قوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ [سورة الأنبياء:57 -63].
ثم أقسم الخليل قسماً أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم، أي ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا مدبرين، أي إلى عيدهم.
وكان لهم عيد يخرجون إليه، وقال أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه، فقالوا: يا إبراهيم ألا تخرج معنا؟ قال: إني سقيم، وقد كان بالأمس قال: وَتَاللّهِ لأكِيدَنّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلّواْ مُدْبِرِينَ فسمعه ناس منهم.
قوله: سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ الذكر يفهم بحسب السياق، فتارة يكون الذكر بالخير وبالثناء، وتارة يكون بالسوء والعيب، وذكره لأصنامهم هو قوله: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم.
وقد أجروا على آلهتهم ما يجرى على العقلاء من الضمائر، فقالوا: يَذْكُرُهُمْ.
وقوله: بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، أي: على العيد، وبعضهم قال: تولوا مدبرين من عبادتها، فيَخلو المكان.
والمجادلة التي حصلت بين إبراهيم وبين قومه كانت قوية، أما من قبل فكان كلام إبراهيم ﷺ في غاية اللطف والرفق.
فالرفق من الداعية يكون في مواطن، حيث ينفع الرفق ويُرجى القبول، وإلا فلا بأس من استعمال الشدة، ولهذا تلطف موسى مع فرعون، وأمره الله بهذا فقال: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [سورة طـه:44]، ثم لما لم ينفع معه اللين ويئس منه، قال له: وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا [سورة الإسراء:102].