الأحد 25 / ربيع الأوّل / 1446 - 29 / سبتمبر 2024
وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّآ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا۟ ٱلَّذِى بِيَدِهِۦ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوٓا۟ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [سورة البقرة:237]، وهذه الآية الكريمة مما يدل على اختصاص المتعة بما دلت عليه الآية الأولى، حيث إنما أوجب في هذه الآية نصف المهر المفروض إذا طلق الزوج قبل الدخول، فإنه لو كان ثمّ واجب آخر من متعة لبيّنها، لاسيما وقد قرنها بما قبلها من اختصاص المتعة بتلك الآية، والله أعلم".
المطلقة قبل الدخول، وقبل تسمية الصداق؛ هذه تجب لها المتعة بالإجماع بنص الآية، ولكن اختلف العلماء في المرأة التي طلقت قبل الدخول وقد سمي لها الصداق هل تجب لها المتعة أم لا؟
ذهب كثير من أهل العلم أن هذه لا متعة لها، وإنما تعطى فقط نصف الصداق، واستدلوا بقوله سبحانه: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فذكر الله نصف المهر المسمى، ولم يذكر المتعة.
 وقالت طائفة: إن المتعة واجبة على عموم المطلقات، و"أل" في المطلقات للجنس تفيد العموم، وقالوا: إن القرآن كله كنص واحد، فما ذكر في موضع فإن ذلك يغني عن تكراره في كل موضع، ولهذا يقول الله لنبيه ﷺ لما اجتمع عليه نساؤه للمطالبة بزيادة النفقة، والتوسعة عليهن كما في سورة الأحزاب: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [سورة الأحزاب:28] والسراح وإن اختلف أهل العلم في معناه؛ إلا أن الأقرب أن المراد به الطلاق بقرينة ذكر المتعة معه، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -؛ لأن الطلاق لا أذية معه، وبهذا الاعتبار لو وقع عليهن الطلاق فإنه يكون بعد الدخول، ورغم ذلك فقد نصت الآية على فرض متعة لهن، وهذا القول ذهب إليه ابن جرير - رحمه الله -.
والقائلون بالاستحباب قالوا: إن الله لم يذكر المتعة في الآية لمن سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول، وأيضاً قال: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [(سورة البقرة:241]، فخص به المتقين دون غيرهم، وسبق الجواب على هذا الإشكال.
وقال بعضهم: إن المرأة لا تستحق المتعة إلا إن كانت مطلقة قبل الدخول ولم يسم لها الصداق، والله أعلم.
"وتشطير الصداق والحالة هذه أمر مجمع عليه بين العلماء، لا خلاف بينهم في ذلك، فإنه متى كان قد سمى لها صداقاً ثم فارقها قبل دخوله بها فإنه يجب لها نصف ما سمى من الصداق.
قال المفسر - رحمه الله تعالى -: وقوله: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أي: النساء عما وجب لها على زوجها من النصف، فلا يجب لها عليه شيء.
قال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس - ا - في قوله: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ قال: إلا أن تعفوا الثيب فتدع حقها.
قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم - رحمه الله -: وروي عن شريح وسعيد بن المسيب، وعكرمة ومجاهد، والشعبي والحسن، ونافع وقتادة، وجابر بن زيد وعطاء الخرساني، والضحاك والزهري، ومقاتل بن حيان وابن سيرين، والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك.
وقوله: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قال ابن أبي حاتم: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: وليُّ عقد النكاح الزوج[1]، وهكذا أسنده ابن مردويه، واختاره ابن جرير، ومأخذ هذا القول: أن الذي بيده عقدة النكاح حقيقة الزوج، فإن بيده عقدها، وإبرامها، ونقضه،ا وانهدامها، وكما أنه لا يجوز للولي أن يهب شيئاً من مال المولية للغير فكذلك في الصداق".

