وقوله: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ هذه الآية الكريمة أخصُّ من التي قبلها، وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد، إذا كان له فيها متاع، بغير إذن، كالبيت المعد للضيف، إذا أذن له فيه أول مرة كفى.
قال ابن جريج: قال ابن عباس: لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ، ثم نسخ واستثني فقال لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ: وكذا روي عن عكرمة، والحسن البصري.
قوله:لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ غير مسكونة ما المراد بها؟ بعض أهل العلم يقول: المراد بها بيوت مكة باعتبار أنها حق للجميع على قول بعض أهل العلم، فإذا كان لا يوجد فيها ساكن فمن حقك أن تسكن من غير استئذان، وهذه مسألة معروفة والخلاف فيها معروف، و منشؤها الخلاف، والأقرب أن الآية لا تحمل على هذا، وبعضهم قال: إن ذلك يحمل على البيت المُعد للضيف، فإذا خلّوا بينه وبينه أول مرة أُذن له فلا يحتاج كل مرة أن يستأذن، كلما جاء دخل مباشرة، والله -تبارك وتعالى- قال: غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ الأقرب -والله أعلم- أن ما قاله السلف يدخل في ذلك، فذكروا من ذلك الأماكن الخربة يدخلها الناس من المسافرين وغيرهم؛ لقضاء الحاجة، فيها متاع، متاع قضاء الحاجة، وقد يكون هذا المتاع الظل يستظلون بها، فهي أماكن متروكة ما فيها أحد، بيوت تبنى في الطريق -السفر-، وتُبنى مقاهٍ ومطاعم مهجورة، فدخلها ليستظل بها مثلاً، وإذا كان في طريقه إلى الحج والعمرة أو نحو ذلك ووجد عمارة تبنى فجلس في ظلها جلس يأكل فيها أو نحو هذا لا حرج عليه، فلا يحتاج أن يستأذن غَيْرَ مَسْكُونَةٍ، يعني لا ساكن لها، وقل مثل ذلك في الأماكن التي كان –قديماً- يضع الناس فيها أمتعة لهم من المسافرين كالأقتاب وغيرها، أماكن أشبه بالأماكن الخربة، فيدخلونها فيضعون هذه الأشياء يتخففون بالأسفار فلذلك يرجعون فيها، ويأتون متى شاءوا، وهكذا يدخل فيه الأماكن التي لا ساكن لها مثل الأسواق، والمكاتب العامة، وكذلك يدخل فيه الفنادق غير غرف النزلاء ونحو هذا وما شابهه، فهذه فيها أناس لكنها مأهولة غير مسكونة، والذي يقابل المأهولة المهجورة، كالأماكن الخربة ونحو هذا، وأما المسكونة التي فيها ساكن، فالغرف التي في الفنادق هذه مسكونة، كلها تُدخل باستئذان، لكن حينما يدخل من باب الفندق أو المستشفى فإنه لا يحتاج أن يستأذن، لكن إذا كان مظنة عورات مثل غرفة الطبيب قد يكون عنده مريض فيجب أن يستأذن، بخلاف الأسواق فهي فتحت لهذا، فهي مأهولة غير مسكونة، وكذلك المطعم، لكن مطاعم عائلية وفيها ناس يحتاج أن يستأذن، فيدخل في قوله: غَيْرَ مَسْكُونَةٍ الأماكن المهجورة الخربة ونحو هذا، ويدخل فيه الأماكن المأهولة غير المسكونة كالأسواق المتاجرة والمكاتب العامة، ولو دخل في شركة أو في مؤسسة حكومية ونحو ذلك فهذه مأهولة غير مسكونة، فلا يحتاج أن يستأذن إلا إذا كان المقام يقتضي هذا، كأن يدخل على مكتب خاص هذا المكتب لا يسمحون للدخول هكذا إلا بإذن فيستأذن، قال:فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وهذا المتاع يشمل قضاء الحاجة، والظل، والشراء، والنوم، والراحة، والأكل كل هذه الأشياء، والله أعلم.