الإثنين 27 / شوّال / 1445 - 06 / مايو 2024
وَلَا تَلْبِسُوا۟ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَٰطِلِ وَتَكْتُمُوا۟ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ [سورة البقرة:42-43]
يقول تعالى ناهيًا لليهود عما كانوا يتعمدونه من تلبيس الحق بالباطل، وتمويهه به، وكتمانهم الحق، وإظهارهم الباطل: وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ فنهاهم عن الشيئين معًا، وأمرهم بإظهار الحق، والتصريح به؛ ولهذا قال الضحاك عن ابن عباس - ا -: وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ لا تخلطوا الحق بالباطل، والصدق بالكذب.
وقال قتادة: وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ لا تلبسوا اليهودية، والنصرانية؛ بالإسلام، وأنتم تعلمون أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية، والنصرانية؛ بدعة ليست من الله، وروي عن الحسن البصري نحو ذلك.
قوله: أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية، والنصرانية بدعة ليست من الله: معنى ذلك في قوله تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة آل عمران:67] مشركاً، فإبراهيم ﷺ، وموسى، وعيسى وغيرهم من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لم يكونوا يهوداً، ولا نصارى - حاشاهم من ذلك -، وإنما كانوا حنفاء على الإسلام.
بعض أهل العلم يستشكلون القول بأن هؤلاء يخلطون الحق بالباطل، ويقولون: إذا خلط الحق بالباطل صار كله باطلاً فكيف قال: وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ؟ كما أن هناك استشكال مشابه في آية أخرى عن كان لا علاقة لها بالموضوع هنا، وهي قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ [سورة يوسف:106]؟
والحقيقة أنه لا إشكال في هذه المعاني إطلاقاً، إذ يمكن أن يجتمع هذا وهذا فيكون الإنسان قد جمع بين الإيمان والكفر، والنفاق والإيمان، والجاهلية والإسلام، ويكون قد جمع بين الحق والباطل؛ فبعض طوائف اليهود، أو طوائف النصارى؛ مثلاً منهم من كان يعترف بنبوة محمد ﷺ، بعضهم كانوا يقرون بهذا، ولكنهم يقولون: إنه مبعوث إلى العرب خاصة، ولسنا مخاطبين بذلك، فهذا من لبس الحق بالباطل.
وكذلك حينما يعترفون أنه سيأتي نبي، ويذكرون أوصافه؛ فهذا من الحق، ولكن حينما يقولون: إنه ليس بمحمد ﷺ فهذا من لبس الحق بالباطل، وكذلك حينما كان الواحد منهم يقول لصهره، أو لرضيعه، أو لقريبه من الأوس أو الخزرج هذا هو النبي الذي بشرنا به، فاثبت على هذا الدين - يعني الإسلام - وهذا حق، ومع ذلك هو كافر بمحمد ﷺ، وبما جاء به، ولهذا قال بعده: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ [سورة البقرة:44] فهذا من المعاني الداخلة تحته، يقول: هذا حق اثبت عليه، وهو أبعد الناس عنه، فيمكن أن يجتمع هذا وهذا، ويخلط الحق بالباطل، وهذا كثير، وقد شابهتهم هذه الأمة في ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام-: لتتبعن سنن من كان قبلكم[1].
إذن: يوجد من يخلط الحق بالباطل، ويلبس على الناس الحق فيجمع بين هذا وهذا، وتجد في الكلام الواحد من اجتماع الحق والباطل الشيء الكثير، حتى إن السامع لربما يتحير لهذا القائل ماذا يريد أن يقول، فهو يجمع بين أمور صحيحة وأمور باطلة، ولربما كان ذكر الأمور الصحيحة في مقدمة ذلك، ومطلعه من أجل الترويض والتهيئة لما سيذكره بعد ذلك من الباطل.
وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس - ا -: وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:42] أي: لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي، وبما جاء به، وأنتم تجدونه مكتوباً عندكم في ما تعلمون من الكتب التي بأيديكم.
هذا من أجلى صور كتمان نبوة محمد ﷺ، ولكن يدخل فيه أيضاً من الكتمان أشياء أخرى كانوا يكتمونها، كما قال الله وَتُخْفُونَ كَثِيرًا [سورة الأنعام:91]، ومن ذلك لما سألهم النبي ﷺ عن حد الزنا فأخفوه، وذكروا له التحميم، فلما دعا بالتوراة وضع الحبر أصبعه على آية الرجم، وأنكروا أن يكون ذلك في التوراة، وكل هذا من كتمان الحق، فلما قال عبد الله بن سلام ما قال، وأمر النبي - عليه الصلاة والسلام - الحبر أن يرفع أصبعه ماذا قال الحبر؟ قال: ما أنزل الله على بشر من شيء، فألقمه الله حجراً حيث قال: قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ [سورة الأنعام:91].
قلت: ويجوز أن يكون المعنى: وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار إلى أن سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوع من الحق لتروّجوه عليهم، والبيان: الإيضاح، وعكسه الكتمان، وخلط الحق بالباطل.
هذا المعنى الذي ذكره تحتمله الآية، لكن المعنى المتبادر هو أي تقومون بذلك عن علم، ولا يقع ذلك بسبب جهل وخفاء في الحق، وإنما تفعلون ذلك قصداً وعمداً فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً [سورة البقرة:79]، قال: يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِم ليقرر وليثبت هذه الجريمة عليهم، وهذا من أجلى صور التأكيد.
وفي قوله: وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ [سورة البقرة:42] ذكر قضية وهي أنه نهاهم عن أمرين يمكن أن يكون النهي عنهما معاً على قول بعض المفسرين، بمعنى أن الكلام مركب بهذه الطريقة، ولا وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ [سورة البقرة:42] يعني نهاهم عن اجتماع الأمرين.
ولا شك أن كل من لبس الحق بالباطل أنه لا بد أن يكون قد كتم الحق، لا بد من هذا؛ إذ بينهما ملازمة، فالحاصل أن بعض أهل العلم يقولون: نهاهم عن الأمرين معاً، أي: عن كتمان الحق، ولبس الحق بالباطل وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ.
وللتوضيح نذكر هذا المثال: لو قلتَ لشخص: لا تقرأ وتقف، فهل أنت نهيته عن كل واحد من هذين الأمرين على سبيل الاستقلال، بمعنى أنه منهي عن القراءة ومنهي عن الوقوف، أم إنه منهي عن القراءة في حال الوقوف؟
لا شك أنه منهي من القراءة في حال الوقوف، فهذا بين من السياق، وفي الآية، وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ [سورة البقرة:42] هل يوجد أحد يلبس الحق بالباطل، ويكون مع ذلك غير كاتم للحق؟
لا يوجد، ولذلك فالحاصل أن بعض أهل العلم يقول: النهي هنا متوجه لمجموع الأمرين.
لكن إذا قلنا بأن كل واحد أيضاً منهي عنه على سبيل الاستقلال لا تلبسوا الحق بالباطل، ولا تكتموا الحق، ما الإشكال في هذا؟
لا إشكال؛ وبالتالي فعلى الأول يكون: وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ في حال كونكم كاتمين للحق، فهو نهاهم عن شيئين لا شك، لكن لا ندقق في هذا كثيراً؛ لأننا في والواقع إذا قلنا: نهاهم عن لبس الحق بالباطل فقد نهاهم - ولا بد - عن كتمان الحق؛ لأنهم لا يمكن أن يفعلوا هذا إلا بالكتمان، لذا فهو نهاهم عن الكتمان.
  1. أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - باب قول النبي ﷺ: لتتبعن سنن من كان قبلكم (6889) (ج 6 / ص 2669)، ومسلم في كتاب: العلم - باب: باب اتباع سنن اليهود والنصارى (2669) (ج 4 / ص 2054).

