الجمعة 23 / ربيع الأوّل / 1446 - 27 / سبتمبر 2024
وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَلَا عُدْوَٰنَ إِلَّا عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"ثم أمر الله بقتال الكفار: حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ [سورة البقرة:193]، أي شرك، قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع، ومقاتل بن حيان، والسدي، وزيد بن أسلم.
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ [سورة البقرة:193]: أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله[1]، وفي الصحيحين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله[2].
وقوله تعالى: فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193] يقول تعالى: فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك، وقتال المؤمنين فكفوا عنهم، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم، ولا عدوان إلا على الظالمين، وهذا معنى قول مجاهد: ألا يقاتل إلا من قاتل، أو يكون تقديره فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم، وهو: الشرك، فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة، والمقاتلة."

ذكر ههنا معنيين في قوله: فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193]: الأول: فَإِنِ انتَهَواْ يعني إن انتهوا عما أوجب قتالهم فإن قتالهم في هذه الحالة ظلم؛ حيث قال: فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193]: يعني قاتلوهم إلى هذه الغاية حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ [سورة البقرة:193]، فإن حصل منهم كف عن الشرك فلا يجوز لأحد أن يقاتلهم، فمن قاتلهم فهو ظالم معتدٍ.
والمعنى الثاني: فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193]: يعني أنكم مأمورون بالكف عنهم إلا من تعدى، وظلم منهم، من حصل منه عدوان، وظلم فإنه يكف ظلمه، وعدوانه، وربما كان هذا هو الأقرب، والمتبادر، والمناسب للسياق، - والله أعلم -.
"والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة، والمقاتلة كقوله: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [سورة البقرة:194]، وقوله: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [سورة الشورى:40]، وقوله: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ [سورة النحل:126]."
قوله: فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ: هؤلاء المسلمون يقاتلون المشركين بحق، ومع ذلك سمى هذا الفعل عدواناً، فكيف سماه عدواناً؟ بعض أهل العلم يقول: هذا من قبيل المشاكلة، وهي نوع من المجاز عند كثير من أهل اللغة، فقوله: فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193]، قال: لأنهم اعتدوا سمي القصاص منهم بالاسم الذي استوجبوا به هذا القصاص، ومثل ذلك قوله تعالى: فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [سورة البقرة:194]، مع أن فعل هذا الإنسان الذي يكف الشر، والعدوان لا يكون معتدياًً بالمعنى المعروف، أي أن صاحبه متعدّ ظالم، وإنما هو يقوم بالعدل، لكن سماه عدواناً في مقابل فعلهم، كما قال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [سورة الشورى:40]، فهذا المقتص فعله ليس سيئة.
وعلى كل حال بغض النظر عن نوع هذه التسمية هل هي من قبيل المشاكلة، أو لا، فإننا إذا أردنا أن نفحص هذه الألفاظ في مثل قوله: فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193]، نجد أن هذا الإنسان له حق، وله حد، وله حرمة، فإن حصل منه تجاوز فإن ذلك الحق يسقط، وحرمة دمه إن كان قد أصاب دماً حراماً ترتفع، فيجوز أن ينال منه بقدر ما فعل، فبهذا الاعتبار يمكن أن يقال له: عدوان، لكنه عدوان بحق.
قوله: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [سورة الشورى:40]، السيئة إنما سميت سيئة؛ لأنها تسوء صاحبها، هي مما يُستاء منه، فمن أساء لقي ما يسوءه، وليس معنى ذلك أن من صدر منه عقوبة للمسيء فإن ذلك يكون سيئة في حظه، وميزانه عند الله ، فليس هذا هو المراد، ولكن المراد أن هذا الفعل الذي صدر منه بالنسبة إلى ذلك المعاقب يعتبر سيئة، أي أنه يسوء ذلك المعتدي، - والله أعلم -.
"ولهذا قال عكرمة، وقتادة: الظالم الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله، وروى البخاري تحت قوله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ [سورة البقرة:193] الآية.."
هذا يمكن أن يكون، وجهاً ثالثاً، فالأول: لا عدوان إلا على من اعتدى على هؤلاء الذين كفوا عن الكفر، والثاني: فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193] أي: لا عدوان إلا على من حصل تجاوز منهم، وظلم، والثالث: فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193] أي إلا على الكافرين، فهؤلاء قد تركوا الكفر فإذن قتالهم ليس عدواناً عليهم؛ لأن النبي ﷺ يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحق الإسلام[3].
"عن نافع عن ابن عمر قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا:.."
