الأحد 25 / ربيع الأوّل / 1446 - 29 / سبتمبر 2024
حَٰفِظُوا۟ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُوا۟ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ۝ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:238-239].
ما وجه المناسبة بين هذه الآية وبين الآيات التي قبلها، والتي بعدها التي تحدثت عن الطلاق وأحكامه، والعِدد؟
يمكن القول: إنه أورد ذكر الصلاة بين هذه الأحكام؛ ليدل على أن الاستعانة بالصلاة سبب للخروج من المشكلات التي تقع بين الناس، ودافعة للهموم، والآلام، والمصائب، والنكد، والكمد، وكذا ما يقع بين العشيرين (الزوجين) بحاجة إلى صبر، ومما يعين على ذلك المحافظة على الصلاة.
وبعضهم قال: إن الله لما بيّن طرفاً من حقوق الخلق التي غالباً ما تقع فيها المشاحة في هذه الآيات؛ رجع ليبيّن حقاً يخصه؛ فأرشدهم إلى أمر يحصل به حسن الصلة به ألا وهو الصلاة، وهذا الاستنباط يسمى عند العلماء بعلم المناسبة، وهو ليس على مرتبة واحدة، فمنه ما يكون كالشمس يلوح في الظهور والوضوح، ومنه ما يكون دون ذلك، ومنه ما يكون متكلفاً، فمثل استنباط هذه المناسبة من إيراد آيات المحافظة على الصلاة بين هذه الأحكام ليست من القوة، والمرتبة، والدرجة بمكان، وليس فيها ذلك التكلف، إنما هو وجه من النظر محتمل، ولا ينبغي أن يجزم به، والعلم عند الله.
"يأمر تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها، وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله ﷺ أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قال: حدثني بهن رسول الله ﷺ ولو استزدته لزادني[1].
وخص - تعالى - من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر".

قوله سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ يشمل جميع الصلوات، وخص الوسطى من قبيل عطف الخاص على العام، وهذا التخصيص بذكر أحد أفراد العام إنما يكون لأهميته، ولفضله أو نحو ذلك، ومثله قوله سبحانه: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [سورة النساء:163] فخص هؤلاء الأنبياء دون غيرهم، وقوله: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [سورة البقرة:98] فخص بالذكر جبريل، وميكال؛ ليبين أن لهم مزية خاصة.
والصَّلاَةِ الْوُسْطَى الوسطى: تأنيث الوسط، ويأتي بمعنيين:
يأتي بمعنى أعدل الشيء، وخير الشيء كما قال سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [سورة البقرة:143] أي: عدولاً خياراً.
ويأتي الوسط للواقع بين الطرفين، وهذا في الأمور المعدودة، والمحسوسة وما أشبه ذلك.
فإذا فسر بالأول يكون المقصود بالصلاة الوسطى يعني التي هي أفضل الصلوات، وأعظم الصلوات، ولهذا جاء في التخلف عنها، والتحذير من تركها قوله ﷺ: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله[2]، وقوله: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله، وماله[3].
ويمكن تفسيرها على المعنى الآخر باعتبار أن قبلها صلاتين في أول النهار (الفجر، والظهر)، وبعدها صلاتين من الليل (المغرب، والعشاء) فهي في الوسط بهذا الاعتبار.
وخص تعالى من بينها بمزيد التأكيد الصلاة الوسطى وهي صلاة العصر.
"قال الترمذي والبغوي - رحمها الله -: "وهو قول أكثر علماء الصحابة وغيرهم"، وقال القاضي الماوردي: "وهو قول جمهور التابعين"، وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: "هو قول أكثر أهل الأثر"، وقال أبو محمد بن عطية في تفسيره: "وهو قول جمهور الناس"، وقال الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في كتابه المسمى: بـ" كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى"، وقد نص فيه أنها العصر.
وحكاه عن عمر وعلي، وابن مسعود وأبي أيوب، وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب، وأبي هريرة وأبي سعيد، وحفصة وأم حبيبة، وأم سلمة وعن ابن عباس، وعائشة أجمعين على الصحيح عنهم، وبه قال عبيدة وإبراهيم النخعي، ورزين وزر بن حبيش، وسعيد بن جبير وابن سيرين، والحسن وقتادة، والضحاك والكلبي، ومقاتل وعبيد بن أبي مريم وغيرهم.

