبادة لكن لا يقال: إن الأمة مطالبة بهذا، وتندب إليه كما أنه لا يقال: إنه حرام.
"والأظهر أن ذلك الطعام، والشراب في حقه إنما كان معنوياً لا حسياً، وإلا فلا يكون مواصلاً مع الحسي، وأما من أحب أن يمسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك كما في حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: لا تُواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقيني أخرجاه في الصحيحين أيضا[25]."
الأصل أن نهي النبي ﷺ بقوله: لا تُواصِلوا للتحريم، ولكن الصحابة لم يفهموا هذا من مقتضى الحال، وإنما فهموا أنه نهاهم عنه شفقة عليهم، وإلا لم يواصلوا معه ﷺ، ولم يقرهم هو على هذا؛ لأنه لا يقر - عليه الصلاة، والسلام - على باطل، والصحابة لا يمكن أن يتقربوا إلى الله بمعصية رسوله ﷺ فالأصل أن النهي للتحريم ما لم يوجد له صارف.
"وقوله تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ، وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [سورة البقرة:187] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان، أو في غير رمضان."
الاعتكاف معروف، وأصله بمعنى الملازمة، وطول المكث كما قال تعالى عن إبراهيم : إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [سورة الأنبياء:52] تقول: فلان عاكف على كذا بمعنى أنه يطيل المكث معه، أو عنده؛ ولذلك كان الاعتكاف هو ملازمة المسجد على سبيل القربة على وجه مخصوص، أو بشرطه، أو نحو ذلك من العبارات التي تقرب معناه.
والأرجح أن الاعتكاف لا يحد بيوم، وليلة إذ لا دليل على ذلك، وغاية ما يستدلون به كما هو معروف سؤال عمر للنبي ﷺ أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، وقالوا: الليلة إذا ذكرت عند العرب فمعها اليوم فنقول: ما الحكم فيما إذا كان قد سأل النبي ﷺ عن الاعتكاف ثماني عشرة ساعة؟
فأظن أن الوسط في هذه المسألة هو بين قول هؤلاء، وقول الحنفية الذين قالوا: يصح أن يكون الاعتكاف، ولو بوقت يسير، ولذلك فإنهم إذا أرادوا دخول المسجد للصلاة قالوا: انووا الاعتكاف، والصواب أن هذا لا يعتبر اعتكافا، ولا يقال لهذا الإنسان: إنه معتكف، وإنما الاعتكاف هو المكث الطويل، والأحسن لمن أراد أن يعتكف ألا يقل اعتكافه عن يوم، وليلة.
ومسألة هل يدخل المعتكف المسجد من قبل غروب الشمس، أو قبيل الغروب، أو مع الغروب، أو يدخل بعد طلوع الفجر، أو مع الفجر على الحديث الوارد أنه دخل معتكفه بعد أن صلى الفجر - عليه الصلاة، والسلام -[26] كل هذا ليس محله هنا.
"فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلاً، أو نهاراً حتى يقضي اعتكافه، وقال الضحّاك: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء فقال الله تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [سورة البقرة:187]، أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد، ولا في غيره."
يقول ابن عباس: فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلاً، أو نهاراً حتى يقضي اعتكافه هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان، أو في غيره؛ فالاعتكاف لا يختص برمضان، وإن كان النبي ﷺ اعتكف في رمضان فالمقصود أن الله حرم على المعتكف أن ينكح النساء ليلاً، أو نهاراً؛ لأن الوطء من مفسدات الاعتكاف.
قال الضحّاك: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [سورة البقرة:187] هذه الرواية لها حكم المرسل، وبالتالي لا يعتمد عليها بأنه كان جائزاً في أول الأمر أن المعتكف يخرج لحاجته، وفيمكن أن يواقع في هذا الخروج.
قال الله تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ : أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد، ولا في غيره. يقصد إن اعتكفتم في المسجد فلا تباشروهن في المساجد، ولا في غير المسجد، فالوطء في المسجد لا يجوز بكل حال سواء كان الشخص معتكفاً، أو غير معتكف فالمساجد ما بينت لهذا، وكذلك لا يجوز للمعتكف أن يجامع أهله، ولو في خارج المسجد ما دام معتكفاً..
"أي لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد، ولا في غيره، وكذا قال مجاهد، وقتادة، وغير واحد أنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية."
قوله: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ: أصله من مس البشرة فهل المنهي عنه هو المس مطلقاً، أو على سبيل الاستمتاع، والمقصود به معنىً أخص من ذلك، وهو الجماع؟
أما مجرد اللمس فهذا ليس له وجه إطلاقاً في قوله: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد، وأما القول بأن المراد به النهي عن جميع أنواع الاستمتاع فهذا هو الظاهر، - والله تعالى أعلم -، وأما الجماع فهو داخل قطعاً، وبعض أهل العلم يحرم الجماع، ويبيح ألوان الاستمتاع الأخرى إلا أن المعتكف في الأصل معرض عن هذا كله، ومشتغل بالإقبال على الله ، فهو ليس بصدد قضاء، وطره، ولذاته إذ حال المعتكف على النقيض من هذا.
والعلماء رحمهم الله في مسألة الاعتكاف تكلموا عن أمور أخرى كالقراءة في الفقه - مثلاً - هل يشتغل به المرء، وهو معتكف أم لا؟ فكيف يقال له: اذهب لمباشرة أهلك دون الجماع! فهناك فرق بين الاعتكاف، وبين الصوم فالصائم له أن يباشر، وهو صائم لكن الاعتكاف انقطاع إلى الله فهو بمنأى عن هذا، - والله أعلم -.
ومما يدل على أن اللمس المطلق ليس داخلاً في المنهي عنه للمعتكف أن النبي ﷺ كان في معتكفه يخرج رأسه لعائشة - ا - فترجله[27]، وبالتالي فمثل هذا لا إشكال فيه.
"قال ابن أبي حاتم: روي عن ابن مسعود، ومحمد بن كعب، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وقتادة، والضحّاك، والسدّي، والربيع بن أنس، ومقاتل قالوا: لا يقربها، وهو معتكف."
لا يقربها، وهو معتكف يعني لا بجماع، ولا بما دونه من وجوه الالتذاذ، والاستمتاع، وهذا المعنى نقل عليه الحافظ ابن عبد البر الإجماع، وإن كان قد وجد من يقول بجواز التقبيل، ونحو ذلك إلا أنه قول ضعيف.
"وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفاً في مسجده، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يتلبث فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك من قضاء الغائط، والأكل.
وليس له أن يقبل امرأته، ولا أن يضمها إليه، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه، ولا يعود المريض لكن يسأل عنه، وهو مارٌّ في طريقه، وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابه، وقد ذكرنا قطعة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام، ولله الحمد، والمنة."
جاء عن بعض السلف كعائشة - ا - فيما يتعلق بالمريض أنها كانت إذا دخلت سألت دون أن تقف فالمقصود أنه لا يتلبث في شيء من هذه الأمور دون حاجته الأصلية، ويكون ذلك بقدر الإمكان بمعنى أنه إذا كان يستطيع أن يأكل في محل قريب من معتكفه فلا يذهب إلى بيته البعيد، وإذا كان لا يجد، أو لا يصلح لمثله أن يأكل في الشارع، أو في الساحة، أو نحو ذلك، أو لا يلائمه هذا، وإنما يحتاج إلى نوع خاص من الطعام فيذهب، وكذلك إذا كان يجد مكاناً قريباً يغتسل فيه، أو نحو ذلك؛ فلا يذهب إلى المكان البعيد أما أنه يذهب ليأكل، ثم يشتري في الطريق أغراضا ليست ضرورية كعطر، أو أشياء من هذا القبيل مما يتوسع فيها الناس، ويتساهلون كأن يذهب ليشحن الجوال، أو يعِد صاحبه في مكان في الساحة، أو نحوها فيخرج إليه فمثل هذا ليس خروجاً للحاجة الأساسية، وهذه الأمور تضييع لمعنى الاعتكاف المشروع.
