ما وجه المناسبة بين هذه الآية وبين الآيات التي قبلها، والتي بعدها التي تحدثت عن الطلاق وأحكامه، والعِدد؟
يمكن القول: إنه أورد ذكر الصلاة بين هذه الأحكام؛ ليدل على أن الاستعانة بالصلاة سبب للخروج من المشكلات التي تقع بين الناس، ودافعة للهموم، والآلام، والمصائب، والنكد، والكمد، وكذا ما يقع بين العشيرين (الزوجين) بحاجة إلى صبر، ومما يعين على ذلك المحافظة على الصلاة.
وبعضهم قال: إن الله لما بيّن طرفاً من حقوق الخلق التي غالباً ما تقع فيها المشاحة في هذه الآيات؛ رجع ليبيّن حقاً يخصه؛ فأرشدهم إلى أمر يحصل به حسن الصلة به ألا وهو الصلاة، وهذا الاستنباط يسمى عند العلماء بعلم المناسبة، وهو ليس على مرتبة واحدة، فمنه ما يكون كالشمس يلوح في الظهور والوضوح، ومنه ما يكون دون ذلك، ومنه ما يكون متكلفاً، فمثل استنباط هذه المناسبة من إيراد آيات المحافظة على الصلاة بين هذه الأحكام ليست من القوة، والمرتبة، والدرجة بمكان، وليس فيها ذلك التكلف، إنما هو وجه من النظر محتمل، ولا ينبغي أن يجزم به، والعلم عند الله.
"يأمر تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها، وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله ﷺ أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال: حدثني بهن رسول الله ﷺ ولو استزدته لزادني[1].
وخص - تعالى - من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر".
قوله سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ يشمل جميع الصلوات، وخص الوسطى من قبيل عطف الخاص على العام، وهذا التخصيص بذكر أحد أفراد العام إنما يكون لأهميته، ولفضله أو نحو ذلك، ومثله قوله سبحانه: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [سورة النساء:163] فخص هؤلاء الأنبياء دون غيرهم، وقوله: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [سورة البقرة:98] فخص بالذكر جبريل، وميكال؛ ليبين أن لهم مزية خاصة.
والصَّلاَةِ الْوُسْطَى الوسطى: تأنيث الوسط، ويأتي بمعنيين:
يأتي بمعنى أعدل الشيء، وخير الشيء كما قال سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [سورة البقرة:143] أي: عدولاً خياراً.
ويأتي الوسط للواقع بين الطرفين، وهذا في الأمور المعدودة، والمحسوسة وما أشبه ذلك.
فإذا فسر بالأول يكون المقصود بالصلاة الوسطى يعني التي هي أفضل الصلوات، وأعظم الصلوات، ولهذا جاء في التخلف عنها، والتحذير من تركها قوله ﷺ: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله[2]، وقوله: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله، وماله[3].
ويمكن تفسيرها على المعنى الآخر باعتبار أن قبلها صلاتين في أول النهار (الفجر، والظهر)، وبعدها صلاتين من الليل (المغرب، والعشاء) فهي في الوسط بهذا الاعتبار.
وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر.
"قال الترمذي والبغوي - رحمها الله -: "وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم"، وقال القاضي الماوردي: "وهو قول جمهور التابعين"، وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: "هو قول أكثر أهل الأثر"، وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: "وهو قول جمهور الناس"، وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى: بـ" كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى"، وقد نص فيه أنها العصر.
وحكاه عن عمر وعلي، وابن مسعود وأبي أيوب، وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب، وأبي هريرة وأبي سعيد، وحفصة وأم حبيبة، وأم سلمة وعن ابن عباس، وعائشة أجمعين على الصحيح عنهم، وبه قال عبيدة وإبراهيم النخعي، ورزين وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير وابن سيرين، والحسن وقتادة، والضحاك والكلبي، ومقاتل وعبيد بن أبي مريم وغيرهم.
أهل العلم على خلاف في المراد بالصلاة الوسطى، حتى إن بعضهم ذكر في المسألة ثمانية عشر قولاً، لكن الصواب الذي عليه عامة أهل العلم أنها صلاة العصر، ودليل ذلك ما جاء في فضل العصر، وعظيم خطر شأن المتهاون بها مثل حديث من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله...، وأن الله أقسم بالعصر في كتابه الكريم، والله لا يقسم بشيء إلا لشرفه، وعلو مكانته، وسمو منزلته، وكذا ما جاء في تفسير قول الله : تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ [سورة المائدة:106] فقد ذكر أهل التفسير أنها جاءت في الرجل الذي حلف بعد العصر كاذباً؛ للدلالة على أن عظم شأن الحلف بعد العصر من جهة الزمان، فهذه نوع من الأدلة على أن المراد بالصلاة الوسطى: العصر.