أهل العلم على خلاف في المراد بالصلاة الوسطى، حتى إن بعضهم ذكر في المسألة ثمانية عشر قولاً، لكن الصواب الذي عليه عامة أهل العلم أنها صلاة العصر، ودليل ذلك ما جاء في فضل العصر، وعظيم خطر شأن المتهاون بها مثل حديث من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله...، وأن الله أقسم بالعصر في كتابه الكريم، والله لا يقسم بشيء إلا لشرفه، وعلو مكانته، وسمو منزلته، وكذا ما جاء في تفسير قول الله : تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ [سورة المائدة:106] فقد ذكر أهل التفسير أنها جاءت في الرجل الذي حلف بعد العصر كاذباً؛ للدلالة على أن عظم شأن الحلف بعد العصر من جهة الزمان، فهذه نوع من الأدلة على أن المراد بالصلاة الوسطى: العصر.
ولقد ثبت في السنة ما يؤكد أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، من ذلك ما جاء عن بعض الصحابة كعليٍّ قال: "كنا نراها صلاة الفجر"، حتى قال رسول الله ﷺ في يوم الأحزاب: ملأ الله بيوتهم، وقبورهم ناراً؛ شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس[4] يقصد صلاة العصر، فهذا الخبر نص، ودلالة صريحة في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
واستدل القائلون بخلاف ذلك بما جاء في القراءات الواردة في هذه الآية عن حفصة في مصحفها، ومصحف عائشة، وأم سلمة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر فهذا أشكلَ على كثير من أهل العلم، باعتبار أن "الواو" تقتضي المغايرة، وهذا يعنى أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر، وجاء في قراءة أخرى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي وذكر العصر، ولكن تعقب هذا القول بعض أهل العلم فقال: إن هذه القراءات التي جاءت بالعطف مما يوهم أن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر جاء ما يقابلها من قراءات تدلل على أن المقصود بالصلاة الوسطى صلاة العصر، كما أن الأحاديث واضحة صريحة في ذلك كالحديث السابق: شغلونا عن الصلاة الوسطى.
وقيل: إنها صلاة الظهر، واستدلوا بأن الصحابة كانوا يلقون فيها عنتاً، وشدة بسبب الحر، فأنزل الله سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة:238] يثبتهم عليها، ومن أهل العلم من قال: العشاء والمغرب، وقيل: غير ذلك، ويلجئون إلى وجوه من النظر إلا أنها لا تكفى  لمجرد الاستدلال، فلا بد أن يلجأ فيها إلى النقل، فالحاصل أن المشهور والراجح في المراد بالصلاة الوسطى أنها صلاة العصر، والله أعلم.
"روى الإمام أحمد عن علي قال: قال رسول الله ﷺ يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر".
يقول على بن أبي طالب - في أول الحديث -: "كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم الأحزاب: شغلونا... إلى آخره.
ومن السلف من أشار إلى ملمح تربوي عن المراد بالصلاة الوسطى فقال: "حافظْ على الصلوات تدركها (أي الصلاة الوسطى)، وهذا وجه في الجواب جيد؛ لأن الإنسان مأمور أن يحافظ على جميع الصلوات، فإذا حافظ عليها سيدرك الوسطى لا محالة، وهذا خير له من أن يشغل نفسه كثيراً في معرفة المراد بالصلاة الوسطى، خاصة إذ لم يكن هناك أثر، ولا نتيجة، ولا عمل.
شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قبورهم، وبيوتهم ناراً ثم صلاها بين العشاءين المغرب، والعشاء[5].
وكذا رواه مسلم، والنسائي، وأخرجه الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وغير واحد من أصحاب المسانيد، والسنن، والصحاح من طرق عن علي ، وحديث يوم الأحزاب، وشغل المشركين رسول الله ﷺ وأصحابه عن أداء صلاة العصر يومئذ مروي عن جماعة من الصحابة يطول ذكرهم، وإنما المقصود رواية من نص منهم في روايته أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وقد رواه مسلم أيضاًَ من حديث ابن مسعود، والبراء بن عازب - ا -".

وجاء من حديث أم سلمة - ولكن في إسناده ضعف -، وكذلك جاء من حديث حذيفة في قصة الأحزاب.
"وروى الإمام أحمد عن سمرة أن رسول الله ﷺ قال: الصلاة الوسطى صلاة العصر[6]".
هذا الحديث غير حديث قصة الأحزاب في بيان الصلاة الوسطى، وفيه ضعف، ولكن يمكن أن يحسن لشواهده، ومما يشهد له ما وقع في قصة الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى.
"وفي لفظ: أن رسول الله ﷺ قال: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها هي صلاة العصر.
وفي لفظ آخر أن رسول الله ﷺ قال: هي العصر[7]، قال ابن جعفر: سئل عن الصلاة الوسطى، ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح".

إذا ثبتت صحة هذا الحديث فالقاعدة في التفسير إن ثبت عن النبي ﷺ شيء فلا التفات إلى قول أحد معه، لكن من أهل العلم من لا يصحح هذا الحديث أصلاً، ويناقش بأن النبي ﷺ ذكر أحد أفراد العام؛ لأنه أولى بذلك الوصف، مع أن ذلك لا ينفيه عن غيره، لكن هذا يحتاج أن يقال: الصلوات كلها وسطى، والقول بهذا واضح أنه في غاية التكلف.
"وروى أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الوسطى صلاة العصر[8]، وقد روى الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: صلاة الوسطى صلاة العصر[9] ثم قال: حسن صحيح".
هذه كلها شواهد إذا اجتمعت يحصل لأصل هذا الحديث قوة، فيرتقي بشواهده إلى درجة الحسن لغيره، والله أعلم.
"وأخرجه مسلم في صحيحه ولفظه: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر...[10] الحديث".
في وقعة الأحزاب، والأحاديث المرفوعة جاءت عن جماعة من الصحابة كابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وأبي مالك الأشجعي وغيرهم.
"فهذه نصوص في المسألة لا تحتمل شيئاً، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها قوله ﷺ في الحديث الصحيح عن ابن عمر - ا - أن رسول الله ﷺ قال: من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله، وماله[11]".
يعني كأنه سلب أهله، وماله.
"وفي الصحيح عن بريدة بن الحصيب عن النبي ﷺ قال: بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله[12]".
قوله هنا: بكروا بالصلاة في يوم الغيم هذا من كلام بريدة بن الحصيب جاءت هذه الرواية صريحة عند البخاري أن بريدة قال لهم: "بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإني سمعت رسول الله ﷺ؛ ثم ذكر الحديث، فليعلم.
وأما بالنسبة للمراد من قوله ﷺ: فقد حبط عمله: فقد أورد الحافظ ابن حجر كعادته أقوالاً كثيرة في تبيين المقصود قال: فمنهم من يقول: أي حبط عمله الدنيوي الذي اشتغل به، وضيع الصلاة من أجله، إن كان تجارة فقد بطلت، وذهبت بركتها وما أشبه ذلك، وفيه تكلف.
وبعضهم يقول: فقد حبط عمله الذي يعمله في ذلك الوقت، إن كان عمل عملاً صالحاً فهو مخصوص بهذا، وهذا الكلام لا دليل عليه؛ لأن الأصل أن العمل مفرد مضاف إلى الضمير، ومعلوم أن المفرد المضاف من صيغ العموم كما قال سبحانه: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ [سورة النحل:83] يعني نعم الله، وأَوْ صَدِيقِكُمْ [سورة النور:61] أي أو أصدقائكم، وأشباه ذلك.
والصواب أن هذا الحديث من نصوص الوعيد لا يتعرض له بتفسير؛ لئلا يرتفع الزجر المقصود من الحديث بالتأويلات، والمحامل التي تضعف أثره في النفوس، وهذا وجه مشى عليه جماعة من أهل العلم، والإمام أحمد كان لا يرى التعرض لمثل هذه النصوص، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن حجر - رحمه الله -.
"قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: وقوله تعالى: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ [سورة البقرة:238] أي: خاشعين ذليلين مستكينين بين يديه، وهذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها، ولهذا لما امتنع النبي ﷺ من الرد على ابن مسعود حين سلم عليه وهو في الصلاة؛ اعتذر إليه بذلك وقال: إن في الصلاة لشغلاً[13]، وفي صحيح مسلم أنه ﷺ قال لمعاوية بن الحكم السُلمي حين تكلم في الصلاة: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله[14].
وروى الإمام أحمد بن حنبل عن زيد بن أرقم قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي ﷺ في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فأمرنا بالسكوت[15]" رواه الجماعة سوى ابن ماجه".

