"الطَّلاقُ مَرَّتانِ بيان لعدد الطلاق الذي يرتجع منه دون زوج آخر، وقيل: بيان لعدد الطلاق الذي يجوز إيقاعه، وهو طلاق السنة."
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ لم يقل هنا: الطلاق طلقتان لإفادة أن الطلاق يكون مرة بعد مرة، لا يكون دفعة واحدة، وهذا عدد الطلاق الذي يملك الرجل فيه الرجعة، ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن هذه الآية رافعة لما كان في أول الإسلام من أحقيته برجعتها، وإن طلقها مائة طلقة إذا كان ذلك في العدة.
"فَإِمْساكٌ ارتجاع، وهو مرفوع بالابتداء، أو بالخبر."
فَإِمْسَاكٌ يعني: ارتجاع أن يراجعها إذا طلقها (فإمساك بمعروف) فالواجب إمساك مثلًا بمعروف، أو تسريح بإحسان، فالحكم إمساك إذا قلنا: بأنه خبر لمبتدأ محذوف، أو فإمساك واجب، أو نحو ذلك.
"بِمَعْرُوفٍ حسن المعاشرة، وتوفية الحقوق."
يعني: لا يمسك من أجل المضارة، التضيق، والأذى.
أَوْ تَسْرِيحٌ هو تركها حتى تنقضي العدّة فتبين منه."
التسريح يدل في معناه: الأصل على الانطلاق، يقال: أمر سريح. إذا لم يكن فيه تعويق، ولا مطل، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: أن يطلق سراحها محسنًا إليها، لا يظلمها من حقها شيئًا.
غير مصادر لحقوقها، إن كان يجب لها المتعة يعطيها المتعة، لا يفارق هذه المرأة، ويأخذ حقوقها، لها مقتنيات، لها أشياء خاصة بها، لا يجوز له أن يصادرها، وكذلك البعض قد يطلق بأذى، وضرب، وشتم، ولعن لها، ولأهلها، ومشاجرات، هذا لا يليق، فالإنسان كما دخل أول مرة يخطب ابنتهم، فينبغي أن يخرج بهذا الوجه، يخرج كريمًا، رافعًا رأسه، محسنًا إليها يعطيها متعة ويتكلم بأجمل الكلام، ويتلطف، ويقول كما دخلنا مدخل الكرام نخرج مخرج الكرام، أما أن يكون النهاية مظلمة، وإن كان بينهما ولد فلربما لا تتم رؤيته، أو استلامه إلا في قسم الشرطة، هذا موجود، وشدة الخصومة، والشجار لا يسلم الولد إلا في اليوم الذي يذهب لأبيه، أو العكس إلا في قسم الشرطة؛ لأنهم لو تقابلوا في أي مكان آخر يمكن أن يقتتلوا، نسأل الله العافية، هذه ليست حياة.
"بِإِحْسانٍ المتعة، وقيل: التسريح هنا الطلقة الثالثة بعد الاثنتين، وروي في ذلك حديث ضعيف، وهو بعيد؛ لأن قوله تعالى بعد ذلك: فَإِنْ طَلَّقَهاهو الطلقة الثالثة، وعلى ذلك يكون تكرارًا، والطلقة الرابعة لا معنى لها."
أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ هنا قال: المتعة. هي من جملة الإحسان، ولذلك قال الله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 236]، وفي الموضع الآخر: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة: 241]، فهي من الإحسان، وإن اختلفوا فيه هل هو واجب، أو غير واجب؟ أو هو مخصوص بالمطلقة التي طلقت قبل الدخول، ومن غير أن يسمي لها صداقًا؟ خصه بعضهم بهذا، وعممه ابن جرير في كل مطلقة لعموم قوله: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 241]، فهنا يقول: الإحسان المتعة، وقيل: التسريح هنا الطلقة الثالثة بعد الاثنتين.، وهذا لا يظهر - والله أعلم - يعني الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ يعني: في كل مرة إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يفارق بإحسان، هذا في الطلاق الرجعي، وأما في الثالثة فإنه لا سبيل له عليها، يقول: وروي في ذلك حديث ضعيف.