فلا إشكال عند أهل العلم في أن مراد قوله سبحانه: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أي: النساء، والمعنى أن لها الحق في إسقاط ما لها من نصف الصداق، سواء وقع المهر في يدها، أو كان ديناً في ذمته، وذلك لا ينافي إطلاق العفو عليه.
وأختلف أهل العلم في المراد من قوله سبحانه: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فقالت طائفة: إن المراد به الزوج، وذلك أن العصمة بيده فهو إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، وعضدوا رأيهم بأنه صار بذلك يقابل الطرف الآخر وهي المرأة، فيكون - بهذا الاعتبار - العفو واقعاً من أحد الطرفين - المرأة أو الرجل -، واستدلوا بالحديث المتقدم: وليُّ عقد النكاح الزوج، وهذا هو قول عامة أهل العلم، وحديث عمرو بن شعيب لو صح لكان رافعاً للخلاف، ولكن هذا الحديث في سنده ابن لَهِيْعة وفيه كلام.
وقالت طائفة: إن الذي بيده عقدة النكاح ولي المرأة كالأب، أو الأخ، أو ابن العم ممن له ولاية عليها، ومِن لازم هذا القول أن يصير الولي متصرفاً في مهر المرأة، فله الحق أن يسقطه، وله أن يثبته، وهذا فيه إشكال؛ لأن الولي لا يملك حق التصرف في مال غيره، ولذلك لجأ بعضهم إلى حمله على لون من النساء في الولاية عليهن، فبعضهم قال: هي الصغيرة، وبعضهم قال: هي البكر، وهذا من التأويلات البعيدة؛ لأن الآية جاءت بالاسم الموصول "الذي" وهو يفيد العموم كما هو معلوم، فلا يخص ذلك ولياً دون ولي، وإنما تشمل عموم الأولياء، فالمقصود أن الرجل الولي لا يملك شيئاً من المهر، وإلا كان مدخلاً له للتسلط على أموال النساء، وحقهن في مقابل البضع، وهذا غير صحيح، فالمهر حق ثابت للمرأة لا يتصرف فيه الولي إلا وفق رضاها، والرجوع إليها سواء كانت بكراً أو ثيباً، وهذا مما يضعف هذا القول، ويرجح ما عليه عامة أهل العلم أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، فهما طرفان متقابلان - الرجل والمرأة - إلا أن يعفو هذا أو يعفو الآخر.
"وقوله: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قال ابن جرير: قال بعضهم: خوطب به الرجال والنساء.
وعن ابن عباس - ا -: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو".

فكل عفو واقع من أحد الطرفين فإن ذلك أقرب للتقوى سواء وقع ذلك في الصداق، أو في غيره من الحقوق كالمظالم التي تكون بين الناس والإساءة وما أشبه ذلك، فالله يقول: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة فصلت:34] وقال الله في القصاص: فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ [سورة المائدة:45]، وكذلك أيضاً في الديون لما قال: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:280] فإسقاط مثل هذه الحقوق سواء تعلقت بالمال، أو بالعرض أو نحو ذلك فهذا أقرب للتقوى.
"وكذا روي عن الشعبي وغيره، وقال مجاهد والنخعي، والضحاك ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنس والثوري: الفضل هاهنا أن تعفو المرأة عن شطرها، أو إتمام الرجل الصداق لها.
ولهذا قال: وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أي: الإحسان، قاله سعيد".

فمن الإحسان أن يكمل الرجل للمرأة بقية المهر، أو أن تسقط المرأة نصف الصداق الذي وجب لها، بالعفو، فهذا المراد به أن يتفضل كل طرف على الآخر.
إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي: لا يخفى عليه شيء من أموركم، وأحوالكم، وسيجزي كل عامل بعمله".
ومن ذلك ما يتعلق بهذه الحقوق، والتفضل فيها، فالله يجزي هذا الإنسان المتفضل المتصدق، وهو بصير به، عالم بحاله، مطلع على عمله، لا يَضِيع منه شيء، وفي المقابل يجازي من قصر في عمله، وتوانى في الحقوق، وتساهل في الإيفاء.
  1. سنن الدارقطني برقم (128) (3/279)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (14844) (7/251).