فقد أورد بعض المفسرين في معنى القنوت ثلاثة عشر قولاً، وهذا الاشتراك في اللفظ مع الاختلاف في المعنى يعرف عند الأصوليين بالمشترك اللفظي، بحيث يكون للفظ في كل موضع معنى يفهم من السياق، ومدلولات الألفاظ قد تختلف بحسب الإفراد، والتركيب؛ كما هو مقرر عند علماء التفسير.
ولا شك أن استعمال هذه اللفظة في بعض المواضع يكون أعلق ببعض المعاني من المواضع الأخرى، فهنا جاء ذكر القنوت بعد أمر الله عباده بالمحافظة على الصلاة، قال سبحانه: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ثم قال: وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ مما يؤكد أن هذا الأمر يتصل بالصلاة، ولذا فسر بعض السلف القنوت في الصلاة بمعنى السكوت، وهذا المعنى من أقرب ما يفسر به القنوت في الآية، ذلك لأن الرواية جاءت نصاً في هذا المعنى فقد كانوا يتكلمون في الصلاة فلما نزلت هذه الآية سكتوا، ولا يمكن الجزم بذلك؛ وذلك لأنه جاء عن النبي ﷺ قوله: أفضل الصلاة طول القنوت[16]، قال أهل العلم المقصود به: طول القيام، فلا يمكن أن يفسر هذا الحديث بطول السكوت؛ لأن السكوت لازم في الصلاة بإطلاق، وهذا مما يدلل على أن السياق هو الذي يبين المعنى من بين المعاني المتنوعة بما هو أعلق به في المقام.
وأحياناً في بعض المواضع لا بد من الترجيح، وتارة يمكن الجمع بين هذه المعاني التي تواردت على اللفظ الواحد، ولشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله - رسالة خاصة في القنوت ضمن بعض المجاميع خرج فيها بنتيجة - بعد استقراء هذه اللفظة ودلالاتها في القرآن - أن القنوت يرجع إلى معنى واحد وهو: دوام الطاعة، وأما ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في أن المراد من القنوت في الآية الخشوع، والاستكانة بين يدي الله ، وقال: هذا الأمر مستلزم ترك الكلام في الصلاة لمنافاته إياها، فمراده أن هذا إنما هو معنىً من معاني القنوت وإلا فله معانٍ أخرى فقد فسر القنوت بالطاعة، وفسر بالخشوع، والاستكانة، والسكون، والسكوت، وطول القيام ...، وأما طريقة الجمع فيمكن أن يقال: إن الله أمر أن يقوموا لله قانتين: أي مطيعين، ويدخل في هذه الطاعة السكوت في الصلاة، وطول القيام، والسكون والخشوع ...، وكل ما أمر الله به فهو داخل تحت الطاعة، وهذا ما اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -، إذ أدخل جميع هذه المعاني تحت الآية؛ باعتبار أن جميعها يدخل في طاعة الله - تبارك وتعالى -، ولهذا جاء أثر عن مجاهد - رحمه الله - يؤيد هذا، يقول: "من القنوت الركوع والخشوع، وطول الركوع - يعني القيام -، وغض البصر، وخفض الجناح، والرهبة..." فكل هذه المعاني أدخلها مجاهد في القنوت، وقول مجاهد هذا موافق لما ذكره ابن جرير - رحمه الله -، وهذا من التفسيرات الحسنة عن السلف التي توضح سعة نظرهم، وشمول تفسيرهم للمعاني التي تحتملها الآية، وأنهم حينما يذكرون أحد هذه المعاني في كثير من الأحيان فإنما يقصدون بذلك التقريب والتمثيل لا الحصر، والله أعلم.
  1. رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب فضل الصلاة لوقتها برقم (504) (1/197)، ومسلم في كتاب الإيمان - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (85) (1/89).
  2. رواه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة - باب إثم من ترك العصر برقم (528) (1/203).
  3. رواه النسائي برقم (478) (1/237)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (478).
  4. رواه البخاري في كتاب الجهاد - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة برقم (2773) (3/1071)، ورواه مسلم بلفظ: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم، وقبورهم ناراً أو قال: حشا الله أجوافهم، وقبورهم ناراً في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر (628) (ج 1 / ص 437).
  5. أصل الحديث عند مسلم - رواه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم (627) (1/436)، ورواه أحمد في مسنده برقم (911) (1/113).
  6. رواه أحمد في مسنده برقم (20141) (5/12)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه عليه: صحيح لغيره رجاله رجال الصحيح.
  7. رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (6681) (6/338).
  8. رواه ابن حبان في صحيحه برقم (1746) (5/41)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
  9. رواه الترمذي برقم (181) (1/339)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (7282).
  10. رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم (627) (1/436).
  11. سبق تخريجه
  12. سبق تخريجه
  13. رواه أبو داود في سننه برقم (942) (1/347)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (923).
  14. رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة برقم (537) (1/381).
  15. أصله في الصحيحين - رواه البخاري في كتاب أبواب العمل في الصلاة - باب ما ينهى من الكلام في الصلاة برقم (1142) (1/402)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة برقم (539) (1/383)، ورواه أحمد في مسنده برقم (19297) (4/368).
  16. رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب أفضل الصلاة طول القنوت برقم (756) (1/520).

