"إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:112] الحبل هنا؛ العهد، والذمة."
هنا في قوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ قبله: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:110] هذا الكلام عم أهل الكتاب لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ [آل عمران:111 - 112] هذه الأوصاف غضب، قتل الأنبياء، منطبقة على اليهود، ولذلك حمل كثيرٌ من أهل العلم، هذه الآية على اليهود، وبعضهم عممها في أهل الكتاب.
فقوله: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ فهذا في الذلة وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ هذه مطلقة وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ فهذه ثلاثة أوصاف، الوصف الأول: أنهم ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ فهذا في الذلة، لكن الغضب، والمسكنة، هذه ملازمة لهم في كل الأحوال.
فقوله - تبارك، وتعالى -: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ قال: الحبل هنا؛ العهد هذا قال به ابن عباس - ا - ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحّاك، والحسن، قتادة، والسُدي، والربيع بن أنس إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ يعني: العهد.
قال: والذمة بعضهم يقول: أي: بذمةٍ من الله، بذمةٍ من الله، والمقصود بذلك: عقد الذمة لهم، عقد الذمة لهم، وضرب الجزية عليهم، وإلزامهم أحكام الملة، وهذا الذي اختاره جمعٌ من المفسرين؛ كابن كثير ومن المعاصرين: الطاهر بن عاشور والشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمهم الله -.
والحافظ بن كثير - رحمه الله - فسر الحبل من الناس: بالأمان إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ الأمان الذي يعطيه الناس لهم، كما في المهادن، والمُعَاهد، والأسير إذا أمّنه أحدٌ من المسلمين، وبعضهم يقول: إذا كانوا تحت ولاية غيرهم هذا الحبل من الناس، أو إذا استنصروا بغيرهم: كما يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -.
فالمقصود هنا، إن الذلة ضُربت عليهم ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ هل الاستثناء هنا متصل، بمعنى أنه: إذا حصل لهم هذا الحبل من الناس، رُفعت عنهم الذلة؟ أو أنه استثناءٌ منقطع، بمعنى: لكن بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ يأمنون، فالذل لا يفارق أعداء الله - تبارك الله، وتعالى - سواء كانوا اليهود، أو غير اليهود، كما قال النبي ﷺ: وجُعل الذل، والصغار على من خالف أمري لكن هؤلاء يأمنون بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ.
الحبل من الله: يمكن أن يكون، بمعنى: العهد الذي يعطيه أهل الإيمان لهم، باعتبار أنهم: إنما يفعلون ما يفعلون، بأمر الله - تبارك، وتعالى - ملتزمين حكمه، وشرعه، والحبل من الناس: العهد الذي يعطيه الناس لهم، يعني غير المسلمين، ويحصل لهم به الأمان؛ ولهذا قال من قال بأنه: إذا كانوا تحت حكم غيرهم، يعني: لكن حينما يكونون تحت حكم المسلمين، ويدفعون الجزية حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] هل ارتفعت عنهم الذلة بهذا؟ أبدًا لم ترتفع.
وحتى إنه قال بعض السلف في قوله: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ بعضهم قال: المقصود بقوله: عَنْ يَدٍ أن يأتي هو لا ينيب غيره، ليكون ذليلًا صاغرًا، يعني: لا يبعث بها أحد، يأتي هو بنفسه، وهو ذليلٌ صاغر، وبعضهم قال: يأخذها المسلم، وهو جالس، ويدفعها الذمي، وهو قائم.
فهذا مع ما ذُكر في أحكام أهل الذمة، فيما يتعلق بتميزهم في لباسهم، إلى آخره، كل ذلك يرجعٌ إلى الصغار، والذل، وليس له أن يمشي في وسط الطريق، و. . . الخ.
فيكون على هذا الاستثناء؛ من قبيل المنقطع، فهي لا تفارقهم، لكن يأمنون على أنفسهم، إذا كان لهم أمان، أو عهد، أو عقد ذمة، ونحو ذلك - والله أعلم -.
ولاحظ العبارات: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ الضرب: يدل على أن ذلك شيءٌ، في غاية الثبوت، والتحقق، وكذلك وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ - والله أعلم -.