بعض العلماء يسمونها فتنة ابن الزبير، ونجد هذا أيضاً في كلام ابن كثير، وجماعة، وهم يقولون: فتنة ابن الزبير مع أن ابن الزبير صارت له الحجاز، والعراق، وخراسان، ومصر، ولم يبق لبني أمية إلا الشام فقط، حتى إنه لما مات يزيد جاء قائد الجيش الذي كان يحاصر ابن الزبير في مكة من أهل الشام، واسمه إبراهيم، وذلك قبل الحجاج، جاء، وطلب ابن الزبير، وجلس معه، وقال له: معي، وجوه الناس، وأشرافهم، لا يختلف عليك رجل واحد منهم، وأنت أحق بهذا الأمر، لكنه طلب منه أمراً، وهو أن يعاهدهم على العفو، ولا يحصل قتل لأحد، ولا أخذ لأحد منهم، وإن كانوا قد حاصروا الكعبة، ووضعوا المنجنيق على جبل أبي قبيس، وتخرقت الكعبة، فالمقصود أنه طلب منه أن يكف عنهم على أن يبايع له أهل الشام الذين بقوا فقط، فأبى ابن الزبير أن يعطيه شيئاً، فغضب الرجل، وتكلم بكلام لا يليق في حق ابن الزبير، وذهب، ثم إن مروان أيضاً كان يرى أن ابن الزبير أحق منه بمسافة، فليس هناك مقارنة بين مروان، وبين ابن الزبير، وأراد أن يخرج من دمشق، ويترك الأمر لابن الزبير فهو أحق منه بهذا، فجاء بعض من كلمه، وأغراه أن يأخذ الخلافة فرجع، ولم يمكث طويلاً حتى مات، ثم جاء عبد الملك، وحصل ما حصل.
"عن ابن عمر قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير، فقالا: إن الناس قد ضيعوا، وأنت ابن عمر، وصاحب النبي ﷺ."
هم يسمونها فتنة ابن الزبير؛ لأن الأمر لم يستقر له.
"فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، قالا: أولم يقل الله: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ [سورة البقرة:193]، فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله."
أي أنه كان يقول له: يا ابن عمر إن الناس يتقاتلون، وتوجد مفاسد عظيمة حيث إن الأمة تفرقت، وكذا، وكذا، وأنت أحق الناس بالخلافة ممن جعلهم عمر بعده، وهو فعلاً كان بمنزلة يستحق معها الخلافة بعد أبيه، فهو في مقياس عمر، ومع ذلك لما تأخر الزمان، وحصل ما حصل كانوا يقولون له: هذا وقتك، أنت أحق بهذا الأمر، والله يقول: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ [سورة البقرة:193]، والآن الأمة تعيش في فتنة تمزق، ولا يوجد أحد يدانيك فأبى ذلك.
"وزاد عثمان بن صالح: أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً، وتعتمر عاماً، وتترك الجهاد في سبيل الله ، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ فقال: "يا ابن أخي بني الإسلام على خمس الإيمان بالله، ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت"، قالوا: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [سورة الحجرات:9]، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ [سورة البقرة:193]، قال: فعلنا على عهد رسول الله ﷺ، وكان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه، أو عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، قال: فما قولك في علي، وعثمان؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن يعفوا عنه، وأما علي فابن عم رسول الله ﷺ، وختنه، وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون."
قوله: أما عثمان فكان الله عفا عنه، أي عفا عنه الله حيث يقول النبي ﷺ عنه: ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم[4]، يعني بعدما جهز جيش العسرة.
وقوله: وأما علي فابن عم رسول الله ﷺ، وختنه، يعني زوج ابنته.
وهذا الجواب الذي أجاب به ابن عمر جواب في غاية الاعتدال، والصواب، فهؤلاء دخلوا في هذه المشكلات، فهم يريدون من الآخرين إما أن يكونوا معنا، أو ضدنا، فكانوا يمتحنون الناس بهؤلاء الأشخاص، فابن عمر قال: هؤلاء كلهم من أهل الفضل، والصلاح، والخير، والإمامة في الدين، ولا نقول فيهم إلا خيراً، أي أنه لا يلزمنا إذا أحببنا هذا أن نعادي الآخر، ولكن النفوس إذا تصحرت، واعتلجت الفتنة في قلوب الكثيرين لا يحتملون هذا، ولا يفهمونه، فتجد الواحد منهم إما أن يحب هذا حباً غالياً، ويبغض الآخر بغضاً متناهياً، أو العكس، ولذلك تجد أن مثل هؤلاء يقع منهم السب، والشتم، واللعن، بل ربما، وصل الأمر إلى حد الرمي بالكفر، فالخوارج كفروا علياًٍ، وكفروا أهل الشام، وكثير من أهل الشام كانوا يلعنون علياً ، ومن معه من جيش أهل العراق، ويدعون عليهم في القنوت، وأهل الشام، وأهل العراق كانوا أيضاً يقنتون على الطائفة الأخرى، ووجدت فرقة جديدة أيضاً غير الخوارج، والشيعة، وهذه الفرقة هي أقرب ما تكون بالفرقة السياسية، وهي الناصبة، وهذه الفرقة انتهت بذهاب دولة بني أمية.
فالمقصود أن مثل هذه الردود، والأجوبة كجواب ابن عمر هي التي تكون لأهل الدين، والتجرد من الهوى، ممن لم ينغمس في فتنة. 
  1. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد – باب: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ [سورة الصافات:171] (7020) (ج 6 / ص 2714)، ومسلم في كتاب الإمارة - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (1904) (ج 3 / ص 1512).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، والسير - باب دعاء النبي صلى الله عليه، وسلم إلى الإسلام، والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله (2786) (ج 3 / ص 1077)، ومسلم في كتاب الإيمان - باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه، وسلم، وأن من فعل ذلك عصم نفسه، وماله إلا بحقها، ووكلت سريرته إلى الله تعالى، وقتالِ من منع الزكاة، أو غيرها من حقوق الإسلام، واهتمام الإمام بشعائر الإسلام (21) (ج 1 / ص 52).
  3. سبق تخريجه.
  4. أخرجه الترمذي في كتاب المناقب - باب في مناقب عثمان بن عفان (3701) (ج 5 / ص 626)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2920). 

