السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ [سورة المؤمنون:98] أي: في شيء من أمري، ولهذا أمر بذكر الله في ابتداء الأمور، وذلك لطرد الشيطان عند الأكل، والجماع، والذبح؛ وغير ذلك من الأمور".

هذا أحسن في التفسير وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ لا يخص ذلك كما يقول بعضهم مثلاً عند الموت، وإنما هنا لم يذكر المتعلق فيحمل على العموم وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ في أمر من أموري، لا عند الموت، ولا عند الأكل، ولا عند دخول المنزل، ولا عند الجماع.

"ولهذا روى أبو داود أن رسول الله ﷺ كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك الهدم، ومن الغرق، وأعوذ بك من أن يتخبطني الشيطان عند الموت[1]".

فهذه إحدى حالات حضور الشيطان، الكلام الذي ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا في غاية النفاسة يقول: أمره أن يستعيذ من الشياطين؛ لأنهم لا تنفع معهم الحيل، ولا ينقادون بالمعروف، وسبق الكلام على هذا يعني أن العدو من الإنس تنفع معه المصانعة، والإحسان، ولهذا أمر بأن يدفع بالتي هي أحسن، وأما العدو من شياطين الجن فلا تنفع معه المصانعة لا سبيل إلى مصانعته، ولا سبيل إلى دفعه بالقوة أيضاً، وإنما الاستعاذة بالله منه، فإن الله مالكه، والمتصرف فيه؛ فهو الذي يقدر على منعه من أن يصل إليك بشيء من الأذى.

ثم قال: وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ قال ابن زيد: "في أموري"، وقال الكلبي: "عند تلاوة القرآن"، وقال عكرمة: "عند النزع"، والسياق: فأمره أن يستعيذ من نوعي شر: إصابتهم بالهمز، وقربهم، ودنوهم منه، فتضمنت الاستعاذة ألا يمسوه، ولا يقربوه، وذكرَه الله - سبحانه - عقيب قوله: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ فأمره أن يحترز من شر شياطين الإنس، يدفع إساءتهم إليه بالتي هي أحسن، وأن يدفع شر شياطين الجن بالاستعاذة منهم.

  1. رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة (2/92)، برقم: (1552)، وصححه الألباني.