الأحد 03 / محرّم / 1447 - 29 / يونيو 2025
فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِىَ مِن شَٰطِئِ ٱلْوَادِ ٱلْأَيْمَنِ فِى ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَٰرَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّىٓ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قال الله - تعالى -: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ أي: من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب".

قوله: مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب، الضمير في قوله: عن يمينه قال ابن جرير - رحمه الله -: عن يمين موسى ، وكثير من المفسرين يقولون: عن يمين الجبل، وهو قول عامة المفسرين، وإذا تأملت في الآيات الأخرى عموماً التي ذكر الله فيها ما جرى لموسى في هذا المقام تجد أن الأوصاف للجبل، وما حوله - والله تعالى أعلم -.

"كما قال تعالى: وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة، والجبل الغربي عن يمينه، والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحْف الجبل مما يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرها، فناداه ربه: مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ".

قوله: "لحف الجبل" يعني: في أصل الجبل.

وقوله: من شاطئ الوادي الأيمن، والشاطئ هو الطرف، وأصل شاطئ الوادي: الوادي له عدوتان: إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى [سورة الأنفال:42]،جانب الوادي يقال له: شاطئ الوادي، طرف الوادي، الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ يعني جهة اليمين، وبعضهم يقول: الأيمن من اليمن وهو البركة يعني أنه بتلك الناحية المباركة شاطئ الوادي المبارك، والأول هو الأشهر، وعليه عامة المفسرين.

وليس للإنسان أن يقصد تلك الأماكن من أجل البركة سواء كان يقصدها للصلاة، أو الدعاء أو نحو ذلك، فهذا غير مشروع؛ وإن كانت مباركةً بنص القرآن، والأماكن التي تقصد لذلك هي المساجد الثلاثة، تقصد للصلاة لشد الرحال، لكن من غير شد رحل لو أن الإنسان مر فهل له أن يصلي فيها طلباً للبركة هل له هذا؟ ليس عندنا في هذا دليل إطلاقاً، وكون الشيء يذكر أنه مبارك لا يعني هذا الارتباط بالتعبد بإطلاق، فالبركة شيء، والتعبد قضية أخرى، يعني عندنا مثلاً أشياء مباركة الزيتون، والتين، وماء زمزم إلى آخره، وهناك أشياء أعيان، وهناك أماكن، وهناك ذوات، فقضية البركة ليست مرتبطة بالتعبد من كل وجه، الجهة منفكة، الأماكن التي تقصد للعبادة هي التي جاء في الشرع ما يدل على ذلك في شد الرحل للمساجد الثلاثة، وأخبر النبي ﷺ أنه صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً، والنبي ﷺ لما مر على وادي ذي الحليفة أخبر أن جبريل أتاه وقال: إن هذا وادٍ مبارك، فصلَّي فيه ركعتين، فمن جاء إلى وادي العقيق يريد الحج أو العمرة، وصلى لهذا؛ فهذا جائز، لكن لا يقصد وادي العقيق للصلاة، فلا يذهب أهل المدينة إلى وادي العقيق للصلاة فيه لأنه وادٍ مبارك؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي ﷺ، ولا عن أحد من أصحابه أنه كان يقصد الوادي من أجل الصلاة فيه، فالذهاب إلى الطور مثلاً من أجل الصلاة فيه، أو الدعاء أو نحو ذلك غير مشروع، وقد أنكر جماعة من السلف على من فعل ذلك.

"وقوله تعالى: أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أي: الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين، الفعال لما يشاء، لا إله غيره، ولا رب سواه، تعالى، وتقدس، وتنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته، وصفاته، وأقواله، وأفعاله سبحانه!".