فَتَعَالَىَ اللّهُ الْمَلِكُ الْحَقّ، أي: تنزه وتقدس الملك الحق الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق ورسله حق، والجنة حق والنار حق، وكل شيء منه حق، وعدله تعالى أن لا يعذب أحداً قبل الإنذار وبعثة الرسل، والإعذار إلى خلقه؛ لئلا يبقى لأحد حجة ولا شبهة.
وقوله: وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، كقوله تعالى في سورة لا أقسم بيوم القيامة: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [سورة القيامة:16-19]، وثبت في الصحيح عن ابن عباس - ا - أن رسول الله ﷺ كان يعالج من الوحي شدة، فكان مما يحرك به لسانه، فأنزل الله هذه الآية، يعني أنه كان إذا جاءه جبريل بالوحي، كلما قال جبريل آية قالها معه من شدة حرصه على حفظ القرآن، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه؛ لئلا يشق عليه، فقال: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، أي: أن نجمعه في صدرك، ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئاً، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ، وقال في هذه الآية: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، أي: بل أنصت، فإذا فرغ الملَك من قراءته عليك فاقرأه بعده، وَقُل رّبّ زِدْنِي عِلْماً، أي: زدني منك علماً، قال ابن عيينة - رحمه الله -: ولم يزل ﷺ في زيادة حتى توفاه الله .
قوله - تبارك وتعالى -: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، هذا المعنى الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - حيث فسره بقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، والحديث في سبب نزولها هو الأقرب - والله تعالى أعلم -، ومن أهل العلم من فسره بغير هذا، فابن جرير - رحمه الله -: يرى أن المعنى وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ، أي: في إقرائه لأصحابك، وإملائه عليهم مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، أي: قبل أن نفُهمك ونبين لك معانيه حتى تفهمه، فلا تعجل بإقرائهم وإملائه عليهم، وتفسيرها بما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أولى للحديث وللآية الأخرى، لأنه تفسير لها بالقرآن، تفسير القرآن بالقرآن أقرب وأولى، وكذلك أيضاً هو تفسير بالسنة، وسبب النزول - كما هو معلوم - من فوائده أنه يبين ويجلي المعنى، والله تعالى أعلم.