هذا الكلام يسمى المناسبة بين الآيات، أو وجه الارتباط بين الآيات.
ما المراد بإتمام الحج، والعمرة في قوله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ؟
من أهل العلم من يقول: إن المراد بذلك أن يأتي بهما من غير إخلال، ولا شائبة، ولا تحمله العجلة على أن ينقص منها، أو يضيع أحكام الله التي فيها، أو يتجاوز حدوده التي حدها، أو يرتكب محظورات الإحرام، أو نحو ذلك، فهذا نقص في الحج، وقد يفضي به أحياناً إلى بطلانه كالجماع.
وبعضهم يقول: الإتمام هو أن يخرج لهما لا لغيرهما، وهؤلاء نظروا إلى لفظة الإتمام بمعنى الإكمال، لكن الله يقول: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [سورة البقرة:198]، وهي التجارة في الحج، ولا شك أن من خرج، وهو يريد الحج فحسب هو أتم، وأكمل منزلة، وحالاً ممن كانت نيته مشتركة بأمر يجوز الالتفات إليه يحصل على سبيل التبع، فهذا يجوز، ويصح حجه، لكن مرتبة الأول أعلى، فهم نظروا إلى لفظة الإتمام، فعبر كل واحد بمثل هذه العبارات.
وبعضهم نظر إلى الإتمام فقال: أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وقال: هذا أكمل، والحقيقة أن الإحرام من دويرة أهله أصلاً غير مشروع، وإنما يحرم الإنسان من الميقات، وقصة الرجل الذي سأل الإمام مالك معروفة، فمع أن أبعد المواقيت ميقات المدينة، ومع ذلك لما قال له: أريد أن أحرم من المسجد، قال: إني أخشى عليك الفتنة، فقال: وأي فتنة؟ فقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة النــور:63]، وبين له أن الرسول ﷺ أحرم من ذي الحليفة، فمع أن ذا الحليفة قريب جداً، فهو يعتبر في طرف المدينة، ومع ذلك فالأصل الاتباع لا القرب، والبعد، لكن هناك فرق بين لبس الإحرام في البيت، وبين نية النسك، فلبس ثياب الإحرام في البيت ليس بإحرام، وإنما المقصود بالإحرام الإهلال بالنسك، أو نية الدخول فيه، وعلى كل حال فهذا القول الذي ذكروه فيه إشكال.
وبعضهم نظر إلى أن الكمال، والإتمام هو أن يأتي بالحجة مستقلة في سفرة، والعمرة مستقلة في سفرة، وهذا لا شك أن من فعله ممن لا يتأتى منه حج، ولا عمرة سوى هذه في العام هو أكمل ممن جاء إليهما في سفرة واحدة، وهذا مراد شيخ الإسلام - رحمه الله - حينما قال: إن الإفراد أفضل، فهو يقصد هذا المعنى لا ما فهمه كثير من طلبة العلم.
صور مراتب الكمال في مناسك الحج الثلاثة:
القسمة العقلية التي تبين مراتب الكمال للأنساك الثلاثة في الحج كما يأتي:
المرتبة الأولى: وهي أعلى مرتبة، وذلك أن يأتي إنسان فيقول: أنا أعتمر في رمضان، وأعتمر في الصيف، وأعتمر في الفصل الدراسي الأول، وأعتمر في الفصل الدراسي الثاني، فما هو الأفضل في الحج الإفرادK أم التمتع أم القِران؟
يقال له: الأكمل، والأفضل لك أن تحج متمتعاً، فإن لم يكن فقارناً، وذلك أنه بدلاً من أن يكون لك أربع عُمَر في السنة، صار عندك خمس عمر.
المرتبة الثانية: أن يأتي إنسان آخر فيقول: أنا ليس بإمكاني أن أعتمر في السنة إلا عمرة واحدة، وحجة واحدة، فهل آتي بهما في سفرة واحدة أم أجعل العمرة في سفرة وحدها، والحجة في سفرة وحدها؟ فهذا نقول له: الأكمل أن تؤدي العمرة في سفرة مستقلة عن سفرة الحج، فيكون الإفراد في هذه الصورة أكمل من أن يتمتع بالعمرة إلى الحج في سفرة واحدة، وهذا الذي قصده عمر حينما نهى الناس عن المتعة، فهو أراد ألا يُهجر البيت بحيث لا يأتيه الناس إلا في مرة واحدة للحج، والعمرة معاً، ويبقى أثناء السنة لا يأتيه أحد.
المرتبة الثالثة في الكمال: هي أن يأتي إنسان يأتي في السنة مرة واحدة للحج، والعمرة معاً.
المرتبة الرابعة، وهو ذلك الإنسان الذي يأتي في السنة مرة واحدة فقط، وبحجة إفراد.
فبعض الناس فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على أنه يقصد هذا بقوله: إن الإفراد أفضل، وهو إنما يقصد أن يأتي بالحجة في سفرة، وبالعمرة في سفرة أخرى.
أما من كان يتردد أثناء السنة فالبيت معمور بأمثال هؤلاء، فمثل هذا يقال له: إذا جئت في الحج فتعال بحج، وعمرة، فهذا من باب الزيادة، والفضل، فالتمتع أفضل بكثير من الإفراد، والقران.
والمقصود من هذا الكلام كله أنهم نظروا إلى لفظ "الإتمام" ففسرها كل واحد بما يحتملها لفظ "الإتمام".
وبعضهم قال: إن كمالها يكون بالإنفاق الطيب، وهذا كله لا شك أنه من الكمال، ولكن المعنى المتبادر هنا هو أن الحج، والعمرة ليستا كغيرهما، فلابد من إكمالهما، فمن أحرم فيهما حتى، ولو لم يكن إحرامه واجباً ابتداءً فإنه إذا شرع، وأحرم فيجب عليه الإتمام.
والعلماء يتكلمون في مسألة العبادات غير الواجبة إذا شرع فيها العبد كصلاة النافلة، أو صيام التطوع، أو الاعتكاف، أو نحو ذلك، هل يجوز له أن يقطعه؟
الراجح أنه يجوز للمتطوع في كل الأعمال الصالحة أن يقطعها من غير حرج، ولا يطالب بالبدل، خلافاً لمن قال: إن عليه أن يكمل، أو قال: عليه البدل لقوله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [سورة محمد:33]، فإنه ليس هذا هو المراد، وإنما المراد لا تبطلوها بالمن، والأذى، والرياء، وبعض أهل العلم يخص بعض العبادات، يقول: يجوز فيها الإكمال، كما في المراقي:
صلاتنا وصومنا وحجنا | وعمرة لنا كذا اعتكافنا |
طوافنا مع ائتمام المقتدي | فيلزم القضاء بقطع عامد |
والصحيح أنه لا يلزم ذلك إلا في الحج، والعمرة لقوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196].
وهذه الآية يُستدل بها على وجوب العمرة، وقد جاءت أدلة أخرى من السنة تدل على أن العمرة واجبة على الراجح مرة في العمر كالحج، وبالنسبة للاستدلال على هذا من الآية فإنه مبني على أصل مختلف فيه، وهو هل الأمر بالإتمام أمر بالابتداء، أو لا؟ فبعضهم قال: إن الأمر بالإتمام أمر بالابتداء، يعني لزوماً، أو ضمناً، وليس صراحة مطابقة، وعلى كل حال فإن من قال بهذا قال: إن الآية تدل عليه.
وبعضهم لم يأخذ وجوب الابتداء بالنسبة للحج من هذه الآية، وإنما أخذه من قوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [سورة آل عمران:97].
