الإثنين 03 / ربيع الآخر / 1446 - 07 / أكتوبر 2024
وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَٰهَآ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ۝ حَتّىَ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ۝ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُواْ يَوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مّنْ هَذَا بَلْ كُنّا ظَالِمِينَ [سورة الأنبياء:95-97].

يقول تعالى: وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ قال ابن عباس: وجب، يعني قد قدر أن أهل كل قرية أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة، هكذا صرح به ابن عباس وأبو جعفر الباقر وقتادة وغير واحد.

هذه الآية ربما يقرؤها الإنسان ولا يستشكل المعنى، لكن نقول: إن هذه الطريقة تولد الإشكالات، وأحياناً لابد من بيان المعنى، فانظر مثلاً في قوله - تبارك وتعالى -: وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ولم يقل: حرام عليهم أنهم يرجعون مثلاً، وإنما قال: وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ حرام عليهم الرجوع، فحرام بمعنى ممتنع، فقال: لاَ يَرْجِعُونَ ولم يقل: حرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا، حرام عليهم أن يرجعوا، فالممتنع هو الرجوع، وخلاصة الكلام في هذه الآية أن الأقوال فيها ترجع إلى ثلاثة، من أهل العلم من يقول: لا يرجعون إلى الدنيا بعد الإهلاك، فالموعد القيامة، وهذا هو القول الذي ذكره الحافظ ابن كثير هنا، و"لا" هذه في قوله: أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ بعضهم يفسرها بـ "وَجَبَ"، مثلما يقول الإنسان أحياناً: حرام عليّ أن تفعل كذا، يريد أن يفعل ويؤكد يقول: حرام عليّ، يعني وجبَ عليّ، فيكون وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ بمعنى وجب أو واجب، فيكون المعنى وجب أنهم لا يرجعون إلى الدنيا، ومن أهل العلم من يقول بأن الرجوع هنا ليس إلى الدنيا، وإنما الرجوع إلى الله - تبارك وتعالى -، فيكون المعنى: ممتنع عدم رجوعهم إلينا للجزاء: وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ، حرام عليهم أنهم لا يرجعون إلى الله، فسيرجعون إليه ويجازيهم ويحاسبهم على أعمالهم، فحرام بمعنى ممتنع، ويكون المعنى: أي ممتنع عدم رجوعهم إلى الله للجزاء والحساب، بل لابد أن يرجعوا، وعلى هذا تكون "لا" هذه في مكانها، وكثير من أهل العلم من السلف فمن بعدهم يقولون: إن الرجوع المراد به هنا إلى التوبة أو بالتوبة، وتكون "لا" هذه زائدة، أي: زائدة إعراباً، وليست زائدة في المعنى؛ لأنه لا زائد في القرآن؛ ولأن الزيادة حشو، والقرآن منزه عن ذلك، فبعض الذين يقولون: إنها زائدة، يقول: حرام عليهم أن يرجعوا إلى الدنيا، ويقول: "لا" زائدة، وبعضهم يقول: حرام عليهم أن يتوبوا، أن يرجعوا إلى التوبة، فمن قضى الله بإهلاكهم، وختم على قلوبهم فإنهم لا يرجعون، كما قال الله عن الكفار في الآخرة حينما يتمنون الرجعة يقول: وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ [سورة الأنعام:28]، فمن قضى الله إهلاكه واستئصاله وعذابه فإنه لا سبيل إلى رجوعه إلى الله بالتوبة، وهذا معنى ذكره جماعة من أهل العلم، وممن اختار هذا القول كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، وهو مروي عن ابن عباس - ا -، وبعضهم يقول: فيها إضمار، وهذا خلاف الأصل، وبعضهم يقول: حرام على قرية حكمنا باستئصالها أو بالختم على قلوب أهلها أن يُتقبل منهم عمل؛ لأنهم لا يتوبون، وهذا في نظري أبعد هذه الأقوال؛ لأن الأصل عدم التقدير، وإذا دار الكلام بين الاستقلال والإضمار فالأصل الاستقلال فيقدم على القول بالإضمار، والآية تحتمل المعاني السابقة، حرام على قرية أنهم لا يرجعون، لا يرجعون إلى الله ، ممتنع عدم رجوعهم إلى الله ليجازيهم، ويحتمل أن يكون المراد أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ يعني: بالتوبة، ممتنع رجوعهم بالتوبة، ويحتمل أن يكون الامتناع إنما هو برجوعهم إلى الحياة الدنيا من جديد، وأظن أن هذا - والله أعلم - هو أقرب هذه الأقوال.