وهو عن أبي رزين الأسدي - وهذا تابعي - قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، يقول الله: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فأين الثالثة؟ قال: (التسريح بإحسان) فهذا مرسل لا يصح، ولو صح لكان تفسيرًا للآية، والواقع أن الثالثة هي قوله: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ فهنا يتحدث عن الطلاق الرجعي الذي يملك فيه الرجعة يمسك بإحسان، يراجع بإحسان، أو تنقضي العدة، ويمسك بمعروف، أو تنقضي العدة، ويكون ذلك فراقًا يفارق بإحسان، يعطيها المتعة، ويعاملها بما يليق.
"وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا الآية، نزلت بسبب ثابت بن قيس: اشتكت منه امرأته لرسول الله ﷺ فقال لها: أتردّين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فدعاه فطلقها على ذلك وحكمها على العموم."
هذا لا يصح أنه سبب النزول، وخبر ثابت بن قيس مع امرأته ثابت في الصحيح، لكن ليس فيه أنه سبب النزول، الذي في البخاري ليس فيه ما يدل على أنه سبب النزول، لكن ذلك جاء عند ابن جرير - رحمه الله - وبإسناد معضل لا يصح، ومن، ثم فذلك باق على العموم أصلًا، ولا يقال: إنه مما نزل على سبب - والله أعلم - ولو كان نزل بسبب ثابت بن قيس فكما قال المؤلف: أن العبرة بعموم اللفظ والمعنى، لا بخصوص السبب.
"وهو خطاب للأزواج في حكم الفدية، وهي الخلع."
الخلع الطلاق الذي يكون على عوض تبذله الزوجة يكون خلعًا هكذا دائمًا.
"وظاهرها أنه: لا يجوز الخلع إلا إذا خاف الزوجان أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وذلك إذا ساء ما بينهما، وقبحت معاشرتهما."
لا يجوز إلا إذا خاف الزوجان إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فجاء بهذا الاستثناء فيكون ذلك مقيدًا به، وذكر الأحوال، وهذه الحالات الأربع هي استقرائية.
"ثم إن المخالعة على أربعة أحوال؛ الأول: أن تكون من غير ضرر من الزوج، ولا من الزوجة؛ فأجازها مالك، وغيره لقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا الآية [النساء:4] ومنعها قوم لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:229]."
وفي قراءة حمزة بضم الياء (إلا أن يُخافا ألا يقيما حدود الله) يعني: أن الخوف يكون صادرًا من غيرهما من غير الزوجين، فيكون ذلك مثلًا من قِبَل الحاكم، أو القاضي، ونحو ذلك، وحمله ابن جرير على هذه القراءة على المؤمنين، إلا أن يُخاف أهل الإيمان ألا يقيما حدود الله، هذه الحالة إذا كانت من غير ضرر من الزوج، ولا من الزوجة يمكن أن يُستدل لها بحديث: أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة لم يصدر من الزوج شيء، وإذا لم يصدر منها هي شيء فلا يجوز للزوج أن يأخذ منها العوض على أن يطلقها، والمقصود بالخوف إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ هنا إقامة حدود الله - تبارك، وتعالى - بأن تسيء الخلق معه مثلًا، تتغير أخلاقها، ومعاملاتها لهذا الزوج فتتصرف معه بما لا يليق، أو أن تتكلم، وتتخاطب معه بما لا يحسن، ولا يجمل، تُعلمه - كما يقول بعضهم - بكراهتها له، تقول: أنا أكرهك، أنا لا أطيقك، أنا لا أرغب في البقاء معك، أنا أبغضك، أجد نفورًا منك، ونحو ذلك، أو ألا تطيع الزوج تكون ناشزًا، تترفع عن طاعته، وبعضهم يقول: بأن تكون الكراهة من الطرفين إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ينفر كل طرف من الآخر، ويكرهه، ويكره البقاء معه، هذه الكراهة، والبغض إذا وجد، والنفور، ونحو ذلك، يكون عذرًا لمثل هذه الحالة، فقد يصل الحال بالزوج، والزوجة أنه قد يكره الحي بكامله الذي تسكن فيه هذه المرأة مثلًا، فهذه الحال الأولى: أن تكون من غير ضرر من الزوج، ولا من الزوجة.
