"أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ [البقرة:259] تقديره: (أو رأيت مثل الذي) فَحُذِف لدلالة (ألم تر) عليه؛ لأنّ كلتيهما كلمتا تعجب، (وفي جميع النسخ: كلمتا تعجيب)، ويجوز أن يحمل على المعنى كأنه يقول: أرأيت كالذي حاج إبراهيم، أو كالذي مرّ على قرية، وهذا المارّ قيل: إنه عزير، وقيل: الخضر."
فقوله: "أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ [البقرة:259] تقديره: أو رأيت مثل الذي" مر على قرية، يقول: "لدلالة ألم تر" يعني: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ [البقرة:258] أو رأيت مثل الذي مر على قرية.
يقول: "فَحُذِف لدلالة ألم تر عليه؛ لأنّ كلتيهما كلمتا تعجب" يعني: ألم تر "ويجوز أن يحمل على المعنى كأنه يقول: أرأيت كالذي حاج إبراهيم، أو كالذي مرّ على قرية" فهو للعطف حملًا على المعنى أَوْ هذه للعطف، العطف على ما قبلها، أرأيت الذي حاج إبراهيم في ربه، أو كالذي مر، أو رأيت مثل الذي مر على قرية.
أما ما يتعلق باسم المار عزير، أو الخضر هذا لا دليل عليه، كل ذلك من أخبار بني إسرائيل، والقول بأنه الخضر: هذا بناءً على أن الخضر لم يمت، وأنه حي، وهذا لا دليل عليه، والنبي - صلى الله عليه، وآله، وسلم - قال: أرأيتم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها، لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد.
كل الناس هؤلاء سيموتون، فهذا يشمل الخضر، وغير الخضر، والقول بحياة الخضر أنها مستمرة بَنى عليها الصوفية كثيرًا من الأباطيل، والمختلقات، والدعاوى.
وعلى كل حال: لا دليل على تسميته، وهذا ما يسمى بالمبهمات في القرآن، قد مضى الحديث عن شيءٍ من هذا، وألف فيها السهيلي كتابه المشهور، وألف آخرون كُتبًا منها ما يتمم كتابه، ويستدرك عليه ما فاته، قد سميت طائفةً منها في بعض المناسبات في شرح رسالة السيوطي في الكلام على المبهمات، وذكرت أنه لا فائدة من تتبعها، وأنها قد تفيد قليلًا لدفع تهمةٍ، أو بيان منقبةٍ، وإلا فالغالب لا فائدة من معرفتها.
وبعضهم يقول غير ما ذُكر، بعضهم يقول هو: حِزقيل، وبعضهم يقول: أرمياء، وبعضهم يقول: هو رجل من بني إسرائيل، المقصود العظة، والعبرة، هذا مر على قرية، وهي خاوية على عروشها، فاستبعد إحياء الله - تبارك، وتعالى - لها بعد موتها، والمقصود إحياء أهل القرية أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:259] فالذي يموت هو أهلها، استبعد ذلك، ولا يدل ذلك على أنه لا يؤمن بالبعث، وقدرة الله على الإعادة، لكنه يقول ذلك مستفهمًا مع إيمانه، يمكن أن يكون هذا، فأراه الله هذه الآية، وهذا أحد المواضع الخمسة كما ذكرنا في هذه السورة الكريمة؛ سورة البقرة التي وجد فيها هذا النوع من الأدلة على قدرة الله على البعث، وهي إحياء من ماتوا.
قال - رحمه الله -: فقوله: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ [البقرة:259] ليس إنكارًا للبعث، ولا استبعادًا، ولكنه استعظام لقدرة الذي يحيي الموتى، أو سؤالٌ عن كيفية الإحياء، وصورته، لا شك في وقوعه، وذلك مقتضى كلمة أنّى فأراه الله ذلك عيانًا ليزداد بصيرة، وقيل: بل كان كافرًا، وقالها إنكارًا للبعث، واستبعادًا، فأراه الله الحياة بعد الموت في نفسه، وذلك أعظم برهان."
على كل حال: مثل هذا لا يؤثر في العبرة، والعظة التي من أجلها ذُكِرَ ذلك، يعني: سواء كان مؤمنًا، أم كان كافرًا، المقصود: بيان قدرة الله - تبارك، وتعالى - على إعادة الحياة، وإحياء الموتى.
"قوله - رحمه الله - في قوله تعالى: وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259] أي: خالية من الناس، وقال السدّي: سقطت سقوفها وهي العروش، ثم سقطت الحيطان على السُقُف."