مرات الإستماع: 0

 

"قوله: وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] جرّد ذكرها بعد دخولها في الصلوات اعتناءً بها، وهي الصبح عند مالك، وأهل المدينة[1] والعصر عند علي بن أبي طالب [2] لقوله - صلى الله عليه، وآله، وسلم - شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر[3].

وقيل: هي الظهر، وقيل: المغرب، وقيل: هي العشاء الآخرة، وقيل: الجمعة، وسميت الوُسْطَى لتوسطها في عدد الركعات، وعلى القول بأنها المغرب؛ لأنها بين الركعتين، والأربع، أو لتوسط وقتها على القول بأنها الصبح؛ لأنها متوسطةٌ بين الليل، والنهار، وعلى القول بأنها الظهر، أو الجمعة؛ لأنها في وسط النهار، أو لفضلها من الوسط: وهو الخيار، وعلى هذا يجري اختلاف الأقوال فيها".

 

قال هنا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] جاء به في وسط آيات الطلاق، بعض أهل العلم يقولون: إن هذه المشوشات، والمشغلات، والمشكلات، وما يحصل من التجاذب بين الزوجين، وما قد يحصل من الفراق، لا ينبغي أن يشغل عن ذكر الله، وطاعته، وأعظم ذلك من الاتصال به الصلاة حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى فإذا كان الإنسان في غمرة الاشتغال، وفي أخذٍ، وجذبٍ مع هذه المرأة، في مشكلة تفاقمت، حتى أُغلقت الأبواب، وأدى الأمر إلى الفراق، فذلك لا يشغل عن الأهم، والمطلوب الأكبر الذي هو الصلاة، هذا بالإضافة إلى أن النبي ﷺ كان إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة - وأيضًا - فالصلاة تنهى عن الفحشاء، والمنكر، فهو يقول: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ويأمرهم بالإحسان، ونحو ذلك، فهذه الصلاة تكفه عن الإساءة، وكثير من التصرفات، والأقوال التي لا تجمل، بعض الناس إذا حصل بينهم طلاق ساءت أخلاقه على هؤلاء الزوجات، وعلى أهلهن، وذويهن، ولربما أدى الأمر إلى أمور كبيرة من ضرب، أو تهديد بالقتل لها، أو لأبيها، أو لأخيها، أو لأهلها أجمعين، وهذا - أعوذ بالله - في غاية الإساءة، والإجرام، كيف تصير الأمور إلى هذا؟! أكرموه، وزوجوه، وأفرشوه موليتهم، وينتهي الأمر إلى مثل هذا الحال! - نسأل الله العافية -.

وبعض أهل العلم يقول: لما ذكر حقوق الخلق، ذكر حق الخالق، يعني هذا وجه الارتباط؛ لأنه قد يرد هذا السؤال: لماذا ذُكِرَت هذه الآية حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى في ثنايا الطلاق؟

ثم جاء كلام ابن جزي - رحمه الله - في الوُسْطَى فوسط الشيء في اللغة يقال لخياره، أو ما كان في الوسط قَالَ أَوْسَطُهُمْ [القلم:28] قيل: أعدلهم وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] يعني: عدولًا خيارًا، فالوسط يقال للخيار، ويقال للمتوسط بين شيئين، التوسط؛ وذلك أمرٌ نسبي.

فهنا من نظر إلى أن المعنى: التوسط بين شيئين، قال: هي متوسطة بين الصلوات، ومنهم من نظر إلى هذا المعنى باعتبارٍ آخر، وهو توسط في النهار، مثل: الظهر، والجمعة.

والعجيب: أن الصلاة الوسطى أورد فيها بعض المفسرين؛ كالشوكاني ثمانية عشر قولًا[4] مع أن الصلوات خمس، كما قيل في ليلة القدر، فالشهر ثلاثون يومًا، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أربعين قولًا في ليلة القدر[5].

وروي عن ابن عمر - ا - أنه سُئِلَ: ما هي الصلاة الوسطى؟ قال: "هي فيهن، فحافظوا عليهن كلهن"[6] هذا جواب حكيم، حافظ على الصلوات تدرك الصلاة الوسطى قطعًا، سواء كانت الصبح، أو العصر، أو الجمعة، أو الظهر، أو المغرب، أو العشاء، ووقع نحو هذا أيضًا الجواب لجماعة مثل: شريح[7] والربيع بن خثيم[8].

يقول: "جرّد ذكرها بعد دخولها في الصلاة اعتناءً بها" يعني من باب ذكر الخاص بعد العام حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ يشمل الصلاة الوسطى، وقال: وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى فذكر أحد أفراد العام بعده يدل على الاهتمام به، كقوله: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة:98] فهذا يدل على منزلة جبريل، وميكال - عليهما الصلاة، والسلام -.