"والثاني: أن يكون الضرر منهما جميعًا فمنعه مالك في المشهور؛ لقوله تعالى: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء:19] وأجازه الشافعي؛ لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ
والثالث: أن يكون الضرر من الزوجة خاصة، فأجازه الجمهور لظاهر هذه الآية.
والرابع: أن يكون الضرر من الزوج خاصة؛ فمنعه الجمهور؛ لقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ الآية [النساء:20] وقد منع بعضهم الخلع مطلقاً لقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ الآية [النساء:20] وأجازه أبو حنيفة مطلقًا وقوله في ذلك مخالف للكتاب، والسنة."
الخلع يجوز إذا كان طلب الطلاق صادرًا من الزوجة بحيث تكون هذه الزوجة لا ترغب البقاء، والاستمرار مع هذا الزوج، فجعل الله لها مخرجًا، وجعل للزوج عوضًا، هذا الزوج بذل المهر، ثم بعد ذلك يُقابل بتفويت مصلحته، فتطلب الطلاق منه، فإذا كان الزوج يرغب بهذه المرأة، والبقاء معها فله أن يأخذ العوض، والمخرج بالنسبة للمرأة أن تبذل العوض أتردين عليه حديقته؟ قال: خذ الحديقة، وطلقها تطليقة الحديقة هذه كانت مهرًا فصار ذلك مصلحة للطرفين، لكن إذا كان الزوج لا رغبة له فيها أصلًا، هو لا يريدها ففي هذه الحال يطلق مجانًا، لا يجوز له أن يأخذ العوض، فيكون طلاقًا من غير خُلع إذا كان لا يريدها، وهو لا يتمكن من أخذ العوض إذا كان لا يطيقها، أو لا يريدها، أو لا رغبة له فيها إلا بالعضل، ولهذا قال الله : وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ بحيث أنه لا يريد هذه المرأة، فماذا يصنع؟ يؤذيها، ولا يطلقها حتى يضيق عليها فتلجأ إلى طلب الطلاق منه، هذا لا يجوز، يعاملها معاملة سيئة، يمنع حقوقها، ويقول: لا أطلق حتى تبذلي لي المهر. هذا لا يحل، كيف يأخذ ذلك، ويسترده، والله يقول: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21] فذلك بما استحل من بُضعها، فاستحقت المهر، فذكره في القول الرابع: أن يكون الضرر من الزوج خاصة. هذا لا يحل، قال: لقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا [النساء:20] وبعضهم يقول: إن آية البقرة هذه إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ منسوخة بآية النساء، ولكن النسخ لا يثبت بالاحتمال، فآية النساء وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا إلا إذا كانت الرغبة من قِبَل الزوج، وآية البقرة هذه إذا كان ذلك من قِبَل المرأة، فلا تعارض - والله أعلم -.
" فَإِنْ خِفْتُمْ خطاب للحكام، والمتوسطين في هذا الأمر."
ذكرت قول ابن جرير - رحمه الله - (إلا أن يُخافا) القراءة الأخرى قراءة حمزة، باعتبار أن الخوف صادر من المؤمنين فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ لاحظ هنا ما قال: فإن خافا ألا يقيما حدود الله. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فيكون هذا في الحكام، قول ابن جرير: في المؤمنين، يعني: بمعنى المتوسطين هنا يعني الذي دخلوا في هذا الأمر للإصلاح بين الزوجين، وحل الإشكال فيكون ذلك خطابًا لهم كالحكمين مثلًا.