وإذا أرادوا أن يستدلوا به على العمرة فإنهم يربطون معه أحاديث، وأدلة أخرى مثل قوله ﷺ: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة[1]، ومنها قوله - عليه الصلاة، والسلام -: وتحج، وتعتمر[2]، إلى غير ذلك من الأدلة التي يستدلون بها، كما أنه يقال للعمرة: حج أصغر.
وعلى كل حال ليس حديثنا هنا على هذا الأمر، لكن يشار إشارة إلى الأحكام؛ لأن ابن كثير من منهجه الإشارة إليها، - والله أعلم -.
"وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما، ولهذا قال بعده: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [سورة البقرة:196] أي صُددتم عن الوصول إلى البيت، ومُنعتم من إتمامهما، ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج، والعمرة ملزم.
وقال مكحول: إتمامهما إنشاؤهما جميعاً من الميقات، وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: بلغنا أن عمر قال في قول الله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196]: مِن تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الآخر، وأن تعتمر في غير أشهر الحج؛ إن الله تعالى يقول: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ [سورة البقرة:197].
وقال السدي في قوله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196]: أي أقيموا الحج، والعمرة، وقال قتادة عن زرارة عن ابن عباس ، أنه قال: الحج عرفة، والعمرة الطواف.
وكذا روى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة في قوله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196]، قال: قراءة عبد الله، وأتموا الحج، والعمرة إلى البيت لا يجاوز بالعمرة البيت، قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: كذلك قال ابن عباس.
وقال سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة: أنه قال: وأقيموا الحج، والعمرة إلى البيت، وكذا روى الثوري أيضاً عن إبراهيم عن منصور عن إبراهيم أنه قرأ: وأقيموا الحج، والعمرة إلى البيت."
سبق الكلام على أول هذه الآية، وأن أرجح الأقوال في المراد بالإتمام: هو أن يكمل أعمال الحج، والعمرة إذا دخل في واحد منهما؛، وذلك أن الإنسان لا يسعه بحال من الأحوال أن يرفض الإحرام، إلا إذا أحصر فقد جعل الله له مخرجاً، ولهذا قال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]، فذلك قاطع للإتمام الذي أمر الله به.
وعبارة من قال: إن الحج عرفة، وبإتمامه يتم الحج، وإن العمرة لله، والعمرة الطواف بالبيت، فذلك باعتبار أن العمرة لا يجاوز بها البيت، بحيث إنه لا يطلب أن يأتي الجمار إلى منى، أو إلى مزدلفة، أو إلى عرفة، أو نحو ذلك، وأما الحج فإن ركنه الأكبر هو الوقوف بعرفة، هذا هو معنى قول من قال: إن الحج عرفة، والعمرة الطواف، وليس معنى ذلك أنه إذا طاف فإنه قد أتى بما طلب منه، وأتم العمرة، ولكن الطواف هو أصل في العمرة، والعلماء يختلفون في السعي كما هو معروف ما لا يختلفون في الطواف، فإذا جاء البيت، وطاف به فإن ذلك قد حصل به معنى الزيارة التي أخذ منها اسم العمرة التي هي الزيارة لبيت الله على وجه القربة، والنسك على وجه مخصوص، ثم عليه أن يطوف، وأن يقصر، أو يحلق.
وكذلك في الحج فإنه إذا وقف بعرفة فليس معنى ذلك أن هذا منتهاه، بل بقي عليه المزدلفة، والجمار، والبقاء في منى، إلى غير ذلك من طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج، وكذلك السعي إن كان لم يسعَ سعي الحج.
"وقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]، ذكروا أن هذه الآية نزلت في سنة ست، أي: عام الحديبية حين حال المشركون بين رسول الله ﷺ، وبين الوصول إلى البيت، وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها، وأنزل لهم رخصة أن يذبحوا ما معهم من الهدي، وكان سبعين بدنة، وأن يحلقوا رءوسهم، وأن يتحللوا من إحرامهم، فعند ذلك أمرهم بأن يحلقوا رءوسهم، ويتحللوا فلم يفعلوا انتظاراً للنسخ، حتى خرج فحلق رأسه ففعل الناس، وكان منهم من قصر رأسه، ولم يحلقه، فلذلك قال ﷺ: رحم الله المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله، فقال في الثالثة: والمقصرين[3]."
الذين تأخروا، وتباطئوا في الحلق لم يكن تباطؤهم ذلك اعتراضاً منهم على حكم رسول الله ﷺ، وإنما كما ذكر المؤلف هنا حيث قال: انتظاراً للنسخ، وإلا فهؤلاء هم خيار الناس، وهم أعظم مبادرة إلى امتثال أمر الله، وأمر رسوله ﷺ لكن المراد أنهم كانوا يؤمّلون بهذه المراجعة، والتأخر أن يحصل نسخ، كما حصل في قصة المجادلة حيث إن النبي ﷺ كان يقول لها: ما أراك إلا قد بنتِ منه، وهي لا تزال تراجع النبي ﷺ، وهو يرد عليها هذا الكلام مرة بعد مرة حتى أنزل الله حكمه في ذلك، فليس معنى ذلك أنها معترضة على حكم الله ، وإنما كانت تؤمِّل أن ينزل الله في أمرها شيئاً فيكون فيه مخرج، فأنزل الله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [سورة المجادلة:1] الآيات، وإلا فإن الصحابة الكرام يعلمون أن الله يقول: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [سورة الأحزاب:36]، ويعرفون قوله : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [سورة النساء:65]، ويقول: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [سورة النــور:51]، فليس معنى ذلك أنها أبطأت، أو أن هؤلاء الصحابة أبطئوا اعتراضاً على حكم الشارع، وإنما المقصود: أنهم كانوا يرجون أن ينزل الله غير ذلك.
وقوله ﷺ: رحم الله المحلقين ثلاثاً فهذا القول قاله مرتين، فحمل مرة على إطلاقه، وعمومه، وذلك في مكة عام الفتح، ومرة في عام الحديبية لما أمرهم بالحلق، وكان معناه أنه لن يكون هناك عمرة هذه المرة، فحلق من حلق، وقصر بعضهم أملاً أنه سيكون هناك شيء آخر، فيستطيع حلق ما بقي من شعره في النسك إذا وصل البيت، - والله أعلم -.
"فقد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك، كل سبعة في بدنة، وكانوا ألفاً، وأربعمائة، وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم، وقيل: بل كانوا على طرف الحرم، - فالله أعلم -."
الحديبية منطقة معروفة، جزء منها في الحل، وجزء منها في الحرم، وهم كانوا في الناحية التي تلي الحرم من الحل، وكلام أهل العلم في هذا معروف، وهو هل النبي ﷺ قدم هديه إلى منطقة الحرم فنحر فيه، أو أنه نحر في الحل؟ فهذه مسألة معروفة.
"والحصر: أعم من أن يكون بعدوٍّ، أو مرض، أو ضلال، وهو التوهان عن الطريق، أو نحو ذلك."
مسألة الإحصار مسألة مشهورة، وأشهر ما استدل به من يرى أن الإحصار لا يكون إلا بالعدوّ لا بالمرض، والكسر، ونحوه قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... [سورة البقرة:196] الآية، وذلك من ثلاثة، وجوه:
الأول: أنه قال: أُحْصِرْتُمْ فمن أهل العلم من قال: إن هذه الصيغة ليس معناها حبستم أنفسكم، وإنما المقصود وقع الإحصار من غيركم أي: بالعدوّ، فهؤلاء فرَّقوا في الصيغة بين (أحصرتم)، وبين (حصرتم)، فيقولون: إن أحصرتم معناه وقع عليكم الإحصار من غيركم.
