"قال الله - تعالى -: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [سورة القصص:10-13].
يقول تعالى مخبرًا عن فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر أنه أصبح فارغًا أي: من كل شيء من أمور الدنيا إلا من موسى، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعِكْرِمة، وسعيد بن جُبَيْر، وأبو عبيدة، والضحاك، والحسن البصري، وقتادة، وغيرهم".
الذي عليه الجمهور من السلف فمن بعدهم وهو الظاهر - والله أعلم - أن فَارِغًا أي: من كل شيء إلا ذكر موسى - عليه الصلاة والسلام - يعني سيطر على اهتمامها، وشغل قلبها عن كل شيء، أذهلها، وبعض أهل العلم يقول: فَارِغًا يعني: فارغاً من الهم والحزن؛ لأن الله وعدها أنه سيرجع، فهي مطمئنة عكس المعنى السابق، المعنى الأول أنها لم تتمالك، كادت أن تُعلم، وتبدي، وتخبر أن هذا الذي ألقي في اليم هو ولدها، المعنى الآخر عكس هذا، وبعضهم يقول: فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أصبح فارغاً بمعنى أنها كادت أن تخبر بالبشارة، والإيحاء الذي حصل أو الوحي الذي وقع لها، كادت أن تتحدث أنه أُوحي إليها أن تفعل كذا وكذا، والأقرب - والله تعالى أعلم - هو الأول الذي عليه عامة المفسرين، وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، وطبيعة الأم تقتضي هذا، فمع الإيحاء إليها، والتطمين، ومع ذلك صار قلبها بهذه المثابة، وهذا يدلنا على خطأ ما يذكره بعض من يكتب في علوم القرآن إذ يمثل على الوحي فيجعل هذا مثالاً على الوحي الفطري، والوحي الفطري هو الوحي الغريزي يعني: مثل الوحي إلى النحل، وليس مقتضى الفطرة أن المرأة تلقي ولدها في اليم، فهو عكس الفطرة في مجاري العادات، ولكن لما كان بوحي من الله أُمرت بهذا ففعلت، حيث قصدت الخوف ليحصل له الأمن.
وبعضهم يقول: إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي: بالوحي الذي أوحي إليها، تقول أوحي إلى كذا وكذا، والأول أقرب لَتُبْدِي بِهِ أي: بموسى - عليه الصلاة والسلام -.