هذا تصريح من الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بأن هؤلاء هم أهل الإيمان أي من آمن بمحمد ﷺ، فالثناء الذي في هذه الآية على طائفة منهم هم الذين دخلوا في الإسلام.
لما ذكر هذه الأوصاف، والأحوال السيئة، بيّن أنهم: لَيْسُوا سَوَاءً ليسوا سواء في هذه الأوصاف، والأحوال لَيْسُوا سَوَاءً ليس أهل الكتاب مستويين في دينهم. يعني: منهم صلحاء أخيار، منهم: أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران:113] من هم هؤلاء؟ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:114] فلذلك حمله أبو جعفر ابن جرير[1] والحافظ ابن كثير[2] على الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب، يعني: الذين آمنوا بالنبي ﷺ ويقابلهم لَيْسُوا سَوَاءً الفريق الكافر الذي لم يؤمن.
فهؤلاء الذين أثنى الله عليهم، هم من آمن بالنبي ﷺ ويمكن أن يقال: بأن ذلك يصدق عليهم بلا شك، يعني: من آمن بالنبي ﷺ أدركه، فآمن به، وكذلك من كان قبل بعث النبي ﷺ من أهل الإيمان منهم، والتوحيد، والاستقامة، والطاعة، والعمل الصالح، قبل بعث النبي ﷺ
لاشك أنه يوجد منه قصة إسلام سلمان معروفة، فيوجد منهم فئة، بقيت على الإيمان الصحيح، والتوحيد، وكانت تنكر ما عليه جمع هؤلاء، من الشرك بالله ومحادة الله، ورسوله - عليهم الصلاة، والسلام، فهؤلاء داخلون في هذا، لكن بعد بعث النبي ﷺ ما من يهوديٍ، ولا نصرانيٍ، يسمع بي من هذه الأمة، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار[3] فلا يمكن أن يُثنى على أحدٍ منهم، بعد النبي ﷺ وهو باقٍ على ملته، يكون كافرًا.
"أُمَّةٌ قَائِمَةٌ [آل عمران:113] أي: قائمةٌ بالحق، وذلك فيمن أسلم من اليهود: كعبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأخيه أسدٍ، وغيرهم.
وثعلبة بن سعية، وليس ابن سعيد، وأخيه أسد، وبعضهم يقول: أُسيد.
يقول: منهم أُمَّةٌ قَائِمَةٌ أي: قائمةٌ بالحق هكذا فسره، كما قال ابن كثير: "قائمة بأمر الله، مطيعة لشرعه، ومتبعة للنبي ﷺ "[4] يعني قائمة بمعنى: مستقيمة، منهم أُمَّةٌ قَائِمَةٌ أي: مستقيمة، على أمر الله - تبارك، وتعالى -.
وقوله - تبارك، وتعالى -: لَيْسُوا سَوَاءً جاء عن ابن مسعود قال: أخّر رسول الله ﷺ ليلةً صلاة العشاء، ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة، فقال: أما إنه من هذه الأديان أحدٌ يذكر الله هذه الساعة غيركم قال: وأُنزلت هذه الآية: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ[5].
أما هذا الذي ذكره المؤلف، قال، بأنها: فيمن أسلم من اليهود: كعبد الله بن سلام. . إلى آخره، هذا جاء في أثر لا يصح، عن ابن عباس - ا - قال: "لما أسلم عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسيد بن عبيد، ومن أسلم من اليهود معهم، فآمنوا، وصدّقوا، ورغبوا في الإسلام، قالت أحبار اليهود، وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد، وتبعه إلا شرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم، وذهبوا إلى غيره، فأنزل الله: لَيْسُوا سَوَاءً"[6] لكن هذه الرواية لا تصح، هذا الذي يشير إليه المؤلف - رحمه الله - أنها: فيمن أسلم من اليهود.
لكن من جهة المعنى، أن الثناء لا يكون إلا على من آمن بالنبي ﷺ أو كان قبل مبعثه مستقيمًا، على الإيمان، والتوحيد، من غير إشراكٍ.
يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ المقصود أن: لا يُفهم بحالٍ من الأحوال، أنهم يتلون الآيات في حال السجود؛ لأن ذلك ليس بموضعٍ لتلاوة الآيات، وقد يفهم من ظاهر الآية، أنهم يتلون حال سجودهم، وهذا غير مراد، وقد ورد النهي عن ذلك، كما في حديث علي، وابن عباس - ا - عند مسلم[7] ولذلك فسره بعضهم: بالصلاة يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يعني: وهم يصلون.
لكن رده ابن جرير - رحمه الله - وحمله على معنى، يعني: يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وهم مع ذلك يسجدون فيها، يعني: في مواضع السجود[8].
فهذا ما ذهب إليه ابن جرير - رحمه الله - ويحتمل أن المقصود: يَسْجُدُونَ أنه: عُبِر بذلك عن الصلاة، وإذا عُبِر عن العبادة بجزءٍ منها، فهذا يدل على ركنيته، يُعبر بجزء شريف، كما قال الله : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] والمقصود به: القراءة في صلاة الفجر في الفريضة، تشهدها ملائكة الليل، وملائكة النهار، فالصلاة قد يُعبَر عنها بجزءٍ شريفٍ منها: يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يعني: في حال الصلاة التي عُبِر عنها بالسجود.