الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
وَمَا يَفْعَلُوا۟ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلْمُتَّقِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وهكذا قال هاهنا: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ [سورة آل عمران:115] أي: لا يضيع عند الله؛ بل يجزيهم به أوفر الجزاء وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [سورة آل عمران:115] أي: لا يخفى عليه عمل عامل، ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملاً".

في قوله: فَلَن يُكْفَرُوْهُ هذا الفعل "يكفروه" عداه إلى مفعولين مع أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد تقول: كفر بكذا، لكن قال هنا: فَلَن يُكْفَرُوْهُ فالمفعول الأول يرجع إليهم، والمفعول الثاني يرجع إلى العمل الذي عملوه، وفي مثل هذه الحال يمكن أن يقال: إنه قد ضُمِّن معنى فعل آخر يصح أن يُعدَّى إلى مفعولين مثل الحرمان أي: وما يفعلوا من خير فلن يحرموه تقول مثلاً: حرمت زيداً حقه، فصار متعدياً إلى مفعولين بخلاف كفَر فالأصل أنه يُعدَّى إلى مفعول واحد، فلما عدي إلى مفعولين دلَّ ذلك على أنه قد ضمن معنى فعل آخر يصح أن يعدَّى إلى مفعولين وهو الحرمان، فيكون المعنى فلن يحرموه، أي أن هؤلاء يقع لهم وعد الله بأن لا يجحد عملهم، وإحسانهم، ولن يحصل لهم شيء من الحرمان من الأجر مما عملوا من الصالحات، والله أعلم.
وهذه الآية: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ [سورة آل عمران:115] فيها قراءة أخرى متواترة هي: وما تفعلوا من خير فلن تكفروه.
وهذه الآية على قراءة التاء وما تفعلوا من خير فلن تكفروه يكون الخطاب فيها موجهاً إلى عموم هذه الأمة يعني أن الله تعالى أثنى على الذين آمنوا من أهل الكتاب، ثم خاطب عموم الأمة، وأما على القراءة الأولى: وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ فواضح أن المقصود بهم أهل الكتاب.

مرات الإستماع: 0

"فَلَنْ تُكْفَرُوهُ [آل عمران:115] أي: لن تحرموا ثوابه"

 

وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ لاحظ بالتاء هنا: فَلَنْ تُكْفَرُوهُ عداه إلى مفعولين فَلَنْ تُكْفَرُوهُ وهو لا يتعدى إلا إلى مفعولٍ واحد، يعني كفر، وقيل: لتضمنه معنى الحرمان، فلن تحرموه، ولهذا قال هنا: لن تحرموا ثوابه، وهذه القراءة بالتاء: فَلَنْ تُكْفَرُوهُ على أن الخطاب لأمة محمد ﷺ على هذه القراءة؛ قراءة الجمهور. 

وعلى قراءة حمزة، والكسائي، وحفص بالياء: فَلَن يُكْفَرُوهُ على أن المراد: الطائفة المؤمنة من أهل الكتاب، وبعضهم من يقول، المراد: من كان على استقامةٍ من أهل الكتاب، قبل مبعث النبي ﷺ كما ذكرت آنفًا: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ.

القراءتان إذا كان لكل قراءةٍ معنى، فهما بمنزلة الآيتين كما في القاعدة المعروفة، فهنا: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ يكون موجهًا لهذه الأمة، أمة محمد ﷺ وهذا معنىً صحيح لا إشكال فيه.

وكذلك وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ يكون موجهًا لهذه الطائفة، المؤمنة، القائمة، المستقيمة لأمر الله - تبارك، وتعالى - من أهل الكتاب، ممن تابع نبيه متابعةً صحيحة، وآمن إيمانًا صحيحًا، قبل مبعث النبي ﷺ وكذلك من أدرك النبي ﷺ وآمن به منهم، فهؤلاء وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ - والله أعلم -.