الثاني: قالوا: إن هذا وقع للنبي ﷺ بحصر العدوّ، وإن هذه الآية لا تنفصل عن سبب، وملابسات النزول.
الثالث: أن الله قال بعده: فَإِذَا أَمِنتُمْ [سورة البقرة:196].
هذه ثلاثة أمور هي أشهر ما ذكروا في الاستدلال على أن الحصر يكون بالعدوّ، والأقرب أن الإحصار لا يختص بذلك، وأن هذه المناسبة، وإن كان الإحصار فيها بسبب العدوّ إلا أن ذلك لا ينحصر فيه، بل كل ما عاق الإنسان عن الوصول إلى البيت، أو إتمام النسك فإن ذلك يكون من قبيل الإحصار، وللإنسان أن يتحلل بعد أن ينحر هديه، أو يذبحه.
قال بعض أهل العلم: إن ذلك ليس بحصر العدوّ فقط، وإنما المقصود حبستم أنفسكم بسبب المرض، أو أقمتم بسبب حصر العدوّ لكم، أو نحو ذلك، وممن قال ذلك ابن جرير الطبري - رحمه الله - حيث يرى أن أُحصر، إنما يكون بحبس الإنسان نفسه، كما في قول الله تعالى في الآية الأخرى: لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ [سورة البقرة:273] حيث إنك إذا نظرت في كلام ابن جرير في تفسيره لهذه الآية تجده يرد على هؤلاء بقوة، ويقول: ليس ذلك بحصر العدوّ... إلى أن قال: ولو كان ذلك بسبب حصر العدوّ لقال: للفقراء الذين حصروا في سبيل الله.
ومن أهل العلم من يقول: (أُحصر) تأتي لهذا، وتأتي لهذا، أي ما يحصل بسبب العدوّ، وما يحصل بحبس الإنسان نفسه، وإن لم يحبسه غيره، وعلى كل حال فالإحصار يكون بسبب العدوّ، وبسبب المرض، والكسر، وما أشبه ذلك مما إذا وقع للإنسان أعاقه عن الوصول إلى البيت .
"روى الإمام أحمد[4] عن الحجاج بن عمروٍ الأنصاري قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من كُسر، أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى قال: فذكرت ذلك لابن عباس، وأبي هريرة - ا - فقالا: صدق[5]."
مسألة هل يلزم المحصر أن يأتي بنسك آخر بدلاً من الذي أحصر فيه فيها قولان، فالذين يقولون: يجب ذلك يحتجون بأن النبي ﷺ اعتمر من قابل، والذين يقولون: لا يجب ذلك، يقولون: إن الله لم يأمر بذلك، وإنما قال سبحانه: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]، ويقولون: إن ما وقع للنبي ﷺ لا يعني أنه يجب ذلك، ولم ينقل عن النبي ﷺ أنه أمر كل من خرج معه ممن تحلل أن يعتمر، وإنما كان ذلك على سبيل المقاصة، والاستيفاء، كما قال الله : وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ [سورة البقرة:194]، فهؤلاء صدوهم عن البيت فكان من عهدهم أن يعتمر المسلمون من قابل، والمسألة على كل حال محلها كتب الفقه.
"وأخرجه أصحاب الكتب الأربعة، وفي رواية لأبي داود، وابن ماجه من عرج، أو كُسر، أو مرض[6] فذكر معناه، ورواه ابن أبي حاتم.
ثم قال: وروي عن ابن مسعود، وابن الزبير، وعلقمة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ومجاهد، والنخعي، وعطاء، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا: الإحصار من عدو، أو مرض، أو كسر، وقال الثوري: الإحصار من كل شيء آذاه.
وثبت في الصحيحين عن عائشة - ا - أن رسول الله ﷺ دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج، وأنا شاكية، فقال: حجي، واشترطي أن محلي حيث حبستني[7]، ورواه مسلم عن ابن عباس بمثله، فصح الاشتراط في الحج لهذا الحديث."
إذا حصل الاشتراط عند الإحرام ولا بد، فله أن يتحلل من غير أن يذبح، ولا شيء عليه، لكن المسألة السابقة فيما إذا لم يشترط.
"وقوله تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]."
التقدير: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [سورة البقرة:196] فالواجب ما استيسر من الهدي، أو فعليكم ما استيسر من الهدي، وهذا باعتبار أن "ما" في محل رفع، أي فالواجب عليكم ما استيسر من الهدي، ويمكن أن تكون في محل نصب، فيكون التقدير فاذبحوا، أو فانحروا ما استيسر من الهدي.
"روى الإمام مالك عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شاة."
وهذا قول الجمهور؛ لأن الله قال: فَمَا اسْتَيْسَرَ، يعني ما تيسر لك مما يصح أن يقال له: هدي، وأدنى ذلك الشاة، وأعلاه البدنة.
"وقال ابن عباس : الهدي من الأزواج الثمانية، من الإبل، والبقر، والمعز، والضأن، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس في قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قال: بقدر يسارته، وقال العوفي عن ابن عباس: إن كان موسراً فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم."
قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ على التفسير الثاني نظر القائل به إلى معنى اللفظة، ودلالتها؛ فالمعنى الأول لقوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ تدل على ما تهيأ له، وما تيسر له، وما حصل له، فيكون أدنى ذلك شاة.
والقائل بالتفسير الثاني نظر إلى معنى اللفظة، ودلالتها؛ فإن اليسار فيه معنى السعة، والغنى، وعلى هذا فإن قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يعني أن ذلك لا يكون بأدنى شيء، وإنما بشيء فيه يسار، فإن كان غنياً فبدنة، وإن كان دونه فبقرة، وإن كان دونه فشاة، أي بحسب حاله من الغنى، والفقر.
"وقال هشام بن عروة عن أبيه: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قال: إنما ذلك فيما بين الرخص، والغلاء."
صاحب هذا القول لم ينظر إلى الأنواع باعتبارها بدنة، وبقرة، وشاة، وإنما نظر إلى الثمن، والقيمة، فقال: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ أي لا يكون ذلك بأدنى ما يصدق عليه هدي بحيث يشتري شاة بثمن بخس؛ لضعفها، أو لنوعها، أو نحو ذلك، وإنما يكون ذلك بالمتوسط.
وعلى كل حال فإن السبب في تعدد هذه الأقوال - والله تعالى أعلم - أنهم نظروا إلى بعض دلالات لفظة "استيسر" مع أن دلالتها الظاهرة المتبادرة هي: ما تيسر، وتهيأ له، وأدنى ذلك شاة، ولا شك أن الأفضل، والأكمل في الهدي هي البدنة.
"والدليل على صحة إجزاء ذبح الشاة في الإحصار أن الله أوجب ذبح ما استيسر من الهدي، أي مهما تيسر مما يسمى هدياً، والهدي من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم."
الهدي في قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ أي من بهيمة الأنعام، وكذلك الأمر في قوله: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]، أي من هذه الأنواع التي ذكرها الله في سورة الأنعام، وكذلك حينما يقال: المتمتع، والقارن عليهما الهدي، فهذا هو المقصود به، وإذا قيل: الجزاء فإنه يخير فيه أيضاً بين الأمور الثلاثة، فالدم يكون بالبدنة، أو بالبقرة، أو بالشاة إما وجوباً مثل من جامع في الحج، وإما أن يكون ذلك استحباباً، ويجزيه دونه، ومثل ذلك من جامع في العمرة مثلاً فعليه شاة، ولو أنه نحر بدنة فإن ذلك أكمل.