قال: "وهي الصبح عند مالك، وأهل المدينة" باعتبار أنها متوسطة بين صلاة الليل، وصلاة النهار، المغرب، والعشاء في الليل، الظهر، والعصر في النهار.

"والعصر عند عليّ بن أبي طالب" وهذا مروي عن كثير من السلف، منهم: ابن عباس، وأبو هريرة، وابن عمر، وأبو سعيد الخدري، وعائشة، وأبو أيوب الأنصاري، وسمرة بن جندب، وحفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وعائشة[9] ونسبه الترمذي[10] والبغوي[11] إلى أكثر علماء الصحابة، وغيرهم، وقال ابن عبد البر: وهو قول أكثر أهل الأثر[12] وقال ابن عطية: هو قول جمهور الناس[13] وروي هذا عن جماعةٍ من التابعين؛ كالحسن، والنخعي، وسعيد بن جبير، وعَبيدة السلماني، وزر بن حبيش، قتادة، والضحاك، ومجاهد، وابن سيرين[14] بل هو مروي أيضًا عن عمر  وابن مسعود[15] من علماء الصحابة.

وجاء في صحيح مسلم من حديث البراء بن عازب قال: نزلت هذه الآية: "حافظوا على الصلوات، وصلاة العصر" فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى فقال رجلٌ كان جالسًا عند شقيقٍ له: هي إذًا صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله[16] وهذا نسخ اللفظ، دون الحكم.

فقوله: "حافظوا على الصلوات، وصلاة العصر" على اللفظ الأول الذي نُسِخ بإزائه: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى إذًا الوسطى هي: العصر، فهذا صريح في هذا المعنى، وجاء عن سمرة مرفوعًا: "الصلاة الوسطى: صلاة العصر"[17].

وفي الباب عن ابن عمر[18] وابن عباس[19] وأبي هريرة[20] وأبي مالك الأشجعي[21]  أن النبي ﷺ يقول: شغلونا عن صلاة الوسطى، صلاة العصر[22] وللحافظ الدمياطي كتاب بعنوان: "كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى".

وجاء عن علي -  -: "كنا نراها الفجر، فقال رسول الله ﷺ هي صلاة العصر يعني: صلاة الوسطى"[23] فهذا نص صريح لتحديد صلاة الوسطى، وأنها العصر؛ وذلك هو الذي ينبغي الوقوف عنده - والله أعلم -.

"قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ [البقرة:238] معناه: في صلاتكم قَانِتِينَ هنا ساكتين، وكانوا يتكلمون في الصلاة، حتى نزلت، قاله ابن مسعود[24] وزيد بن أرقم - ا -[25] وقيل: خاشعين، وقيل: طول القيام".

وَقُومُوا لِلَّهِ يعني في صلاتكم قَانِتِينَ قال: "ساكتين، وكانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت، وقيل: خاشعين، وقيل - هنا: طول القيام" ومضى الكلام على القنوت في الغريب من الألفاظ في المقدمة الثانية من هذا الكتاب، وذكرت قول شيخ الإسلام - رحمه الله - بأنه في مجموع استعمالاته في القرآن يرجع إلى معنى طول العبادة، وله رسالة في قنوت الأشياء لله تعالى، ضمن مجموعة الرسائل.

فالقنوت هو دوام الطاعة، ولزومها مع الخضوع، فأصل (قَنَتَ) يدل على طاعة، وخير في دين، يقال: فلان من القانتين، وذكر بعضهم له ثلاثة عشر معنى، وهذا يولع به من يذكرون الأشباه، والنظائر، ويكثرون المعاني، وكذلك أيضًا ما يُعرف بالتفسير الموضوعي، ومن أنواع التفسير الموضوعي: أن تُدرس لفظة في القرآن، وتُتتبع استعمالاتها في القرآن، كالمراد بالقنوت في القرآن.

ويقول أبو جعفر بن جرير: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ أي بالطاعة، وذلك بالخشوع، وترك الكلام، وبالدعاء، وإطالة القيام، وكل ما أمركم الله به[26] فجمع بين هذه المعاني: طول القيام، والسكوت، والخشوع، وهذا جيد، وقال مجاهد: من القنوت: الركوع، والخشوع، وطول الركوع - أي طول القيام، وغض البصر، وخفض الجناح، والرهبة لله تعالى[27].

وفسر ابن كثير وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ أي: خاشعين ذليلين، مستكينين بين يديه، وهذا الأمر يستلزم ترك الكلام في الصلاة؛ لمنافاته إياها[28] يعني: جعل بين المعنيين ملازمة، فذكر الخشوع، وترك الكلام وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ يعني هذا يتضمن المواظبة على ذلك، والمداومة فيها، على الخشوع، والطمأنينة مع السكوت التام، عن سوى ما أمر الله تعالى فيها من الذكر، والقراءة.

وقد جاء في الصحيحين عن زيد بن أرقم قال: "كنا نتكلم في الصلاة، يكلم أحدنا أخاه في حاجته، حتى نزلت هذه الآية: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فأُمرنا بالسكوت"[29] فيدخل في قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ دخولًا أوليًّا السكوت عن الكلام.

وقد أورد عليه الحافظ ابن كثير إشكالًا للعلماء[30] لكون تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة، كما في حديث ابن مسعود في الصحيح: " كنا نسلم على النبي ﷺ وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلًاً[31].

