قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ بمعنى: علا وارتفع، العلو والارتفاع كما جاء عن أئمة السلف، وبه قال كبار أهل اللغة، ابن الأعرابي والخليل بن أحمد.
الله - تبارك وتعالى - يقول: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ظاهر الخطاب أنه موجه للنبي ﷺ، ولا شك أن مثل هذا الخطاب متوجه لأمته.
ثم ذكر صفته - تبارك وتعالى - مِن خلق السماوات والأرض، والاستواء على العرش، واتصافه بالرحمة التي هي أوسع الصفات، لا يخلو منها مسلم، ولا كافر، ولا إنسان، ولا حيوان، استوى على أوسع المخلوقات وهو العرش، بأوسع الصفات وهي الرحمة "الرحمن".
فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا اسأل به أي: بالرحمن، والباء هنا يحتمل أن تكون بمعنى عن، أسأل عنه خبيراً، يعني: مَن يعرفه حق المعرفة، وأحق من يوصف بهذا هو النبي ﷺ، فهو أعلم الأمة بربه - تبارك وتعالى -، ومن أهل العلم كابن جرير من يقول: إن المعنى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا أسأل به يعود إلى أقرب مذكور، الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا أي: بالرحمن، خَبِيرًا أسأل به أي: بالرحمن، خبيراً بخلقه، خلق السماوات والأرض، لا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه، وأعمالهم، فهو خبير بهم.
والفرق بين المعنيين:
المعنى الأول: فَاسْأَلْ بِهِ أي: أسأل عنه خبيراً، من عرف صفته، وكماله؛ ينبئك عن ذلك.
المعنى الثاني: فَاسْأَلْ بِهِ ، خَبِيرًا يعني: أن الله خبير بخلقه، فهو خالق السماوات والأرض، لا يخفى عليه شيء نحو الخلق، فيكون الخطاب موجهاً يعني كما يقول ابن جرير: فَاسْأَلْ بِهِ أي: أسأل به يا محمد، اسأل يا محمد خبيراً بالرحمن، فهو خبير بخلقه، والقرينة عنده فيما يظهر هي ما ذكر قبله الذي خلق السماوات والأرض.
بعدما أمره بالتوكل: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ثم لما أمره بذلك قال: وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا، ثم ذكر صفته: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا بذنوب، أو بأحوال، أو بأعمال خلقه، فتكون القرينة ما سبق، وهذا قول ابن جرير، والآية تحتمل هذا، وهذا.
فَاسْأَلْ بِهِ أي: اسأل عنه، والمعنى الثاني: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا يعني: بأحوال خلقه ؛ لأنه كما قال: وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا؛ لأنه هو الذي خلقهم، وخلق السماوات والأرض، لا يخفى عليه من أحوالهم شيء.