الإثنين 27 / شوّال / 1445 - 06 / مايو 2024
قُلْنَا ٱهْبِطُوا۟ مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَاىَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:38-39].
يقول تعالى مخبراً عما أنذر به آدم وزوجته وإبليس حين أهبطهم من الجنة، والمراد الذرية: إنه سينزل الكتب، ويبعث الأنبياء والرسل؛ كما قال أبو العالية: "الهُدَى: الأنبياء، والرسل، والبينات، والبيان".
في الآية الأولى يقول تعالى: وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [سورة البقرة:36].
وفي هذه الآية يقول سبحانه: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:38].
يُلاحظ أنه كرر الأمر بالهبوط في الآيتين، ففي الآية الأولى مع الأمر بالهبوط ذكر العداوة بين آدم وإبليس، وذكر أن الأرض صارت مستقراً لهم، وفيها يتمتعون، وفي الآية الثانية ذكر مع الأمر بالهبوط مجيء الهدى، فهل الهبوط المذكور في الآية الثانية هو نفسه الهبوط المذكور في الآية الأولى، بحيث إن الأول تعلق بمعنى هي العداوة مع إبليس والاستقرار في الأرض، وكرره هنا من قبيل التأكيد، إضافة إلى تعلق معنى يختص به هنا وهو: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى الآية، أم أن الهبوط المذكور في الآية الثانية غير الهبوط المذكور في الآية الأولى؟
بعض أهل العلم كالحافظ ابن القيم - رحمه الله - يقول: إن الهبوط الأول غير الهبوط الثاني، فالهبوط الأول كان من الجنة، والهبوط الثاني كان من السماء إلى الأرض، مع أن الهبوط الأول قال الله فيه: وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [سورة البقرة:36]، وفي الهبوط الثاني قال: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى [سورة البقرة:38].
فابن القيم - رحمه الله - بهذا القول جرى على القاعدة المعروفة وهي أن "التأسيس مقدم على التوكيد"، بمعنى أنه مهما أمكن أن يحمل اللفظ الآخر المرادف، أو المشابه، أو المطابق على معنى جديد؛ فإن ذلك أولى من حمله على نفس المعنى الأول بناء على التأكيد.
فالتأسيس يعني أنك تؤسس معنى جديداً، ولا شك أن ذلك يكثر المعاني القرآنية ودلالتها أكثر من أن يقال: إن ذلك لمجرد التوكيد، فيكون لكل لفظة معنى جديداً يخصها غير المعنى الأول، وهذا هو معنى قاعدة "التأسيس مقدم على التوكيد"، فابن القيم سار على هذا وإن لم يصرح بالقاعدة.
وعامة أهل العلم لا يتعرضون لمثل هذا في الغالب، وكأنهم يجرون على أن الأمر بالهبوط في الأول هو نفس الأمر بالهبوط في الثاني أي كله أمر بالهبوط من الجنة، ولربما دل على ذلك ظاهر القرآن، وذلك في قوله: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا [سورة البقرة:38]، فقوله: مِنْهَا يعني من الجنة؛ حيث هي المذكورة في ثنايا الآيات، وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [سورة البقرة:35]، ثم أمرهم بالهبوط منها، فيكون ذلك عائداً إلى الجنة؛ لأنها المذكورة المصرح بها.
وابن القيم - رحمه الله - ومن وافقه بماذا يعلل قوله، وكيف يرد على هذا الإشكال؟
هو وإن لم يصرح لكنه يستطيع أن يقول: إن الضمير يصح أن يرجع إلى غير مذكور، وإنما يفهم ذلك من السياق، ومثال رجوع الضمير إلى غير مذكور قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [سورة القدر:1]، فالضمير في قوله: أَنزَلْنَاهُ يعود إلى القرآن، ولم يرد له ذكر في السابق؛ لكنه يفهم من السياق، وأمثلة ذلك كثيرة جداً في القرآن، وهذا يدل على أنه لا شك أن الضمير يرجع إلى غير مذكور، لكن هل هذا هو المراد هنا في قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً [سورة البقرة:38]؟
الأصل أن الضمير في قوله: اهْبِطُواْ مِنْهَا يرجع إلى ما سبق من ذكر الجنة، وسكنى آدم فيها دون السماء، وإن كان القول بأنه الجنة أيضاً يتضمن ما ذكره ابن القيم وزيادة، لأن الجنة هي أصلاً في السماء، فيكون: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا أي من الجنة التي هي في السماء، لكن ابن القيم - رحمه الله - يريد ما هو أكثر من هذا، وهو أنه تم إخراجه من الجنة - كما في الجملة الأولى -، وبقي في السماء، وأنه الآن يؤمر بالهبوط من السماء إلى الأرض وليس من الجنة، إلا أن ظاهر الآيات يدل على أن الضمير يعود إلى الجنة في الآيتين، والله أعلم.
قوله: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً [سورة البقرة:38]: يعني آدم، وإبليس، وحواء، هذا هو الراجح من أقوال المفسرين.
وقوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:38-39]، هذا الخطاب موجه لآدم وحواء، وما دام آدم نبياً فالأصل أن يكون ذلك الخطاب متوجهاً للذرية، حيث بعث الله لهم الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وأنزل عليهم الكتب، وهذا له نظائر في القرآن، حيث يكون الحديث في بدايته عن شخص، أو عن معنى، أو عن جهة، ثم بعد ذلك تجد طرفه الآخر متحدثاً به عن قضية أخرى، وهذا يسمونه: الموصول لفظاً، المفصول معنىً، وله أمثلة، وهو أنواع، فتارة يكون ذلك من قول أكثر من واحد.
ومن أمثلة ذلك: قول الله في مناظرة إبراهيم المذكورة في سورة الأنعام لما خوفوه بآلهتهم قال لهم: وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ۝ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام:81-83]، فقوله: الَّذِينَ آمَنُواْ هل هو من قول إبراهيم أو من قول الله تعالى؟
ظاهر الكلام في تتابعه أنه من كلام إبراهيم، لكن من أهل العلم من يقول: انتهى كلام إبراهيم، فهذا كلام الله يقرر فيه ما ذكره إبراهيم، وهو أن الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82].
ويقول الله تعالى في قصة يوسف: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ۝ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:51-52]، فقوله تعالى: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ هل هذا من كلام امرأة العزيز، أم هو من كلام يوسف عليه الصلاة والسلام؟
الكلام متصل، وامرأة العزيز هي التي تتحدث، فهل انقطع الكلام وصار الكلام الآن ليوسف: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [سورة يوسف:52]؟
خذ مثالاً آخر: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [سورة النمل:34]، هذا كلام بلقيس ملكة اليمن، لكن آخر الآية: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ مع أنه متصل لكنه ليس من كلامها وإنما هو من كلام الله يقرر ما ذكرَته، ويثبته.
المقصود أن هذه صور أو أمثلة للكلام المتصل الذي يكون ظاهره لقائل واحد وهو في الواقع لأكثر من قائل.
وهناك صور وأمثلة يكون فيها المُتَحدَّث عنه أكثر من موضوع، أو أكثر من معنى،  أو أكثر من جهة، أو أكثر من شخص.
ومن أمثلة ذلك آية الأعراف التي يقول الله فيها: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ هذا الجزء من الآية الكلام فيه عن آدم وحواء.
ثم يقول الله تعالى: فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [سورة الأعراف:189].
ثم انظر ماذا يقول بعد ذلك: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۝ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [سورة الأعراف:190-191]، هل هذا الكلام عن آدم وحواء أيصح أن يكون آدم نبياً ويشرك بالله؟
جاءت آثار أنه سمى ولده عبد الحارث، وأن الشيطان جاءهم، وقال لحواء: يخرج له قرن أيل، ويشق بطنك، إلى آخر ذلك الكلام الذي لا يظن بآدم ﷺ، وإنما هذا الأسلوب في الكلام هو من المتصل لفظاً المفصول معنىً، وهو من النوع الثاني، حيث بدأ الحديث في الآية الأولى عن آدم وحواء، ثم انتقل الحديث عن الذرية في قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا أي: الأب والأم من الآدميين يقع فيهم من الإشراك أن يجعلا لله شركاء فيما يؤتيهما الله تعالى.
ومما يدل على أن المقصود بذلك ذرية آدم أنه ختم الآية بصيغة الجمع عند تنزيهه لنفسه حيث قال: فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [سورة الأعراف:190]، ثم أرجع ضمير الجمع في استنكاره عليهم فقال: أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [سورة الأعراف:191].
إذن: ليس المقصود في هذا الكلام المتصل آدم وحواء، وإنما هذا الاتصال هو نوع آخر من الكلام المتصل لفظاً المنفصل معنىً، ومثل هذا قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:38].
فالأمر بالهبوط إلى الأرض لآدم وإبليس، وحواء تبع لآدم، وقوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ خطاب لذرية آدم على ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - والله أعلم.
قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله: فَمَن تَبِعَ هُدَايَ [سورة البقرة:38] أي: من أقبل على ما أنزلت به الكتب، وأرسلت به الرسل فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [سورة البقرة:38]، أي: في ما يستقبلونه من أمر الآخرة وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم من أمور الدنيا، كما قال تعالى في سورة طه: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [سورة طه:123]، قال ابن عباس - ا -: فلا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة.
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [سورة طه:124] كما قال هاهنا: وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:39] أي: مخلدون فيها لا محيد لهم عنها، ولا محيص.