" فَإِنْ طَلَّقَها هذه هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين المذكورتين في قوله: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ
حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ أجمعت الأمة على أن النكاح هنا هو العقد مع الدخول، والوطء، لقوله ﷺ للمطلقة ثلاثًا حين أرادت الرجوع إلى مطلقها قبل أن يمسها الزوج الآخر: لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك وروي عن سعيد بن المسيب أن العقد يحلها دون وطء وهو قول مرفوض لمخالفته للحديث، وخرقه للإجماع، وإنما تحل عند مالك إذا كان النكاح صحيحًا لا شبهة فيه، والوطء مباحًا في غير حيض، ولا إحرام، ولا اعتكاف، ولا صيام، خلافًا لابن الماجشون في الوطء غير المباح، وأما نكاح المحلل فحرام، ولا يحل الزوجة لزوجها عند مالك، خلافًا لأبي حنيفة والمعتبر في ذلك نية المحلل لا نية المرأة، ولا المحلل له، وقال قوم: من نوى التحليل منهم أفسد."
حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ذكر هنا أن المقصود العقد مع الدخول، هذه أكمل إطلاقات النكاح في كتاب الله - تبارك، وتعالى - فالنكاح يأتي بمعنى مجموع الوطء، والعقد فهذا أوضح مثال له، ويأتي النكاح بمعنى الوطء خاصة، وهذا لم يأت صريحًا في كتاب الله ولكنه أحد الأقوال في قوله - تبارك، وتعالى -: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3]، فُسر بالوطء، وهذا ليس محل اتفاق، يعني: بعضهم فسره بالعقد، والتزوج وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور:3] فعلى أحد القولين في آية النور يكون ذلك مثالًا على هذا الإطلاق الثاني، إطلاق النكاح على الوطء خاصة من غير عقد، يعني: لا يزني إلا بزانية تُقر بحكم الزنا، ولكنها لا تمتثل، أو مشركة تُنكر الحكم رأسًا، الإطلاق الثالث للنكاح: هو إطلاقه على العقد خاصة، يعني: من غير وطء، ومثاله: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]، فهذا صريح في هذا الإطلاق الثالث الذي هو مجرد العقد، فهذه إطلاقات النكاح الثلاثة، وهنا ما ذكره من المعتبر في ذلك من جهة القصد، والنية في التحليل بالإجماع أن نية الزوج الجديد معتبرة، يعني: إذا قصد التحليل فالنكاح باطل، ولا يحل لها أن ترجع إلى زوجها الأول، وأوضح من هذا لو كان التوافق بين الثلاثة: هذا المحلل، والزوج القديم، والزوجة، ويمكن أن يجتمع مع هؤلاء الرابع وهو الولي، فهذا لا شك أنه لا يحل للمرأة أن ترجع إلى زوجها الأول، تبقى نية غير الزوج الجديد فيما لو كان ذلك بنية المرأة، قبلت الزواج منه، وهي تقصد الرجوع إلى زوجها الأول، هل يؤثر، أو لا يؤثر؟ أو كان ذلك في نية الزوج القديم، جاء برجل ليتزوجها، ولم يخبره، ولم يتواطأ معه على ذلك فهل هذا يؤثر؟ كذلك الولي لو كان يريد بهذا النكاح هذا المعنى، هل نيته تؤثر، أو لا تؤثر؟ الذين قالوا: إنها لا تؤثر، قالوا: باعتبار أن هؤلاء لا يملكون عقدة النكاح، ولا يملكون الطلاق فهو بيد الزوج فنيتهم لا قيمة لها، ولا اعتبار.
يمكن أن تنوي المرأة هذا، ولكن الزوج الجديد يأبى، ولا يطلق، ويمكن أن يقصد هذا الزوج القديم، ولكن الزوج الجديد يرفضه، ويمسكها، قالوا: فلما كانت نية هؤلاء لا تؤثر إنما الذي يؤثر هو نية المحلل إن قصد التحليل، قالوا: المعتبر هو نية الزوج الجديد فقط، ولا قيمة لما نواه غيره.