ومن قص أظافره، أو حلق شعره، أو نحو هذا، وهو محرِم فإنه يخير بين ثلاثة أمور، إما ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام.
وكذلك من ترك شيئاً من نسكه الواجب كما لو لم يحرم من الميقات مثلاً فإنه يقال: عليه دم، فإذا ذبح شاة أجزأ، وإذا نحر بدنة فهذا أكمل، وكذلك إذا اشترك بسُبع بدنة في منزلة الشاة، فهو أفضل من الشاة.
فالهدي في مثل المسائل السابقة لا يكون إلا من هذه الأصناف، وأما في غير هذه المسائل فهل يمكن أن يهدى إلى البيت على سبيل التطوع غير الأنواع الثمانية المذكورة في قوله تعالى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [سورة الأنعام:143]؟
نعم، يمكن أن يهدى إلى البيت كسوة للكعبة، ويمكن أن يهدي طعاماً للحجاج، كما أنه يمكن أن يقدم هدياً من الغنم، أو الإبل، أو البقر، وهو في بلده لم يحج كما فعل النبي ﷺ، ويمكن أن يقدم إلى البيت مالاً دراهم، أو ذهباً، أو يقدم شراباً للحجاج، أو نحو هذا، فكل ما يقدم إلى البيت فإنه يقال له هدي، - والله تعالى أعلم -.
"وهي: الإبل، والبقر، والغنم كما قاله الحبر البحر ترجمان القرآن، وابن عم رسول الله ﷺ، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين - ا - قالت: "أهدى النبي ﷺ مرة غنماً"[8]."
قولها: أهدى مرة غنماً، هذا قبل حجته حيث بعث بها وهو في المدينة، وهذا يدل على أنه يمكن للإنسان فعل ذلك، ولا يلزمه شيء من الإحرام.
وقول بعض السلف: إنه يكون كالمحرم حتى ينحر هديه، أو يذبح، فهذا كلام لا دليل عليه، وحديث عائشة في هذا المعنى معروف.
والهدي: جمع هدية، وربما قيل له ذلك؛ لأن مُهديه يتقرب فيه إلى المُهدَى إليه، والإنسان لما يأتي، ويهدي لإنسان هدية فإنما يفعل ذلك من أجل استمالته، فالهدية تذهب، وَحَرَ الصدر، وتفعل في النفوس ما لا يخفى من تحبيب هذا الإنسان، ولذلك جاء في الأثر: تهادوا تحابوا[9].
"وقوله تعالى: وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [سورة البقرة:196] معطوف على قوله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196]، وليس معطوفاً على قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196] كما زعمه ابن جرير - رحمه الله -."
قوله تعالى: وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ تحتمل أن تكون معطوفة على قوله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ أي كما هي هكذا: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [سورة البقرة:196]، فإذا قلنا: إنها عائدة إلى قوله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ، فالمعنى أن من أنشأ حجاً، وعمرة فإنه يلتزم محظورات الإحرام، ومن ذلك حلق الشعر، فلا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله.
والعلماء مختلفون في هذه المسألة إلا أن أقرب ذلك، وأرجحه هو أن الحلق يكون يوم النحر سواء قدم ذبح هديه أولاً ثم حلق، أو حلق رأسه قبل النحر؛، وذلك أن رجلاً من أصحاب النبي ﷺ سأله عن تقديم، وتأخير حصل منهم، فكان في كل مرة يقول - عليه الصلاة، والسلام -: افعل، ولا حرج[10]، فبلوغ الهدي محله يوم النحر، ومن أهل العلم من يقول غير هذا.
وإذا قلنا: إن قوله: وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [سورة البقرة:196] عائد إلى قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فالمعنى يتغير تماماً، حيث يكون المعنى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196]، فإن حال دونه حائل فلا يحل لكم أن تحلقوا رءوسكم، وتتحللوا حتى يبلغ الهدي محله.
وعلى هذا فقوله: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [سورة البقرة:196] قيل: إن دم الإحصار يجب أن يكون في الحرم، وبالتالي يجب على المحصر أن ينتظر حتى يُذبح، أو ينحر في الحرم فهو محله، ولا يجزئ خارج الحرم، وهذا على القول بأن النبي ﷺ قدم هديه فنحر في الحرم من الحديبية.
ومن أهل العلم من يقول: إنه ﷺ نحر هديه خارج الحرم، وبالتالي يقدم المحصر هديه حيث أحصر، فلا يلزمه أن يقدمه في الحرم.
والأقرب أن المحصر ينحر هديه حيث أحصر، ويفرق على من حضره من الفقراء في المحل الذي نحره فيه، ولا يلزم أن ينقل إلى فقراء الحرم، - والله أعلم -.
فالمقصود أن ابن جرير - رحمه الله - لا ينازع في أن قوله تعالى: وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [سورة البقرة:196]، عائد إلى قوله تعالى: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196]، فهو يوافق الجمهور في هذا، ومنهم ابن كثير، وإنما يخالف ابن جرير في قضيتين هما:
الأولى: أنه يجب عليه أن يحج من قابل قضاء لهذه الحجة، وإن كان معتمراً فيجب عليه قضاء هذه العمرة، وأن مجرد نحر الهدي، أو ذبحه لا يعفيه من حجة أخرى، وإنما ذلك رخص له التحلل من الإحرام فقط، وهذا كلام معروف قال به أئمة، فهي مسألة لم ينفرد بها ابن جرير، وإنما قال بها كثير من أهل العلم.
والمسألة الثانية، وهي مسألة خالف فيها عامة أهل العلم: أن ابن جرير في قوله تعالى: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196] يقول: هذه تتعلق بالمحصر الذي تحلل من إحرامه بالحج، فعليه أن يأتي بعمرة في أشهر الحج القادمة؛ لأنه تحلل، ولم يصل إلى البيت حينما أحصر، فيكون بهذه العمرة قد طاف بالبيت، وسعى، ثم بعدُ يأتي متى ما تيسر له بحجة يقضي بها حجته الأولى.
فابن جرير يرى أن الدم الذي أهداه ليس دم التمتع المعروف في الأنساك الثلاثة، وإنما هو شيء آخر خاص بالمحصر، مع أن المعروف عند أهل العلم، والذي عليه عامتهم أن قوله: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [سورة البقرة:196] يعني التمتع المعروف الذي هو جمع بين الحج، والعمرة في سفرة واحدة.
"لأن النبي ﷺ، وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم حلقوا، وذبحوا هديهم خارج الحرم، فأما في حال الأمن، والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق حتى يبلغ الهدي محله، ويفرغ الناسك من أفعال الحج، والعمرة إن كان قارناً، أو مِن فِعل أحدهما إن كان مفرداً."
الفراغ ليس المقصود به الفراغ من كل شيء، وإنما إذا جاء من عرفة، ففي يوم النحر يكون الهدي قد بلغ محله، ولا زال عليه طواف الإفاضة، وسعْي الحج إن كان لم يسعَ، وبقى عليه رمي الجمار.
"أو مِن فِعل أحدهما إن كان مفرداً، أو متمتعاً كما ثبت في الصحيحين عن حفصة - ا - أنها قالت: يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا من العمرة، ولم تحل أنت من عمرتك فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر[11]."