ولقد ثبت في السنة ما يؤكد أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، من ذلك ما جاء عن بعض الصحابة كعليٍّ قال: "كنا نراها صلاة الفجر"، حتى قال رسول الله ﷺ في يوم الأحزاب: ملأ الله بيوتهم، وقبورهم ناراً؛ شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس[4] يقصد صلاة العصر، فهذا الخبر نص، ودلالة صريحة في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
واستدل القائلون بخلاف ذلك بما جاء في القراءات الواردة في هذه الآية عن حفصة في مصحفها، ومصحف عائشة، وأم سلمة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر فهذا أشكلَ على كثير من أهل العلم، باعتبار أن "الواو" تقتضي المغايرة، وهذا يعنى أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر، وجاء في قراءة أخرى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي وذكر العصر، ولكن تعقب هذا القول بعض أهل العلم فقال: إن هذه القراءات التي جاءت بالعطف مما يوهم أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر جاء ما يقابلها من قراءات تدلل على أن المقصود بالصلاة الوسطى صلاة العصر، كما أن الأحاديث واضحة صريحة في ذلك كالحديث السابق: شغلونا عن الصلاة الوسطى.
وقيل: إنها صلاة الظهر، واستدلوا بأن الصحابة كانوا يلقون فيها عنتاً، وشدة بسبب الحر، فأنزل الله سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة:238] يثبتهم عليها، ومن أهل العلم من قال: العشاء والمغرب، وقيل: غير ذلك، ويلجئون إلى وجوه من النظر إلا أنها لا تكفى لمجرد الاستدلال، فلا بد أن يلجأ فيها إلى النقل، فالحاصل أن المشهور والراجح في المراد بالصلاة الوسطى أنها صلاة العصر، والله أعلم.
"روى الإمام أحمد عن علي قال: قال رسول الله ﷺ يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر".
يقول على بن أبي طالب - في أول الحديث -: "كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم الأحزاب: شغلونا... إلى آخره.
ومن السلف من أشار إلى ملمح تربوي عن المراد بالصلاة الوسطى فقال: "حافظْ على الصلوات تدركها (أي الصلاة الوسطى)، وهذا وجه في الجواب جيد؛ لأن الإنسان مأمور أن يحافظ على جميع الصلوات، فإذا حافظ عليها سيدرك الوسطى لا محالة، وهذا خير له من أن يشغل نفسه كثيراً في معرفة المراد بالصلاة الوسطى، خاصة إذ لم يكن هناك أثر، ولا نتيجة، ولا عمل.
شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم، وبيوتهم ناراً ثم صلاها بين العشاءين المغرب، والعشاء[5].
وكذا رواه مسلم، والنسائي، وأخرجه الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وغير واحد من أصحاب المسانيد، والسنن، والصحاح من طرق عن علي ، وحديث يوم الأحزاب، وشغل المشركين رسول الله ﷺ وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ مروي عن جماعة من الصحابة يطول ذكرهم، وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وقد رواه مسلم أيضاًَ من حديث ابن مسعود، والبراء بن عازب - ا -".
وجاء من حديث أم سلمة - ولكن في إسناده ضعف -، وكذلك جاء من حديث حذيفة في قصة الأحزاب.
"وروى الإمام أحمد عن سمرة أن رسول الله ﷺ قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر[6]".
هذا الحديث غير حديث قصة الأحزاب في بيان الصلاة الوسطى، وفيه ضعف، ولكن يمكن أن يحسن لشواهده، ومما يشهد له ما وقع في قصة الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى.
"وفي لفظ: أن رسول الله ﷺ قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها هي صلاة العصر.
وفي لفظ آخر أن رسول الله ﷺ قال: هي العصر[7]، قال ابن جعفر: سئل عن الصلاة الوسطى، ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح".
