الإثنين 19 / ذو الحجة / 1446 - 16 / يونيو 2025
فَإِن لَّمْ تَجِدُوا۟ فِيهَآ أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرْجِعُوا۟ فَٱرْجِعُوا۟ ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله:فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ، وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه، فإن شاء أذن، وإن شاء لم يأذن وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ أي: إذا رَدُّوكم من الباب قبل الإذن أو بعده فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ أي: رجوعكم أزكى لكم وأطهر وَاللهُ بِمَا تَعْملُونَ عَلِيم.

وقال قتادة: قال بعض المهاجرين: لقد طلبتُ عمري كلَّه هذه الآية فما أدركتها: أن أستأذنَ على بعض إخواني، فيقول لي: "ارجع"، فأرجع وأنا مغتبط لقوله:وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ.

وقال سعيد بن جبير:وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا أي: لا تقفوا على أبواب الناس.

قوله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ يعني الاستئذان وعدم دخول بيوت الناس إلا بإذنهم ذلكم خير لكم لما فيه من المصالح التي ترجع إلى هؤلاء، وترجع أيضاً إلى الداخلين والمستأذنين، فيكون فيه سد الطريق والباب على ما ذكر قبله من الآداب في الآيات فيما يتصل بمقارفة مالا يليق من الفواحش أو إطلاق الألسن في أعراض الناس إذا دخل عليهم من غير إذنهم في بيته، وقد يرى أموراً لربما أغرته بالفاحشة أو تعلق قلبه بما رأى أو نحو ذلك، ولربما تكلم في حق الناس هؤلاء وقذفهم؛ ولهذا حتى الرجل وحتى الزوج، وكذا النبي ﷺ نهى أن يأتي الرجل أهله إذا كان في سفر أن يأتيهم ليلاً؛ لئلا يتخون أهله، وهذا إذا كانوا لا يشعرون بمجيئه، لكن إذا كانوا يعلمون واتصل بهم ولم يكن مجيئه مفاجئاً فلا إشكال، ثم قال:فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ هذا في البيوت التي فيها أهل وساكنون، وهذا خلاف البيوت غير المسكونة التي ذكر الله بعد ذلك لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ [سورة النور:29]، فهذه في البيوت الأولى في بيوت الناس التي لها أهل وساكنون لكنهم قد سافروا أو خرجوا لحاجة أو نحو ذلك فلا يجوز لك أن تدخل ولو كان الباب مفتوحاً، وإذا كانوا غير موجودين فليس لك أن تُدخل صاحبك يسكن في غرفة أو نحو هذا، وإذا طرقت عليه وهو غير موجود والباب غير مغلق فليس لك أن تدخل؛ لأن بيوت الناس المسكونة لها حرمة، قال: فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ من نواحٍ شتى هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ففيه تربية للنفوس على الترفع والتنزه، بحيث إن الإنسان يكون مهذباً لا يستثقل الحق، ولا يتبرم به؛ لأن من الناس من يثقل عليه هذا ويعظم عليه، فإذا قالوا له: عفواً لا نستطيع مقابلتك واستقبالك أو نحو هذا فهو يرى أن مجيئه يحتم عليهم أن يدخلوه، ولا خير له في هذا؛ لأن من عُرف عنه أنه يغضب أو يحمل في نفسه أو يتبرم باعتذارهم فإنهم سيضطرون إلى الإذن له، وإدخاله لكنهم كأن الواحد منهم على رماد حار أو على نار يتململ متى يمشي؟، متى سيذهب؟ يستثقلون بقاءه ومجيئه، وهذه قد تكون أحد الأسباب -لاسيما إذا تكرر من الإنسان- التي تُلحقه بالثقلاء، وهذه الصفة أحياناً تكون غير مكتسبة يعني بل يبتلى بها الإنسان، يكون ثقيلاً، بمجرد ما تراه تستثقله هذا مجرد ما تراه، وأحياناً تكون هذه الصفة مكتسبة بسبب أو بآخر إما بأسئلة سخيفة كلما جلس وجهها، يسأل الناس عن شئونهم الخاصة، أين تشتغل؟ وكم مرتبك؟ ومن هو هذا؟ كم عدد أولادك؟ وهكذا، أو يردد كلمات معينة طول المكث، بعض الناس إذا جاء يقول: كيف الحال عساك طيب، الحمد لله، كيف الحال؟ الحمد لله، عساك طيب الحمد لله، وهكذا يعيد لك هذا سبع مرات أو ثماني، فيقال: هات الذي عندك واختصر، وما في داعٍ تعيد هذه الكلمات ونحن فقط الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله فهذا يستثقل، وهكذا إذا كان الإنسان يطيل المكث بلا حاجة إذا دخل عُرف أنه سيضيع عليهم الأوقات، فإن كان جاء في الصباح فمعنى ذلك أن الصباح قد ذهب، وإذا جاءهم في العصر، فالعصر كله ذهب، فالناس يستثقلون هذا ولا يتحملونه، ومن الناس من يتولاهم ولو كان بالهاتف إذا جلس يسأل بعد صلاة العصر مباشرة فإلى أذان المغرب بل إلى الإقامة ما تنتهي أسئلته لا تنتهي هذه الأسئلة بل لربما يريد أن يقرأ عليك رسالة في الهاتف كتبها، رسالة، كتاب! ولا يمهلك، يبدأ يقرأ يا ابن الحلال أنا ما أستطيع أن أسمع، الوقت لا يسمح، ولا يبالي أصلاً جالس يقرأ مستمر تتوسل وتحاول أن تقنعه أنه لا يمكن، هو يقرأ مسترسل، هذه الأشياء موجودة حتى في رمضان في صلاة العصر إلى أذان المغرب، يا أخي ما أنت صائم، أذن المغرب ما تفطر؟ يقرأ مسترسل من بعد صلاة العصر أو يسأل أسئلة ما هو العمل الصالح، الصلاة، والصيام، والصدقة، والزكاة، وبعد....، وبعد.....، الحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الكلمة الطيبة، يريد منك أن تشرح له حتى الصباح من غير مراعاة للمشاعر، فالإنسان الذي يستأذن على الناس ويتبرم بهم إذا اعترضوا منه هذا يجعل الناس يستثقلونه، هذا من أحد الأسباب المكتسبة التي تجعل الإنسان ثقيلاً، فلا يتحملونه، وما الخير في الإنسان أن الناس لربما راعوه وداروه من أجل أن يكف شره عنهم، يقول: دعه يدخل ويجلسون يتململون، وكلٌّ يقول: لا إله إلا الله، اللهم صلِّ على محمد، وهو لا يشعر بأنهم يتململون، وهكذا إذا كان الإنسان وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ إذا كان الإنسان مستجيباً لأمر الله فإن هذا هو نوع عبودية وطاعة، وتهذيب للنفوس، فكما أن هذا من القضايا التي تتعلق بالأخلاق فهو يرجع إلى الناس أيضاً فلا يُستثقل الإنسان، وشر الناس من أحسن الناس إليه اتقاء شره، فيزورونه إذا مرض أو يأتون لمناسباته أو نحو ذلك يقولون: فلان يزعل لازم نذهب لزيارته، ويتجشم ويركب الصعب والذلول ويترك ما هو فيه من أشغال من أجل مراعاة خاطره، لئلا يغضب؛ لأنهم يعرفون أنه يتحامل عليهم، لماذا لم يأتِ فلان، ولماذا كذا؟ فقال الله -تبارك وتعالى-: فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ.