يقول - تبارك وتعالى - ناهياً عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة أي: يطلعونهم على سرائرهم، وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم، وطاقتهم؛ لا يألون المؤمنين خبالاً أي: يسعون في مخالفتهم، وما يضرهم؛ بكل ممكن".
قوله: لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً أي لا يقصرون في أي نقص يستطيعون إيصاله إليكم، فهم لا يدخرون في ذلك جهداً، بل كل شيء يدخل عليكم الفساد من جهتهم، فهم مجتهدون في تحصيله.
والخبال يطلق على الفساد سواء كان ذلك في البدن، أو العقل، أو المال فقوله: لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً أي: لا يفتئون، ولا يقصرون، بل يبذلون كل جهد مستطاع في إضعافكم، وكل ما يجلب الوهن إليكم.
وقوله: لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ أي من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل هم خاصّة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره.
وقد روى البخاري والنسائي وغيرهما عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: ما بعث الله مِن نبي، ولا استخلف من خليفة؛ إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله[1].
وروى ابن أبي حاتم عن ابن أبي الدِّهْقانة قال: قيل لعمر بن الخطاب : إن هاهنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب، فلو اتخذته كاتباً؟ قال: قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين.
ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين، واطلاع على دواخل أمُورهم التي يُخْشَى أن يُفْشوها إلى الأعداء من أهل الحرب؛ ولهذا قال تعالى: لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ [سورة آل عمران:118].
ثم قال تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [سورة آل عمران:118] أي: قد لاح على صَفَحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة؛ مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام، وأهله؛ ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل؛ ولهذا قال تعالى: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ [سورة آل عمران:118]".
- أخرجه البخاري في كتاب الأحكام - باب بطانة الإمام وأهل مشورته (6773) (ج 6 / ص 2632).