مرات الإستماع: 0

"قوله: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ... [البقرة:237] الآية: بيان أن المطلقة قبل الدخول، لها نصف الصداق، إذا كان فُرِضَ لها صداقٌ مسمى، بخلاف نكاح التفويض".

قد عرفنا نكاح التفويض، فبالنسبة للتفويض: الآن بعض الناس يتزوجون، ولا يسمون الصداق، لا يذكرونه أصلًا، ويفوضون ذلك إلى الزوج، الذي يأتي به يأخذونه، فلو أنه طلقها قبل أن يعطيهم الصداق، وقبل أن يسمي ذلك، أو يسمونه له، بعض الناس يفعل هذا حياءً، أو ترفعًا عن تحديد شيءٍ بعينه مثلًا، فيترك ذلك للرجل، ومروءته، فهذا يعطيها المتعة، لو طلقها قبل الدخول.

"قوله: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ النون فيه نون جماعة النسوة، يريد المطلقات، والعفو هنا بمعنى: الإسقاط، أي: للمطلقات قبل الدخول نصف الصداق، إلّا أن يسقطنه".

وهذا الذي اختاره ابن كثير[1]؛ لأنه إذا أردت أن تعرف هذا المعنى بوضوح؛ قابله بما بعده إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] فإذًا يَعْفُونَ الزوجات، فتعفو عن نصف الصداق، فيكون ذلك للزوج جميعًا.

"وإنما يجوز إسقاط المرأة إذا كانت مالكةً أمر نفسها".

 

والتي لا تملك أمر نفسها، كالصبية الصغيرة، والمجنونة، والسفيهة، فهذه يُحجر عليها، فلا تتصرف بمالها.

"قوله: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قال ابن عباس، ومالك، وغيرهما: هو الولي الذي تكون المرأة في حجره[2] كالأب في ابنته المحجورة، والسيد في أمته، فيجوز له أن يسقط نصف الصداق الواجب لها بالطلاق قبل الدخول، وأجاز شريحٌ إسقاط غير الأب من الأولياء[3].

وقال علي بن أبي طالبٍ، والشافعي: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هو الزوج[4] وعفوه أن يعطي النصف الذي سقط عنه من الصداق، ولا يجوز عندهما أن يُسقِطَ الأب النصف الواجب لابنته، وحجة مالك: أن قوله: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ أي: في الحال، والزوج ليس بيده بعد الطلاق عقدة النكاح، وحجة الشافعي: قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى فإن الزوج إذا تطوّع بإعطاء النصف الذي لا يلزمه، فذلك فضل، وأما إسقاط الأب لحق ابنته، فليس فيه تقوى؛ لأنه إسقاط حق الغير".

قول ابن عباس هنا - ا - ومالك هو الولي، وهو اختيار القرطبي[5] وقال به جماعة، كعلقمة، والأسود بن يزيد النخعي، والحسن البصري، وعطاء، طاووس بن كيسان، والزهري، وربيعة - شيخ مالك، وزيد بن أسلم، والشعبي، وأبي صالح، وعبد الرحمن بن زيد، والسُدِّي، وإبراهيم النخعي[6] فكل هؤلاء يقولون: بأن المراد بـأَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الولي، لكن الولي كيف يتصرف بمالها، ويُسقط، وهو حقٌّ لها؟ بينه في قوله: "الذي تكون المرأة في حجره، كالأب في ابنته المحجورة" محجورة: يعني بسبب الصغر، أو السفه، أو الجنون.

لكن هنا في هذا العموم: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ يُحمل على هذا المعنى الخاص القليل، يعني الغالب في النساء اللاتي يتزوجن، ويُطلقن أن تكون مالكة لأمرها، ليست بمحجورة، ولا سفيهة، ولا مجنونة، فهذه حالات قليلة، فلا يُحمل عليها مثل هذا العموم.