وبعضهم اعتبر نية هؤلاء، ورأى أن ذلك، وإن لم يكن معه مواطأة من قِبَل الزوج الجديد، يعني كونه لا يعلم مثلًا لكن المرأة نوت هذا بأن ذلك يكون حرامًا، ولا تحل للزوج الأول، والأعمال بالنيات، وأنها قصدت التحايل بذلك للرجوع إلى زوجها الأول فعوقبت بضدة، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قيد ذلك بما إذا صدر عنها مثلًا ما يقلق هذا الزوج الجديد، ويزعجه، أو نحو ذلك من المطالبة بالطلاق، ونحو هذا.
فالمقصود أن المعتبر نية المحلل، أما نية المرأة فبعضهم يقول: لا تؤثر؛ لأنها لا تملك الفُرقة. وهذا قول الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا: لا عبرة بنية المرأة.، وهو أحد الأقوال للشافعي - رحمه الله - وبعضهم - كما سبق - يقولون: بأن ذلك يؤثر في الحكم، وهذا مروي عن بعض السلف: كالنخعي، والحسن البصري وسووا الثلاثة في ذلك، قالوا: لو نوى الزوج القديم كذلك أيضًا، أو الزوج الجديد، أو المرأة، فإذا وجدت النية من واحد من هؤلاء فإن ذلك يكون من قبيل نكاح التحليل.
وشيخ الإسلام يوجه كلام هؤلاء الذين قالوا: بأن نية المرأة لا تؤثر، أو تؤثر بما سبق أنها إذا كانت مجرد نية فقط فهذا لا يؤثر، وأما إذا صدر عنها عمل، أو قول، أو نحو ذلك مما يكون سببًا للطلاق فهنا تكون نيتها مؤثرة، ويكون تحليلًا، كأن تقول له: أنا ما تزوجتك إلا لأرجع للزوج الأول، أنا أحبه. أو أن تقول: أنا أحب رجلًا غيرك، أو تفتعل مشكلة من أجل أن يطلقها، أو أن تلح عليه، أو تضجره، أو أن تقول له: أبذل لك المال على أن تطلق، أو تحتال عليه بأنواع الحيل من أجل الطلاق كما يقول بعضهن مثلًا في بعض الأعراف، ونحو ذلك: طلبت، فإذا قال: أعطيتك. يشعر بأن ذلك من قبيل اللازم له، فتقول له: طلقني. فبعض الناس يرى أن هذا يلزمه، ولو كان يحبها، ولا يستغني عنها، يطلق مضطرًا، ومن المعاصرين الشيخ محمد صالح العثيمين - رحمه الله - يقول: بأن نية الثلاثة تؤثر سواء كان ذلك من قِبَل المحلل، أو المرأة، أو الزوج السابق.
والذي قال: نية المرأة غير مؤثرة. لكن هل هي تأثم على هذه النية؟ هي تأثم على هذه النية؛ لأن ليس لها ذلك أن تتزوج بقصد الرجوع إلى الأول؛ لأن الأصل في الزواج البقاء، والدوام، فهذه النية لن تجعل هذه المرأة في حال من الملائمة مع زوجها الجديد، فإن رأت أنه قد رغب فيها فذلك يحملها على أن تكون على الأقل في حال من السلبية كما يقال لهذا الزوج فلا تبدي له من المشاعر، أو تؤدي من الحقوق ما يكون بين الزوجين، وإنما الواجب عليها أن تتزوج باعتبار أنه زواج دائم لا لقصد الرجوع إلى الأول.
لكن على كل حال القول المروي عن سعيد بن المسيب هذا قول شاذ، وغريب، وقد لا يثبت أصلًا عنه، ونقل محقق الكتاب في الحاشية: قال ابن كثير في تفسيره: في صحته عنه نظر ثم ساق روايات عنه عن ابن عمر بخلاف هذه، ثم علق بقوله: فبعيد أن يخالف ما رواه بغير سند.
" فَإِنْ طَلَّقَها يعني هذا الزوج الثاني.
فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أي: على الزوجة، والزوج الأول.
أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ أي: أوامره فيما يجب من حقوق الزوجية."