قوله: "خالية من الناس،" خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا [البقرة:259]: أي خالية، هذا تفسيرٌ على المعنى، يعني هذا مثال للتفسير على المعنى، يعني: ليس معنى هذه الجملة خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا بمعنى أنها خالية من الناس أقصد من ناحية اللغة العربية في بيان معاني الألفاظ، والتراكيب، لكن المعنى المراد أنها خالية من الناس، ففرق بين التفسير على اللفظ، والتفسير على المعنى، والسلف كثيرًا ما يفسرون على المعنى، فالمقصود: أن هذا مثال له.
يقول: "وقال السدّي:" السدي قال هذا أيضًا، والضحاك، "سقطت سقوفها، وهي العروش، ثم سقطت الحيطان على السقف" خَاوِيَةٌ عَلَى هذا من قبيل التفسير على اللفظ، والأول تفسير على المعنى؛ لأن العروش هي السقوف، خاوية على عروشها سقطت عروشها فسقطت الحيطان على السقوف، وأصل كلمة الخوى أصلها: تأتي بمعنى الخلو، والسقوط، والخلاء، والأصل في العروش ،كلمة العرش، عروش: جمع عرش يُقال: ارتفاع في شيءٍ مبني يُقال له: عرش.
"قال - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ [البقرة:259] ظاهر هذا اللفظ إحياء هذه القرية بالعمارة بعد الخراب، ولكن المعنى: إحياء أهلها بعد موتهم؛ لأنّ ذلك هو الذي يمكن فيه الشك، والإنكار، ولذلك أراه الله الحياة بعد موته، والقرية كانت بيت المقدس لما خربها بختنصر، وقيل: قرية الذين خرجوا من ديارهم، وهم ألوف."
قوله: "أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ [البقرة:259]" أَنَّى هذا حرف للبحث عن الحال "أَنَّى" وكذلك المكان، بمعنى كيف هذا بالنسبة للحال، كيف يحي الله هذه القرية بعد موتها، وبالنسبة للمكان أين، تأتي أنى بمعنى: أين، أنى كنتم بمعنى أين كنتم، أنى تأتي بهذا، يعني: كيف تأتي به.
وتحديد القرية هذا أيضًا من المبهمات؛ لأن المبهمات منها ما يكون في ذوات الأشخاص، ومنها ما يكون في الأمكنة، ومنها ما يكون في الأزمنة، والأوقات إلى غير ذلك، فهذا من المبهمات في المكان، هذه القرية، وتحديد ذلك لا دليل عليه، ولا حاجة للاشتغال به - فالله أعلم -.
"قوله تعالى: كَمْ لَبِثْتَ [البقرة:259]: قال: سؤال على وجه التقرير قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259]."
هذا باعتبار أن الله - تبارك، وتعالى - يعلم كم لبث، ليس ذلك باستفهام حقيقي يُتعرف منه على ما خفي، وإنما هو للتقرير.
"قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259]: استقل مدّة موته، قيل: أماته الله غدوة يومٍ، ثم بعثه قبل الغروب من يوم آخر بعد مائة عام، فظنّ أنه يوم واحد، ثم رأى بقية من الشمس، فخاف أن يكذب في قوله: يومًا فقال: أو بعض يوم."
يحتمل هذا على كل حال في سبب قوله: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ولا يلزم - والله أعلم - يعني: لا يلزم أن يكون حصل له ذلك عند غروب الشمس، أو بعد الغروب، أو قبل الغروب، فالعلم عند الله - تبارك، وتعالى -.
لكن هذا الجواب هو الجواب في خبر أصحاب الكهف، فقد بقوا مدة أطول من هذه، ثلاثمائة، وتسع سنوات، فكان جوابهم: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [الكهف:19] فهكذا لو بقوا ألف سنة، والذين يبعثهم الله أيضًا يوم القيامة، ويتساءلون يقولون كذلك: بأنهم لبثوا يومًا، فهكذا الحياة هي كيوم، أو بعض يوم، ولو نظر الإنسان في اليقظة إلى ما مضى من أيام العمر كأنها يوم، أو بعض يوم، ولو نظر أيضًا إلى الوقت الذي ينقضي عليه، وهو في حال نومٍ، وإن طال، فإن ذلك بالنسبة إليه قصير، في غاية القصر، يستوي فيه طول الزمان، وقصره، يعني: لو أنه نام نهارًا كاملًا، أو نام ساعتين هو لا يشعر بشيء من الوقت الذي مضى عليه، فهكذا لو تطاول به الوقت، يعني: لو أنه أُغمي عليه أسبوعًا، أو شهرًا، أو نحو ذلك، ثم أفاق كأنها يوم، أو بعض يوم.
"قوله تعالى: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ [البقرة:259]: قيل: كان طعامه تينًا، وعنبًا، وأنّ شرابه كان عصيرًا، ولبنًا."
لو يُعرض عن هذا في كتب التفسير؛ لأنه لا فائدة فيه، ولا دليل عليه، وهذه الأقوال المأخوذة عن بني إسرائيل تدل على أن ذلك كذب في تحديد الطعام، والأقاويل، وكذلك تحديد الشراب ما يدل على أن ذلك فيه من الاختلاق.
"في جميع النسخ: إن طعامه كان تينًا."
لا بأس ما يتغير المعنى، إن كان طعامه تينًا، وأن شرابه كان..
"قوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259] قال: معناه: لم يتغير، بل بقي على حاله طول مائة عام، وذلك أعجوبة إلهية."
يعني: الطعام، والشراب يقول بعض أهل العلم: بأنه ذكر الطعام، والشراب؛ ليكون ذلك أدلَّ على قدرة الله - تبارك، وتعالى -؛ لسرعة تغيره، الطعام، والشراب يُسرع إليه التغير، فلم يتغير، بينما الحمار صار إلى تلك الحال.
"قال: واللفظ يحتمل أن يكون مشتقًّا من السَنَة؛ لأنّ لامها هاء، فتكون الهاء في يتسنه أصلية، أي: لم تغيره السنون، ويُحتمل أن يكون مشتقًا من قولك تسنن الشيء إذا فسد، ومنه الحمأ المسنون، ثم قُلِبَت النون حرف علة كقولهم: قصيت أظفاري، ثم حُذِفَ حرف العلة للجازم، والهاء على هذا هاء السكت."
بعضهم يقول: إن أصله يتنسى، والمعنى يختلف تمامًا لم تغيره السنون، أو لم يتسنه بمعنى: لم يتغير، وكلام أهل العلم في أصل هذه المادة، واشتقاقها، فيه تفاصيل لكن هذه خلاصة، لم يتسنه في هذا الكتاب معجم مفردات الإبدال، والإعلال، وأصل هذه المادة مأخوذة من كتاب الحلبي، وهو الدر المصون.
يقول: "لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]": فعل مضارع اختلف في اشتقاقه، وتصريفه على ثلاثة أقوال:
الأول: ذهب الفراء إلى أن الهاء فيه أصل، ووزنه يتفعل، وهو مشتق من لفظ السَنة على لغة من يقول: إن لامها هاء، لام الكلمة - يعني: آخر حرف فيها - على وزن فعل بمعنى: سَنَهَ، فالمعنى لم يتغير بمرور السنين عليه، وأصل سنةٌ؛ أصل كلمة سنة على هذا سنهه.
الثاني: ذهب المبرد إلى أن الهاء للسكت، يعني: زائدة ليست أصلية، فيكون وزنه: يتفعه، يتسنه، وإثباتها وصلًا من قبيل إجراء الوصل مجرى الوقف، يعني: لماذا لا تُحذف في حال الوصل إذا كانت للسكت؟ فقال: بأن ذلك من قبيل إجراء الوصل مجرى الوقف، وأن أصل الكلمة مشتقٌ من السنة، ولامها واو، فأصله يتنسى ألف مقصورة، ثم حذفت اللام للجزم، اللام الحرف الأخير، وقبل ذلك كان: يتسنو، بمعنى: أنها كانت في الأصل واو، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، يتسنو، والواو يتنسو مضمومة، يصعب النطق بهذا، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا "يتسنى" أو هو مشتق من لفظ "مسنون" وهو المتغير، فالأصل يتسنن فاستثقل توالي ثلاثة أمثال، يعني ثلاثة حروف، حرف النون، يتسنَّن مشدد بحرفين، والثالث النون الأخيرة، فأُبدلت الأخيرة ياء، ثم تحركت الياء، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا، ثم حُذِفَت جزمًا "لَمْ يَتَسَنَّهْ".
الثالث: يقول ذهب النقاش إلى أنه مأخوذ من أسِن الماء، أي: تغير، وهذا لا يصح؛ لأن تفعل من أَسِنَ تأسن، إلا إذا ادعي بقلب المكاني بأن أُخرت فائه؛ يعني الحرف الأول إلى لامها، فصار يتسنأ بالهمز، ثم أُبدت الهمزة ألفاً، ثم حُذِفَت جزمًا، هذه ثلاثة أقوال.
"قوله تعالى: وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259] قيل: بقي حماره حيًّا طول المائة عام، دون علف، ولا ماء، وقيل: مات، ثم أحياه الله، وهو ينظر إليه."
ما ذكره ابن جُزي قبل ذلك في قوله: فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]: معناه لم يتغير، بل بقي، وأن هذه أعجوبة إلهية، بمعنى: أن الطعام يُسرع إليه كما سبق التلف، والتغير، فبقي هذه المدة لم يتغير بينما الحمار تحول، ثم أعاده الله هذا بناءً على القول الآخر أن الحمار تحلل، ثم أعاد الله خلقه.
