السبت 05 / ذو القعدة / 1446 - 03 / مايو 2025
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا۟ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا [سورة آل عمران:120] وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين، وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب، ونصر، وتأييد، وكثروا، وعزّ أنصارهم؛ ساء ذلك المنافقين، وإن أصاب المسلمين سَنَة (أي جَدْب)، أو أُديل عليهم الأعداء؛ لما لله تعالى في ذلك من الحكمة - كما جرى يوم أحد - فَرح المنافقون بذلك".

في قوله تعالى: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا [سورة آل عمران:120] فرّق هذا التفريق فعبر بالمس في الحسنة، وعبر بالإصابة في السيئة؛ إشارة إلى أن الكفار يستاءون، ويحزنون إن حصل للمؤمنين أدنى خير، فهم لا يريدون أن يقع للمؤمنين خير قليل ولا كثير، وأما في السيئة فإنهم لا يفرحون إذا وقع لهم شيء يسير من المكاره، وإنما الذي يسرهم هو وقوع المكاره الجَزْلة، والنكايات، والمصائب العظيمة، وهكذا هو حال المبغض المعادي، ولذلك فإن عداوتنا للكفار تقتضي أن نستاء من ارتفاع مؤشر العملات عندهم، أو سوق الأسهم؛ ولو شيئاً يسيراً، وأما في المصائب فنحن نسأل دائماً، ونتطلع أن تكون المصيبة جَزْلة، ونفرح لما يقع لهم من الكوارث، والمصائب، والدواهي العظام، ونستبشر بهذا، ونتمنى أن تكون آثارها مدمرة، وأن الخسائر قد بلغت غايتها، ولا نفرح بالمصائب اليسيرة التي تقع لهم، وهذا هو حال المتعادين عادة، فهم لشدة عداوتهم لأهل الإيمان يفرحون بالمصائب التي تقع لهم، وهي ذات وقع، واعتبار، ونكاية.
"وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا الآية [سورة آل عمران:120] يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار، وكيدِ الفجار باستعمال الصبر، والتقوى، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم، فلا حول ولا قوة لهم إلا به، وهو الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره، ومشيئته، ومن توكل عليه كفاه".

مرات الإستماع: 0

"إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ [آل عمران:120] الحسنة هنا: الخيرات؛ من النصر، والرزق، وغير ذلك، والسيئة ضدها لا يَضُرُّكُمْ [آل عمران:120] من الضير بمعنى الضرّ."

لاحظ هنا، نفى الضر لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا هناك قال: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى [آل عمران:111] هنا نفى الضرر بالكلية، لاحظ: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا نكرة في سياق النفي، فلا يحصل أي نوع، من أنواع الضرر، مما يدل على أن الأذى ليس من جنس الضرر، فهناك أثبته لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وهنا: إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا فالضرر منفي، ولكن الأذى حاصل، ودل على أن قوله هناك: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى أنه بهذا الشرط: إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا الصبر على أمر الله، وطاعته، واجتناب مساخطه، والصبر على ما ينالكم من الأذى في سبيله، على أقداره المؤلمة، كل هذا الصبر تصبروا، وتتقوا، يكونون على حالٍ من الاستقامة.

لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ هذه ضمانات من الله - تبارك، وتعالى - لو كانت الأمة على حالٍ من الاستقامة على طاعته، والإيمان الصحيح، والتقوى، فإن الأعداء لن يصلوا إليها، بشيء من الضرر، ولكن المعاصي كما قال ابن القيم - رحمه الله -: جنود يجندها الإنسان كتائب، تكون مع عدوه فتغزوه[1] - والله المستعان -.

  1. انظر: الجواب الكافي (ص:95).