قوله: لبدت رأسي، أي أنهم كانوا يضعون صمغة على الشعر؛ لأن شعورهم كثيرة، وفي السفر يحتاج مدة طويلة في إحرامه، فالشعر ينتفش، ويصيبه ما يصيبه من الغبار، والأتربة، ونحو ذلك، فهو يلبد رأسه بأن يضع عليه صمغة تجعله ثابتاًً مستقراً، وبالتالي فإن من ساق الهدي لا يحل إلى يوم النحر، فلذلك لم يتحلل النبي ﷺ كما تحلل أصحابه بعمرة، ولهذا قال - عليه الصلاة، والسلام -: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة[12].
"وقوله: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [سورة البقرة:196]: روى البخاري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني سمعت عبد الله بن مَعقل، قال: قعدت إلى كعب بن عُجْرَةَ في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - فسألته عن فِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ، فقال: حملتُ إلى النبي ﷺ، والقملُ يتناثر على وجهي، فقال: ما كنتُ أرَى أن الجَهد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟ قلت: لا، قال: صُمْ ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام، واحلق رأسك، فنزلت فيّ خاصة، وهي لكم عامة[13]."
فقوله تعالى: أَوْ نُسُكٍ : المقصود بالنسك الذبيحة.
وقول النبي ﷺ لكعب بن عجرة: أما تجد شاة؟ قلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، قد يفهم من ظاهر هذا الحديث أنه يُبدأ أولاً بما ذكر هنا، وأن الثلاثة ليست على التخيير بإطلاق، وإنما فيها ترتيب بين ذبح شاة، فإن لم يجد فعندئذ يخير بين الإطعام، والصيام، كما في كفارة اليمين، عتق رقبة، فإن لم يجد فإنه يخير بين الإطعام، أو الكسوة، فإن لم يجد فعندئذ يصوم ثلاثة أيام.
فالمقصود أن هذا في فدية الأذى ليس مراداً، - والله تعالى أعلم -، وإنما رتب ذلك النبي ﷺ باعتبار أنه الأفضل مثلاً، ويمكن أن يقال: إنه قدم الصوم باعتبار أنه الأسهل من جهة الكلفة المادية، وذلك أنه يستطيعه الغني، والفقير بخلاف الذبح مثلاً، أو الصدقة، ويدل على أن هذا على التخيير الروايات الأخرى الواردة في حديث كعب بن عجرة، وهي حادثة واحدة لم تتكرر معه، وذلك أن النبي ﷺ خيره، كما في بعض الروايات أنه قال: فاحلقه، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة[14] فإذا جمعت هذا، وهذا مع الآية، تبين لك المراد، - والله تعالى أعلم -.
والخلاصة أنه لا يقال لمن عليه فدية أذى كحلق الشعر، أو نحو ذلك: إن عليك أولاً أن تذبح، فإن لم تستطع خيرت بين الإطعام، والصيام، بل هو مخير بإطلاق، ولهذا فإنه ينبغي جمع الروايات، والنصوص في المعنى الواحد دون أن يعجل الإنسان، ويأخذ برواية، ويقول: هذا على الترتيب؛ لأن النبي - عليه الصلاة، والسلام - أمره أولاً بالذبح.
"وروى الإمام أحمد عن كعب بن عجرة قال: أتى عليّ النبي ﷺ، وأنا أوقد تحت قدر، والقَمْلُ يتناثَرُ على وجهي -، أو قال: حاجبي - فقال: يؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم. قال: فاحلقه، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة، قال أيوب: لا أدري بأيتهن بدأ[15].
ولما كان لفظ القرآن في بيان الرخصة جاء بالأسهل فالأسهل: فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [سورة البقرة:196]، ولما أمَرَ النبي ﷺ كعبَ بن عجرة بذلك أرشده إلى الأفضل، فالأفضل، فقال: انسك شاة، أو أطعم ستة مساكين، أو صم ثلاثة أيام، فكلٌّ حسن في مقامه، ولله الحمد، والمنة.
وقوله: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196] أي: إذا تمكنتم من أداء المناسك فمن كان منكم متمتعاً بالعُمرة إلى الحج، وهو يشمل من أحرم بهما، أو أحرم بالعمرة أولاً فلما فرغ منها أحرم بالحج، وهذا هو التمتع الخاص."
يقول تعالى: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فقوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ يمكن أن تكون "ما" في محل رفع، أو تكون في محل نصب، فإن كانت في محل رفع يكون التقدير فعليكم ما استيسر من الهدي، وإن كانت في محل نصب يكون التقدير: فاذبحوا ما استيسر، أو نحو ذلك مما يقدر بحيث تكون في محل نصب.
ومن قال بأن "ما" هنا في محل رفع قال: هذا له نظائر في كتاب الله كقوله تعالى في كفارة اليمين: فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ [سورة المائدة:89] أي فعليه صيام ثلاثة أيام.
"وهو يشمل من أحرم بهما، أو أحرم بالعمرة أولاً فلما فرغ منها أحرم بالحج."
هذا هو التمتع الخاص، والمقصود به أن يجمع بين الحج، والعمرة في سفرة واحدة، وهذا الذي فسر به عامة أهل العلم قوله تعالى: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]، إلا أن ابن جرير - رحمه الله - يفسرها بغير هذا، فهو يقول: إن قوله: فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ هذه في المحصر، وليست في التمتع الخاص المعروف الذي هو أحد الأنساك الثلاثة، ويقول: فإنه إذا اعتمر في أشهر الحج التي تأتي فإنه يستمتع بإحلاله من عمرته إلى أن يحج فعليه ما استيسر من الهدي، هذه عمرة يأتي بها المحصر الذي لم يستطع الوصول إلى البيت إذا أمن.
"وهذا هو التمتع الخاص، وهو المعروف في كلام الفقهاء، والتمتع العام يشمل القسمين، كما دلت عليه الأحاديثُ الصحاح، فإن من الرُواة من يقول: تمتع رسول الله ﷺ، وآخر يقول: قرن، ولا خلاف أنّه ساق الهدي."
نعم فالقارن يجب عليه الهدي؛ لأنه جمع بين الحج، والعمرة بسفرة واحدة مع أنه لم يحصل له إحلال، ولا تمتع، والآية تقول: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]، وذلك أنه يتمتع بإحلاله فيفعل كل ما كان محظوراً عليه فعْله، فالقارن أيضاً عليه هدي باعتبار أنه جاء بالعمرة مع الحج، وهذا الذي عليه عامة أهل العلم خلافاً للظاهرية الذين قالوا: إن هذا لم يرد عليه دليل، وهو قياس على التمتع، والقياس أصلاً لا يصح عندهم.
"وقال تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة:196]، أي: فليذبح ما قدر عليه من الهدي، وأقله شاة، وله أن يذبح البقر؛ لأن رسول الله ﷺ ذبح عن نسائه البقر."
على كلام ابن كثير هنا تكون "ما" في محل نصب، أي: فليذبح ما استيسر من الهدي.
"وقال الأوزاعي: "عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ذبح بقرة عن نسائه، وكنَّ متمتعات" رواه أبو بكر بن مَرْدويه."
وجاء في بعض الروايات: "ضحى عن نسائه بالبقر"[16] ففهم منه بعض أهل العلم أن الحاج يضحي أيضاً إضافة إلى الهدي، ولكن الروايات يفسر بعضها بعضاً، فالمقصود بأنه ضحى عن نسائه في الرواية المشهورة أن ذلك كان في الحج، فهو من قبيل الهدي لا الأضحية، وبالتالي فإن الحاج حقه الهدي، وليس عليه أضحية، لكن لو أنه ترك أهله في البلد، وترك عندهم أضحية فهذا لا إشكال فيه، لكن الكلام فيه هو هل يضحي أم أنه ليس مطالباً بذلك، وإنما يكتفي بالهدي؟
"وفي هذا دليل على مشروعية التمتع، كما جاء في الصحيحين عن عمْران بن حُصين - ا - قال: "نزلت آية المتعة في كتاب الله، وفعلناها مع رسول الله ﷺ، ولم ينزل قرآن يُحَرّمها، ولم يُنْهَ عنها، حتى مات، قال رجل بِرَأيه ما شاء، قال البخاري: يقال: إنه عُمَر ."
