قد يحتمل من هذا - والله أعلم - أنها بمجرد الإلقاء قالت لأختها: قُصِّيهِ يعني: تتبع هذا التابوت من بُعد، وتنظر إلى أين يصير، من سيلتقف هذا التابوت؛ لتعرف موقعه؛ مع أن الله وعدها بأنه يرجع إليها، وقد يكون ذلك بعد الإلقاء يعني بعد الإلقاء ذهب به الماء فقالت: لأخْتِهِ قُصِّيهِ تتبعي أثره، وابحثي عنه، فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يعني بعد ذلك أبصرت موسى - عليه الصلاة والسلام - مع القوابل.
هذه المعاني متقاربة فقوله هنا: "عن جانب" بمعنى أنها لم تأتِ إليه مباشرة، وتقف عليه؛ وكأنها تقصده، وإنما عن جانب وكأنها تريد أمراً آخر، وكأن ذلك وقع لها عرضاً من غير أن تلقي له اهتماماً؛ لئلا تلفت أنظارهم، وهكذا قول من قال: "عن بعد" يعني هذا مثل قول من قال: عن جانب؛ وإن كان المعنى يختلف قليلاً لكنه يرجع إليه، وهكذا قول من قال: "جعلت تنظر إليه وكأنها لا تريده"، والمقصود أنهم لا يشعرون بها، وباهتمامها، وابن جرير - رحمه الله - عبَّر بالثاني قال: عن بُعد.