يقول: "وأجاز شريح إسقاط غير الأب من الأولياء" يعني: بعضهم يخصه بالأب، وتصرفات في مال الصبي، والمجنون، ونحو ذلك، والفقهاء لهم تفاصيل في هذا، فبعضهم يخص ذلك بالأب، ويخرجون غير الأب من الأولياء كالجد مثلًا، وقد ذكرت شيئًا من هذا في الكلام قديمًا على أحكام الطفل.

فهنا يقول: "وقال علي بن أبي طالب والشافعي: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هو: الزوج" وهذه رواية عن ابن عباس - ا - وبه قال جمعٌ كبير من السلف من الصحابة، فمن بعدهم، وهو منقول أيضًا عن جبير بن مطعم، ومن التابعين: سعيد بن جبير، وابن المسيب، وشُريح، ومجاهد، والشعبي، وعكرمة، ونافع، ومحمد بن سيرين، والضحاك، ومحمد بن كعب، وجابر بن زيد، وأبو مِجلز، والربيع بن أنس، وإياس بن معاوية، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وسفيان[7] باعتبار: أن بيده عقدها، وإبرامها بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فالذي يملك هذا هو الزوج، يملك بيده عقد عقدة النكاح، يعني: إبرامها، ونقضها، وانهدامها، فكما أنه لا يجوز للولي أن يهب من مالها، فكذا الصداق؛ لأنه ثابت لها، فلا يجوز للولي أن يُسقطه، اللهم إلا إذا كانت هذه المولية من المحجور عليهن، كما سبق: كصغيرة، وسفيهة، ومجنونة، فيتصرف الأب نيابةً عنها.

قال: "وعفوه أن يعطي النصف الذي سقط عنه من الصداق" يعني يتنازل عنه، ويكون هذا مقابلًا لقوله: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أي: النساء، يعني: أو يعفوا الأزواج، وهذا هو الأقرب، والأرجح في معنى الآية - والله تعالى أعلم -.

قال: "وحجة مالك: أن قوله: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ أي: في الحال، والزوج ليس بيده بعد الطلاق عقدة النكاح" يعني هذا الطلاق ليس بطلاقٍ رجعي، وإنما هو طلاقٌ بائن إذا كان قبل الدخول، يعني الصورة التي أمامنا هي صورة طلاق قبل الدخول، وقد سمى لها صداقًا، فلها نصف الميراث، إذا كان الرجل طلق قبل الدخول، فإنها تبين منه مباشرةً، ولا عدة عليها، يعني رجل عقد على امرأة، ثم قال لها: أنتِ طالق، انتهى كل شيء؛ لأنه ليس بطلاق رجعي، يملك فيه الرجعة، وتكون في وقت العدة عنده، ويستطيع أن يُراجع، فهنا لا يوجد عدة، وليس ذلك بطلاقٍ رجعي، إنما هي طلقةٌ بائنة، يعني تحتاج إذا أراد أن يرجع إليها إلى عقد جديد، ومهر جديد، وكثير من الناس يجهل هذا، وبعضهم قد يُطلق في أيام العقد مازحًا، هازلًا، وما يدري أنها تكون قد بانت أصلًا منه، وإذا قيل له ذلك، قال: طيب أنا أراجعها فيما بيني، وبينها، يقال: لا، فلا بد من نكاح جديد، وبولي، وصداق، فبعضهم يقول: هذا يوقع في حرج أمام أهلها؛ لأنه كان يمازحها، فبعضهم للأسف لا يجد شيئًا يمازح به سوى هذا، يقول: كنت معها في حالٍ من الحياء، والحرج، وجلست معها، فلم تجد شيئًا تقوله إلا أن قالت: أتحداك تطلقني، فقال لها: أنتِ طالق، هذا يقع، فهذا ما وجد شيء يعبث به، أو تعبث هي به إلا الطلاق، فتبين منه.