فالشاهد: أن النبي ﷺ أخبره بما وقع، وجدّ من الأمر بالسكوت في الصلاة، وترك الكلام، فهذا كان في مكة، والآية مدنية - بلا خلاف - إذ أن سورة البقرة معروف أنها من السور المدنية بالإجماع، فحمل بعضهم حديث زيد: "كنا نتكلم في الصلاة" على الإخبار عن جنس الناس، وزيد بن أرقم من صغار الصحابة، من الأنصار، وتحريم الكلام، والمنع منه كان بمكة قبل الهجرة، فزيد بن أرقم ما أدرك هذا، ولكنه يخبر عن جنس الناس، فالمراد بقوله: "كنا نتكلم" يعني: الناس.

وقيل بأن ذلك وقع مرتين من جهة الإباحة، والمنع، فحصل في مكة حيث كانوا يسلمون على النبي ﷺ ويرد عليهم السلام، ويتكلمون، ثم مُنعوا، ثم أبيح، ثم مُنعوا، لكن هذه الطريقة لا دليل عليها في الجمع.

وقد ذكر شيخ الإسلام ليس في هذا الموضع، بل في موضعٍ آخر لا علاقة له بهذا الموضوع: بأن هذه الطريقة طريقة الضعفاء من بعض الفقهاء، فحينما يرى تعارضًا يبادر إلى القول بتعدد ذلك، أو تعدد الوقائع في أسباب النزول، أو نحو هذا من غير تحقيق - والله أعلم -.  

  1.  التفسير الوسيط للواحدي (1/350).
  2.  تفسير الطبري = جامع البيان (5/177 - 5403).
  3.  أخرجه مسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم: (627).
  4.  فتح القدير للشوكاني (1/293)، ونيل الأوطار (1/384).
  5.  فتح الباري لابن حجر (4/262).
  6.  تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/371)، وفتح القدير للشوكاني (1/296).
  7.  فتح القدير للشوكاني (1/296).
  8.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (5/220 - 5491).
  9.  زاد المسير في علم التفسير (1/215)، وتفسير ابن كثير ت سلامة (1/648).
  10.  سنن الترمذي ت شاكر (1/342).
  11.  تفسير البغوي - إحياء التراث (1/323).
  12.  الاستذكار (2/191)، والتمهيد لما في الموطأ من المعاني، والأسانيد (4/289).
  13.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/323).
  14.  زاد المسير في علم التفسير (1/215).
  15.  زاد المسير في علم التفسير (1/215).
  16.  أخرجه مسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم: (630).
  17.  أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر برقم: (182)، وقال الألباني: "صحيح لغيره".
  18.  أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار، برقم (1010).
  19.  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم: (12069).
  20.  أخرجه ابن خزيمة برقم: (1338)، وقال الأعظمي: "إسناده صحيح".
  21.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (5/198 - 5445) لكنه فيه الأشعري، لا الأشجعي.
  22.  سبق تخريجه.
  23.  بهذا اللفظ أخرجه أحمد ط الرسالة (2/284 - 990)، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"، وحديث علي هذا أصله في مسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر برقم: (627).
  24.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/323).
  25.  تفسير السمرقندي = بحر العلوم (1/157).
  26. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/383).
  27.  تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/382).
  28.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/654).
  29.  أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب وقوموا لله قانتين [البقرة:238] برقم: (4534)، ومسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته برقم: (539).
  30.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/655).
  31.  أخرجه البخاري في أبواب العمل في الصلاة، باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة برقم: (1199)، ومسلم في المساجد، ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة رقم: (538).

مرات الإستماع: 0

حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ۝ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:238، 239] فهاتان الآيتان المتعلقتان بالصلاة، والأمر بالمحافظة عليها، لا سيما الصلاة الوسطى في ثنايا أحكام الطلاق، أمرٌ قد يوجب التساؤل: ما العلاقة بين هذه الآية، وآيات الطلاق قبلها وبعدها؟ ولماذا دخلت هذه الآية في وسط آيات الطلاق؟ فقبلها حديث عنه، وبعدها حديث عنه.

والعلماء -رحمهم الله- ذكروا لذلك وجوهًا في الجواب، فمن ذلك: أن الإنسان في غمرة الاشتغال والانغماس في القضايا الأُسرية، والمُشكلات التي قد تتفاقم حتى يصير الأمر إلى الفراق، فينبغي إلا ينسى مع ذلك كله هذا المُهم العظيم، وهي الصلاة التي هي صلة بالله ، وأعظم الأركان، فمهما كان مشغولاً بأسرته، وامرأته، ومهما كانت ظروفه كما يُقال، ومهما كانت المشكلات التي يعيش في غمرتها، فإن ذلك لا يشغله عن صلاته، فإذا سمع: الله أكبر، حي على الفلاح، فإنه يُبادر، وليس هناك ما يمنع منها، فهذا يسمو أيضًا بروحه وبنفسه وقلبه، من أجل أن يكون على حال يُحسن فيها، ولا يقع منه الظلم والإساءة.

وقد نهى الله عن ذلك في الآيات التي قبلها، وحذَّر من ظلم هؤلاء الزوجات، وحث على الإحسان والفضل، فقال: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ وجعل المُتعة للمطلقة قبل الدخول وقبل تسمية المهر حقًا، فقال: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ فهذا السمو والارتفاع والترقي، والبُعد عن الظلم، ومصادرة الحقوق، وتغيير "الكوالين" كما يُقال، فيمنع المرأة حتى من ثيابها، وأغراضها الشخصية، فتأتي لتأخذ ذلك فيمنعها، والمفروض أنها لا تخرج في مدة العدة، لكن الواقع للأسف أنها تخرج بطوعها، أو يُخرجها هو، فإذا جاءت لتأخذ شيئًا من حاجاتها الخاصة، وجدت الأغلاق قد غُيرت في بيتها ودارها، فلم تعد تلك التي تعرفها، فهذا من الظلم. 