ففي قوله تعالى في الآية السابقة: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة:37]، ينبغي التنبيه إلى أن في هذه الآية قراءتين: القراءة الأولى بضم آدم ونصب كلمات، والقراءة الثانية بعكسها، أي: بنصب آدم، وضم كلمات، فَتَلَقَّى آدَمَ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٌ فيكون آدم ﷺ هو المتلقى، ويكون الذي تلقاه هذه الكلمات، وهذا مثال على ما لا يصح الجمع فيه بين القراءات؛ إذ الخلط بين القراءات يصح بثلاثة شروط، ومن أهم هذه الشروط: أن لا تكون إحدى القراءتين مرتبة على الأخرى، هذا أهم شرط.
يعني أستطيع أن أقرأ مثلاً في سورة الفاتحة: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الفاتحة:4]، وأقرأ في الموضع الثاني: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [سورة الفاتحة:6]، بالسين: اهدِنَا السِرَاطَ على القراءة الأخرى، فلا إشكال أن أخلط بين القراءات دون أن ألتزم بقراءة واحدة؛ لأن ذلك من القرآن المنزل فلا إشكال لكن بثلاثة شروط، أهم هذه الشروط ما ذكرت.
لكن لو خلطنا هنا بين القراءتين فقلنا: فتلقى آدمُ من ربه كلماتٌ - برفع الموضعين - فإن المعنى يفسد إذ أين يكون المفعول به هنا، وكذلك لو قرأنا بنصب الموضعين: فتلقى آدمَ من ربه كلماتٍ يفسد المعنى، وأين الفاعل حينئذ؟ فلا يصح أن يخلط بين القراءتين في مثل هذه الصورة.
قوله تعالى: وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [سورة البقرة:36]: العدو مصدر، وهو مفرد، والمراد به الجمع، فالعدو يصدق على الواحد، والكثير، باعتبار أنه مصدر، فمثل هذا الاستعمال يحمل على معنى الجمع، وهذا كثير في القرآن سواء كان ذلك بالإفراد من غير إضافة، أو مع الإضافة إلى الضمير، أو بالإضافة إلى الاسم الظاهر، أو كان ذلك بالجمع مع الإضافة، وأمثلته كثيرة في كلام العرب أيضاً، فمن أمثلة المفرد في القرآن من غير إضافة قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:31] فهنا يعني الأطفال.
ومثال المفرد المضاف إلى الضمير قوله تعالى: أَوْ صَدِيقِكُمْ [سورة النور:61] يعني أو أصدقائكم.
ومثال المضاف إلى الاسم الظاهر قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ [سورة النحل:83]، أي: يعرفون نعم الله.
وفي قول الشاعر: 
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
جلد مفرد مضاف إلى الضمير - الهاء - جلدها، والمعنى: وأما جلودها فيابسة، وهكذا توجد أمثلة كثيرة جداً، وهذا أمر شائع معروف.

