الثلاثاء 08 / ذو القعدة / 1446 - 06 / مايو 2025
وَلَقَدْ أَخَذْنَٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ۝ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ۝ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ۝ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ۝ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ۝ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ ۝ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ۝ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [سورة المؤمنون:76-83].

يقول تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ أي: ابتليناهم بالمصائب، والشدائد فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبّهِمْ وَمَا يَتَضَرّعُونَ أي: فما ردهم ذلك عما كانوا فيه من الكفر، والمخالفة، بل استمروا على غيهم، وضلالهم فَمَا اسْتَكَانُواْ أي: ما خشعوا وَمَا يَتَضَرّعُونَ أي: ما دعوا كما قال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ [سورة الأنعام:43] الآية.

وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس - ا - أنه قال: جاء أبو سفيان إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم، فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدم -، فأنزل الله: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُواْ الآية، وكذا رواه النسائي، وأصله في الصحيحين أن رسول الله ﷺ دعا على قريش حين استعصوا فقال: اللهم أعنِّي عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسف[1]".

فقوله - تبارك وتعالى -: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ ظاهر السياق يدل على أن الضمير يرجع إلى كفار أهل مكة الذين بعث فيهم النبي ﷺ فآذوه، وكذبوه، وهذه السورة من السور المكية كما هو معلوم.

فمن أهل العلم من فسر العذاب بما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - كما في الحديث أن النبي ﷺ دعا عليهم حتى أصابتهم مجاعة وقحط، فأكلوا العلهز، وكانوا يطبخون في أوقات المجاعة والقحط الوبرَ مع الدم، ثم يأكلونه، ومن أهل العلم من يقول: العذاب هو كل ما يصيبهم من شدة كالمرض وغيره، ومن العلماء من حمل ذلك على ما وقع لهم يوم بدر، ولكن كون هذه السورة من السور المكية يُشكل على هذا القول، والأصل أن آيات السورة المكية نزلت كلها في مكة، ولا تُستثنى أي آية إلا بدليل، وقد حمل ابن جرير - رحمه الله - ذلك على كل ما وقع لكفار أهل مكة من قحط، وشدة.

وقوله - تبارك وتعالى -: فَمَا اسْتَكَانُواْ فسره هنا بالخشوع قال: أي ما خشعوا، وهذا تفسير له بمعنى يقاربه، وإلا فلفظة الاستكانة ليست مطابقة للخشوع من كل وجه، والاستكانة تدل على انكسار أيْ: انكسار في الباطن، كما تدل - أيضاً - على سكون في الظاهر، ولهذا يقال للمسكين كأنه قد سكن لشدة حاجته، وفقره، فهؤلاء لما نزل بهم بأس الله لا زالت نفوسهم مجترئة على الله ، ولا زال الواحد منهم متوثباً في معصية ومحادة رسوله ﷺ.

وهكذا أيضاً في تفسير التضرع بالدعاء هو تفسير بما يقاربه، وإلا فالضراعة أخص من مطلق الدعاء، وليس كل دعاء يقال له ضراعة.

  1. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة يوسف، برقم (4416)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم: (11352)، وابن حبان في صحيحه، برقم (967).