ففي هذه الحال عند الإمام مالك - رحمه الله - أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قال: بعد ما طلق بانت منه، فليس عقدة النكاح بيده، لكن هذا باعتبار ما سبق، كما قال الله  في العضل: فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] هو ليس بزوج لتلك المطلقة التي انتهت العدة، ثم كان لها الرغبة أن ترجع إلى زوجها الذي طلقها، ولديه الرغبة في الرجوع إليها، فليس للأولياء أن يمنعوها منه، بعقد جديد؛ لأنها طُلِّقت طلاقًا رجعيًّا، وانقضت العدة، أو طلقة بائنة، يعني: طُلِّقت قبل الدخول، فهنا ليس لهم أن يمنعوها من زوجها، فقال: أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ هذا باعتبار الماضي، وهنا قال بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ أي: باعتبار ما سبق، أو كما قيل: أن بيده إبرام ذلك، والنقض، فهو الذي يملك الإبرام، والحل.

قال: "وحجة الشافعي: قوله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى فإن الزوج إذا تطوّع بإعطاء النصف الذي لا يلزمه فذلك فضل، وأما إسقاط الأب لحق ابنته فليس فيه تقوى؛ لأنه إسقاط حق الغير".

وقال بعضهم: هذا الخطاب وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى خوطب به الجميع، الرجال، والنساء، وهذا مروي عن ابن عباس - ا - والشعبي[8] فيكون الخطاب في قوله: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى للجميع، ففيه حث للطرفين على العفو، فالمرأة تعفو عن نصيبها، والرجل يعفو عن نصيبه.

"قوله: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] قيل: إنه يعني إسقاط المرأة نصف صداقها، أو دفع الرجل النصف الساقط عنه، واللفظ أعم من ذلك".

اللفظ أعم من هذا، لكن حمله على الإسقاط جماعة من السلف، فهو مروي عن مجاهد، والنخعي، والضحاك، ومقاتل، والربيع بن أنس، والثوري[9] حيث قالوا: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ فيتنازل عن نصيبه، أو تتنازل عن نصيبها، لكن المعنى أعم من هذا، فيدخل فيه ذلك: العفو، والإسقاط، وهو تذكيرٌ أيضًا للأزواج بـالفضل بالإحسان، فإن رأى منها خلقًا أعجبه آخر، فلا ينس الأيام الجميلة التي عاشها معها، ولا ينس ما كان منها من إحسانٍ إليه، وعمل على إسعاده.

وكذلك هي لا تنس ذلك منه، فتكون كما قال النبي ﷺ يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط [10] فمثل قوله: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إذا حُمِلَ على العموم يشمل ذكر الجميل، والمعروف السابق، مع بذل المعروف في الحال، والمستقبل.

فقال: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أي: ليكن ذلك على ذكرٍ منكم، وعلى بال، وليكن ذلك أيضًا منكم حالًا، وفعالًا، فيرفعهم، ويرقيهم، فإن الكثيرين في مثل هذه الحالات يذكرون الإساءات، ويحصونها، ويقدمون قائمة بالتقصير من أول لقاء إلى ما بعد الفراق، وهذا غير صحيح، يحسن إليها سواءً أبقاها، أو طلقها؛ ولهذا قال: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ يحثهم على البذل، والإحسان، والكرم. 

  1.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/642).
  2.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/320).
  3.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/320)، وتفسير الثعلبي = الكشف، والبيان عن تفسير القرآن (2/193).
  4. زاد المسير في علم التفسير (1/213).
  5.  تفسير القرطبي (3/207).
  6. تفسير ابن أبي حاتم (2/445).
  7.  تفسير ابن أبي حاتم (2/445)، وزاد المسير في علم التفسير (1/213)، وتفسير ابن كثير (1/487).
  8.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/644).
  9.  المصدر السابق.
  10.  أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب كفران العشير، وكفر دون كفر برقم: (29)، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ما عرض على النبي ﷺ في صلاة الكسوف من أمر الجنة، والنار برقم: (907).