مرات الإستماع: 0

"فَأَزَلَّهُمَا متعدّ من أزل القدم، وأزالهما بالألف من الزوال."

 

فأزلهما متعد من زلل القدم يعني إن الهمزة للتعدية أزلهما، زل، وأزل، زل هو، زلت قدمه، أزله عن الحق، والصواب، فهذه للتعدية، يعني: أزل غيره، أزله فزله، فهذا معنى متعد من زلل القدم، وأزالهما بالألف من الزوال، (فأزالهما) هذه قراءة حمزة[1] وقراءة الجمهور فَأَزَلَّهُمَا هكذا مشددة، أزلهما يمكن أن يقال بمعنى صرفهما عن طاعة الله، فأوقعهما في الزلة، قاعدة: أن القراءتين بمنزلة الآيتين، يعني إذا كان لكل قراءة معنى، فكل قراءة بمنزلة آية، فهنا فَأَزَلَّهُمَا بالتعدية صرفهما عن طاعة الله فأوقعهما في الزلة فكان ذلك سببًا للزوال، (فأزالهما) هذه دلت على معنى، وهذه دلت على معنى، ونكون بهذا قد جمعنا بين القراءتين بهذا التفسير، وجوّز الحافظ ابن كثير عود الضمير هنا عَنْهَا إلى الجنة، فعلى قراءة حمزة (فأزالهما) يعني فنحاهما يعني أزالهما عن الجنة، نحاهما عن الجنة، ويمكن أن تحمل أيضًا على قراءة الجمهور من زل عن المكان إذا تنحى عنه فَأَزَلَّهُمَا ... عَنْهَا فتكون من الزوال أيضًا، كما جوّز ابن كثير أن يعود الضمير إلى أقرب المذكورين، وهو الشجرة فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا يعني عن الشجرة، فتكون عن بمعنى الباء يعني بسببها، يعني بسبب الشجرة، لكن المتبادر أن ذلك يرجع إلى الجنة، لاحظ: وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا بناء على أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور، فأقرب مذكور هو الشجرة فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا أي: عن الشجرة، فتكون عن بمعنى الباء، وحروف الجر تتناوب، بسبب الشجرة، ولكن المتبادر أن ذلك يرجع إلى الجنة بما يفهم من السياق - والله أعلم -.

"عَنْها الضمير عائد على الجنة، أو على الشجرة فتكون عن سببية على هذا."

يعني: عن بمعنى الباء، هذا كونها سببية.

"فائدة: اختلفوا في أكل آدم من الشجرة، فالأظهر أنه كان على وجه النسيان؛ لقوله تعالى: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115]."