ومن تضييع معنى الاعتكاف أنك تجد عشرين، أو ثلاثين شخصاً يعتكفون معا بحيث يجدون من الأنس، والانبساط، والضحك، والقيل، والقال في المسجد الحرام، أو في المسجد النبوي ما لا يجدونه في بيوتهم فمثل هذا اعتكاف صوري، وليس حقيقيا؛ إذ لم يشرع الاعتكاف من أجل هذا إطلاقاً، وإذا كان الذي يصلي ليس له من صلاته إلا نصفها إلا ربعها..الخ فإن قضية الاعتكاف مثل ذلك.
فالاعتكاف لا يؤدي إلى الثمرة المرجوة إلا بأن يجمع المعتكف بين حبس النفس عن الطعام، والشراب في الصوم، وبين حبسها عما ألفت عليه من الخلطة - لا سيما عند من يشترط الصوم للاعتكاف - بحيث يكون منقطعاً فإذا حصل له هذا، وهذا حصل له المعنى الذي من أجله شرع الاعتكاف لذلك من أراد أن يعتكف فليعتكف لوحده، وإن كان ولا بد من رفيق فليكن مع شخص واحد من الجادين بحيث يكون مقبلاً على مصحفه، وذكر ربه، ودعائه لا يشغله رفيقه بالكلام، والقيل، والقال.
"ولهذا كان الفقهاء المصنفون يتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف اقتداء بالقرآن العظيم فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم."
كذلك لا سيما أن النبي ﷺ اعتكف في رمضان فناسب ذكره بعده، والأمر الآخر: أن كثيراً من أهل العلم يقولون: إن الاعتكاف من شرطه الصوم فلا يصح من غير صوم، وهذه المسألة ليست محل اتفاق لكن على كل حال هذا وجه ذكر الاعتكاف بعد الصوم، وليس الحديث الآن عن الاعتكاف.
"وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد، وتنبيه على الاعتكاف في الصيام، أو في آخر شهر الصيام."
هذا مثلُ ما سبق أنه ذكر قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [سورة البقرة:186] بين آيات الصوم فاستنبط منها العلماء معنى، وهو أن للصائم دعوة مستجابة فالدعاء في حال الصوم له مزية، وبالتالي ذكرت آية الدعاء بين آيات الصيام.
"وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد، وتنبيه على الاعتكاف في الصيام، أو في آخر شهر الصيام كما في السنة عن رسول الله ﷺ أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده، أخرجاه من حديث عائشة أم المؤمنين - ا -[28]."
قوله: ثم اعتكف أزواجه من بعده هذا يدل على أن الاعتكاف مشروع للمرأة كالرجل مع أن النبي ﷺ في حياته لما رأى تلك الحصر التي أعدتها زوجاته في المسجد للاعتكاف قال: آلبر تردن[29]، وأمر بهتكها، وإزالتها، ورفعها؛ والسبب أنه وإن كانت النساء شقائق الرجال، ولكن الاعتكاف ليس أفضل للمرأة من أن تبقى في بيتها، وهذا الكلام لا يعجب النساء إطلاقاً، ولكنه هو الحق الذي لا مرية فيه قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [سورة الأحزاب:33]، والأحاديث واضحة في أن مكان المرأة بيتها بل في أبعد مكان في بيتها، وصلاتها فيه أفضل من صلاتها في مسجد حيها، وصلاتها في مسجد حيها أفضل من صلاتها في المسجد الجامع، وصلاتها في المسجد الجامع خير من صلاتها في مسجد رسول الله ﷺ، وخلفه فالأحاديث الواردة في هذا معروفة فكيف الحال إذا كان خروجها لتكون بائعة في الصيدلية، أو المستلزمات النسائية تتجول في السوق، أو غير ذلك؟
ولقد أصبحت قضية خروج المرأة مشكلة، بل حتى قضية اعتكاف المرأة صارت مشكلة إذ ربما وصل العدد في بعض المساجد - غير المسجد الحرام، والمسجد النبوي - إلى ثمانين معتكفة، بل وأكثر من ذلك، وإذا تسامعت النساء بهذا ستأتي أعداد أضعاف هذا العدد، وقضية خروج المرأة منه ما هو إسلامي، أو خروج تحت راية الشيطان بحيث تكون أجيرة عند الآخرين، وهكذا تستغل المرأة بأنها شقيقة الرجل، وأنها نصف المجتمع، ولا يطير المجتمع إلا بجناحين اثنين، ولا بد أن تعطى فرصة، وغير ذلك من الدعوات التي تصدقها المرأة، فأعداء الإسلام يريدون أن يخرجوا المرأة من حصنها الحصين في غاية التبرج عبر الوسائل المختلفة من قيادة السيارة إلى المشاركة السياسية إلى التمثيليات فلا يكفي أن تقف المرأة عند ما يناسبها من الأعمال بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، والله المستعان.