سبق الكلام في الدرس الماضي لماذا عمر نهى عن التمتع، وأن ذلك كان من قبيل السياسة الشرعية رعاية لمصلحة تتصل بالبيت، وذلك أنه كره أن يهجر البيت سائر العام، أي حتى لا يأتي الناس بالعمرة، والحج في سفرة واحدة أيام الحج فقط، ويخلو البيت من المعتمرين في سائر السنة، فهو طالبهم أن يأتوا أثناء العام بالعمرة.
"وهذا الذي قاله البخاري قد جاء مصرحاً به أن عمر كان ينهى الناس عن التمتع، ويقول: "إن نأخذ بكتاب الله يأمر بالتمام، يعني قوله: وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ [سورة البقرة:196]، وفي نفس الأمر لم يكن عمر ينهى عنها محرِّماً لها، إنما كان ينهى عنها ليكثر قصد الناس للبيت حاجين، ومعتمرين، كما قد صرح به .
وقوله: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [سورة البقرة:196] يقول تعالى: فمن لم يجد هدياً فَلْيصُمْ ثلاثة أيام في الحج، أي: في أيام المناسك.
وقال العوفي: عن ابن عباس - ا -: إذا لم يجد هَدْيًا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة."
لم يجده بمعنى أنه لم يجد الثمن، أو أنه لم يجد الهدي إذا عدم مثلاً بحيث لم يقف على شيء منه، هذا هو المراد بقوله: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [سورة البقرة:196].
"إذا لم يجد هَدْيًا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، فإذا كان يومُ عرفة الثالث فقد تم صومه، وسبعة إذا رجع إلى أهله."
قوله: صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة، بمعنى أنه لا يبدأ بها يوم عرفة، وليس المقصود أن يوم عرفة غير داخل فيها، وإنما يبتدئ هذه الأيام الثلاثة قبل عرفة.
والعلماء لهم كلام كثير في مسألة متى يبتدئ هذه الأيام الثلاثة، وهل له أن يصوم هذه الأيام الثلاثة بمجرد الإحرام الأول الذي وقع منه، كأن يكون أحرم بالتمتع مثلاً في اليوم الأول من ذي الحجة، ثم لما تحلل من العمرة له أن يصوم بإحلاله هذا؟ أم أنه يجب أن يصوم إذا لبى بالحج؟، وهذا الكلام بخلاف ما إذا كان قد جاء مفرداً، أو قارناً فهو محرم بالحج لم يتحلل من الإحرام، فله أن يصوم حتى، وإن جاء يوم الخامس عشر من ذي القعدة؛ لأنه محرم بالحج، لكن الإشكال فيما إذا جاء متمتعاً فتحلل، متى يصوم؟
يقول: يحرم بالحج، ويصوم قبل يوم عرفة، فإذا أحرم يوم الرابع من ذي الحجة فله أن يصوم مثلاً يوم خمسة، وستة، وسبعة، أو يصوم يوم سبعة، وثمانية، وتسعة، ومن المعلوم أنه يحرم بالاتفاق صيام يوم النحر، وأما ما يتعلق بأيام التشريق فالراجح أنه يحرم صيامها إلا لمن لم يجد الهدي، لكنه لا يؤخر الصوم على الأرجح إلى أيام التشريق إلا إن اضطر لذلك، كأن يكون هذا الإنسان مثلاً مرض، ولم يستطع الصوم إلا في أيام التشريق فإنه يصومها، أو أن يكون هذا الحاج لم يفقد ماله إلا يوم العيد، فهذا ليس أمامه إلا أن يصوم أيام التشريق، فيرخص لمن لم يجد الهدي أن يصوم هذه الأيام الثلاثة، والمقصود أن صيام هذه الأيام لمن لم يجد الهدي مأمور بها على التفريق، فلا يصوم الأيام العشرة سرداً في الحج.
والعلماء لهم كلام في هذه الصورة الثانية، وهي فيمن لم يتمكن من صيامها إلا في أيام التشريق، هل يصوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر؟، وهل له أن يصوم الباقي معها على أن المراد بقوله: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إذا رجعتم إلى رحالكم، أم أن المقصود إذا رجعتم إلى بلادكم؟
فمن قال من العلماء: إن قوله: إِذَا رَجَعْتُمْ أي رجعتم إلى رحالكم يعني من منى، يقول: يصح له أن يسرد الصوم عشرة أيام؛ لأنه رجع من منى، ومن فسره بأن المراد إذا رجعتم يعني إلى أهلكم - وهذا هو المشهور الذي عليه عامة أهل العلم - فإنه لا يسردها، وإنما يصوم السبعة الباقية إذا رجع إلى أهله، وهذا أيضاً على خلاف بينهم في رجوعه هذا ما المراد به؟ أي هل يكون الرجوع بمجرد الشروع فيه بحيث يصوم في الطريق إذا استراح ببلد مدة أسبوع، أو أكثر، أم لا بد من الوصول إلى بلده؟ فمن أهل العلم من قال: إن قوله: إِذَا رَجَعْتُمْ يصدق عليه القول بشروعكم في الرجوع، وعلى هذا له أن يصوم إن شاء، ولو لم يصل إلى موطنه، والمشهور من كلام أهل العلم أن ذلك إنما يكون برجوعه إلى بلده.
"وكذا روى أبو إسحاق عن، وبرة عن ابن عمر - ا - قال: "يصوم يوماً قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة"، وكذا روى عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي أيضًا."
قوله: يصوم يوماً قبل التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، هذا يفسر الكلام السابق من أنه قبل يوم عرفة، يعني الابتداء، وكذا روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أيضًا.
ومثْل ابن جرير الطبري - رحمه الله - لا يفرق في ذلك، فهو لا يقول: إنه يصوم أيام التشريق إذا اضطر إلى هذا، كأن لم يجد قدرة إلا في أيام التشريق، أو نحو ذلك، وإنما يقول: هو مخير، إن شاء صام قبل عرفة، وإن شاء صام في أيام التشريق، فكل ذلك يكون فيه ممتثلاً؛ لأن الله قال: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ فهو لازال في الحج.
والذي عليه عامة أهل العلم أنه يصومها قبل عرفة، وإن اختلفوا في التفصيلات، مثل متى يبتدئ الصيام؟، ولكن أيام التشريق لا تصام؛ لأن النبي ﷺ قال عنها: أيام أكل، وشرب، وذكر الله [17]، وعدَّها من أيام العيد، فقال: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام[18]، ونهى عن صيامها ﷺ.
"فلو لم يصمها، أو بعضها قبل العيد يجوز أن يصومها في أيام التشريق؛ لقول عائشة، وابن عمر في صحيح البخاري: "لم يرَخّص في أيام التشريق أن يُصَمن إلا لمن لا يجد الهَدي"[19].
وروى سفيان، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه كان يقول: من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج صامهن أيام التشريق.
وبهذا يقول عُبَيد بن عُمَير الليثي، وعكرمة، والحسن البصري، وعروة بن الزبير؛، وإنما قالوا ذلك لعموم قوله: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ [سورة البقرة:196].