يعني: هنا القول بأن ذلك وقع على سبيل النسيان أخذًا من قول: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه: 115] النسيان يأتي بمعنى الترك، فترك طاعة الله يقال له نسيان، والله يقول: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر: 19] فهنا بمعنى الترك، ويأتي النسيان بمعنى الذهول عن المعلوم، كما قال صاحب المراقي:

ذهاب ما عُلم قل نسيان والعلم في السهو له اكتنان

والفرق بين النسيان، والسهو: أن النسيان الذهول عن المعلوم، ذهاب المعلوم، يعني علمت مسألة، حفظت مسألة، نسيتها، حفظت آية نسيتها، والسهو يكون العلم موجودًا، ولكن يسهو الإنسان عن الشيء، هذا الفرق بين السهو، والنسيان.

فالقول هنا بأن آدم ع فعل ذلك نسيانًا بمعنى الذهول عن المعلوم، وذهابه من الذهن هذا بعيد، وكأن هؤلاء الذي حملهم على هذا هو أنهم ربما يميلون إلى القول بأن الأنبياء لا تقع منهم المعصية أصلًا، وآدم - عليه الصلاة، والسلام - نبي، فقالوا هنا بمعنى النسيان، لكن لو كان بمعنى الذهول عن المعلوم فنسي، فإن الإنسان لا يؤاخذ بالنسيان رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286] قال الله: (قد فعلت)[2].

لكن هؤلاء قد يقولون: إن هذا رُفع عن هذه الأمة فقط. يعني النسيان، وعلى كل حال الله يقول: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: 121]، وهذا واضح، ونص صريح بأن ذلك من قبيل المعصية، وآدم ﷺ قال: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا [الأعراف: 23] فعبر عن هذا الفعل بأنه ظلم للنفس، وظلم النفس يكون بالمعصية، أما القول بأنه سَكِر فهذا غير صحيح؛ لأن خمر الجنة لا يُسكر.

"وقيل: سكر من خمر الجنة فحينئذ أكل منها، وهذا باطل؛ لأن خمر الجنة لا تسكر."

ولا حاجة لذكر هذا في التفسير أصلًا، إذا كان من الأقوال الباطلة لا حاجة لإيراده.

وقيل: أكل عمدًا، وهي معصية صغرى، وهذا عند من أجاز على الأنبياء الصغائر، وقيل: تأوّل آدم أن النهي: كان عن شجرة معينة فأكل من غيرها من جنسها، وقيل: لما حلف له إبليس صدقه؛ لأنه ظن أنه لا يحلف أحد بالله كاذبًا.

قوله: وقيل: أكل عمدًا، وهي معصية صغرى، وهذا عند من أجاز على الأنبياء الصغائر.

على كل حال الأنبياء تقع منهم الصغائر، ولكنهم لا يصرون عليها من جهة، ومن جهة أخرى لا تقع منهم ما يسمى بصغائر الخسة، يقولون: الصغائر التي تُسقط المروءة. كتطفيف حبات في كيل، ونحو ذلك، هذه من الصغائر لكنها تدل على قلة المروءة، وذهاب المروءة، ونحو هذا، فمثل هذا لا يقع من الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام -؛ لأنهم أكمل الناس مروءة، فيتوبون، ولهذا قال الله : فَتَابَ عَلَيْهِ فهذه التوبة تكون من المعصية غالبًا، المعتزلة الذين يقولون: إن الأنبياء لا تقع منهم المعصية.

يفسرون قوله، بل يحرفون قوله: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: 121] جعلوا ذلك مفسرًا بغير مادة الفعل، قالوا: من غوى الفصيل غوي إذا بشم. يعني أنه رضع، وأكثر حتى انتفخ بطنه، قالوا: فآدم غوى بمعنى أنه أكثر من الأكل من الشجرة.

وفرق بين غوى يغوى غواية، وبين غوي، فرق بين أصل المادة في الفعلين، فهؤلاء يريدون أن يحرفوا هذه بحيث أنهم يقولون: إن الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - لا تقع منهم المعصية فقالوا هو من غوي الفصيل. رضع حتى انتفخ بطنه، فآدم أكل من الشجرة حتى أكثر منها. فهذا بعيد، وتحريف للكلم عن مواضعه.

"اهْبِطُوا خطاب لآدم، وزوجه، وإبليس بدليل: بعضكم لبعض عدوّ."

يعني آدم مع زوجه من جهة، وإبليس من جهة أخرى، فالعداوة بين آدم، وإبليس، وحواء تبع لآدم  فالاهباط اهْبِطُوا تارة يُذكر بلفظ الجمع كما هنا فيكون آدم، وحواء، وإبليس، وتارة يُذكر بالإفراد: فَاهْبِطْ مِنْهَا [الأعراف: 13] فيكون المراد إبليس، وتارة يُذكر بالتثنية: اهْبِطَا مِنْهَا بعضهم يقول: المراد آدم، وحواء، والعداوة مع إبليس، أو اهْبِطَا مِنْهَا [طه: 123] يعني: آدم، وإبليس، وحواء تبع لآدم، قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وقال الحافظ ابن القيم: أي بين آدم، وإبليس، وذريتهما، فالعداوة قائمة بين آدم، وإبليس، وكذلك هو عدو للذرية[3].

"مُسْتَقَرٌّ موضع استقرار، وهو في مدّة الحياة، وقيل في بطن الأرض بعد الموت. "

وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ يعني: من يقول بأن المستقر هو بطن الأرض بعد الموت يكون المتاع على ظهرها، لكن الذي يظهر - والله أعلم - مستقر لكم تستقرون فيها، تقوم مصالحكم، ومعايشكم، ويحصل لكم فيها المتاع إلى حين، هذه الآية: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ يأخذ منها أهل العلم أن بني آدم لا يمكن أن يعيشوا على كوكب آخر غير الأرض، هكذا قضى الله - تبارك، وتعالى -.

"وَمَتاعٌ ما يتمتع به. إِلى حِينٍ إلى الموت."

قوله: إِلى حِينٍ إلى الموت.

إي: إلى انقضاء الآجال، أو إلى قيام الساعة كما يقول ابن كثير - رحمه الله -[4] فهذا يحتمل وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ إذا نظرت إلى الأفراد فهم يتمتعون إلى انقضاء آجالهم، وإذا نظرت إلى العموم فهذا يكون إلى قيام الساعة، وعلى كل حال يمكن أن يقال: بأنهم يستقرون على ظهرها أحياء متمتعين بما فيها إلى انقضاء آجالهم، ويستقرون أيضًا في بطنها مقبورين إلى قيام الساعة.

"فَتَلَقَّى أي أخذ، وقبل على قراءة الجماعة، وقرأ ابن كثير بنصب آدم، ورفع الكلمات[5] فتلقى على هذا من اللقاء."

فتلقى، أي: أخذ، وقَبِل يعني: عَمِل بما فيها، وبعضهم يقول: المقصود بـ تلقى يعني فهمه لها هو التلقي فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فيكون آدم هو الفاعل، تلقى الكلمات، وعلى قراءة ابن كثير (فتلقى آدمَ من ربه كلماتٌ) فتكون الكلمات فاعل، والمتلقي هو آدم - عليه الصلاة، والسلام - هو المفعول به، وهذا مثال على ما ذكرته في مناسبة سابقة في مسألة الجمع بين القراءات، قلنا: إن ذلك لا إشكال فيه بثلاثة شروط: آكد هذه الشروط ألا تكون إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى في المعنى، أو الإعراب.

ولو قلنا: يصح الخلط بين القراءات، والجمع بين القراءات، فتقرأ هذا الموضع بقراءة، والموضع الذي بعده بقراءة أخرى لا إشكال في هذا بشروط: منها ألا تكون إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى في المعنى، أو الإعراب مثل هذا الموضع، الآن لو قرأت الموضع الأول (فتلقى آدمَ) على قراءة ابن كثير، مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ على قراءة الجمهور لم يوجد فاعل، صار في كل موضع النصب فلا فاعل فأفسد المعنى، كذلك لو أنه قرأ في الموضع الأول فَتَلَقَّى آدَمُ على قراءة الجمهور بالرفع فهو فاعل، (من ربه كلماتٌ) على قراءة ابن كثير فيكون هنا لا يوجد مفعول به، فهذا يُفسد المعنى، فهذا لا يجوز قطعًا فَتَلَقَّى أي أخذ، وقبل.

"كَلِماتٍ هي قوله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ بدليل، ورودها في [الأعراف: 23]، وقيل غير ذلك."

هذه هي الكلمات، وأحسن ما يفسر به القرآن؟ القرآن، ما هذه الكلمات؟ رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف: 23].

"اهْبِطُوا كرر ليناط به ما بعده، ويحتمل أن يكون أحد الهبوطين من السماء إلى الأرض، والآخر من الجنة، وأن يكون هذا الثاني لذرية آدم؛ لقوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ والأول أظهر لتناوله لآدم، وزوجه، وإبليس."

اهْبِطُوا بالجمع يعني آدم، وحواء، وإبليس، وهذا الذي اختاره ابن جرير[6] والحافظ ابن القيم - رحمهما الله - قال: كرر ليناط به ما بعده قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى يقول: ويحتمل أن يكون أحد الهبوطين من السماء إلى الأرض، والآخر من الجنة. ابن القيم - رحمه الله - يقول: الاهباط الأول من الجنة، والثاني من السماء[7].

وابن جزي لم يحدد أحد الهبوطين، وابن القيم يقول: الأول من الجنة، والثاني من السماء، الأول: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ هذا من الجنة.

والثاني: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فيكون هذا من السماء إلى الأرض، يعني لا تكرار، وعلى المعنى الأول الذي ذكره ابن جزي قال: كُرر ليناط به ما بعده.

يعني: في كل موضع، فهنا يقول في الموضع الأول: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ العداوة، والاستقرار في الأرض، والتمتع فيها إلى حين، الموضع الثاني: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ كُرر ليناط به ما بعده، يعني ليُذكر الكلام الذي بعده في كل موضع، والأصل عدم التكرار، والتأسيس مقدم على التوكيد، فعلى قول ابن القيم، - رحمه الله - والاحتمال الذي ذكره ابن جزي: أن الاهباط الأول غير الثاني، مع إن ظاهر الآيات - والله أعلم - أنه من الجنة اهْبِطَا مِنْهَا [طه: 123]، وليس للسماء ذكر، لاحظ الموضع الثاني ليس في السياق ما يدل على السماء - والله أعلم -.