"وفي الصحيح أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي ﷺ، وهو معتكف في المسجد فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لترجع إلى منزلها، وكان ذلك ليلاً، فقام النبي ﷺ ليمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كانا ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، وفي رواية: تواريا أي حياءً من النبي ﷺ لكون أهله معه فقال لهما النبي ﷺ: على رسلكما إنها صفية بنت حيي أي لا تسرعا، واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال ﷺ: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا، أو قال: شراً [30].
قال الشافعي - رحمه الله -: أراد أن يُعلم أمته التبري من التهمة في محلها؛ لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى لله من أن يظنا بالنبي ﷺ شيئاً، - والله أعلم -."
أي أن النبي ﷺ بهذا الجواب يشرِّع لأمته، ويؤدبهم بهذا الأدب، وهو أن لا يجعل الإنسان نفسه في موضع ريبة، فإن كان في مقام ربما يرتاب فيه أحد بيّن له الحال؛ ليدفع عن نفسه التهمة؛ لأن الإنسان قد لا يلام إذا حكم بالظاهر، ومما يدل على ذلك أنه لما بركت ناقة النبي ﷺ في قصة الحديبية قال بعض الصحابة: خَلأت القصواء فأعلمهم أن ذلك ليس لها بخُلُق، وأن الذي حبسها إنما هو حابس الفيل فلم ينكر عليهم قولهم ذلك، ولم يقل لهم: استعجلتم بحكمكم هذا، وكيف تحكمون بالظاهر، وإنما بيّن لهم معنى آخر فالمقصود أن الإنسان يدفع عن نفسه التهمة، ولا يجعل نفسه في موضع ريبة، ثم ينتظر من الآخرين أن يحسنوا الظن به.
"ثم المراد بالمباشرة إنما هو الجماع، ودواعيه من تقبيل، ومعانقة، ونحو ذلك فأما معاطاة الشيء، ونحوه فلا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة - ا - أنها قالت: كان رسول الله ﷺ يدني إليَّ رأسه فأرجله، وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان قالت عائشة - ا -: ولقد كان المريض يكون في البيت فلا أسأل عنه إلا وأنا مارة[31].
وقول تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ [سورة البقرة:187] أي هذا الذي بيّناه، وفرضناه، وحددناه من الصيام، وأحكامه، وما أبحنا فيه، وما حرمنا، وذكرنا غاياته، ورخصه، وعزائمه حدود الله."
الحد: أصله من المنع، وقيل له ذلك؛ لأنه يمنع غيره من الدخول فيه نقول: هذا الحد، والزم هذا الحد، والزم حدك، ونحو ذلك، وربما قيل للحدود التي تقام على أصحاب بعض الذنوب - الحدود الشرعية - حدود؛ لأنها تمنع مَن واقَعَ شيئاً من هذه الذنوب أن يعود إليها، فهي تردعه، وتمنع الآخرين أيضاً من الدخول في شيء من ذلك، - والله أعلم -.
"أي شرعها الله، وبيّنها بنفسه فلا تقربوها: أي لا تجاوزوها، وتتعدوها."
قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ [سورة البقرة:187] أي هي تلك التي شرعها في أحكام الصوم، والاعتكاف، وأنه لا يباشر أهله من هو معتكف في المسجد فهذه حدود الله فلا يقول الإنسان: أنا معتكف تطوعاً فأريد أن أتوسع في هذا الاعتكاف، فيرتكب شيئاً، وأشياء مما يخل بالاعتكاف، ويبطله، ومثل هذا الشعور يوجد أحياناً عند الإنسان فيكون مسيئاً باعتكافه هذا متعدياً فيه حدود الله ، ولو بغير المباشرة كأن يذهب ليتعشى في شقته مثلاً فينبسط في الحديث، ويطيل المكث فهذا الأمر لا يسوغ بل ربما بطل اعتكافه بسبب ذلك المكث الطويل، وبسبب الخروج المتكرر من غير ضرورة بأن يخرج مرة لحاجة إنسان، ومرة ليتعشى، ومرة يخرج ليأتى بالجوال، ومرة يخرج ليشتري أشياء كمالية ليست ضرورية يريد أن يدخلها معه - فالله المستعان -.
مسألة الاشتراط في الاعتكاف:
مسألة الاشتراط في الاعتكاف مسألة ينبغي التحرز، والاحتياط فيها أما أن يقول: أشترط أن أخرج للحاجة الفلانية، ثم يخرج - مثلاً - من الحرم إلى جدة من أجل معاملة تجارية حان وقتها، وهو معتكف فيذهب يتم معاملته، ثم يرجع إلى معتكفه، فأي اعتكاف هذا، وأي اشتراط؟!!
وتجد معتكفاً آخر يشترط الزيارات للمرضى، وزيارات لطلاب العلم ليلقي عليهم درسا، ونحو ذلك، وهذا كثير فهذا لا ينبغي، وعلى الإنسان أن يحتاط لهذا الأمر؛ فقد لا يجد دليلاً يسعفه في مثل هذه القضايا.
"وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني هذه الحدود الأربعة، ويقرأ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ [سورة البقرة:187] حتى بلغ: ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة:187] قال: وكان أبي، وغيره من مشيختنا يقولون هذا، ويتلونه علينا.
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ [سورة البقرة:187]: أي كما بيّن الصيام، وأحكامه، وشرائعه، وتفاصيله، كذلك يبيّن سائر الأحكام على لسان عبده، ورسوله محمد ﷺ.
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [سورة البقرة:187] أي يعرفون كيف يهتدون، وكيف يطيعون كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ [سورة الحديد:9]."
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [سورة البقرة:187] بالنسبة لـ"لعل" تحتمل المعنيين من التعليل، ومعنى الترجي، وأما التقوى هنا أي يتقون ما حرم الله عليهم فهذه حدود الله فلا يواقعوا شيئاً من ذلك، وبمعنى أنهم إن كانوا مراعين لحدود الله فإن ذلك يكون سبباً لتحقيق التقوى، وبين المعنيين ملازمة لا تخفى، - والله أعلم -.
- رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (5866) (2/108)، وصححه الألباني في صحيح، وضعيف الجامع الصغير برقم (2766).
- رواه البخاري في كتاب الصوم - باب قول الله تعالى: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ [سورة البقرة: 187] برقم (1818) (2/677)، ورواه مسلم في كتاب الصيام - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك برقم (1091) (2/767).
- رواه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة البقرة، برقم (4239) (4/1640).
- رواه البخاري في كتاب التفسير - باب تفسير سورة البقرة برقم (4240) (4/1640).
- سبق تخريجه برقم (2).
- سبق تخريجه.
- رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب وقت الفجر برقم (1823) (2/678)، ومسلم في كتاب الصيام - باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر، برقم (1095) (2/770).
- رواه مسلم في كتاب الصيام - باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر برقم (1096) (2/770).
- رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (11101) (3/12)، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أبي رفاعة.
- رواه البخاري في كتاب الصوم - باب قدر كم بين السحور، وصلاة الفجر برقم (1821) (2/678)، ورواه مسلم في كتاب الصيام - باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر برقم (1097) (2/771)
- رواه أحمد في مسنده برقم (213580) (5/147)، وضعف إسناده شعيب الأرنؤوط.