وبعض النساء تقول: جلست عند أهلي شهورًا طويلة، ليس عندي ملابس، وليس عليّ إلا الثوب الذي أرتديه فقط، وأغلق كل شيء، وأغلق هاتفه، وصادر كل شيء لها، فهذه الطريقة والمعاملة لا تليق، حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة:238] فهذه الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت:45] فالذي يُقيم الصلاة على الوجه المطلوب، مُتحققة بشروطها وواجباتها وأركانها ومستحباتها صلاته تنهاه عن مثل هذه الأفعال المرذولة، وعن الظلم والعدوان لأقرب الناس إليه.

فوجه الارتباط بين هذه الآية حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [سورة البقرة:238] وآيات الطلاق: ذكر بعض أهل العلم: أن من أقام أمر آخرته أقام الله له دنياه، ومن أصلح صلته بالله، وعلاقته بربه، أصلح الله له دنياه، وكفاه ما أهمه، فالذين يُعانون من مشكلات أسرية، ويُعانون من قضايا مع أولاد يعقونهم، ويُعانون من زوجات ناشزات، وأُسر مُتفككة، فعليهم بالصلاة، أصلح صلتك بالله، يصلح لك صلتك بالناس.

فهذا الذي يظلم أقرب الناس إليه، لا يوثق به، ولا يُطمئن إليه بحال من الأحوال، إذا كان يظلم أقرب الناس إليه، وأولى الناس بالإحسان بعد الوالدين وهي الزوجة، وهي العشير، وأعظم المُعاشرة ما يكون بين الزوجين، ومع ذلك يظلمها، والله لا يوثق بمثل هذا وابتساماته ودُعابته وظرافته بين أصحابه، وكرمه المصنوع إذا كان أقرب الناس إليه يعيشون في حسرات، ويُعانون من ظُلمه وغشمه وإساءته المُتكررة، فهذه الصلاة تنتشله فيرتقي ويترفع من حظوظ النفس، وتبقى روحه معلقة بالله -تبارك وتعالى، فتصدر عنه الأخلاق السامية.

وهكذا هي عادة القرآن إذا ذكر الأمور والأحكام والقضايا الدنيوية يذكر القضايا الأخروية، فيربط الناس بالآخرة، فيُذكرهم بربهم -تبارك وتعالى، وما يُقربهم إليه، كما ذكرنا من قبل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [سورة البقرة:187] فأباح لهم الجماع ليلة الصيام، ثم قال: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [سورة البقرة:187] وقلنا: بأن بعض السلف قال: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [سورة البقرة:187] يعني: ليلة القدر، فلا يشغلكم الجماع، أو وابتغوا ما كتب الله لكم من العمل الصالح، وطاعة الله، وقيام رمضان، أو العشر الأواخر، أو ليالي الشهر، أو الولد، فيكون له نية بهذا الجماع، وليست مجرد شهوة عابرة، وإنما يقصد بذلك أن يولد له ولد يكون صالحًا مُصلحًا، ينفعه في الدنيا والآخرة، وينفع الأمة.

فهذه وجوه في الجواب، وهي جديرة بالتأمل، وكما ذكرنا في قوله -تبارك وتعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [سورة البقرة:198] يعني: التجارة في الحج، وقال: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [سورة البقرة:197] تزودوا، يعني: بما تحتاجون إليه في السفر، من الزاد الحسي من الطعام والشراب، ثم ذكرهم بالزاد في السفر الطويل فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [سورة البقرة:197] وهذا كثير في القرآن، يربط بين هذا وهذا.

وهنا الحديث عن قضايا أُسرية وقضايا وعلاقات زوجية، وطلاق، وما إلى ذلك، فذكرهم بالارتباط بالله ، وأعظم ذلك هذه الصلاة، وهذا يدل على أهمية هذه الصلاة، وأن بها يحصل السمو، وتحصل الحياة الحقيقية الكريمة، ويحصل بها صفاء ونقاء الأرواح، فلا يُثقلها هذا الحُطام والانجذاب إلى الطين والأرض، وما إلى ذلك، فحافظوا -أيها المسلمون- على الصلوات الخمس المفروضة، بالمداومة على أوقاتها، بشروطها، وأركانها، وواجباتها، ومُستحباتها، وحافظوا على الصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر، والعلماء -رحمهم الله- قد اختلفوا فيها على أقوال خمسة، يعني كل فرض من الفروض قيل إنه هو الصلاة الوسطى، لكن يكفي بيان النبي -صلى الله عليه وسلم، فقد قال في يوم الخندق: شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر[1]، فهذا بيان واضح وصريح بالسنة لما جاء في القرآن، والنبي ﷺ أعلم بالقرآن، وبكلام الله -تبارك وتعالى، وإذا جاء نهر الله، بطل نهر معقل، فالصلاة الوسطى هي صلاة العصر.

ويُؤخذ من قوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [سورة البقرة:238] يعني: في صلاتكم، والقنوت يُطلق على طول القيام، وطول العبادة، ويُطلق على السكوت والصمت، يعني: لا تتكلموا في الصلاة، حيث كانوا يتكلمون في الصلاة، وكان النبي ﷺيرد على أصحابه السلام، فلما هاجر نفرٌ منهم إلى الحبشة، ورجع بعضهم لما أُشيع أن قريشًا قد أسلمت، سلموا على النبي ﷺ فلم يرد السلام، فرابهم ذلك، ثم أخبرهم بهذا الحكم الجديد، وأن الصلاة لا يصح فيها الكلام، وقد قال النبي ﷺ: أفضل الصلاة طول القنوت[2]، أي: طول القيام، فالقنوت في موارده واستعمالاته تارة يُطلق على طول القيام، وتارة يُطلق على السكوت، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- جمع استعمالات هذه اللفظة في القرآن، وخرج بنتيجة في الجملة، وهي أن القنوت معناه: دوام العبادة والطاعة[3].

وفي قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ لم يقل: احفظوا الصلوات، وإنما قال: حافظوا على وزن (فاعلوا) فهذه الصيغة أقوى، فهي تدل على عزم وحث بقوة، ففرق لما يُقال: احفظ الصلاة، وبين أن يُقال: حافظ على الصلاة، وزيادة المبنى لزيادة المعنى، إذا زاد حرف في الكلمة فهذا يدل على زيادة في المعنى لهذه اللفظة، فهذا فيه مُبالغة في رعاية هذه الصلاة، والتهيؤ لها، والاشتغال بها، والمحافظ على أوقاتها، وعلى ما يُطلب فيها من أركان، وشروط، وواجبات، ومُستحبات.

حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ بمعنى: لا تُضيع شيئًا من هذه الصلاة، ولا تنام عنها، ولا تنشغل عنها بشيء من هذه الأمور المُشغلة: من الزوجات والأولاد والوظائف والدراسة، وما إلى ذلك، وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى الصلاة الوسطى هي من جملة هذه الصلوات، ومعلوم أن عطف الخاص -الصلاة الوسطى- على العام -الصلوات- يدل على أهميته، ويدل على مزيه فيه؛ ولهذا قال النبي ﷺ: من فاتته العصر، فكأنما وتر أهله وماله[4]، يعني: كأنما استلب ذلك منه، وفقد هذا جميعًا، فهذا يدل على أهمية صلاة العصر، ووقت العصر وقت له مزية.

وقوله -تبارك وتعالى: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [سورة العصر:1، 2] قيل: العصر الزمن، وأقسم الله بالزمن مطلقًا، وقيل: العصر هو الوقت المعروف، ويمكن الجمع بين القولين -والله تعالى أعلم- أن الله أقسم بالزمن، وأقسم بهذا الوقت المخصوص، والقرآن يُعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فأقسم بهذا الوقت الشريف؛ ولهذا جاء في قوله -تبارك وتعالى- في الشهادة على المال الذي يكون في السفر شهد عليه من غير المسلمين، قال: تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ [سورة المائدة:106] بعد الصلاة أي صلاة؟ صلاة العصر، وجاء في الحديث في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: ... ورجل يبايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أعطي بها كذا وكذا فصدقه، فأخذها، ولم يعط بها[5]، فهذا الوقت خطير، الحلف فيه بعد العصر ليس كالحلف في غيره، وانظر الأيمان بالأسواق، ومعارض السيارات، ونحو ذلك بعد صلاة العصر، قسمًا بالله العظيم أني شاريها بكذا، وأنها مسوومة بكذا، وطالعة عليّ بكذا، والله العظيم واليمين تسبق الدعوى -نسأل الله العافية، وتعقبها أيضًا، فهذا الحلف فيه أشد وأقوى.

وعلى كل حال قوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [سورة البقرة:238] فهذه الصلاة الوسطى هي أهم الصلوات، والصلوات الأخرى جاء فيها فضائل أيضًا، فالمغرب هي وتر صلاة النهار، وجاء في صلاة العشاء والفجر قوله ﷺ: من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله[6]، وجاء أيضًا في صلاة الفجر: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء[7]، وصلاة الظهر تُسمى الصلاة الأولى، وجاء في الصلاة قبلها وبعدها غير الراتبة من صلى أربعًا قبل الظهر، وأربعًا بعدها، حرم الله لحمه على النار[8]، فهذا في النافلة، فما بالك الفريضة! ففي هذا الحديث أربعًا قبل، وأربعًا بعد، فالأربع التي بعد ليست هي الراتبة، وجاء في الركعتين قبل الفجر: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها[9]، هذه السنة الراتبة قبل الفجر، خير من الدنيا وما فيها، إذًا صلاة الفجر كم تعدل؟

ومعلوم أن العبد ما تقرب إلى الله بشيء أحب إلى الله مما افترض عليه، فالفريضة أثقل من النافلة، فإذا كانت الراتبة قبل الفجر خير من الدنيا وما فيها، إذًا: الفريضة ماذا تعدل؟ خير من ماذا؟ وما الدنيا التي يشتغل من أجلها الناس، ويتسارعون ويتسابقون إليها، وفي النهاية: هذه الأشبار في القبر، وفي لُفافة هي من البلدية، لا يدفع فيها شيئًا، ثم يُسلب كل شيء، ولا يوضع معه ريال واحد، ولا قارورة ماء، ولا عشاء ليلته، لا يوجد معه شيء، فطعامه وشرابه هو هذا العمل الذي قدمه لنفسه، فما الدنيا وتهافت الناس عليها؟! إن طال عمره سار في حال لا يستطيع القيام، ولا القعود، ومل وسئم واكتئب، إلا من رحم الله، وما بين ذلك يناله ويطاله ما يطاله من الأمراض والأسقام والهموم والغموم بالأولاد والزوجات والأموال، ويُكابد حتى يلقى الله -تبارك تعالى-.  

  1. أخرجه أحمد ط الرسالة برقم: (1036) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم". وهو في الصحيحين بدون التصريح بأنها صلاة العصر.
  2. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أفضل الصلاة طول القنوت برقم: (756).
  3. جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (1/7).
  4. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر برقم: (626).
  5. أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب من بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا برقم: (7212) ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية، وتنفيق السلعة بالحلف، وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم برقم: (108).
  6. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة برقم: (656).
  7. أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة برقم: (657).
  8. أخرجه مسند أحمد برقم: (26764) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح".
  9. أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما وتخفيفهما، والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب أن يقرأ فيهما برقم: (725).