وفي نسخة خطية: وأن يكون هذا الثاني لذرية آدم لقوله:  فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ والأول لآدم، وزوجه، وإبليس.

"وروي أن آدم نزل بسرنديب من أرض الهند، ونزلت حواء بجُدة، وإبليس بالأبُلة." 

سرنديب موضع معروف من أرض الهند مما يلي الصين، ونزلت حواء بجدة، وإبليس بالأَبُلة، الأَبُلة قريبة من البصرة، قديمة أقدم من البصرة بطبيعة الحال؛ لأن البصرة، والكوفة كانت في زمن عمر  لكن هذا الكلام لا دليل عليه، وهو مأخوذ من الإسرائيليات، ولا حاجة لإيراده، وذكره في التفسير، وعلى كل حال تحديد هذه الأماكن، وأين نزل آدم، وأين نزلت حواء، وإبليس لا يترتب عليه فائدة أصلًا، ولو قرأتم في كتب البلدان، قرأتم عن سرنديب هذه تجدون من الأساطير، والخرافات، ويذكرون موضع قدم آدم، وأن أحد القدمين كانت على جبل، وأنها لازلت الآثار فيه، والقدم الأخرى في البحر، وأكاذيب كثيرة، وينسجون إلى هذه الناحية، وهذا الجبل أساطير، وأشياء لا صحة لها.

"فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ إن شرطية، وما زائدة للتأكيد، والهدى هنا: يراد به كتاب الله، ورسالاته، وفي نسخة خطية كُتب الله، ورسالاته"

على كل حال كتاب الله هذا مفرد مضاف يفيد العموم، لكن الثانية أوضح في بعض النسخ كُتب الله، ورسالاته، وفي نسخه: ورسالته، وهذه أيضًا رسالته يمكن أن تكون بمعنى أيضًا العموم.

"فَمَنْ تَبِعَ شرط، وهو جواب الشرط الأول، وقيل: (فلا خوف) جواب الشرطين."

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى هذا الشرط الأول، الشرط الثاني: فَمَنْ تَبِعَ شرط، وهو جواب الشرط الأول، وقيل: فَلَا خَوْفٌ جواب الشرطين فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

  1.  تفسير ابن كثير (1/236).
  2.  أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قوله تعالى: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه [البقرة: 284]، رقم: (126).
  3.  مفتاح دار السعادة، ومنشور، ولاية العلم، والإرادة (1/16)
  4. تفسير ابن كثير (1/236).
  5.  تفسير القرطبي (1/326).
  6.  تفسير الطبري (1/535).
  7. مفتاح دار السعادة، ومنشور، ولاية العلم، والإرادة (1/ 15)

مرات الإستماع: 0

الله -تبارك وتعالى- حينما ألهم آدم تلك الكلمات، ووفقه للتوبة، تاب عليه، رجع عليه بالقبول، وتوبة الله -تبارك وتعالى- على عبده تكون بتوفيقه للتوبة، وهدايته لها، كما تكون أيضًا بالرجوع عليه بالقبول، أما توبة العبد لربه -تبارك وتعالى- فهو رجوعه إليه بعد الذنب والتقصير والإساءة.

قال الله بعد ذلك: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:38، 39].

قال الله -تبارك وتعالى- لهم: اهبطوا من الجنة جميعًا، وسيأتيكم وذريتكم المُتعاقبة: ما فيه هدايتكم إلى الحق، فمن عمل بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلون من أمر الآخرة، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من أمور الدنيا وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا بآياته المتلوة، ودلائل توحيده أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ الذين يُلازمونها، ويُخلدون فيها.

وتأمَّل قول الله -تبارك وتعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى [سورة البقرة:38] فالهدى إنما يكون من الله وحده، وإنما تُطلب الهداية منه دون ما سواه، فمن رجا الهدى فعليه أن يتوجه إلى مولاه، طالبًا منه أن يهديه، ويوفقه، ويدله على الحق.

ويُؤخذ من هذه الآية: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى [سورة البقرة:38] أنه لا يُعبد -تبارك وتعالى- إلا بما شرع؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:38] قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي [سورة سبأ:50] وتقديم الجار والمجرور يدل على الحصر أو الاختصاص، وأن الهدى لا يكون إلا من الله -تبارك وتعالى- وفي الآية الأخرى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ۝ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ۝ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [سورة طه:123- 126] فكان ذلك جزاءً وفاقًا.

