السبت 02 / محرّم / 1447 - 28 / يونيو 2025
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلْءَامِنِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ أي: التي في يدك كما قرره على ذلك في قوله: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ۝ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [سورة طه:17-18]، والمعنى: أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى فعرف وتحقق أن الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء: كن، فيكون، كما تقدم بيان ذلك في سورة "طه".

وقال هاهنا: فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ أي: تضطرب كَأَنَّهَا جَانٌّ أي: في حركتها السريعة مع عظم خَلْق قوائمها، واتساع فمها، واصطكاك أنيابها، وأضراسها، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها، فتنحدر في فيها تتقعقع، كأنها حادرة في واد".

قوله: فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ قال: أي في حركتها السريعة، والجان بعض أهل العلم كابن جرير يقول: هي نوع من الحيات عظام، وضخمة، وقوله: كَأَنَّهَا جَانٌّ يعني في خفتها، وحركتها؛ كأنها جان نوع من الحيات صغير؛ سريع الحركة، لكن جاء وصفها في آيات أخر بغير ذلك يعني حَيَّةٌ تَسْعَى مثلاً حية ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ العظيم من الحيات فالجمع بين هذا وهذا أنها ضخمة، وهي خفيفة الحركة كأنها جان، كأنها من الحيات الدقيقة الصغيرة التي تتحرك بسرعة، أي نوع من الحيات لا تستطيع أن تدركها، أو أن تسبقها، سريعة الحركة جداً، فهذه سريعة، وأيضاً ضخمة كونها لها قوائم، والأنياب معروفة، لكن الأضراس، لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها هذا لا دليل عليه، وإنما هو متلقى من الاسرائيليات، والأصل أن الحية ليس لها قوائم، وليس لها أيضاً أضراس، والله - تبارك وتعالى - أخبرنا أنها تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [سورة الشعراء:45] يعني من تلك الأشياء التي صنعوها يموّهون بها على الناس، لكن ليس عندنا دليل أنها كانت تلتقم الصخور - والله تعالى أعلم -.

"فعند ذلك وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ أي: ولم يكن يلتفت؛ لأن طبع البشرية ينفر من ذلك، فلما قال الله له: يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ، رجع فوقف في مقامه الأول".