القول الآخر: أن الحمار لم يتغير "وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259]": أي كذلك لم تغيره السنون، لكن كأن في الآية قرينة تدل على أن الحمار تغير ما هي؟ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا [البقرة:259] فهذا يدل على أنه تغير، وأن الله أعاده أمامه شيئًا فشيء، وهو ينظر - والله أعلم -.
وعلى كل حال: القول بأنه مات - يعني الحمار - ثم أحياه الله، وهو ينظر إليه، هذا الذي اختاره الحافظ بن كثير - رحمه الله - يعني: بقي الطعام، والشراب لم يتغير، والحمار تحلل، وإعادة الحمار أبلغ من الطعام، والشراب؛ لأنه ذو روح، هذا هو الإحياء.
"قوله تعالى: وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ [البقرة:259]: التقدير: فعلنا بك هذا لتكون آية للناس، وروى أنه قام شابًّا على حالته يوم مات فوجد أولاده، وأولادهم شيوخًا."
الله أعلم.
"قوله: وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ [البقرة:259]: قال: هي عظام نفسه، وقيل: عظام الحمار على القول بأنه مات."
يعني: - مثلًا - من يقول: بأن الحمار لم يتغير، ولم يمت، كيف يُجيب عن هذه القرينة في الآية؟ "وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ [البقرة:259]" قال: "إلى عظام نفسه" لكن كأن الأول أقرب - والله أعلم - أن ذلك عظام الحمار؛ لأنه لم يشعر بشيء قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259] هو لم يستنكر شيئًا، ولم ير شيئًا يدل على حصول أمرٍ يعجب منه بالنسبة إلى حاله هو.
"قوله تعالى: ننشرها بالراء نحييها، وقرئ بالزاي، ومعناه نرفعها للإحياء."
القراءة بالزاي هي قراءة ابن عامر، والكوفيين الثلاثة، والقراءة بالراء هي قراءة الباقين، ننشرها من الإنشار: وهو الإحياء، نشور الإحياء، ننشرها نحييها، وانظر إلى العظام كيف ننشرها بمعنى الإحياء، وهذا المعنى فسره فسر الآية به مجاهد - رحمه الله -.
يقول: "وقرئ بالزاي، ومعناه نرفعها للإحياء" باعتبار أن أصل معنى النشز الارتفاع، والعلو، المكان الناشز، يعني: المرتفع وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]: يعني الترفع على الزوج على طاعته، لا تُطيعه، تترفع عن طاعته، هذا النشوز، ففيه معنى الارتفاع، والعلو، فيكون نُنشِزُهَا [البقرة:259] يعني: نرفعها إلى مواضعها، ونحرك بعضها إلى بعض، فيُركب بعضها على بعض، يعني: بعد ما كانت ترابًا أصبحت هذه العظام عادت، وبدأت تتركب هذا في الساق، وهذا في العضد، وهذا في الظهر، وهذا في الرأس، كل عظمٍ يعود إلى موضعه، ويرتفع هذا الجسد من جديد كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259] نرفعها.
قوله تعالى: قَالَ أَعْلَمُ [البقرة:259] بهمزة قطع، وضم الميم أي: قال الرجل ذلك اعترافًا، وقرئ بألف وصل، والجزم على الأمر، أي قال له الملك ذلك.
"قَالَ أَعْلَمُ [البقرة:259] بهمزة قطع، وضم الميم" يعني: هو يتحدث عن نفسه، ويكون ذلك من قوله هو إقرارًا، واعترافًا، أعلم بهمزة القطع، فهو يخبر عن نفسه، وهذه قراءة الجمهور.
"قال اعلم" هكذا بالجزم، وهمزة الوصل هذه قراءة حمزة، والكسائي، "قال اعلم" فيكون من قول الله - تبارك، وتعالى - "قال أعلم".
والقراءتان إذا كان لكل قراءة معنى فهما بمنزلة الآيتين، فيكون هنا "قَالَ أَعْلَمُ" هذا إقرار منه كأنها آية مستقلة، هو يقر بذلك، هذا كلام الله وهذه القراءات هي عائدة إلى الأحرف السبعة، وهي، وما تضمنته من المعنى حق، "قال اعلم" فيكون ذلك من قول الله "قال اعلم" فيكون الله خاطبه بذلك، فيكون هو أيضًا قد أقر به، "قَالَ أَعْلَمُ" فليس ذلك من الاحتمالات، والمعاني التي تتطرق إلى اللفظ، ويكون أحدها صحيحًا، لا. لا، هذه كأنهما آيتان، فيكون قيل له ذلك، وقال هو أيضًا، يعني يقول: أنا عالم بهذا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259] أعلم، أنا عالم به، وقد رأيته عيانًا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.