- أخرجه البخاري في كتاب الأذان - باب الأذان قبل الفجر (596) (ج 1 / ص 224)، ومسلم في كتاب الصيام - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل، وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك (1093) (ج 2 / ص 768).
- رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (16334) (4/23)، وحسنه شعيب الأرنؤوط.
- رواه الترمذي برقم (705) (3/85)، وأبو داود برقم (2348) (1/717)، وحسنه الألباني في صحيح، وضعيف الجامع الصغير برقم (8635).
- رواه مسلم في كتاب الصيام - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل برقم (1094) (2/769).
- رواه البخاري في كتاب الصوم - باب اغتسال الصائم برقم (1830) (2/681)، ورواه مسلم في كتاب الصيام - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر، وهو جنب برقم (1109) (2/779).
- رواه مسلم في كتاب الصيام - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر، وهو جنب برقم (1110) (2/781).
- أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب متى يحل فطر الصائم (1853) (ج 2 / ص 691)، ومسلم في كتاب الصيام - باب بيان وقت انقضاء الصوم، وخروج النهار (1100) (ج 2 / ص 772).
- أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب تعجيل الإفطار (1856) (ج 2 / ص 692)، ومسلم في كتاب الصيام - باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر (1098) (ج 2 / ص 771).
- أخرجه الترمذي في كتاب الصوم - باب ما جاء في تعجيل الإفطار (700) (ج 3 / ص 83)، وأحمد (ج 2 / ص 237)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (4041).
- سبق تخريجه.
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب، والسنة - باب ما يكره من التعمق، والتنازع في العلم، والغلو في الدين، والبدع (6869) (ج 6 / ص 2661)، ومسلم في كتاب الصيام - باب النهي عن الوصال في الصوم (1103) (ج 2 / ص 774).، وأحمد (ج 2 / ص 281).
- أخرجه الترمذي في كتاب الطب - باب ما جاء: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام، والشراب (2040) (ج 4 / ص 384)، وابن ماجه في كتاب الطب - باب لا تكرهوا المريض على الطعام (3444) (ج 2 / ص 1140)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7439).
- سبق تخريجه في الحاشية رقم (5).
- أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري في كتاب الصوم - باب الوصال، ومن قال ليس في الليل صيام (1862) (ج 2 / ص 693)، واللفظ للبخاري، ومسلم عن عائشة في كتاب الصيام - باب النهي عن الوصال في الصوم (1105) (ج 2 / ص 776)، ولفظه: نهاهم النبي ﷺ عن الوصال رحمة لهم فقالوا إنك تواصل قال: ((إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي، ويسقيني)).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف - باب الاعتكاف في شوال (1936) (ج 2 / ص 718)، ومسلم في كتاب الاعتكاف - باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (1172) (ج 2 / ص 830).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف - باب الحائض ترجل المعتكف(1924) (ج 2 / ص 714)، ومسلم في كتاب الحيض - باب جواز غسل رأس زوجها، وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن فيه (297) (ج 1 / ص 244).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف - باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها (1922) (ج 2 / ص 713)، ومسلم في كتاب الاعتكاف - باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (1172) (ج 2 / ص 830).
- أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف - باب الأخبية في المسجد (1929) (ج 2 / ص 715)، ومسلم في كتاب الاعتكاف - باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (1172) (ج 2 / ص 830)، واللفظ لمسلم.
- أخرجه البخاري في كتاب الخمس - باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ﷺ، وما نسب من البيوت إليهن (2934) (ج 3 / ص 1130)، ومسلم في كتاب السلام - باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة، وكانت زوجته، ومحرما له أن يقول هذه فلانة ليدفع ظن السوء به (2175) (ج 4 / ص 1712).
- أخرجه مسلم في كتاب الحيض - باب جواز غسل رأس زوجها، وترجيله، وطهارة سؤرها، والاتكاء في حجرها، وقراءة القرآن فيه (297) (ج 1 / ص 244).