الأربعاء 05 / ربيع الآخر / 1446 - 09 / أكتوبر 2024
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلْفُرْقَانَ وَضِيَآءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قوله: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ۝ وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [سورة الأنبياء:48 -50].

قد تقدم التنبيه على أن الله تعالى كثيراً ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد - صلوات الله وسلامه عليهما -، وبين كتابيهما؛ ولهذا قال: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ قال مجاهد: يعني الكتاب. وقال أبو صالح: التوراة. وقال قتادة: التوراة حلالها وحرامها، وما فرق الله بين الحق والباطل.

وجامع القول في ذلك أن الكتب السماوية مشتملة على التفرقة بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام، وعلى ما يحصل نوراً في القلوب وهداية وخوفاً وإنابة وخشية؛ ولهذا قال: الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لّلْمُتّقِينَ أي تذكيراً لهم وعظة.

قوله - تبارك وتعالى -: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ الذي مشى عليه الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أن الفرقان هو الكتاب الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وبيّن فيه الحلال والحرام.

وقال بعض المفسرين: إن الفرقان هو النصر على الأعداء، وقد سمى الله - تبارك وتعالى - يوم بدر بيوم الفرقان، فقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [سورة الأنفال:41]، وقد فرق الله بين موسى وبين فرعون، فأهلك فرعون وأغرقه.

وقال بعض أهل العلم: المراد بالفرقان هو الحق الذي فرق الله به بين موسى وفرعون يوم أن التقى موسى مع السحرة، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأعراف:118] ، وهذا هو اختيار ابن جرير - رحمه الله - واحتج له بأن الله عطف بعد ذكر الكتاب بالضياء فقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ، فهذا العطف يقتضي المغايرة، فالضياء: التوراة، والفرقان هو الحق الذي أظهره الله على يد موسى ﷺ وبه تبيّن بطلان ما عليه فرعون.

فإذا فسر الفرقان بالكتاب يكون قوله: وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ من أوصاف التوراة، والعطف يقتضي المغايرة، لكن هذا ليس دائماً، فأحياناً ينزل تغاير الأوصاف منزلة تغاير الذوات، فتأتي الأوصاف لموصوف واحد تارة بالعطف بالواو، وتارة من غير عطف، ومن أقرب الأمثلة قوله - تبارك وتعالى -: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ۝ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [سورة الأعلى: 1-2] من غير عطف، ثم قال: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۝ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى [سورة الأعلى:3-4] بذكر حرف العطف.

وعلى كل حال الآية تحتمل الأقوال كلها، وقد سمى الله – تبارك وتعالى - القرآن بالفرقان كما سمى التوراة فرقاناً، وقد قال الله تعالى: اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۝ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ۝ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [سورة آل عمران:2 - 4].