إذا ثبتت صحة هذا الحديث فالقاعدة في التفسير إن ثبت عن النبي ﷺ شيء فلا التفات إلى قول أحد معه، لكن من أهل العلم من لا يصحح هذا الحديث أصلاً، ويناقش بأن النبي ﷺ ذكر أحد أفراد العام؛ لأنه أولى بذلك الوصف، مع أن ذلك لا ينفيه عن غيره، لكن هذا يحتاج أن يقال: الصلوات كلها وسطى، والقول بهذا واضح أنه في غاية التكلف.
"وروى أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الوسطى صلاة العصر[8]، وقد روى الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الوسطى صلاة العصر[9] ثم قال: حسن صحيح".
هذه كلها شواهد إذا اجتمعت يحصل لأصل هذا الحديث قوة، فيرتقي بشواهده إلى درجة الحسن لغيره، والله أعلم.
"وأخرجه مسلم في صحيحه ولفظه: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر...[10] الحديث".
في وقعة الأحزاب، والأحاديث المرفوعة جاءت عن جماعة من الصحابة كابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وأبي مالك الأشجعي وغيرهم.
"فهذه نصوص في المسألة لا تحتمل شيئاً، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها قوله ﷺ في الحديث الصحيح عن ابن عمر - ا - أن رسول الله ﷺ قال: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله، وماله[11]".
يعني كأنه سلب أهله، وماله.
"وفي الصحيح عن بريدة بن الحصيب عن النبي ﷺ قال: بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله[12]".
قوله هنا: بكروا بالصلاة في يوم الغيم هذا من كلام بريدة بن الحصيب جاءت هذه الرواية صريحة عند البخاري أن بريدة قال لهم: "بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإني سمعت رسول الله ﷺ؛ ثم ذكر الحديث، فليعلم.
وأما بالنسبة للمراد من قوله ﷺ: فقد حبط عمله: فقد أورد الحافظ ابن حجر كعادته أقوالاً كثيرة في تبيين المقصود قال: فمنهم من يقول: أي حبط عمله الدنيوي الذي اشتغل به، وضيع الصلاة من أجله، إن كان تجارة فقد بطلت، وذهبت بركتها وما أشبه ذلك، وفيه تكلف.
وبعضهم يقول: فقد حبط عمله الذي يعمله في ذلك الوقت، إن كان عمل عملاً صالحاً فهو مخصوص بهذا، وهذا الكلام لا دليل عليه؛ لأن الأصل أن العمل مفرد مضاف إلى الضمير، ومعلوم أن المفرد المضاف من صيغ العموم كما قال سبحانه: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ [سورة النحل:83] يعني نعم الله، وأَوْ صَدِيقِكُمْ [سورة النور:61] أي أو أصدقائكم، وأشباه ذلك.
والصواب أن هذا الحديث من نصوص الوعيد لا يتعرض له بتفسير؛ لئلا يرتفع الزجر المقصود من الحديث بالتأويلات، والمحامل التي تضعف أثره في النفوس، وهذا وجه مشى عليه جماعة من أهل العلم، والإمام أحمد كان لا يرى التعرض لمثل هذه النصوص، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن حجر - رحمه الله -.
"قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: وقوله تعالى: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [سورة البقرة:238] أي: خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها، ولهذا لما امتنع النبي ﷺ من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه وهو في الصلاة؛ اعتذر إليه بذلك وقال: إن في الصلاة لشغلاً[13]، وفي صحيح مسلم أنه ﷺ قال لمعاوية بن الحكم السُلمي حين تكلم في الصلاة: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله[14].
وروى الإمام أحمد بن حنبل عن زيد بن أرقم قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي ﷺ في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فأمرنا بالسكوت[15]" رواه الجماعة سوى ابن ماجه".
فقد أورد بعض المفسرين في معنى القنوت ثلاثة عشر قولاً، وهذا الاشتراك في اللفظ مع الاختلاف في المعنى يعرف عند الأصوليين بالمشترك اللفظي، بحيث يكون للفظ في كل موضع معنى يفهم من السياق، ومدلولات الألفاظ قد تختلف بحسب الإفراد، والتركيب؛ كما هو مقرر عند علماء التفسير.
