السبت 05 / ذو القعدة / 1446 - 03 / مايو 2025
هَٰٓأَنتُمْ أُو۟لَآءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا۟ عَضُّوا۟ عَلَيْكُمُ ٱلْأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا۟ بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ [سورة آل عمران:119] أي: أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرون لكم من الإيمان، فتحبونهم على ذلك وهم لا يحبونكم لا باطناً، ولا ظاهراً.
وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ أي: ليس عندكم في شيء منه شك ولا ريب، وهم عندهم الشك والريب، والحَيرة".

قوله: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ يمكن أن يكون الكتاب هنا اسم جنس، وكما في أصول الفقه وفي أصول التفسير أن المفرد - اسم الجنس - قد يراد به العموم، وهذا من أمثلته، وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ومثل ذلك المفرد المضاف إلى معرفة سواء كان المضاف إليه ضميراً، أو كان اسماً ظاهراً، وقد يأتي المفرد مراداً به الجمع إذا كان اسم جنس، فالله يقول: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:31] يعني أو الأطفال، وقوله: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [سورة آل عمران:119] أي بالكتب كلها قال تعالى: كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ [سورة البقرة:285].
"وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس - ا -: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [سورة آل عمران:119] أي: بكتابكم، وكتابهم، وبما مضى من الكتب قبل ذلك، وهم يكفرون بكتابكم، فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم. [رواه ابن جرير].
وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [سورة آل عمران:119] والأنامل أطراف الأصابع قاله قتادة، وهذا شأن المنافقين يظهِرون للمؤمنين الإيمان، والمودّة؛ وهم في الباطن بخلاف ذلك من كل وجه كما قال تعالى: وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [سورة آل عمران:119] وذلك أشد الغيظ والحنق قال الله تعالى: قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سورة آل عمران:119] أي: مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين، ويغيظكم ذلك منهم؛ فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين، ومكمل دينه، ومُعْلٍ كلمتَه، ومظهر دينَه، فموتوا أنتم بغيظكم إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سورة آل عمران:119]".
يعني هؤلاء من شدة الحنق تصطك أسنانهم على أناملهم، ومعلوم أن من بلغ به الحنق غايته فإنه قد تصطك أسنانه بعضها على بعض، وقد تصطك على أنامله أو نحو ذلك، فهذا يمثل به على شدة الحنق، والذين يحللون التحليلات النفسية يعبرون عن ذلك بتفريغ الطاقة أي أنه لشدة حنقه ربما صك بعض أسنانه على بعض بقوة، ويقولون: إن هذا كالذي عنده طاقة شديدة في الحركة وفي نحو ذلك فيهز رجله وهو جالس، أو ينكت بشيء، أو يتحرك، أو يحرك يده، أو يحرك شيئاً معه أو نحو هذا، وعلى كل حال لا شك أن هذا يعبر به عن شدة الغيظ، فهو يريد أن يفرغ هذا الغيظ فلا يجد شيئاً غير أن يلتقم أنامله من شدة ما يتمنى أن يظفر بكم.
"إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [سورة آل عمران:119] أي: هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتُكنُّه سَرَائرُكُم من البغضاء، والحسد، والغلِّ للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤمّلون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، فلا خروج لكم منها".

مرات الإستماع: 0

"وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ [آل عمران:119] أي: بكل كتابٍ أنزله الله، واليهود لا يؤمنون بقرآنكم."

وإذا حُمل على المنافقين، مؤمنين بالكتاب كله وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا ويدخل في هذا من نافق من اليهود؛ لأن هؤلاء اليهود كان فيهم من المنافقين، كما قالوا: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [آل عمران:72].

"عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ [آل عمران:119] عبارةٌ عن شدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذه، والأنامل: جمع أنملة بضم الميم، وفتحها."

يعني: أنمَلة، وأنمُلة، وهي أطراف الأصابع، هؤلاء لشدة ما يجدون، حيث لا يستطيعون تفريغ هذا الحقد، الذي تمتلئ به صدورهم، وينفس بعض أصابعه، أو أنامله، أطراف الأصابع، لشدة الحنق الذي يجده عليكم، فإذا استطاع أن ينفس ذلك فيكم لرأيتم فعله الذي لا يمكن أن يكون معه رحمة، أو عطف، أو نحو ذلك.

"مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:72] تقريعٌ، وإغاظةٌ، وقيل: دعاء."

مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ تقريعٌ، وإغاظةٌ، وليس بدعاء، يعني: لتهلكوا بغيظكم، الذي بكم على أهل الإيمان؛ لأن الله متم نوره، سيعز دينه، ويذل الكفر، وأهله.

وأما أن هذا دعاء، هذا لا يخلو من إشكال، قد رده أبو حيان صاحب البحر[1] وذلك باعتبار أنه لو كان دعاءً لهلكوا مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ لماتوا، ودعوته مجابة، والواقع يقول: بأن بعضهم قد آمن بعد ذلك.

  1. البحر المحيط في التفسير (3/321).