مرات الإستماع: 0

"بِما أَنْزَلْتُ يعني: القرآن."

وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ القرينة هنا، لو قال: آمنوا بما أنزلت. فقط يشمل الكتب المنزلة، لكن قوله: مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ هذا قرينة تدل على أن المراد القرآن.

"مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ أي: مصدقا للتوراة، وتصديق القرآن للتوراة، وغيرها، وتصديق محمد ﷺ للأنبياء، والمتقدمين له ثلاث معان:"

هذا مفيد في مثل هذه المواضع مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ما المراد به؟ فهذا يشمل هذه المعاني الثلاثة التي ذكرها، وكلها صحيح، وداخلة تحت معنى الآية - والله أعلم -.

أحدها: أنهم أخبروا به ثم ظهر كما قالوا فتبين صدقهم في الإخبار به.

مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ يعني: هو يصدق ما معكم أن هذه الكتب، وهؤلاء الأنبياء الكرام - عليهم الصلاة، والسلام - أخبروا بصفته فجاء مطابقًا للوصف الذي قالوه، فذلك تصديق لهم، هذا وجه.

"والآخر: أنه ﷺ أخبر أنهم أنبياء، وأنزل عليهم الكتب، فهو مصدق لهم أي شاهد بصدقهم."

مصدق، يعني: هو بلسان المقال، مصدقهم يقول هم أنبياء يشهد لهم بالصدق، فهذا غير الأول، الأول أنهم أَخبروا، فجاء كما أَخبروا، فكان ذلك المجيء تصديقًا، لكن هنا مصدق بالقول، يقول: يشهد لهم بأنهم أنبياء.

"والثالث: أنه وافقهم فيما في كتبهم من التوحيد، وذكر الدار الآخرة، وغير ذلك من عقائد الشرائع، فهو مصدق لهم لاتفاقهم في الإيمان بذلك." 

هؤلاء الأنبياء - عليهم الصلاة، والسلام - كما قال النبي ﷺ: الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد[1] فأصول الدين في العقائد، والأحكام، الأصول الكبار، أصول الشريعة، وأصول الأخلاق واحدة، ولكن التفاصيل تختلف، فحينما تتفق هذه الأصول فهذا تصديق، يشهد بعضهم لبعض أن هذا شرعه - الله تبارك، وتعالى - وأنه حق، فالله إله واحد لا شريك، وهو متصف بصفات الكمال بذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، واحد في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، هذا في كل الكتب، وعلى لسان جميع الرسل - عليهم الصلاة، والسلام -وكلهم يقول: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 65، 73] [هود: 50، 84] [المؤمنون: 23، 32] يصدق بعضهم بعضًا في ذلك، وكذلك تجد مثل إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ونحو ذلك من الأصول العظام، يتفقون عليها، وإن اختلف ذلك في الصفة، والتفصيل.

وفي نسخة خطية: فهو مصدق لهم لاتفاقه في الإيمان بذلك. لكن لاتفاقهم أوضح، وعلى كل حال هذا الذي يقول: في جميع النسخ الخطية. غاية ما هناك أنه رجع إلى أربع نسخ خطية، والكتاب له نسخ كثيرة جدًا، فإذا قيل: في جميع النسخ. معناها النسخ الأربع فقط التي رجع إليها من قابل الكتاب على تلك النسخ، وليس جميع النسخ الموجودة، فهذه العبارة: لاتفاقه في الإيمان بذلك. ليست واضحة، لكن لاتفاقهم في الإيمان بذلك، هذه أوضح.

"وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ الضمير عائد على القرآن، وهذا نهي عن المسابقة إلى الكفر به، ولا يقتضي إباحة الكفر به في ثاني حال؛ لأن هذا مفهوم معطل، بل يقتضي الأمر بمبادرتهم إلى الإيمان به لما يجدون من ذكره، ولما يعرفون من علامته."

الضمير يقول: عائد على القرآن.، وهذا قال به ابن جريج[2] ولكن هذا ليس محل اتفاق، وقد قال بعض السلف: كأبي العالية: بأن ذلك يرجع إلى النبي ﷺ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ أي: النبي ﷺ وهذا قال به أيضًا جماعة: كالحسن، والسدي، والربيع بن أنس[3].

وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ بما أنزلت: يعني القرآن، هذا هو المتبادر وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ فالضمير يرجع إليه، هذا هو ظاهر السياق، ولكن هنا ملازمة بين القرآن، ومن أُنزل عليه، فمن كفر بالقرآن فقد كفر بالنبي ﷺ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ .

يقول: وهذا نهي عن المسابقة إلى الكفر به، ولا يقتضي إباحة الكفر به في ثاني حال؛ لأن هذا مفهوم معطل. يعني إن مفهوم المخالفة، وهو ما يُفهم من جهة السكوت، المسكوت عنه، فالمنطوق هو الذي يُفهم من جهة النطق، والمفهوم من جهة السكوت، فهنا مفهوم المخالفة، المخالفة في الأصل حجة، فهل يقال هنا: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ أن النهي هنا جاء مقيدًا بالأولية: أول كافر، فيصح أن يكونوا كفارًا لكن بعد الناس، المهم أنه لا يكون أول كافر، هذا غير صحيح، ومفهوم المخالفة نُهي عن أن يكون أول كافر به، فإذا قال: أنا لا أريد أن أكون كذلك، لكن في غمار الناس، وآخر من يكفر - نسأل الله العافية - فهذا لا يجوز، وليس هو المراد، ولكن مفهوم المخالفة حجة إلا في مواضح لا يكون فيها حجة التي ذكرها صاحب المراقي بقوله:

كذا دليل للخطاب انضافا ودعْ إذا الساكت عنه خافا
أو جهل الحكم أو النطق انجلبْ للسؤل أو جرى على الذي غلب
أو امتنان أو وفاق الواقع والجهلِ والتأكيد عند السامع

وهذا لا يرد على الشارع عمومًا لكنه يتكلم عن المفهوم في العموم حتى في كلام الناس، أو جهل النطق يعني جهل المنطوق، أو الحكم انجلب للسؤل: يعني أجاب على قدر السؤال، أو جرى على الذي غلب: يعني على الغالب، أو امتنان: يعني في سياق الامتنان لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [النحل: 14] لا يدل على أن القديد حرام، المجفف من السمك، أو وفاق الواقع: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 28] لو قال: أوالي الكافرين مع المؤمنين. قال: لا، هذه جاءت هكذا وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النور: 33]، وإن لم ترد التحصن؟ كذلك لا يجوز، لكن هذا جاء في سياق معين، أن عبد الله بن أُبيّ كان يكره جاريتين على الزنا عنده ليكتسب من ورائهما، فنزلت الآية، وإلا لا يجوز تمكينها من ذلك مطلقًا، ولو كانت تطلبه، أو وفاق الواقع فجاءت الآية موافقة لواقع معين ... إلخ ما ذكر، فالشاهد نحو سبعة مواضع لا يُعتبر فيها مفهوم المخالفة، والجهل، والتأكيد عند السامع: هذا مجموع ما ذكره.

فهنا وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ فهذا لا يُعتبر، ويمكن أن يكون هذا داخلًا في قوله: والتأكيد عند السامع. فهو نهي لهم عن الكفر مطلقًا، لكن كون هؤلاء يكونون أول من يكفر به، وهم أعلم الناس بصدقه هذا في غاية القُبح.

"وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا الاشتراء هنا استعارة في الاستبدال: كقوله: اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى [البقرة: 16] والآيات هنا هي الإيمان بمحمد ﷺ والثمن القليل ما ينتفعون به في الدنيا من بقاء رياستهم، وأخذ الرُشا على تغيير أمر محمد ﷺ وغير ذلك، وقيل: كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك، واحتج الحنفية بهذه الآية على منع الإجارة على تعليم القرآن."

وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا هو ما يؤخذونه من الرُشا فيبدلون الحق، ويحرفون الكلم عن مواضعه، وفي شأن النبي ﷺ وفي غيره، وما يستعيضون به من الدنيا عن قول الحق، وبيانه، والعمل به، واتباعه.

وهل هذه الآية: وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا تدخل في تعليم القرآن بالأجرة؟.

الجواب: فهموا هذا من عموم اللفظ، وإن كانت هذه الآية في بني إسرائيل، والكلام في أخذ الأجرة على تعليم القرآن فيها خلاف معروف بين أهل العلم، ولكن حتى الحنفية انتهى أمرهم إلى الترخيص بأخذ الأجرة على تعليم القرآن؛ لما رأوا من أثر القول بالمنع من تعطيل التعليم، والتعلم لكتاب الله يعني رأوا أن هذا يؤدي إلى الترك فقالوا: يُرخص. هكذا انتهى القول بذلك عند متأخريهم.

"الْحَقَّ بِالْباطِلِ الحق هنا يراد به نبوّة محمد ﷺ والباطل الكفر به، وقيل: الحق التوراة، والباطل ما زادوا فيها." 

لبس الحق بالباطل يدخل فيه ما كان في صفة النبي ﷺ من التبديل، والتغيير، يعني يجدونه عندهم مثلًا ربعة من الرجال يعني متوسط بين الطول، والقصر، ليس بالطويل البائن الطول، ولا بالقصير البين القصر، فيقولون: هو طويل. يجدونه مثلًا أبيض مشرب بحمرة، فيقولون: آدم. يعني فيه سُمرة، أسمر، وهكذا يبدلون في صفاته ﷺ وكذلك يدخل فيه أيضًا لبس الحق بالباطل بما يحرفون من كتبهم، ويبدلون تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا [الأنعام: 91] فهذا من لبس الحق بالباطل، فكل تحريف يقع عندهم، وتبديل فهو داخل في هذا.  

"وَتَكْتُمُوا معطوف على النهي، أو منصوب بإضمار (أن) في جواب النهي، والواو بمعنى الجمع، والأول أرجح؛ لأن العطف يقتضي النهي عن كل واحد من الفعلين، بخلاف النصب بالواو، فإنه إنما يقتضي النهي عن الجمع بين الشيئين، لا النهي عن كل واحد على انفراده."

يعني، وأن تكتموا، ولا تلبسوا الحق بالباطل، وأن تكتموا الحق يعني في الوقت الذي تكتموا فيه الحق، والواقع أن كل من لبس الحق بالباطل فلا بد أن يكون قد كتم الحق، فبينهما ملازمة، لكنه يريد أن يقول هنا بأن كون الواو هنا عاطفة، وأنه معطوف على ما قبله وَلَا تَلْبِسُوا وتكتموا يعني، ولا تكتموا، يقول: وتكتموا معطوف على النهي، أو منصوب بإضمار (أن) في جواب النهي بمعنى الجمع، والأول أرجح؛ لأن العطف يقتضي النهي عن كل واحد من الفعلين بخلاف النصب... إلخ.

"وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي تعلمون أنه حق."

كما في قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [آل عمران: 71].

"وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ يراد بها صلاة المسلمين، وزكاتهم، فهو يقتضي الأمر بالدخول في الإسلام."

لاحظ هذه الآية: وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ هذا هو الأمر لهم بالدخول في الإسلام وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا إلى أن قال: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فالأمر لهم بالدخول في الإسلام هو في قوله: وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ أما هذا فهو أمر بالصلاة، والزكاة.

"وَارْكَعُوا  خصص الركوع بعد ذكر الصلاة؛ لأن صلاة اليهود بلا ركوع فكأنه أمر بصلاة المسلمين التي فيها الركوع، وقيل: اركعوا للخضوع والانقياد."

