الأحد 11 / ذو القعدة / 1445 - 19 / مايو 2024
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [سورة البقرة:205] أي هو أعوج المقال، سيئ الفعال، فذلك قوله وهذا فعله".قوله سبحانه: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ يحتمل أن يكون من الولاي، يعني إذا صارت له سلطة كانت مدعاة له للإفساد، والتغيير، والتبديل.
ويحتمل أن يكون المعنى أنه إذا صار له التولي أعرض، وذهب، كما قال الله  عن المنافقين: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ [سورة المنافقون:4] فيسمعك كلاماً ممتازاً مصففاً منمقاً أحلى ما يكون، إلا أن الفعال أقبح ما تكون، فهم أشباح بلا أرواح، وجسوم بلا فهوم، شبههم بالخشب المسند الذي لا ينتفع به لا في عمد، ولا في سقف، وهكذا المنافق لا يقوم بنفسه ولا بغيره.
ويحتمل أن يكون تولى بمعنى ضل وغضب، وكل هذه الاحتمالات يحتملها لفظ الآية.
وقوله سبحانه: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ الحرث قيل: هو الزرع، وهذا هو المعنى المتبادر، وبعضهم يقول: النساء، أي ويسمعك كلاماً حسناً، وإذا تولى منك أفسد المرأة، وهذا من بلاغة القرآن فمعانيه لا تنقضي، وعجائبه لا تفنى.
والنسل بمعنى الذرية، وأصل النسل من السقوط، ولهذا قيل لما يخرج من المرأة نسل.
"كلامه كذب، واعتقاده فاسد، وأفعاله قبيحة، والسعي هاهنا هو القصد"ولا يفهم من السعي في الأرض أنه جرى أو مشى مشياً سريعاً كما في قوله سبحانه: وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى [سورة القصص:20] فليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود به العمل.
"كما قال إخباراً عن فرعون: ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ۝ فَحَشَرَ فَنَادَى ۝ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ۝ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى [سورة النازعات:22-26]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الجمعة:9] أي: اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة، فإن السعي الحسي إلى الصلاة منهي عنه بالسنة النبوية: إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار[1].
فهذا المنافق ليس له همة إلا الفساد في الأرض، وإهلاك الحرثِ - وهو محل نماء الزروع والثمار -، والنسلِ - وهو نتاج الحيوانات - اللذين لا قوام للناس إلا بهما، وقال مجاهد: إذا سعى في الأرض فساداً منع الله القطر؛ فهلك الحرث، والنسل".
تفسير مجاهد لقوله: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ يعتبر من باب الملازمة، وتوجيه القول: أن الله علّق انحباس القطر ونزع البركات الذي يحصل به هلاك الزرع والنسل بتقحم بني آدم على الذنوب، والمعاصي، وإفسادهم في الأرض، وهو تفسير حسن.
"والله لا يحب الفساد أي لا يحب مَن هذه صفته، ولا من يصدر منه ذلك".
  1. رواه البخاري بلفظ آخر في كتاب الأذان - باب قول الرجل فاتتنا الصلاة برقم (609) (1/228)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة والنهي عن إتيانها سعيا برقم (603) (1/421).

مرات الإستماع: 0

"قوله: تَوَلَّى أدبر بجسده، أو أعرض بقلبه، وقيل: صار واليًا."

هذه ثلاثة معاني وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا إذا تولى أدبر بجسده يعني هو بحضرة النبي ﷺ مثلًا، أو عند المؤمنين يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فإذا انصرف من عندك عاث في الأرض فسادًا بيده، ولسانه، وقلمه، وإذا سمعت كلامه فهو من أجمل الكلام.

يقول: أو أعرض بقلبه. إذا تولى ضل، وغضب لكن المعنى الأول هو المتبادر، وقيل: صار واليًا. وَإِذَا تَوَلَّى صارت له ولاية، تسلط، ظهر منه خلاف ما كان يدعيه، لكن الأقرب هو المعنى الأول، يقول بالحضرة كلامًا حسنًا يُعجب السامع فإذا انصرف كان منه الشر، والفساد، والإفساد، والعتو بخلاف ما كان يدعيه.

