قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أي: غَطوا الحق وستروه، هذا هو التعريف اللغوي للكفر؛ لأن أصل هذه المادة (كَفَرَ) تدل على الستر والتغطية كما قال الشاعر:
يعلو طريقة متنها متواتراً | في ليلة كفر النجوم ظلامها |
والجواب هو: أن المقصود بالذين لا يؤمنون من الكفار مع حصول الإنذار، وعدم حصوله؛ هم من حقت عليهم كلمة الله، أي من قضى الله عليهم، وسبق في علمه أنهم لن يؤمنوا، فهم لا يفارقون الكفر، ولا يتحولون إلى الإيمان بحال من الأحوال، ولهذا قال ابن كثير في تفسيره: إنهم المعاندون.
ولهذا ذهب ابن جرير - رحمه الله - وطائفة من السلف إلى أن المعنيون بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ "هم طائفة معينة مخصوصة من المشركين، واليهود".
وبعضهم يقول قولاً يشبه هذا وهو "أنهم قادة أهل الأحزاب من المشركين، وكبارهم، ورءوسهم"، وهذا لا ينافي القول الأول.
وبعضهم يقول: "هم الذين قتلوا في بدر".
وعلى كل حال فهذه الآية لا بد أن يقال فيها: إنها خاصة وليست على ظاهرها في العموم، والذي جاءنا بهذا التخصيص هو الواقع، وبالتالي يمكن أن يكون المقصود بها أهل العناد، ومن سبق في علم الله أنه لن يؤمن، فهؤلاء يستوي في حقهم الإنذار وعدم الإنذار، وليس هذا القول بلازم، إلا أنه قول له وجه؛ لأن من كان شاكاً أو غير ذلك كالذي ذهب، وترك النبي ﷺ، ولم يؤمن بعد أن ناقش النبي ﷺ مناقشة فيها تورع؛ فهذا يدخل في الآية مع أنه ليس معانداً، إلا أن القول في هذه الآية إنها في المعاند هو الأقرب، لكن بعض أهل العلم حينما يفسرون الكفر يقولون: هو الستر والتغطية من قولهم للزارع فلاح، يقال له: كافر؛ لأنه يدفن البذر في التربة، فهو يغطيها، ويسترها، لكن ليس هذا فقط هو المعنى الشرعي.