 مَعَ الرَّاكِعِينَ  مع المسلمين فيقتضي ذلك الأمر بالدخول في دينهم، وقيل: الأمر بالصلاة مع الجماعة."

هذا يذكره كثير من أهل العلم كما في قوله: وَارْكَعُوا لكن مثل هذا ليس بالضرورة أنه يدل على وجوب صلاة الجماعة، يعني صلاة الجماعة تؤخذ من أدلة أخرى، هم النبي ﷺ أن يحرق على من يتخلفون عنها بيوتهم، ونحو ذلك، ولكن قوله: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ  لا يدل على لزوم الجماعة من حيث هو، ويدل على ذلك أن الله قال لمريم - رحمها الله -: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران: 43] فهل هذا أمر لها بصلاة الجماعة؟ الجواب: لا، والمرأة ليست بمطالبة بهذا أصلًا، وإنما المقصود الدخول في جملتهم، فيكون في جملة المصلين، ولكن العلماء - رحمهم الله - يريدون من الأدلة ما يكون صريحًا، ويريدون أيضًا أدلة تكون محتملة يعني دونه في القوة. 

  1. أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى ، رقم: (2365).
  2. تفسير الطبري (1/563).
  3. تفسير ابن كثير (1/243).

مرات الإستماع: 0

قال الله -تبارك وتعالى- في جملة هذا الخطاب لهم: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:42] لا تخلطوا الحق الذي بينته لكم غاية البيان بالباطل الذي افتريتموه، واحذروا من كتمان الحق الواضح البين في صفة محمد ﷺ التي تجدونها في كتبكم، فيما تعلمون من هذه الكتب والأوصاف المُثبتة فيها.

وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [سورة البقرة:42] كانوا يجدونه عندهم ﷺ ربعة من الرجال، أبيض مشوب ﷺ بحُمرة، فيقولون مثلاً إنه آدم ويقولون بأنه بائن الطول ونحو ذلك مما يُغيرون به أوصافه التي يجدونها مُطابقة لما في كتابهم، ومن نظر في أخبارهم، وأخبار أحبارهم، وما كانوا يقولون إبان هجرته ﷺ إلى المدينة: أهو هو؟ قال: نعم، ثم يقول: والله لا أؤمن به أبد الدهر، هكذا كانوا يقولون.

ولكن من أراد الله هدايته، كعبد الله بن سلام حينما هاجر النبي ﷺ جاء إليه، وهو من أحبارهم، ونظر إليه، فقدم له صدقة، فأعطاها لأصحابه، فجاء بأخرى، وقال: هذه هدية فقبلها، فقال: هذه الأولى، أنه لا يقبل الصدقة، ويقبل الهدية، يقول: "لما نظرت إلى وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب"[1] وهذا ما يُعرف بدلائل النبوة، فإن دلائل النبوة منها ما يكون من قبيل الخوارق والمُعجزات، كانشقاق القمر، ونزول هذا القرآن المُعجز، ومن هذه الدلائل ما لا يكون مُعجزًا، مثل هذا، من رآه عرف أنه ليس بوجه كذاب، وكذلك أيضًا ما كان يدعو إليه، ومن نظر في أسئلة هرقل لأبي سفيان قبل إسلامه لما سأله تلك الأسئلة المعروفة، لم يكن قد سأله عن شيء من خوارق العادات، مما يُسمى بالمُعجزات، وإنما سأله عن نسبه، وعن ما يدعو إليه، وهل كان في أبائه من ملك، وما شابه ذلك؟ ثم عرف صدق ما جاء به ﷺ.

