قوله: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا [سورة المؤمنون:2)] "أم" هي متضمنة لمعنى الإنكار، والخَرج يقابل الدخل ما يدخل على الإنسان، والخَرج ما يخرج منه فيقال ذلك للضريبة، ويقال: ما يُضرب على الأرض فيخرجه الإنسان كل عام، كل ذلك يقال له خَرج، وخراج، وإن كان بعضهم فرق، وجعل الخراج ما يفرض على الإنسان، ويلزمه، والخرج ما يخرجه طواعية، ولكن هذا لا يخلو من إشكال.
وهنا: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا والمقصود هنا الأجرة قال: فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ أي: فرزق ربك خير، وذلك ما يعطيه الله لعبده من الثواب، والأجر، فما عند الله خير من هذا العرض الزائل الدنيء الذي يؤخذ مقابل الدعوة إلى الله ، والإيمان به.
وقد كان الرسل - عليهم الصلاة والسلام - يقولون: يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا وهكذا ينبغي أن تكون الدعوة إلى الله ، فتكون الدعوة من غير مقابل، وقد سبق الكلام على هذا المعنى، وأن الذي يدعو إلى الله ينبغي أن لا يأخذ على هذا أجراً من الناس وإلا فإن الكلمة تولد ميتة، ولا تصل موعظته إلى قلوب الناس، ولا يحصل الانتفاع بها، وتنطفئ نور هذه الكلمة، وهذا شيء مشاهد، فينبغي سد هذا الباب، وقطع دابر هذه الحيل الشيطانية التي يزينها الشيطان لبعض الناس مهما كان المبرر، ولا يليق بالداعية أن يأخذ في مقابل تعليمه للناس بالحج مثلاً أموالاً قد تصل إلى مائة ألف وأكثر، ولا يليق بالداعية أن يذهب هنا وهناك، أو يسافر إلى بلد من أجل أن يحصل على شيء من عرض الدنيا، ولا يليق له أن يبيع هذه الصوتيات التي فيها موعظة، أو درس، أو نحو هذا لا بمئات الألوف، ولا بأقل من هذا مهما كانت المبررات، ومهما كانت الأعذار التي يعتذر الإنسان بها، خذها، وأعطها تحفيظ القرآن، أو لا تأخذها ولا تعطيها تحفيظ القرآن، اقطع دابر هذا تماماً، الآن بتعطيها تحفيظ القرآن، وغداً من بتعطيهم؟ والنفوس لها تعلقاتها، وأطماعها، وثقوا تماماً أن من سلك هذا الطريق فإن ذلك يعني أنه قد حكم على نفسه ألا ينتفع الناس بموعظته، وكلامه، فتنطفئ نور هذه الكلمات، ولا تبقى إلا كلمات جوفاء تلامس الأسماع، ولكنها لا تصل إلى القلوب، بل إن القلوب - إذا استمر الإنسان هذا - تمجّه، وتستثقله، ثم يكون له من الذكر السيئ، والنفرة في قلوب الخلق، بل لربما اتخذوه للتندر، فالإنسان يقطع هذا الطريق، قد يُقضي على الداعية بأمور متنوعة من أعظمها، وأشدها؛ ما يجنيه على نفسه بهذا الفعل - والله المستعان -.