في قوله هنا: وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ذكر الله الكتاب، ولا شك أنه التوراة، ونقل بعض أهل العلم الإجماع أن الكتاب هنا هو التوراة، ثم عطف عليه بعد ذلك الفرقان، وظاهره أن العطف يقتضي المغايرة، ولهذا فهم بعض أهل العلم أن الفرقان ليس المراد به التوراة؛ بل هو شيء آخر، واختلفوا في تفسيره، وفي بيان المراد به، فبعضهم قال: آتينا موسى الكتاب، وآتينا محمداً الفرقان، وهؤلاء التبس عليهم هذا، وذلك أن الله سمى هذا القرآن بالفرقان كما في سورة الفرقان: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [سورة الفرقان:1]، ولا يمتنع أن يسمي الله القرآن بالفرقان، وأن يصف التوراة بأنها فرقان، كما قال: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ [سورة الأنبياء:48]، والمراد بذلك التوراة قطعاً.
وبعضهم يقول: الفرقان المراد به ما حصل من الفرق بينهم أي: الفصل والحكم بينهم وبين فرعون وقومه، وبعضهم يقول: المراد به انفراق البحر، وهذا بعيد جداً عن ظاهر القرآن، بل هو في غاية البعد، والله تعالى أعلم.
وبعضهم يقول المراد بالفرقان: الحجة والبرهان الذي أعطاه الله لموسى من الآيات كالعصا ، واليد وما أشبه ذلك، والذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن الفرقان المراد به التوراة وهو الكتاب الذي سبق ذكره قبله، آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ويكون ذلك من قبيل عطف الأوصاف والموصوف واحد، كما في قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [سورة الأعلى:1-4]، فالأوصاف تأتي تارة متتابعة، وتارة تأتي بالعطف بالواو مع أن الموصوف واحد، ومن ذلك قول الشاعر يمدح ملكاً:
هو الملك القرم وابن الهُمام | وليث الكتيبة في المزدحم |
وقوله: إن هذه الأربعين ليلة هي شهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة فهذا عليه عامة المفسرين، والله تعالى أعلم.