قوله -تبارك وتعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ [سورة البقرة:42] فنهاهم عن أمرين: بينهما مُلازمة، لبس الحق بالباطل، فدعاة الضلالة، كما يقول الشيخ محمد الخضر حسين -رحمه الله- لهم طريقان في الإغواء والإضلال:

الأول: هو لبس الحق بالباطل، فهذا يُحرفون فيه الحق وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [سورة البقرة:42] الطريقة الثانية: وهي طريقة الكِتمان وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ [سورة البقرة:42] فالحق إما أن يشوه ويُحرف ويُبدل، وتُغير ملامحه ومعالمه، فيبقى مُلتبسًا على الناس، والحالة الثانية: وهي أن يُكتم الحق بالكُلية، كما جاء في حال هؤلاء اليهود، وفي خبرهم حينما سألهم النبي ﷺ عما يجدونه في كتابهم في حكم الزاني؛ لما وجد رجلاً وامرأة قد حُمما -يعني بالسواد- فسألهم عنهما، فقالوا: قد زنيا، فسألهم عن ما يجدون في كتابهم، قالوا: نجد التحميم، فدعا النبي ﷺ بالتوراة، فجاء الحبر ومعه التوراة، وقد وضع أُصبعه على آية الرجم، فقال عبد الله بن سلام : مُره يا رسول الله فليرفع أُصبعه، وإذا آية الرجم تلوح، فغضب هذا الحبر، وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء[2].

فبشر هنا نكرة في سياق النفي، وشيء سُبقت بمن التي تنقلها من الظهور في العموم إلى التنصيص الصريح في العموم، ما أنزل الله على بشر من شيء، يعني: أي بشر، فيشمل جميع البشر بما فيهم موسى الذي يؤمن به هذا الحبر، و(من شيء) يشمل كل شيء بما فيه التوراة، التي يؤمن بها، فانظر كيف جاء الرد القرآني بما يُسميه الجدليون طريق النقض، يعني حينما يأتي بنفي كلي كهذا ثم يُنقض ذلك بمُفردة فإن ذلك السياج من العموم ينفرط قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا [سورة الأنعام:91] من الذي جاء بها؟ تقول: ما أنزل الله على بشر من شيء، طيب من الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى؟ فإن قال: ما نزل على موسى شيء كفّره من حضر من اليهود، فلا بد أن يقول: الله، فيكون كلامه هذا الذي قاله "ما أنزل الله على بشر من شيء" قد انتقض، فيوجد بشر أنزل الله عليه شيئًا وهو التوراة، إذًا: الوحي معهود، والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قد وُجدوا وبُعثوا، والنبي ﷺ كذلك هو مُرسل من عند الله -تبارك وتعالى.

فيُؤخذ من هذه الآية -أيها الأحبة- أن كل من لبس الحق بالباطل، فلم يُميز هذا من هذا، مع علمه بذلك، فإنه يكون من دعاة الضلالة، كهؤلاء اليهود، والواقع كما قلت: إن كل من لبس الحق بالباطل فقد كتم الحق؛ لأنه حينما يخلط الحق بالباطل، ويُغير معالم الحق، فلا بد أن يكون قد كتم الحق، لكن ما كل من كتم الحق يكون قد لبس الحق بالباطل.

ويُؤخذ من هذه الآية وجوب بيان الحق، وتمييز الحق من الباطل، يُقال: هذا حق، وهذا باطل وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ [سورة البقرة:42] يعني: حقائق ما جاء به الرسول ﷺ وحقائق الدين يجب أن يعرفها الناس، هذا أمر لا بد منه؛ لئلا يبقى الحق مُلتبسًا، لكن ليس بالضرورة أن تتحدث عن كل قضية واقعة، وتُسمي من فعل ذلك، وأنه مُبطل، وأن هذا الفعل الذي قد جرى منه باطل، ففرق بين أن يُكتم الحق، ويبقى مُلتبسًا، ويرفع صاحب الباطل عقيرته يتكلم فلا يُبين الحق، وبين أن تُبين معالم الحق، فيبقى ظاهرًا، وإن لم يرد الحديث عن زيد وعمرو، يعني: ليس بالضرورة أن ترد على كل مُبطل، فقد تكون المصلحة خلاف ذلك، قد تكون المصلحة في كبت هذا المُبطل، وعدم إذاعة هذا الباطل، وقد يكون التنصيص على هذا المُضل، مما يرفع شأنه، أو يشتهر بذلك، أو غير هذا من المفاسد، فهنا يُقال: يُبين للناس الحق، ويكون واضحًا لا يلتبس، فلا يلزم، ولا يُشترط حينما يُبين العلماء معالم الحق والدين أنهم يتكلمون على كل أحد من المُبطلين، وهذه قضية قد يحصل فيها لبس لدى بعض الغيورين، فيظن أنه لا بد أن يُرد عليه بعينه، ولا بد أن تُرد هذه الضلالة على فلان، ليس بالضرورة، قد يكون الإغفال أولى، لكن الحق يبقى ظاهرًا واضحًا، ويُعرض من غير مواربة.