ولا شك أن استعمال هذه اللفظة في بعض المواضع يكون أعلق ببعض المعاني من المواضع الأخرى، فهنا جاء ذكر القنوت بعد أمر الله عباده بالمحافظة على الصلاة، قال سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ثم قال: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ مما يؤكد أن هذا الأمر يتصل بالصلاة، ولذا فسر بعض السلف القنوت في الصلاة بمعنى السكوت، وهذا المعنى من أقرب ما يفسر به القنوت في الآية، ذلك لأن الرواية جاءت نصاً في هذا المعنى فقد كانوا يتكلمون في الصلاة فلما نزلت هذه الآية سكتوا، ولا يمكن الجزم بذلك؛ وذلك لأنه جاء عن النبي ﷺ قوله: أفضل الصلاة طول القنوت[16]، قال أهل العلم المقصود به: طول القيام، فلا يمكن أن يفسر هذا الحديث بطول السكوت؛ لأن السكوت لازم في الصلاة بإطلاق، وهذا مما يدلل على أن السياق هو الذي يبين المعنى من بين المعاني المتنوعة بما هو أعلق به في المقام.
وأحياناً في بعض المواضع لا بد من الترجيح، وتارة يمكن الجمع بين هذه المعاني التي تواردت على اللفظ الواحد، ولشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله - رسالة خاصة في القنوت ضمن بعض المجاميع خرج فيها بنتيجة - بعد استقراء هذه اللفظة ودلالاتها في القرآن - أن القنوت يرجع إلى معنى واحد وهو: دوام الطاعة، وأما ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في أن المراد من القنوت في الآية الخشوع، والاستكانة بين يدي الله ، وقال: هذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها، فمراده أن هذا إنما هو معنىً من معاني القنوت وإلا فله معانٍ أخرى فقد فسر القنوت بالطاعة، وفسر بالخشوع، والاستكانة، والسكون، والسكوت، وطول القيام ...، وأما طريقة الجمع فيمكن أن يقال: إن الله أمر أن يقوموا لله قانتين: أي مطيعين، ويدخل في هذه الطاعة السكوت في الصلاة، وطول القيام، والسكون والخشوع ...، وكل ما أمر الله به فهو داخل تحت الطاعة، وهذا ما اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -، إذ أدخل جميع هذه المعاني تحت الآية؛ باعتبار أن جميعها يدخل في طاعة الله - تبارك وتعالى -، ولهذا جاء أثر عن مجاهد - رحمه الله - يؤيد هذا، يقول: "من القنوت الركوع والخشوع، وطول الركوع - يعني القيام -، وغض البصر، وخفض الجناح، والرهبة..." فكل هذه المعاني أدخلها مجاهد في القنوت، وقول مجاهد هذا موافق لما ذكره ابن جرير - رحمه الله -، وهذا من التفسيرات الحسنة عن السلف التي توضح سعة نظرهم، وشمول تفسيرهم للمعاني التي تحتملها الآية، وأنهم حينما يذكرون أحد هذه المعاني في كثير من الأحيان فإنما يقصدون بذلك التقريب والتمثيل لا الحصر، والله أعلم.
- رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب فضل الصلاة لوقتها برقم (504) (1/197)، ومسلم في كتاب الإيمان - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (85) (1/89).
- رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب إثم من ترك العصر برقم (528) (1/203).
- رواه النسائي برقم (478) (1/237)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (478).
- رواه البخاري في كتاب الجهاد - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة برقم (2773) (3/1071)، ورواه مسلم بلفظ: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم، وقبورهم ناراً أو قال: حشا الله أجوافهم، وقبورهم ناراً في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (628) (ج 1 / ص 437).
- أصل الحديث عند مسلم - رواه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم (627) (1/436)، ورواه أحمد في مسنده برقم (911) (1/113).
- رواه أحمد في مسنده برقم (20141) (5/12)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه عليه: صحيح لغيره رجاله رجال الصحيح.
- رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (6681) (6/338).
- رواه ابن حبان في صحيحه برقم (1746) (5/41)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
- رواه الترمذي برقم (181) (1/339)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (7282).
- رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم (627) (1/436).
- سبق تخريجه
- سبق تخريجه
- رواه أبو داود في سننه برقم (942) (1/347)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (923).
- رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة برقم (537) (1/381).
- أصله في الصحيحين - رواه البخاري في كتاب أبواب العمل في الصلاة - باب ما ينهى من الكلام في الصلاة برقم (1142) (1/402)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة برقم (539) (1/383)، ورواه أحمد في مسنده برقم (19297) (4/368).
- رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب أفضل الصلاة طول القنوت برقم (756) (1/520).