"قوله تعالى: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ على القول بأنها في الأخنس، فإهلاك الحرث حرقه الزرع، وإهلاك النسل قتله الدواب، وعلى القول بالعموم فالمعنى: مبالغته في الفساد، وعبّر عن ذلك بإهلاك الحرث، والنسل؛ لأنهما قوام معيشة ابن آدم، فإن (الحرث) هو الزرع، والفواكه، وغير ذلك من النبات، و(النسل) هو الإبل، والبقر، والغنم، وغير ذلك مما يتناسل."

قوله: على القول بأنها في الأخنس. قلنا: هذا لا يصح، فإهلاك الحرث حرقه الزرع. يعني باعتبار أنه صدر عنه ذلك في تلك الرواية الضعيفة، هذا الحرث، وإهلاك النسل قتل الدواب، على كل حال أصل النسل بمعنى الخروج، والسقوط، ويقال لما خرج من الأنثى نسل لخروجه منها، فيصدق ذلك على عموم النسل يعني نسل الحيوان، ونسل الإنسان وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وعلى القول بالعموم فالمعنى: مبالغته في الفساد. يعني يقال: فلان يهلك الحرث، والنسل. يعني لا يُبقي شيئًا، يعني لا يقتصر هذا على الحرث، والنسل بل على ذلك، وغيره من مصالح الناس، وما تقوم به معايشهم، فيدخل في هذا الدور، والمراكب، والمرافق العامة، والخاصة، فهو يفعل ذلك جميعًا فعُبر بهذين بأي اعتبار؟ قال: لأنهما قوام معيشة بني آدم فإن الحرث هو الزرع.

وبعضهم يقول: النساء. لكن هذا ضعيف نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] صحيح لكن لا يُحمل القرآن إلا على المعنى المتبادر الظاهر، وليس مجرد الاحتمال، والنسل يقول: هو الإبل، والبقر، والغنم، وغير ذلك مما يتناسل.

وكذلك أيضًا في الجملة في المعنى العام وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ يتسبب فيه يعني، وإن لم يباشر الإهلاك، فهو بفجوره، ومعصيته، وكفره، ونفاقه يمنع القطر من السماء ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] فهذا الفاجر يتسبب بحبس المطر، وينتج عن ذلك هلاك الحرث، والنسل، فهو من الجهتين يباشر ذلك، ويكون سببًا في حبس القطر، وإذا نزل المطر لم تخرج الأرض النبات، وهذا المعنى الأخير: أنه يتسبب بحبس القطر، وخروج النبات، ونحو ذلك هذا قال به مجاهد[1].

وابن كثير - رحمه الله - يذكر صفة المنافق في حال خصومته بأنه يكذب، ويزور على الحق، ولا يستقيم معه، لأن ابن كثير فسر الألد بالأعوج[2] فهو بهذه المثابة، ويفتري، ويفجر كما ثبت في الصحيح: آية المنافق ثلاثة: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان[3]

  1. تفسير الطبري (3/ 583).
  2. تفسير ابن كثير (1/ 563).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، برقم (33) ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق، برقم (59).

مرات الإستماع: 0

كان الحديث في الليلة الماضية عن صنف من الناس ذكره الله -تبارك وتعالى- في هذه الآيات التي أعقبت الحديث عن الحج وأحكامه، وبعد ذكر أحوال السائلين من يطلب الدنيا، ومن يسأل من خيري الدنيا والآخرة، فذكر هذا الصنف من الناس، وهو من أهل النفاق، حيث يُظهر ما لا يبطن، فقال: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [سورة البقرة:204] فيظهر القول الجميل، ويصف نفسه بالأوصاف الكاملة وحاله وعمله وواقعه بمنأى عن هذا بالكلية.

ثم ذكر هذه الحال السيئة التي هو عليها، فقال: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [سورة البقرة:205] فحينما يدعي لنفسه الإيمان والصلاح يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِه هو يُشهد الله على أن قلبه مطمئن بالإيمان، وأن الله يعلم من قلبه الصدق، ولكن الواقع على خلاف هذا، إذا خرج من عندك بعد أن يقول هذه المقالة جد واجتهد ونشط في الأرض يعيث فيها فسادًا.

 وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَإِذَا تَوَلَّى أي: انصرف، هذا الذي عليه عامة المفسرين، خلافًا لمن قال: إذا صارت له ولاية وسلطة، كشر عن أنيابه، وأظهر السوء، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ الحرث: الزروع والأشجار المثمرة، ونحو ذلك، والنسل: وذلك بإتلاف وإهلاك الحيوان، فذكر الحرث والنسل، وبعضهم يقول: الحرث: النساء، والنسل: الذرية، فيقتل ويبيد ويفني ولا يبالي بالدماء، ولكن المعنى الذي عليه عامة أهل العلم: أن الحرث: هو الزرع، والنسل: هو الحيوان؛ وذلك أن قوام حياة الناس على هذين: ما يخرج من الأرض، وما يكون من الحيوان، حيث يُستخرج منها ما قد علمتم من الألبان، وما يشتق منها، وكذلك اللحوم بأنواعها، فهو يفسد هذا وهذا، ولا يقتصر ذلك على هذين، ولكن ذكر هذين لما سبق من أن قوام حياة الناس على هذين النوعين، وإلا فهو يهلك ما به حياة الناس، وما به قوام عيشهم، كالمصالح العامة في هذا العصر، كمحطات الكهرباء مثلاً، فهي مهمة، وفي غاية الأهمية في حياة الناس اليوم، حيث تقوم عليها حياتهم، وكذلك شبكات المياه، ومصادر الطاقة، فهو يفسد ويُهلك ويدمر ويفسد وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ وإذا كان الله -تبارك وتعالى- لا يحب الفساد، فهو لا يحب المفسدين.

ويُؤخذ من هذه الآية من الهدايات: حال هذا الصنف من الناس الذين ذكرهم الله على سبيل الذم من أجل أن تُجتنب، وليست العبرة بما يصف الإنسان به نفسه، ويتجمل به من القول، وإنما العبرة بما هو عليه من الحال والعمل، والنية وحدها لا تكفي، يعني من الناس من يكون نيته صحيحة، لكن العمل ليس بصالح، فلا بد من صدق وإخلاص ونية صحيحة، كما أنه يجب أن يكون العمل مشروعًا، فقد يقع في هذه الصفة -الإفساد وإهلاك الحرث والنسل- من يريد بزعمه ما عند الله، ويقدم نفسه رخيصة في هذا السبيل تقربًا إلى الله، ويعتقد أن هذا هو الطريق إلى مرضاته وجنته، وقد تحدثنا في العبر من التاريخ عن نماذج من أحوال الخوارج، كيف كانوا يتهافتون على الموت، كالذين قتلوا عثمان ، وقاتلوا عليًّا ، وحاربوا أصحاب النبي ﷺ، والذين جرى على أيديهم ما قد علمتم، هؤلاء كانوا يتهافتون ويتنادون: حي على الجنة، والفلاح الفلاح، فيقدمون على الموت غير هيابين، ولكن العمل لم يكن صحيحًا، ولا صالحًا، فكانوا بتلك الصفة التي ذكرها النبي ﷺ نسأل الله العافية.

فحينما يقول الإنسان عن نفسه: إنه يريد الإصلاح والصلاح، ويريد إعلاء كلمة الله، ويكون عمله على غير الوجه المشروع، فإن ذلك لا يقبل منه، فإن الله لا يُعبد إلا بما شرع، وهؤلاء الذين نشاهد في مثل هذه الأوقات يتهافتون على الموت، ويقدمون عليه طواعية، نسأل الله العافية، يلبس هذا الحزام الذي يجعله في حال من ميتة السوء، ويُهلك النفوس، وربما كان ذلك في بيوت الله، حيث صار الناس في حال لم نعهدها قط، يتوجسون ويترقبون، وهم يذهبون إلى الجمع، من غوائل هؤلاء، وشرورهم، وإفسادهم، فهذا حينما يتحدث عن نفسه، أو يتحدث عنه غيره أنه مجاهد، وأنه يبذل نفسه رخيصة لله، وفي الله، وما علم أنه أشبه ما يكون بهذه الحال التي ذكرها الله -تبارك وتعالى.

وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ بتصرفات وأعمال من شأنها أن توقظ الفتنة، وفيها قتل للنفوس بغير حق، والله يقول: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [سورة النساء:93] كل هذه لم تُذكر في عمل من الأعمال فيما دون الإشراك بالله إلا القتل، على قلة بصر وقلة علم، وضعف في التفكير والعقل، وألوان الفساد التي تحصل من تسلط الأعداء، ومن إشغال الإمة وصرفها عن قضاياها الكبرى، وتدمير اقتصادها ومكتسباتها ومقدراتها التي بُذلت بأموال المسلمين، وضرب الجهاد والجهاد الصحيح المشروع في مقتل، وصد الناس عن الإنفاق في سبيل الله ، وصد الناس عن الدخول في الإسلام، فالأعداء يرون صورة مشوهة غاية التشويه، حينما يُعرض عليهم الإسلام بهذه الطريقة، سواء وقع ذلك في بلاد المسلمين، أو وقع في بلاد الكفار، فيتسلطون على المسلمين في بلادهم، فيكونون في حالة لا يحسدون عليها، لا أدري كيف يبيت المسلمون تلك الليلة؟ فيستفز هؤلاء الكفار تجاه هؤلاء من الأقليات الإسلامية في تلك البلاد، ويستفز هؤلاء الكفار نحو بلاد المسلمين، فيجدون الذرائع للتدخل في قضاياهم وبلادهم، والتسلط عليهم، والأمة في حال من التمزق والتشتت والتفرق لا تحتمل هذا إطلاقًا، ولا أظن أن الأعداء يفرحون بشيء في هذه الأوقات كما يفرحون بهؤلاء، فالله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وهكذا أولئك الذين يسعون في الأرض فسادًا بأي ضرب من ضروب الفساد، كإثارة الشبهات، الطعن في ثوابت الدين، وهو يتحدث عن نفسه أنه مؤمن وصادق، ويحب الله ورسوله، وأن قصده بذلك الرد أو الإبطال لأمور ليست من الدين بزعمه، فيفسد عقائد الناس بما ينشره ويذيعه عبر مقالات، أو كتابات هنا وهناك، أو لقاءات عبر وسائل إعلامية، أو غير ذلك.

وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [سورة البقرة:205] فساد بجميع صوره، وأشكاله، فساد في الاعتقاد والعلم والتصور، وفساد في العمل، وفساد أخلاقي، ونشر الفاحشة في اللذين آمنوا، بأي وجه كان، فكل هذا من الفساد.

وفساد يكون فيما ذكر من إهلاك الحرث والنسل، ويكون بالمعاصي والشرور والكفر بالله فيمتنع القطر، فلا تُخرج الأرض بركتها، ويحصل الجدب، وتقل الثمرات، وتهلك الحيوانات.

وكذلك أيضًا هذا الفساد الذي يكون بالإدارة، أو بالمال، أو الفساد في نشر المنكر والرذيلة في المجتمعات الإسلامية، أو نشر العقائد الفاسدة، والأفكار المنحرفة الضالة، كل هذا من ترويج الفساد، وكذا نشر السموم والمخدرات، بأي طريق كان، بالدعاية لها، أو تزيينها، أو تسويقها، أو ترويجها، أو تهريبها، أو تمويلها، بل قد توعد الله -تبارك وتعالى- على مجرد محبة ذلك، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [سورة النور:19] فهذا في مجرد المحبة، فكيف بالسعي والعمل من أجل نشرها؟!

فالله لا يحب الفساد بجميع مظاهره، ومنه: إتلاف الممتلكات العامة، وتخريبها، ومن الناس من يده للخراب، لا يترك شيئًا، يتلف ويفسد بما يستطيع، فيأتي بعده الناس ويجدونها في حالة لا تصلح للاستعمال وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ.

ومن الفساد: مقالة السوء، والتحريش بين الناس، وإشغال الناس بعضهم ببعض، بحيث تتحول الأمة إلى طوائف متناحرة يأكل بعضها بعضًا، ويشتغل بعضها ببعض، فهذا من الفساد.

وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ هذا فيه إثبات صفة المحبة لله ، وإذا كان لا يحب الفساد فهذا يقتضي أنه يحب الصلاح والإصلاح، فالله لا يحب الفساد، ولا المفسدين، ويحب الصلاح والمصلحين، إلى غير ذلك من الفوائد التي تُؤخذ من هذه الآية.