الإثنين 03 / ربيع الآخر / 1446 - 07 / أكتوبر 2024
إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ۝ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ۝ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [سورة الأنبياء:92-94].

قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: إِنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً يقول: دينكم دين واحد، وقال الحسن البصري في هذه الآية: يبيّن لهم ما يتقون وما يأتون، ثم قال: إِنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً أي: سنتكم سنة واحدة، فقوله: إِنّ هَذِهِ إن واسمها، وأمتكم خبر إن، أي هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم، وقوله: أُمّةً وَاحِدَةً نصب على الحال؛ ولهذا قال: وَأَنَاْ رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ كما قال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [سورة المؤمنون:51]، إلى قوله: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [سورة المؤمنون:52]، وقال رسول الله ﷺ: نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد[1]، يعني: أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له، بشرائع متنوعة لرسله، كما قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [سورة المائدة:48].

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله - تبارك وتعالى -: إِنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً قوله في تفسير هذه الآية: "دينكم دين واحد"، وهكذا قول من قال: "أي سنتكم سنة واحدة"، والعبارتان بمعنىً واحد، فالسنة والدين والشريعة والملة كل ذلك يرجع إلى شيء واحد، أي أن دين الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - واحد، كما ذكر في الحديث: نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات، ومعنى أولاد عَلات كما فسره النبي ﷺ أي: ديننا واحد، وأولاد العلات هم الذين لهم أب واحد وأمهات شتى، فأصل الدين هو الإسلام الذي بعث به ربنا - تبارك وتعالى - جميع الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، وشرع لهم الشرائع فاختلفت وتنوعت شرائعهم، ولكن أصل الدين واحد، إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [سورة البقرة:132]، وفي قوله - تبارك وتعالى - عن إبراهيم ﷺ: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا [سورة الحج:78] على

أحد القولين: أي أن إبراهيم ﷺ هو الذي سمانا المسلمين، والقول الآخر: أن الله هو الذي سمانا، وقد يكون هذا هو مقتضى القواعد التفسيرية، والأمة تأتي بمعانٍ متعددة، تأتي بمعنى الدين، كما قال النابغة:

حلفتُ فلم أتركْ لنفسِك ريبةً وهل يأثَمَنْ ذو أمّةٍ وهو طائعُ

 

فهل يأثم يعني هل يتقصد الإثم ذو أمّة، يعني ذو دين، وهو طائع، يعني وهو مختار يتقصد الإساءة والمخالفة والمعصية، يقول: أنا حلفت فلم أترك لنفسك ريبة، ولا يمكن أن أحلف على الكذب.

فهذه بمعنى الدين، وتأتي بمعنى الطائفة المجتمعة على أمر من الأمور، أو أي طائفة مجتمعة، كقوله - تبارك وتعالى - عن موسى ﷺ لما ورد ماء مدين قال: وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ  [سورة القصص:23]، أمة يعني جماعة من الناس، وتأتي بمعنى المدة الزمنية، كقوله - تبارك وتعالى -: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [سورة يوسف:45]، أي الذي نجا من السجن في قصة يوسف ﷺ، وهكذا تأتي بمعنى الرجل الذي اجتمعت فيه الأوصاف الكاملة التي تفرقت في غيره، مثل إبراهيم ﷺ: كَانَ أُمَّةً [سورة النحل:120]، ففي كل موضع بحسبه، والمقصود بها هنا الدين.

والخطاب في قوله: إِنّ هَذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً ليس لهذه الأمة الإسلامية من أمة محمد ﷺ، وإنما لما ذكر الرسل - عليهم الصلاة والسلام - جميعاً قال هذا، فيكون ذلك راجعاً إلى الجميع، فكل الرسل الذين بعثهم الله بعثهم بدين واحد، وإن تنوعت فيه الشرائع، بعثهم بالإسلام، مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا [سورة آل عمران:67]، فاليهودية مبتدعة والنصرانية مبتدعة محدثة، وهذه الأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ [سورة آل عمران:19].

وقوله: إِنّ هَذِهِ "إن واسمها، وأمتكم خبر إن"، فـ "هذه" اسم "إنّ"، وخبرها "أمتكم"،  ونصب قوله: أُمّةً وَاحِدَةً على المصدر.

  1. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا [سورة مريم:16]، برقم (3259)، عن أبي هريرة بلفظ: أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء أخوة لعَلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد.