الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنسَىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىَ، أي: لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك، تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها، كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك، فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف: 51] فإن الجزاء من جنس العمل، فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه، فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص، وإن كان متوعداً عليه من جهة أخرى فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك.

النسيان في هذه الآية قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا، بمعنى الترك، والإعراض، وليس بمعنى الذهول عن المعلوم، أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىَ، أي: تُترك، يُنسى من رحمة الله ، ينسى في النار، وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا: "فأما نسيان القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه فليس داخلاً في هذا الوعيد"، صحيح، الإنسان إذا نسي الآيات ونسي السور لا يقال له يوم القيام كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىَ أي: في النار، وإنما المقصود هنا الكافر الذي أعرض عن ذكر الله وعبادته فلم يرفع لذلك رأساً، أما نسيان القرآن نسيان الآيات يقول: "وإن كان متوعداً عليه"، فالأحاديث الواردة في هذا لا تخلو من ضعف، ولكن يقال: الأحاديث الواردة في الأمر بتعاهد القرآن، والعمومات في هذا الباب، وما يضاف إلى هذا مما يكون من التفريط إذا كان النسيان بسبب التفريط والتقصير والهجر لقراءة القرآن فإن هذا يكون مذموماً، ولهذا يقال: إن نسيان الآيات على نوعين: نسيان يعذر فيه الإنسان، ونسيان لا يعذر فيه، أما النسيان الذي يعذر فيه فهو إذا كان يتعاهد القرآن ومع ذلك ينسى، أو يكون هذا الإنسان قد شغل بما سبب له هذا النسيان، فنسي بعض القرآن الذي حفظه، شُغل شغلاً يعذر فيه، كإنسان مثلاً ولي خلافة وانشغل برد المظالم للناس، وبالقيام عليهم بالعدل والإصلاح ونحو ذلك فشغله ذلك عما كان يتوفر له من الأوقات في المراجعة، فصارت مراجعته فيها ضعف، فإذا أردت أن السور تكون حاضرة عندك تقرؤها ولا تكاد تخطئ فتحتاج أن تمر على الحفظ كل عشرة أيام، وهذا يحتاج إلى أوقات طويلة، إلا إذا عود الإنسان نفسه المراجعة في الصلاة وفي خارج الصلاة، صلاة النوافل، والفرائض، وهكذا لو أنه شغل مع مجاهدته وحرصه بأمور يعذر فيها، كأن يمرض الإنسان مرضاً لا يتمكن معه من التعاهد والقراءة كما ينبغي، فقد يعذر، أما النسيان الذي لا يعذر فيه فهو ما كان بسبب التفريط والإهمال والإعراض عن القرآن، لكن نصوص الوعيد لا يصح منها شيء.