وأما ما رواه مسلم عن قتيبة الهذلي قال: قال رسول الله ﷺ: أيام التشريق أيام أكل، وشرب، وذكر الله [20] فهذا عام، ورواية عائشة، وابن عمر مخصوصة منه."
الآن صار النظر في هذه النصوص على ثلاثة مناحٍ هي:
الأول: أنه يمنع مطلقاً صيام أيام التشريق؛ باعتبار أنها أيام أكل، وشرب.
الثاني: الجواز، والإباحة بإطلاق لمن لم يجد الهدي، أي أن له أن يتخير صيامها ابتداءً فيقول مثلاً: أنا لا أريد أن أصوم يوم ثمانية، ولا يوم سبعة، أنا أريد أن أصوم أيام التشريق، وهذا قول ابن جرير - رحمه الله -.
الثالث: - وهذا أعدل هذه الأقوال - أن يصوم قبل يوم عرفة فإن لم يتمكن فإنه يؤخر ذلك إلى أيام التشريق.
"وقوله: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [سورة البقرة:196] فيه قولان: أحدهما: إذا رجعتم إلى رحالكم، الثاني: إذا رجعتم إلى أوطانكم.
روى عبد الرزاق عن سالم، سمعت ابن عمر - ا - قال: فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [سورة البقرة:196] قال: إذا رَجَع إلى أهله، وكذا رُوي عن سعيد بن جُبَير، وأبي العالية، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والزهري، والربيع بن أنس."
طبعاً هذا ليس محل اتفاق كما سبق بيانه آنفاً من أن بعض أهل العلم يقول: إن قوله: إِذَا رَجَعْتُمْ يصدق عليه الشروع في الرجوع، ولو لم يصل إلى موطنه، والقول بأن الرجوع في الآية يقصد به رجوعه إلى رحله في مكة، أو نحوها هو قول الإمام مالك.
وبعضهم بالغ في هذا غاية المبالغة فقال: قوله: يقول: وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ هذا ليس على الوجوب، وإنما هو من أجل التخفيف، والرفق بالمكلفين فقط، وإلا فإنه إذا شاء أن يصوم في أيام الحج فإنه يصوم، وهذا قال به ابن جرير، ويقولون: إن هذا مثل قوله: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [سورة البقرة:184]، فالمريض، والمسافر إذا صام في مرضه، وسفره فإنه يجزئه، وإنما قال له: أفطر، وصم أياماً تقضِ فيها ما أفطرت على سبيل الرفق به فقط، فإذا قال: أنا أريد أن أتجشم الصوم فإن هذا يصح، ولا إشكال فيه، وكذلك في الحج يقال: إنما هو من باب الإرفاق بالمكلفين فقط.
وهذا خلاف ما عليه عامة أهل العلم سلفاً، وخلفاً، بل إن الكثير منهم قالوا: لا يجزئه الصوم إلا بالتفريق؛ لأن الأمر بالصيام جاء على ثلاثة أنواع: تارة يأمر بها بإطلاق كما في كفارة اليمين على القراءة المتواترة، فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ [سورة المائدة:89].
وتارة جاء الأمر به مقيداً بالتتابع كما في كفارة القتل، وكفارة الظهار، فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [سورة النساء:92]، [سورة المجادلة:4]، وتارة جاء مقيداً بالتفريق كما هنا في عدم إمكانية الهدي قال: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [سورة البقرة:196]، وكما جاء في كفارة اليمين في قراءة ابن مسعود غير المتواترة، وهي: (صيام ثلاثة أيام متتابعات).
وعلى كل حال فإن الله فرق بينها بهذه الطريقة فيمتثل العبد ذلك بأن يصوم أياماً متفرقة، ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع، - والله أعلم -.
"وقد روى البخاري عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر - ا - قال: تمتع رسول الله ﷺ في حَجَّة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، فساق معه الهَدْي من ذي الحُلَيفة، وبدأ رسول الله ﷺ فأهلَّ بالعمرة، ثم أهلَّ بالحج، فتمتع الناس مع رسول الله ﷺ بالعمرة إلى الحج، فكان مِنَ الناس مَنْ أهدى فساق الهَدْي، ومنهم من لم يهدِ، فلما قدم النبي ﷺ مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يَحل من شيء حَرُم منه حتَى يقضي حَجّه، ومَنْ لم يكن منكم أهدى فَلْيَطُفْ بالبيت، وبالصفا، والمروة، وَلْيُقَصِّر، وليَحللْ ثم ليُهِلّ بالحج، فمن لم يجد هدياً فليصُمْ ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، وذكر تمام الحديث، والحديث مخرج في الصحيحين[21]
وجاء أيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس - ا -: وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم[22].
والحديث جاء فيه الأمر بالصوم مفرقاً، ولم يفصل لهم فيه، أي: أنه لم يقل لهم النبي ﷺ: وذلك ليس بعزيمة مثلاً، أو نحو ذلك، ثم إن الأصل أن الأمر للوجوب ما لم يصرف عن ذلك صارف، إلا أن مثل ابن جرير - رحمه الله - يرى أن الصيغة، والصورة خبرية لكنها بمعنى الأمر، وهذا خلاف المشهور في تفسير الآية.
"وقوله: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [سورة البقرة:196] قيل: تأكيد، كما تقول العرب: رأيت بعيني، وسمعت بأذني، وكتبت بيدي."
في قوله: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ يقول ابن كثير: هذا تأكيد، والمعنى أنه خبر محض، فهو يخبر أن صيام سبعة أيام، وثلاثة نتيجته عشرة أيام، لكن ابن جرير يقول: لا، ليس المعنى هنا هو التأكيد، وإنما المقصود أن هذا خبر مضمن معنى الإنشاء الذي هو الأمر، أي: عليكم أن تكملوا صيام هذه الأيام العشرة من غير نقص.
"وقال الله تعالى: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38]، وقال: وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [سورة العنكبوت:48]، وقال: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [سورة الأعراف:142]، وقيل: معنى كَامِلَةٌ الأمر بإكمالها، وإتمامها."
قوله: وقيل: معنى كَامِلَةٌ الأمر بإكمالها، وإتمامها، هذا قول ابن جرير - رحمه الله -، وأما ابن كثير فإنه يقول: إن قوله: كَامِلَةٌ جاءت للتأكيد كقوله: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38]، فالطائر لا يطير برجليه، وكقوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم [سورة آل عمران:167]، ومعلوم أن الإنسان لا يتكلم بأذنه، وكقوله: يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [سورة البقرة:79]، والإنسان لا يكتب برجله، وهذا أسلوب عربي معروف، وله دلالة في كل موضع بحسبه.
ومن العلماء من يذكر وجوهاً أخرى في التفسير، ففي قوله: وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38] يقولون: لئلا يتوهم أن المقصود الإسراع؛ لأن العرب تعبر بالطائر أحياناً لتكني به عن السرعة، وإنما المقصود هنا الطائر المعروف.
وقال: يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ [سورة البقرة:79]: أي ليسجل عليهم هذا الجرم من باب الإدانة، وفي قوله: يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم [سورة آل عمران:167]، أي: أنه لم يكتبه غيره، أو عزاه إلى غيره بكتابته، وإنما قاله بفيه، والمقصود أن هذا أسلوب عربي معروف.
