"سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ [آل عمران:12]: قُرأ بتاء الخطاب ليهود المدينة، وقيل: لكفار قريش، وقُرأ بالياء إخبارًا عن يهود المدينة، وقيل: عن قريش، وهو صادقٌ على كل قول، أما اليهود فغُلبوا يوم قريظة، والنضير، وقينقاع، وأما قريشٌ ففي بدرٍ، وغيرها، والأشهر أنها في بني قينقاع؛ لأن رسول الله ﷺ دعاهم إلى الإسلام بعد غزوة بدر، فقالوا له: لا يغرنك أنك قتلت نفرًا من قريش لا يعرفون القتال، فلو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس، فنزلت الآية ثم أخرجهم رسول الله ﷺ من المدينة."
في قوله - تبارك، وتعالى -: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ الحشر: بمعنى الجمع مع سوق، حشر الناس.
سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ يقول: "قُرأ بتاء الخطاب": فهذه قراءة الجمهور، وقرأه بعض السبعة كحمزة، والكسائي: (سَيُغْلَبُونَ).
يقول: "قُرأ بتاء الخطاب ليهود المدينة" هذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله - قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ اعتبار أنه في اليهود، باعتبار أن هذه الآيات تتحدث عن أهل الكتاب، وابن جرير يراعي هذا كثيرًا، تتحدث عن أهل الكتاب، لما جاء بصيغة الخطاب سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ من الذي حصل لهم الحشر، والغلبة، وكذا؟ النصارى في زمن النبي ﷺ لم تكن هناك وقائع معهم، ذهب النبي ﷺ إلى تبوك، ولم يلقَ كيدًا، ورجع، لكن في مؤتة حصل لقاء مع العدو، ولم يحصل غلبة للمسلمين، لكن من الذين غُلبوا في كل المواقع؟ هم اليهود: قريظة، والنضير، وبنو قينقاع، وكذلك أهل خيبر، هذه الأربع وقائع كلها غُلبوا فيها.
يقول الله - تبارك، وتعالى - في سورة الحشر: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر:2].
لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قيل: لأول حشرٍ لليهود، فكان هذا الحشر الذي وقع لبني النضير.
بعضهم يقول: لأول حشرٍ للجيش - جيش المسلمين - تساقطوا لكن هذا فيه بُعد، وبعضهم يقول: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ: باعتبار أن ذلك يرجع إلى أن الأولية مكانية أول أرضِ المحشر حيث نُفوا، ذهب بعضهم إلى أذرعات في أطراف الشام لِأَوَّلِ الْحَشْرِ يعني أرض المحشر أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يعني: اليهود.
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ حُشروا، فحملها ابن جرير على يهود المدينة.
وقيل: لكفار قريش، والحافظ ابن كثير حمله على الكفار وهذا الأقرب - والله أعلم - لأنه قال هنا: سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ فذكر أمرين: الغلبة في الدنيا - وهذه حصلت بالنسبة لليهود، وحصلت أيضًا فيما يتعلق بالمشركين - فهم متوعدون في الدنيا، والآخرة، في الدنيا بالغلبة، وفي الآخرة بالنار.
وبعضهم يقول: قل لليهود سيُغلب مشركوا العرب قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ يعني: المشركين من العرب، لكن هذا لا يخلو من التكلف.
على كل حال: هذا المعنى أعم، فهو وعيد للكفار؛ لأنهم سيغلبون، ويحشرون إلى جهنم أيضًا، يغلبون في الدنيا، ويحشرون إلى جهنم في الآخرة، وهو إن حصل لهم بعض الظفر في بعض الأوقات، إلا أن مستقبلهم إلى غلبة، وهزيمة، وخسران هذا في الدنيا، وفي الآخرة إلى النار، هذا المستقبل الذي ينتظر الكفار في كل زمان.
يقول: "والأشهر أنها في بني قينقاع؛ لأن النبي ﷺ دعاهم للإسلام. . إلى آخره" فقالوا: لا يغرنك فنزلت الآية.
هذا في سبب النزول، ضعَّفه بعض أهل العلم مثل الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - وبعضهم حسن هذه الرواية، حتى لو كانت نازلة في بني قينقاع، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالمعنى عام لا يختص بهم، لكنهم يدخلون فيه دخولًا أوليًّا لو صحت الرواية.