"إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة النمل:91-93].
يقول تعالى مخبرًا رسوله، وآمرًا له أن يقول: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ كما قال: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ [سورة يونس:104].
وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها، والاعتناء بها كما قال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [سورة قريش:3-4]".
ولهذا قال: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ يعنى لئلا يتوهم أن ربوبيته - تبارك وتعالى - تختص بالبلدة، تختص بمكة؛ هذه إضافة تشريف، ولا يدل ذلك على الاختصاص، والمحترزات تأتي في القرآن في كل موضع بحسبه، بحسب الحاجة؛ إما لدفع توهم الحصر كما في هذا الموضع مثلاً: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ.
قدَرًا وشرعًا بمعنى أن الله حينما خلق الخلق وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [سورة القصص:68] اختار هذه البقعة لتكون حرماً، فهذا معنى أن الله - تبارك وتعالى - جعلها حرماً قدراً، واختارها هذا الاختيار، وشرعًا أن الله أمر بمراعاة ذلك فيها فلا يقتل صيدها، ولا يعبد شجرها.
حرمه الله يوم خلق السموات، والأرض، فهذا تحريم قدري، وحين خلق السموات، والأرض؛ ما كان فيه ناس.
"لا يُعضَد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لُقَطَتُه إلا لِمَنْ عرفها، ولا يختلى خلاها[1]، الحديث بتمامه".
هذا التحريم الشرعي.
"وقد ثبت في الصحاح، والحسان، والمسانيد؛ من طرق جماعة تفيد القطع كما هو مبين في موضعه من كتاب الأحكام، ولله الحمد.
وقوله: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ من باب عطف العام على الخاص، أي: هو رب هذه البلدة، ورب كل شيء، ومليكه، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي: الموحدين، المخلصين، المنقادين لأمره، المطيعين له".
- رواه البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحرم، برقم (1510)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، برقم (1353).