الخميس 04 / ربيع الأوّل / 1447 - 28 / أغسطس 2025
فَرَدَدْنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"فسبحان من بيديه الأمر! ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، الذي يجعل لمن اتقاه بعد كل هم فرجًا، وبعد كل ضيق مخرجًا، ولهذا قال تعالى: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا أي: به، وَلا تَحْزَنْ أي: عليه: وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي: فيما وعدها من رده إليها، وجعْله من المرسلين، فحينئذ تحققت بردِّه إليها أنه كائن منه رسول من المرسلين، فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعًا وشرعًا".

قوله: فعاملته في تربيته ما ينبغي له طبعاً وشرعاً، فهي تربي الآن رسولاً لم يعط الرسالة بعد، شرعاً بحمله على ما يجمل على ما يحبه الله ويرضاه، وبكفه عما يسخطه، "وطبعاً" يعني بحمله على ما يحسن من المروءة، ومكارم الأخلاق، ولا يصلح لمثل هذا ما قد يسوغ من غيره من سائر الناس، هذا سيكون رسولاً، وهذا معنى في غاية الأهمية في التربية، من أراد أن يربي أولاده ليكون هؤلاء الأولاد أئمة هدى، أئمة في الخير، يربيهم وهمته تكون عالية، فإنه حتى في غير الحلال والحرام، وقضايا الشرع - في أمور العادات - يحملهم على ما يجمل، وما يكون من قبيل الكمالات، ويحفظ المروءة منذ نشأتهم، ونعومة أظفارهم، تربية الكبار، تربية الأشراف؛ فإنه لا يصلح لهم ما يصلح، أو ما قد يسوء لغيرهم.

"وقوله: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي: حُكْمَ الله في أفعاله، وعواقبها المحمودة، التي هو المحمود عليها في الدنيا، والآخرة، فربما يقع الأمر كريهاً إلى النفوس، وعاقبته محمودة في نفس الأمر كما قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [سورة البقرة:216]، وقال تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [سورة النساء:19].