الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

يقول الله تعالى: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [سورة البقرة:77]، وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم.
وقوله تعالى: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ قال أبو العالية: يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد ﷺ، وتكذيبهم به، وهم يجدونه مكتوباً عندهم، وكذا قال قتادة.
وقال الحسن: أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ قال: كان ما أسرُّوا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد ﷺ، وخلا بعضهم إلى بعض تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد ﷺ بما فتح الله عليهم مما في كتابهم؛ خشية أن يحاجهم أصحاب محمد ﷺ بما في كتابهم عند ربهم.
وَمَا يُعْلِنُونَ يعني حين قالوا لأصحاب محمد ﷺ: آمنا، كذا قال أبو العالية والربيع وقتادة.
فقد سبق الكلام على هذه الآية: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ [سورة البقرة:76].
والمراد بقوله - تبارك وتعالى -: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [سورة البقرة:77] يشمل هذا ما يكتمونه ويسرونه من نبوة محمد ﷺ، وأنها حق، وكذلك ما يعلنونه من الكذب عليه - عليه الصلاة والسلام -، والتحريف، والتغيير في أوصافه التي يجدونها في كتابهم.
كذلك أيضاً يعلم ما يسرون، وما يعلنون؛ فيما يتظاهرون به أمام المسلمين من قولهم: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم، فالله يعلم هذه المقالات، وهذه الأحوال، فالآية تتحدث عن قولهم هذا: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا [سورة البقرة:76]، ثم عقبها بقوله: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [سورة البقرة:77] حيث ذكر حالهم في السر وحالهم في العلانية فالله يبين أنه مطلع على ذلك كله.
وقوله: أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ معلوم أن (ما) تفيد العموم، ومعلوم لكل أحد أن الله يعلم السر والعلانية في كل الأمور، ولكن الآية حينما تكون تعقيباً على مثل هذا فإنها تربط به عادة، فيقال: يعلم ما يسرون، وما يعلنون؛ مما يظهرونه، ويبطنونه في أحوالهم المختلفة أمامكم، وإذا خلا بعضهم إلا بعض، ومن قال بذلك لا يعني أنه ينكر أن الله يعلم كل شيء، وإنما المقصود أنه يمكن أن تفسر الآية بهذا، وإلا فيقال: أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون، وما يعلنون؛ في كل شيء، فهذا معنى ً صحيح، ولكن جرت العادة في التفسير أن مثل ذلك يكون مرتبطاً بما قبله، ولهذا تجد العبارات التي يذكرها المفسرون هي عبارة عن محاولات لربط هذه الخاتمة بما قبلها، وإلا فأي واحد من المفسرين يستطيع بكل سهولة أن يفسر الآيات فيقول: أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [سورة البقرة:77] (ما) تفيد العموم، والله عليم بالسر والعلانية، وانتهى، لكن هذا الربط تجده مطرداً في التفسير، وقائله لا ينكر العموم، فمثلاً يقول في قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة المائدة:38] يقول: عزَّ فحكم بالقطع، وهذا مع أن الله عزيز - تبارك وتعالى - في ذاته، ولا يغالب، ولا تطاق سطوته...الخ.
فالمقصود إن هذه قضية تجدها في التفسير كثيراً، فإذا رأيتها فتدرك المراد، لماذا يقولون هذا، وهذا الاستطراد إنما ذكرناه لأن هذه المسألة قد تشكل في بعض المواضع فيظن الإنسان أنها من قبيل التخصيص، فأردنا أن نبين أنهم إنما يقصدون هذا الملحظ.

مرات الإستماع: 0

"أَوَلَا يَعْلَمُونَ  الآية من كلام الله ردًّا عليهم، وفضيحة لهم.
أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ.

مرات الإستماع: 0

ثم قال الله : أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [سورة البقرة:77] يفعلون ذلك كله ولا يعلمون أن الله يعلم ما يخفونه وما يظهرون مما يتقاولونه بينهم، ومما يبيتونه أو يظهرونه من دعوى الدخول في الإسلام مكرًا وحيلة، ثم بعد ذلك يعلنون الرجوع عنه، كل ذلك من أجل الكيد له ولأهله، فالله مطلع على هذا، ومن ثم فينبغي على الإنسان أن يخاف وأن يحذر في كل ما يأتي ويذر، فإن الله -تبارك وتعالى- لا يخفى عليه خافية، يعلم ما تكن الصدور وما يعتلج في النفوس.

وكذلك ما يحصل من النجوى والدسائس، وقالة السوء.

وهكذا أيضًا البعض لربما يكتب كتابات لا ترضي الله تحت أسماء غير حقيقية، ولربما يؤذي الآخرين ويقع في أعراضهم، ويرميهم بالإفك والبهتان ويظن أنه قد سلم حيث لم يعرف شخصه أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [سورة البقرة:77] فأين يذهب هذا من ربه -تبارك وتعالى- الذي لا يخفى عليه خافية؟!

فينبغي على الإنسان إذا أراد أن يصنع شيئًا أو أن يكتب أو يتكلم أو يتناجى مع أحد من الناس أن ينظر في هذه النجوى وفي هذا الكلام والمقال هل هو مما يرضي الله أو لا؟ فليست القضية أطلع الناس عليه أم خفي عليهم، وإنما الأمر هو هل هذا مما يرضى الله عنه أو أن ذلك مما يسخطه فإنه لا تخفى عليه خافية، فليقمش الإنسان ما يقمش، وليفعل ما شاء وليكتب ما شاء فإن الله -تبارك وتعالى- مطلع على سره ونجواه، وكتاباته التي قد لا يُعرف كاتبها، الله -تبارك وتعالى- يعلمه وسيجازيه عليه الجزاء الأوفى.