ويدخل في لبس الحق بالباطل الطرح -كما يُقال- لحقائق الدين بطريقة ضبابية، لا يُعرف من خلالها الحق، فيبقى الحق غير مُتميز، سواء كان ذلك في أصول الدين، أو في فروعه -إن صح التقسيم- وإنما يجب أن يُبين للناس حدود ما أنزل الله على رسوله ﷺ وفي الحلال والحرام إذا ظهر دليله ووجه، يُقال لهم: هذا حلال، وهذا حرام، أما أن يُجاب بإجابات ضبابية لا يأخذ السامع أو السائل أو المُستفتي حقًا ولا باطلاً، وإنما قصد المُجيب أحيانًا أن يُرضي الجميع، أصحاب المجون والفسق والانفلات من حدود الشرع، فلا يُغضب هؤلاء بكلمة حرام أو ممنوع أو لا يجوز، أو يُرضي أهل الأهواء، فلا يقول: هذه ضلالة أو هذه بدعة، وإنما الإجابات بكلام كثير، لا تأخذ منه حقًا ولا باطلاً، هذه طريقة، لكنه هي طريقة لبس يُلبس الحق بالباطل، فيجب بيان الحق بصورة واضحة، رضي الناس أم سخطوا، ولا يصح بحال من الأحوال أن يكون مقصود العالم هو إرضاء الجماهير ولا غير الجماهير، وإنما يكون المقصود هو رضا الله وحده، لا شريك له.

ويُؤخذ من هذه الآية أيضًا: أن العالم يجب عليه أن يتكلم بالحق بحسب استطاعته؛ لأن الله لا يُكلف نفسًا إلا وسعها، لكن أن يترك ذلك من أجل دنيا، فيشتري بآيات الله ثمنًا قليلاً، وهذه الدنيا قد تكون المال أو الرُشى التي يتقاضاها، وقد يكون ذلك ربما رُتبة في قلوب الجماهير والناس، كما يُعبر بعضهم بأن الوصول إلى القمة أمر سهل، ولكن المحافظة على التوازن هناك أمر في غاية الصعوبة، أين نحن في مدينة فنية، ويتحول العالم أو الداعية إلى الله إلى من يكون بهذه المثابة، وعبارات مثل هذه التي يقولها أهل الفن: الوصول إلى القمة أمر سهل، ولكن التوازن والمحافظة على التوازن في القمة أمر في غاية الصعوبة، ما هذا التوازن؟ التوازن يقصد به أنك لا تخسر هؤلاء الجماهير، فهذه الحظوة في نفوس الناس، وما إلى ذلك، فهذا من الاشتراء بآيات الله ثمنًا قليلا، وقد يكون ذلك لوظيفة أو مرتبة أو نحو ذلك، كله يدخل في هذا، إذا كان يلبس الحق بالباطل من أجل تحصيل شيء من هذه المكاسب.

  1.  تاريخ الإسلام ت تدمري (2/ 34) والبداية والنهاية ط إحياء التراث (3/ 255). 
  2.  تفسير مقاتل بن سليمان (1/ 574).