المطلقة قبل الدخول، وقبل تسمية الصداق؛ هذه تجب لها المتعة بالإجماع بنص الآية، ولكن اختلف العلماء في المرأة التي طلقت قبل الدخول وقد سمي لها الصداق هل تجب لها المتعة أم لا؟
ذهب كثير من أهل العلم أن هذه لا متعة لها، وإنما تعطى فقط نصف الصداق، واستدلوا بقوله سبحانه: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فذكر الله نصف المهر المسمى، ولم يذكر المتعة.
وقالت طائفة: إن المتعة واجبة على عموم المطلقات، و"أل" في المطلقات للجنس تفيد العموم، وقالوا: إن القرآن كله كنص واحد، فما ذكر في موضع فإن ذلك يغني عن تكراره في كل موضع، ولهذا يقول الله لنبيه ﷺ لما اجتمع عليه نساؤه للمطالبة بزيادة النفقة، والتوسعة عليهن كما في سورة الأحزاب: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [سورة الأحزاب:28] والسراح وإن اختلف أهل العلم في معناه؛ إلا أن الأقرب أن المراد به الطلاق بقرينة ذكر المتعة معه، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -؛ لأن الطلاق لا أذية معه، وبهذا الاعتبار لو وقع عليهن الطلاق فإنه يكون بعد الدخول، ورغم ذلك فقد نصت الآية على فرض متعة لهن، وهذا القول ذهب إليه ابن جرير - رحمه الله -.
والقائلون بالاستحباب قالوا: إن الله لم يذكر المتعة في الآية لمن سمي لها الصداق وطلقت قبل الدخول، وأيضاً قال: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [(سورة البقرة:241]، فخص به المتقين دون غيرهم، وسبق الجواب على هذا الإشكال.
وقال بعضهم: إن المرأة لا تستحق المتعة إلا إن كانت مطلقة قبل الدخول ولم يسم لها الصداق، والله أعلم.
"وتشطير الصداق والحالة هذه أمر مجمع عليه بين العلماء، لا خلاف بينهم في ذلك، فإنه متى كان قد سمى لها صداقاً ثم فارقها قبل دخوله بها فإنه يجب لها نصف ما سمى من الصداق.
قال المفسر - رحمه الله تعالى -: وقوله: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أي: النساء عما وجب لها على زوجها من النصف، فلا يجب لها عليه شيء.
قال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس - ا - في قوله: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ قال: إلا أن تعفوا الثيب فتدع حقها.
قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم - رحمه الله -: وروي عن شريح وسعيد بن المسيب، وعكرمة ومجاهد، والشعبي والحسن، ونافع وقتادة، وجابر بن زيد وعطاء الخرساني، والضحاك والزهري، ومقاتل بن حيان وابن سيرين، والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك.
وقوله: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ قال ابن أبي حاتم: روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: وليُّ عقد النكاح الزوج[1]، وهكذا أسنده ابن مردويه، واختاره ابن جرير، ومأخذ هذا القول: أن الذي بيده عقدة النكاح حقيقة الزوج، فإن بيده عقدها، وإبرامها، ونقضه،ا وانهدامها، وكما أنه لا يجوز للولي أن يهب شيئاً من مال المولية للغير فكذلك في الصداق".
فلا إشكال عند أهل العلم في أن مراد قوله سبحانه: إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أي: النساء، والمعنى أن لها الحق في إسقاط ما لها من نصف الصداق، سواء وقع المهر في يدها، أو كان ديناً في ذمته، وذلك لا ينافي إطلاق العفو عليه.
وأختلف أهل العلم في المراد من قوله سبحانه: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فقالت طائفة: إن المراد به الزوج، وذلك أن العصمة بيده فهو إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، وعضدوا رأيهم بأنه صار بذلك يقابل الطرف الآخر وهي المرأة، فيكون - بهذا الاعتبار - العفو واقعاً من أحد الطرفين - المرأة أو الرجل -، واستدلوا بالحديث المتقدم: وليُّ عقد النكاح الزوج، وهذا هو قول عامة أهل العلم، وحديث عمرو بن شعيب لو صح لكان رافعاً للخلاف، ولكن هذا الحديث في سنده ابن لَهِيْعة وفيه كلام.
وقالت طائفة: إن الذي بيده عقدة النكاح ولي المرأة كالأب، أو الأخ، أو ابن العم ممن له ولاية عليها، ومِن لازم هذا القول أن يصير الولي متصرفاً في مهر المرأة، فله الحق أن يسقطه، وله أن يثبته، وهذا فيه إشكال؛ لأن الولي لا يملك حق التصرف في مال غيره، ولذلك لجأ بعضهم إلى حمله على لون من النساء في الولاية عليهن، فبعضهم قال: هي الصغيرة، وبعضهم قال: هي البكر، وهذا من التأويلات البعيدة؛ لأن الآية جاءت بالاسم الموصول "الذي" وهو يفيد العموم كما هو معلوم، فلا يخص ذلك ولياً دون ولي، وإنما تشمل عموم الأولياء، فالمقصود أن الرجل الولي لا يملك شيئاً من المهر، وإلا كان مدخلاً له للتسلط على أموال النساء، وحقهن في مقابل البضع، وهذا غير صحيح، فالمهر حق ثابت للمرأة لا يتصرف فيه الولي إلا وفق رضاها، والرجوع إليها سواء كانت بكراً أو ثيباً، وهذا مما يضعف هذا القول، ويرجح ما عليه عامة أهل العلم أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، فهما طرفان متقابلان - الرجل والمرأة - إلا أن يعفو هذا أو يعفو الآخر.
"وقوله: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قال ابن جرير: قال بعضهم: خوطب به الرجال والنساء.
وعن ابن عباس - ا -: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو".
فكل عفو واقع من أحد الطرفين فإن ذلك أقرب للتقوى سواء وقع ذلك في الصداق، أو في غيره من الحقوق كالمظالم التي تكون بين الناس والإساءة وما أشبه ذلك، فالله يقول: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة فصلت:34] وقال الله في القصاص: فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ [سورة المائدة:45]، وكذلك أيضاً في الديون لما قال: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:280] فإسقاط مثل هذه الحقوق سواء تعلقت بالمال، أو بالعرض أو نحو ذلك فهذا أقرب للتقوى.
"وكذا روي عن الشعبي وغيره، وقال مجاهد والنخعي، والضحاك ومقاتل بن حيان، والربيع بن أنس والثوري: الفضل هاهنا أن تعفو المرأة عن شطرها، أو إتمام الرجل الصداق لها.
ولهذا قال: وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أي: الإحسان، قاله سعيد".
فمن الإحسان أن يكمل الرجل للمرأة بقية المهر، أو أن تسقط المرأة نصف الصداق الذي وجب لها، بالعفو، فهذا المراد به أن يتفضل كل طرف على الآخر.
إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي: لا يخفى عليه شيء من أموركم، وأحوالكم، وسيجزي كل عامل بعمله".
ومن ذلك ما يتعلق بهذه الحقوق، والتفضل فيها، فالله يجزي هذا الإنسان المتفضل المتصدق، وهو بصير به، عالم بحاله، مطلع على عمله، لا يَضِيع منه شيء، وفي المقابل يجازي من قصر في عمله، وتوانى في الحقوق، وتساهل في الإيفاء.
- سنن الدارقطني برقم (128) (3/279)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم (14844) (7/251).