مرات الإستماع: 0

"لا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي: لا يبقى دين كفر".

قوله: لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ يعني كفر؛ وهذا قال به جماعة من السلف؛ ويحتمل أن يكون فتنة يعني فَتْن الناس عن الدين، بمعنى المصدر، لكن بحيث لا يبقى كفر، وهذا الذي جاء عن ابن عباس - ا - وأبي العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، والسدي، وزيد بن أسلم[1].

حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ هذا غاية للقتال، حتى يكون دين الإسلام ظاهرًا على سائر الأديان، وهؤلاء الكفار مما يؤخذ منه الجزية إذا أعطوا الجزية قُبِلت منه، بحيث يكون تحت حكم المسلمين، وتكون أحكام الإسلام ظاهرة، والجميع تحتها. 

  1. تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 525).

مرات الإستماع: 0

ثم قال الله -تبارك وتعالى- بعدها: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:193]، قاتلوهم هؤلاء المشركين المعتدين حتى لا تكون فتنة للمسلمين عن دينهم ولا شرك بالله -تبارك وتعالى- ويكون الدين كله لله -تبارك وتعالى- لا يعبد سواه، فإن كفوا عن هذا الكفر، وعن القتال فكفوا عنهم، فإن العقوبة لا تكون إلا على المصرين على كفرهم وعدوانهم: فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ.

هذا يؤخذ منه من الفوائد كما قال شيخ الإسلام ابن تيمة -رحمه الله: "وإذا كان أصل القتال المشروع وهو الجهاد ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن امتنع عن هذا قوتل باتفاق المسلمين"[1]، ولكن مثل هذا كما هو معلوم يكون بحسب الإمكان، يعني إن كان في المسلمين قوة وقدرة وإلا فإن الراجح أن آيات الصبر والعفو والتجاوز ونحو ذلك التي نزلت في مكة أنها لم تنسخ بآية السيف، فإذا كان المسلمون في حال من الضعف فإنهم بهذه الحال يمكن أن يطبقوا تلك الآيات المكية من الصبر والكف عن القتال والعفو والصفح ونحو ذلك إلى أن يحصل لهم القوة التي يستطيعون بها رد هؤلاء وإقامة دين الله -تبارك وتعالى، وأن يكون الدين كله لله.

فالدين الذي هو الطاعة لله -تبارك وتعالى- إذا كان بعضه لغير الله وبعضه لله -كما يقول شيخ الإسلام[2]- وجب القتال حتى يكون الدين كله لله -تبارك وتعالى.

كذلك أيضًا هنا ذكر المقصود: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ليس المقصود بالقتال في الإسلام سفك الدماء وأخذ أموال الكفار وإنما المقصود بذلك هو إقامة دين الله -تبارك وتعالى- في الأرض، ولذلك انظروا إلى الغزوات التي غزاها النبي ﷺ تجد أن القتلى فيها من الكفار عددًا قليلاً لم يسرف المسلمون في قتل أعدائهم وإنما كانوا يقتلون من يقاتلهم، وكانوا يقبلون ممن دفع الجزية من أهل الكتاب أو دخل في دين الله -تبارك وتعالى.

كذلك أيضًا يؤخذ من قوله: فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ لا عدوان هذا نفي لكنه مضمن معنى النهي، يعني فلا تعتدوا، لا تعتدوا، وذلك على سبيل المبالغة.

وكذلك أيضًا في قوله: إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، ما قال: فلا عدوان إلا المنتهين مثلاً أو نحو ذلك، يعني فلا تظلموا إلا الظالمين غير المنتهين، فوضع العلة موضع الحكم، وبعض أهل العلم يقولون: إنه سمى ذلك عدوانًا: فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ من قبيل المشاكلة في اللفظ. 

  1. مجموع الفتاوى (28/ 354).
  2. مجموع الفتاوى (14/ 284).