الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُۥ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ أي: عرض عليها عرشها، وقد غُير ونُكِّر، وزيد فيه، ونقص منه، فكان فيها ثبات، وعقل، ولها لُبٌّ، ودهاء، وحزم، فلم تقدم على أنه هو؛ لبعد مسافته عنها، ولا أنه غيره، لما رأت من آثاره، وصفاته، وإن غُير، وبُدل، ونُكر؛ فقالت: كَأَنَّهُ هُوَ أي: يشبهه، ويقاربه، وهذا غاية في الذكاء، والحزم".

 هذا ذكره بعض المفسرين منهم ابن كثير - رحمه الله -: أن هذا الجواب فيه حصافة، وقد لا يكون ذلك من مقصودها يعني قد تكون هي شكت أصلاً في الأمر يعني بعضهم يقول: إن سليمان - عليه الصلاة والسلام - لما أراد أن يختبرها قالت ذلك من أجل أن تُبِين عن عقلها، ودهائها؛ بحيث إنها إن قالت - لما قال السؤال أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟ - نعم بما جرى عليه من التبديل، والتغيير؛ فالجواب غير دقيق، وإن قالت: لا، فهو في أصله عرشها فقالت: كَأَنَّهُ هُوَ، لكن يمكن أن يقال، ولا يبعد أن يقال - والله تعالى أعلم -: إنها لما رأت ذلك التغيير مع بُعد المسافة، وكيفية تأتِّي حضوره قبلها؛ وهذا أمر غير معهود قالت: كَأَنَّهُ هُوَ كما يُسأل الإنسان عن الشيء الذي قد يلتبس عليه، ويشتبه؛ فلا يستطيع أن يجزم بذلك، ويوجد عنده من دواعي الإثبات ما يمنعه من الإنكار، والنفي؛ فقالت: كَأَنَّهُ هُوَ، فيمكن أن يجري على هذا النسق، ولا يكون ذلك من مقصودها أنها قصدت إظهار الحصافة، وكمال العقل ونحو هذا، كما يقوله بعض المفسرين، قد لا تقصد هذا أصلاً، وإنما سليمان - عليه الصلاة والسلام - أراد أن يظهر لها عظمة ملكه، وما أعطاه الله من الإمكانات، وأراد أن يختبر عقلها في الوقت نفسه، فسألها هذا السؤال بعد تنكير العرش؛ ليعلمها، أو ليزعزع ثقتها في نفسها - والله تعالى أعلم -.

"وقوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ: قال مجاهد: "سليمان يقوله"".

يعني هذه العبارة يقولها سليمان: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ قال مجاهد: يقوله سليمان - عليه الصلاة والسلام - يعني أن الله أعطاه علماً، وهذا هو المتبادر - والله تعالى أعلم - أنه من قول سليمان - عليه الصلاة والسلام -، وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا فالضمير يرجع إليها في قوله: مِنْ قَبْلِهَا فالمتبادر أن المراد ملكة سبأ، وبعضهم يقول: هذا من قول ملكة سبأ، هي التي قالت ذلك: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا يعني قبل هذه الآية، وهؤلاء قد يحتجون على هذا القول باعتبار أن الكلام الذي قبله هو من كلامها قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا، قالوا: إن الأصل أن هذا الكلام من قائل واحد لمتكلم واحد، وهذا - وإن كان الأصل - لكنه ليس بالضرورة في كل المواضع؛ فإن السياق قد لا يدل أو لا يساعد عليه، فالقول بأن القائل هو سليمان ﷺ هو الأقرب، وهو اختيار ابن جرير، فالحاصل أنه على رأي القائلين بأنه من قولها يكون العلم الذي قصدته هو العلم بصحة نبوته قبل هذه الآية يعني قبل أن تصل إليه عرفت أنه نبي، وهذا فيه بُعد أعني أنه من قولها - والله أعلم -.