وفي هذه الآية الله -تبارك وتعالى- يقول: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى [سورة البقرة:38] فإذًا ينبغي أن يُلتمس الهدى من الله في السؤال والطلب، وفي الالتماس والبحث، فحينما يبحث الإنسان عن الهدايات في كتب فلسفية مُترجمة مُعاصرة، أو في كتب فلسفية قديمة، أو في نظريات تستورد من أعداء الله ممن لا يعرف وحيه ولا هداه، فإن هذا لا يمكن أن يتوصل به إلى مطلوب صحيح، فإن الهدى يُتلمس بالوحي، والهدايات مُضمنة في هذا الكتاب، وفيما يشرحه من سنة رسول الله ﷺ على فهم السلف الصالح -رضي الله عنهم وأرضاهم- فمن طلب الهدى في غير ذلك أضله الله، الذين يبحثون عن الهدى في كتب أهل الكتاب، أو في غير ذلك مما لا يوصل إلى الهدى لما فيه من التحريف أو النقص، فإن هؤلاء يضلون الطريق، ويبحثون عن الهدى في غير مظانه.

والنبي ﷺ حينما رأى صحيفة من التوراة في يد عمر  غضب، وقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًا، ما وسعه إلا أن يتبعني [1]فكيف يقول قائل: بأن اليهود عندهم حق، والنصارى عندهم حق، والبوذيين عندهم حق، والطوائف الضالة المُنحرفة عندهم حق، فينبغي أن يؤخذ من كل طائفة ما عندها من الحق، من أجل أن يجتمع ويلتئم، فهذا لا يقوله أحد عرف حقيقة ما جاء به الرسول ﷺ هذا لا يقوله إلا من كان متهوكًا فيها، شاكًا لا يعرف حقيقة ما جاء به الرسول ﷺ من هذا الهدى الكامل، فالذي يقول بأن أحدًا من الطوائف لا يملك الهدى الكامل، أو ما يُسميه بالحقيقة المُطلقة، وإنما ذلك قد تفرق في أهل الأديان والطوائف، فيؤخذ من كل طائفة ما عندها، فهذا لم يعرف دين الإسلام معرفة صحيحة، وإلا كيف يُقال مثل هذا؟! والله يقول: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:38] ومفهوم المخالفة أن الذين لا يتبعون هذا الهدى، فالخوف مُتحققٌ فيهم، وقلوبهم موضعًا للأحزان؛ لأنه فاتهم أعظم المطالب.

ثم تأمَّل قوله -تبارك وتعالى: قُلْنَا [سورة البقرة:38] فهذا الضمير للجمع، فالله لعظمته يُعبر بضمير الجمع، فالمُعظم نفسه يقول: قلنا، وأعطينا، ونحو ذلك، ثم بعد ذلك حينما ذكر الهدى قال: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي [سورة البقرة:38] ولم يقل: منا، وإنما جاء بضمير المُفرد في هذا الموضع، وهذا الذي يسمونه بالالتفات، وهو التحول من الجمع إلى المفرد، أو العكس، أو إلى التثنية، أو من التثنية إلى الإفراد، أو من التثنية إلى الجمع، أو نحو هذا، فكل هذا يُقال له: الالتفات، فهنا في هذا الموضع أفرد الضمير فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي [سورة البقرة:38] ليدل -والله تعالى أعلم- على أن الهدى لا يكون إلا منه وحده -تبارك وتعالى- فناسب هنا أن يُذكر الضمير الخاص، فلا هادي إلا هو، فجاء بهذا اللفظ الذي لا يشركه فيه غيره، فهذا لا يحتمل غير الله فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى [سورة البقرة:38] فالهدى إنما يأتي من الله، ولا يأتي من غيره، فالذي يطلب الهدى من أفكار يولدها الناس، واستنتاجات ورؤى، وما إلى ذلك، فإن هذا لا يمكن أن يصل إلى مطلوب صحيح.

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:38] تبع هداي، فأضاف الهدى إليه؛ لأنه هو الذي شرعه، وأنزله، وأمر باتباعه وسلوكه، فهذا الذي يتبع هذا الهدى ينتفي عنه جميع أنواع المخاوف، وكثير من المفسرين يقول: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلون من أمور الآخرة، ويمكن أن يكون المعنى أعم من هذا، فلا خوف عليهم في هذه الدنيا، ولا خوف عليهم في البرزخ، فهم آمنون، كما قال -تبارك وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [سورة الأنعام:82] فهذا الهدى يكون بالإيمان، والعمل الصالح، واتباع ما أنزل الله -تبارك وتعالى.

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا أي: لم يخلطوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ يعني: بشرك أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ فأشار إليهم بإشارة البعيد (أولئك) لعلو مرتبتهم، ولم يقل: أولئك لهم أمنٌ، وإنما قال: لهم الأمن، فدخلت (أل) على الأمن، فهذا الأمن الكامل المُطلق، الذي يكون في الدور الثلاث، في دار الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة، وما يكون لهم في الجنة، فحينما يخاف الناس فهؤلاء يأمنون، وحينما يكون الواحد في قبره فإنه يكون في غاية الأمن، وعندما يُبعث ويكون الناس في غاية الخوف والوجل فهؤلاء تتنزل عليهم الملائكة، في ذلك المقام، وعند نزع الأرواح أيضًا إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا هؤلاء تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ماذا يقولون؟ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [سورة فصلت:30].