فالمقصود أن بعض أهل العلم لا يخرج ذلك عن قول من قال: إنه للتوكيد كما قال ابن كثير؛ أو للاحتراز من أن يفهم غير المراد، فالله تعالى قال: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [سورة البقرة:196]؛ لئلا يتوهم أنه بقي منه شيء بعد ذكر السبعة، والثلاثة لما قال: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [سورة البقرة:196]، إذ يمكن أن ينتظر السامع زيادة أيام أخرى يطالب بها، فهو أغلق هذا الاحتمال فقال: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [سورة البقرة:196]، يعني من غير زيادة.
كما أنه يمكن أن يقال: إنه قال ذلك لئلا يرد وهمٌ آخر حيث قد يظن السامع أنه مخير بين صيام ثلاثة أيام في الحج، أو يصوم سبعة إذا رجع، فيكون ذلك لا على سبيل الجمع، وإنما يكون ذلك على سبيل البدل، إما هذا، أو هذا، فقال: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [سورة البقرة:196]، - والله أعلم -.
"وقوله: ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:196] حاضروه هم أهل الحرم، فلا متعة لهم، وروى عبد الرزاق عن طاوس قال: المتعة للناس لا لأهل مكة."
هذا الذي عليه عامة أهل العلم، وهو أن أهل مكة ليس عليهم متعة، والعلماء مختلفون في أهل مكة هل تشرع لهم العمرة أم لا؟ وذلك باعتبار أن العمرة هي الزيارة، وأهل مكة هم قاطنو البيت، وعلى قول من قال: إن العمرة تشرع لهم فإنهم يخرجون إلى الحل ليجمعوا بين الحل، والحرم، فيكون قاصداً للبيت من خارج الحرم.
وابن جرير - رحمه الله - يحمل قوله تعالى: ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:196] على من لم يكن بينه، وبين مكة مسافة قصر، أي: حتى لو كان من غير أهل الحرم، فالتنعيم مثلاً هو حي من أحياء مكة حيث إن بعضه في الحل، وبعضه في الحرم، وعرفة من الحل، وكذلك القرى القريبة من عرفة، ونحو ذلك، فهل أهل هذه المناطق يشرع لهم التمتع أم لا؟ ابن جرير - رحمه الله - يقول: من ليس بينه، وبين مكة مسافة قصر فهو من حاضري المسجد الحرام.
"عن طاوس قال: المتعةُ للناس لا لأهل مكة مَنْ لم يكن أهله من الحرم، وكذا قول الله : ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قال: وبلغني عن ابن عباس - ا - مثلُ قول طاوس."
يقول: ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، اسم الإشارة ذَلِكَ يعود إلى التمتع، والمعنى أن التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فمفهوم المخالفة أن من كان أهله من أهل المسجد الحرام فإنه لا متعة لهم.
وبعض أهل العلم يحمل اسم الإشارة على أنه يرجع إلى وجوب الهدي، والصيام المذكور في قوله: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [سورة البقرة:196]، أي أن صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، إذ إنه إذا كان من أهل الحرم فكيف سيرجع إلى المصر الذي جاء منه ليصوم الأيام السبعة.
والقائلون بهذا يقولون: إن أهل مكة يتمتعون كما يتمتع غيرهم، بل إن بعضهم يقول: حتى من ساق الهدي يمكن أن يتمتع لكنه لا يحل من إحرامه لوجود المانع، وأما النسك فإنه يقع تمتعاً، وهذا القول قال به قليل من أهل العلم، لكن المعنى المشهور هو أن اسم الإشارة ذَلِكَ يعود إلى التمتع، أي أن التمتع إنما يكون لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وبالتالي فأهل مكة لا متعة لهم، إلا أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار أن المسألة ليست محل اتفاق.
"وقوله: وَاتَّقُواْ اللّهَ أي: فيما أمركم، وما نهاكم، وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة البقرة:196] أي: لمن خالف أمره، وارتكب ما عنه زجره."
- أخرجه أبو داود في كتاب المناسك - باب إفراد الحج (1792) (ج 2 / ص 90)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3373).
- أخرجه الدارقطني (ج 2 / ص 282)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
- أخرجه البخاري في كتاب الحج - باب الحلق، والتقصير عند الإحلال (1640) (ج 2 / ص 616)، ومسلم في كتاب الحج - باب تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير (1301) (ج 2 / ص 945).
- ذكره الإمام الطحاوي في كتاب شرح معاني الآثار.
- أخرجه أبو داود في كتاب المناسك - باب الإحصار (1862) (ج 1 / ص 575)، والترمذي في كتاب الصوم - باب ما جاء في الذي يهلُّ بالحج فيكسر، أو يعرج (940) (ج 3 / ص 277)، والنسائي في كتاب مناسك الحج - باب فيمن أحصر بعدو (2860) (ج 5 / ص 198)، وابن ماجه في كتاب المناسك - باب الحصر (3077) (ج 2 / ص 1028)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (2497).
- صحيح ابن ماجه في كتاب المناسك - باب الحصر (3078) (ج 2 / ص 1028).
- أخرجه البخاري في كتاب النكاح - باب الأكفاء في الدين (4801) (ج 5 / ص 1957)، ومسلم في كتاب الحج - باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض، ونحوه (1207) (ج 2 / ص 867).
- أخرجه البخاري في كتاب الحج - باب تقليد الغنم (1614) (ج 2 / ص 609).
- أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ج 1 / ص 532)، وأبو يعلى (ج 11 / ص 9)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3004).
- أخرجه البخاري في كتاب الحج - باب الفتيا على الدابة عند الجمرة (1650) (ج 2 / ص 619)، ومسلم في كتاب الحج - باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي (1306) (ج 2 / ص 948).
- أخرجه البخاري في كتاب الحج - باب التمتع، والإقران، والإفراد بالحج، وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي (1491) (ج 2 / ص 568)، ومسلم في كتاب الحج - باب بيان أن القارن لا يتحلل إلا في، وقت تحلل الحاج المفرد (1229) (ج 2 / ص 902).
- أخرجه أبو داود في كتاب الحج - باب حجة النبي صلى الله عليه، وسلم (1218) (ج 21 / ص 886).
- أخرجه البخاري في كتاب التفسير - باب قول الله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا [سورة البقرة:31] (4245) (ج 4 / ص 1642)، ومسلم في كتاب الحج - باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها (1201) (ج 2 / ص 859)، واللفظ للبخاري.
- سيأتي تخريجه.
- أخرجه أحمد (ج 4 / ص 241)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- أخرجه البخاري في كتاب الأضاحي - باب من ذبح ضحية غيره (5239) (ج 5 / 2113)، ومسلم في كتاب الحج - باب بيان، وجوه الإحرام، وأنه يجوز إفراد الحج، والتمتع، والقران، وجواز إدخال الحج على العمرة، ومتى يحل القارن من نسكه (1211) (ج 2 / ص 870).
- أخرجه أحمد (ج 5 / ص 76)، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
- أخرجه أبو داود في كتاب الصوم - باب صيام أيام التشريق (2421) (ج 2 / ص 295).
- أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب صيام أيام التشريق (1894) (ج 2 / ص 703).
- أخرجه مسلم في كتاب الصيام - باب تحريم صوم أيام التشريق (1141) (ج 2 / ص 800) دون قوله: وذكر الله عز، وجل، ورواه أحمد، واللفظ له (ج 5 / ص 75).
- أخرجه البخاري في كتاب الحج - باب من ساق البدن معه (1606) (ج 2 / ص 607)، ومسلم في كتاب الحج - باب، وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله (1227) (ج 2 / ص 901).
- أخرجه البخاري في كتاب الحج - باب قول الله تعالى: ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:196] (1497) (ج 2 / ص 570).