وهذا نقل عليه الإجماعَ بعضُ أهل العلم كالزجاج وغيره أنها نازلة في أبي طالب، ولاشك أن المعنى والعبرة بعموم اللفظ، والمعنى؛ لا بخصوص السبب، فهذه الهداية المقصود بها الهداية التوفيقية، إِنَّكَ لا تَهْدِي لا توفق لا تدخل الهداية في القلوب، وأما هداية الإرشاد فهي المثبتة للنبي ﷺ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة الشورى:52]، والمراد بقوله - تبارك وتعالى - هنا: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ يعني: من أحببته، وقوله: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ يعني أنك لا تهدي من أحببت هدايته، فقد يحب هداية فلان ولكنه لا يحبه، قد يحب هدايته لما فيه من البلاء، والقوة، والعزم، والجد، والعقل وما إلى ذلك، وهو لا يحبه، قد يكون بينهما خصومة، وعداوة؛ فهذا غير المعنى الأول إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وإذا نظرنا إلى سبب النزول فإنه قد اجتمع فيه الأمران النبي ﷺ كان يحب أبا طالب، وكان يحب هدايته أيضاً، وهذه المحبة إذا قلنا: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ يعني أحببته فلا يشكل عليها ما يتعلق به من الولاء والبراء، ومحبة الكافر، فهذه المحبة الطبيعية التي تكون بين الناس كمحبة الرجل لولده، الوالد لولده، ومحبة الولد لوالده، ومحبة الرجل لزوجته، وما إلى ذلك، ويتضح هذا بأن الله أباح التزوج من الكتابية مثلاً وهي كافرة، وإذا تزوجها فغالباً أنه سيحبها، فهذه المحبة غير الموالاة، فالموالاة قدر زائد على المحبة، فالكفار بجميع أصنافهم لا تجوز موالاتهم، ولا مودتهم لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ... [سورة المجادلة:22] فذاك في الموادة وهي من الموالاة، وهناك فرق بين هذا وهذا - والله تعالى أعلم -.
- رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة القصص، برقم (4494)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين والدليل على أن من مات على الشرك فهو في أصحاب الجحيم ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل، برقم (24).