هذه الجنة التي وعدوها على ألسُن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- ثم يقولون لهم أيضًا: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [سورة فصلت:31] (ما تدعون) قيل: كل ما تطلبون، وقيل: كل ما ادعى شيئًا أنه له، فهو له، فالأول: من الدعاء وهو الطلب، والثاني: من الدعوى، فكل من ادعى شيئًا فهو له، فإذا قال: هذا لي فهو له، فهذا كله يكون لهؤلاء، فيكون لهم الأمن الكامل، ويكون لهم الطمأنينة الكاملة، والسعادة الكاملة؛ لأن السعادة لا تتحقق إلا إذا انتفى الحزن والخوف، فالحزن يُقلق الإنسان بسبب أمور ماضية يتذكرها، وأمور مكروهة وقعت له في الماضي، فيحزن، ويتكدر عيشه، وهذا نقص في الحياة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله[2] فالحياة الكاملة ليس فيها حُزن.

والخوف وذلك في المستقبل، فحينما يقلق الإنسان على أمور يتخوفها ويحذرها في المستقبل أيًا كان نوعها، فينتفي عنه هذا وهذا، فإذا انتفى الحُزن، وانتفى الخوف حصلت السعادة الكاملة، فيكون الإنسان في غاية الفرح والسرور، والسعادة الحقيقية، فهذا يكون لأهل الإيمان، ويُقابلهم وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة البقرة:39] وهم أصحاب النار، ولا يُقال ذلك إلا لمن كان مُلازمًا لها، يعني أهل الخلود في النار، فمثل هؤلاء - نسأل الله العافية - فلا تسأل عن بؤسهم وشقائهم، وحُزنهم على ما فات، والمخاوف التي تنتاب قلوبهم، وأنواع الفزع والهلع في الدنيا، والقلق الذي نُشاهده في حال أولئك الذين قد أعرضوا عن طاعة الله وعبادته، وأعرضوا عن الإيمان به.

وانظر إلى تلك الأُمم الكافرة مع ما هي فيه من التمكين المادي، وأنواع المُتع واللذات، ولكنهم يعيشون في قلق دائم، وحزن وخوف، تقرأ ذلك على صفحات وجوههم، لم يمنعهم ذلك النعيم، وسُبل الحياة المُذللة من وجود هذه العِلل والأوصاب في نفوسهم، فهم يعيشون في كآبة وضيق وضجر وملل، فتظهر عليهم تلك المظاهر من الشذوذ الجنسي، ويظهر عليهم تلك المظاهر من التقليعات بأنواعها، ويظهر عليهم أنواع الإدمان من الخمور والمُخدرات، ويظهر ذلك أيضًا في كثرة المصحات والعيادات النفسية في تلك البلاد، فهذا يكثر حيث يكثر الإعراض عن الله -تبارك وتعالى- وكل هذه المظاهر تقل حيث عرف الناس ربهم، وأقبلوا على طاعته وعبادته.

وهكذا حال الخلق في الدنيا، وهكذا يكون حالهم في البرزخ، وهكذا يكون في حالهم في المحشر والقيامة، والجزاء من جنس العمل، فمن أراد السعادة الكاملة، والراحة الكاملة، والأمن الكامل، والطمأنينة الكاملة، فعليه بالإيمان، والعمل الصالح، ولا يمكن أن يُحصل ذلك بشيء آخر، والعاقل من وعِظ بغيره، ها هم أولئك قد حصلوا من أنواع اللذات ما لا يمكن للمسلمين أن يُحصلوه في أوضاعهم الراهنة، أولئك قد استحوذوا على ثروات الأُمم المغلوبة، وجعلوا ذلك سبيلاً إلى لذات ومُتع ذللوا بها سُبل الحياة، فصارت سهلة هينة، ومع ذلك ينغمسون في الرذيلة، ولا يُشبع ذلك نهمتهم، ويعكسون الفِطر، ويوغلون في الشرود من الواقع، إلى عالم الوهم والخيال، بالمخدرات والمُسكرات، وأنواع الآفات التي تُتلف العقول والأرواح، وتجد أن هؤلاء يعجب الواحد منهم حينما يرى المسلمين لربما يُبتلى الواحد من أهل الإسلام، ومع ذلك يبتسم ويقول: الحمد لله، قضاء وقدر، إنا لله وإنا إليه راجعون، فهؤلاء يقتلهم ويسحقهم ما يجدونه من اللذات، فضلاً عن المكاره، فلو وقعت لهم فلا يحتملون، وهناك في بعض الدول توجد وسائل وطُرق وأجهزة مُرخصة، ولربما ذهبت المرأة واتخذت مُحاميًا من أجل أن لا تُرفع قضية على زوجها الذي قد اشترى لها جهازًا للانتحار بطريقة غير مؤلمة، ما الذي جعلهم بهذه المثابة، يطلبون الموت بعد ما جربوا كل شيء؟! إنه الإعراض عن الله -جل جلاله وتقدست أسمائه. 

  1. الصفدية (2/ 37). 
  2.  أخرجه أحمد ط الرسالة برقم: (15156) وقال محققو المسند: "إسناده ضعيف" لكن قد حسن بعض طرقه وألفاظه الألباني في إرواء الغليل (1589).