السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا۟ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ۝ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ [سورة آل عمران:12-13].
"يقول تعالى: قل يا محمد للكافرين ستغلبون أي في الدنيا،، وتحشرون أي يوم القيامة إلى جهنم، وبئس المهاد.
وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله ﷺ لما أصاب من أهل بدر ما أصاب، ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع".

فقوله - تبارك، وتعالى -: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ظاهره العموم، فهو عام للكفار من المشركين، واليهود، وغيرهم، وما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا مما يذكره أهل السير، والأخبار، كما روى محمد بن إسحاق هنا: أن النبي ﷺ جمع اليهود بعد غزوة بدر في بني قينقاع، وقال لهم ما قال - عليه الصلاة، والسلام - حيث ذكّرهم بالله، وخوفهم بأسه بعدما هزم الله المشركين، وأهلك رءوسهم.
فالحاصل أن مثل هذه الرواية حملت بعض أهل العلم إلى القول بأن هذا الخطاب موجه لليهود، أي قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ عام مراد به الخصوص، وهو نوع من الكفار، وهم اليهود باعتبار ما وقع.
وهذه الروايات هي مما يذكره أهل الأخبار، والسير، ولا تثبت ثبوتاً يرتضيه أهل الحديث بطريقتهم بإثبات المرويات، وعلى كلٍّ فهذه الرواية هي السبب الذي حمل بعض أهل العلم على القول بأن المراد بذلك نوع من الكفار، والأَوْلى - والله تعالى أعلم - هو أن تبقى الآية على عمومها، وظاهرها. 
وعلى كل حال فهؤلاء يقولون: إن المشركين قد غُلبوا فما بقي إلا اليهود ممن كان يجاور النبي ﷺ، والواقع أنه بقي طوائف كثيرة من المشركين لم تقع عليهم الغلبة بعد، وإنما كان الصراع مع قريش في أول الأمر، فالخلاصة أنه يمكن أن يكون ذلك عاماً كما هو ظاهر الآية، وهذا هو الأصل إلا لدليل يجب الرجوع إليه، - والله أعلم -.

مرات الإستماع: 0

"سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ [آل عمران:12]: قُرأ بتاء الخطاب ليهود المدينة، وقيل: لكفار قريش، وقُرأ بالياء إخبارًا عن يهود المدينة، وقيل: عن قريش، وهو صادقٌ على كل قول، أما اليهود فغُلبوا يوم قريظة، والنضير، وقينقاع، وأما قريشٌ ففي بدرٍ، وغيرها، والأشهر أنها في بني قينقاع؛ لأن رسول الله ﷺ دعاهم إلى الإسلام بعد غزوة بدر، فقالوا له: لا يغرنك أنك قتلت نفرًا من قريش لا يعرفون القتال، فلو قاتلتنا لعرفت أنّا نحن الناس، فنزلت الآية[1] ثم أخرجهم رسول الله ﷺ من المدينة."

في قوله - تبارك، وتعالى -: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ الحشر: بمعنى الجمع مع سوق، حشر الناس.

 سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ يقول: "قُرأ بتاء الخطاب": فهذه قراءة الجمهور، وقرأه بعض السبعة كحمزة، والكسائي: (سَيُغْلَبُونَ)[2].

 يقول: "قُرأ بتاء الخطاب ليهود المدينة" هذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -[3] قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ اعتبار أنه في اليهود، باعتبار أن هذه الآيات تتحدث عن أهل الكتاب، وابن جرير يراعي هذا كثيرًا، تتحدث عن أهل الكتاب، لما جاء بصيغة الخطاب سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ من الذي حصل لهم الحشر، والغلبة، وكذا؟ النصارى في زمن النبي ﷺ لم تكن هناك وقائع معهم، ذهب النبي ﷺ إلى تبوك، ولم يلقَ كيدًا، ورجع، لكن في مؤتة حصل لقاء مع العدو، ولم يحصل غلبة للمسلمين، لكن من الذين غُلبوا في كل المواقع؟ هم اليهود: قريظة، والنضير، وبنو قينقاع، وكذلك أهل خيبر، هذه الأربع وقائع كلها غُلبوا فيها. 

يقول الله - تبارك، وتعالى - في سورة الحشر: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر:2].

لِأَوَّلِ الْحَشْرِ قيل: لأول حشرٍ لليهود، فكان هذا الحشر الذي وقع لبني النضير. 

بعضهم يقول: لأول حشرٍ للجيش - جيش المسلمين - تساقطوا لكن هذا فيه بُعد، وبعضهم يقول: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ: باعتبار أن ذلك يرجع إلى أن الأولية مكانية أول أرضِ المحشر حيث نُفوا، ذهب بعضهم إلى أذرعات في أطراف الشام لِأَوَّلِ الْحَشْرِ يعني أرض المحشر أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يعني: اليهود.

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ حُشروا، فحملها ابن جرير على يهود المدينة.

وقيل: لكفار قريش، والحافظ ابن كثير حمله على الكفار[4] وهذا الأقرب - والله أعلم - لأنه قال هنا: سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ فذكر أمرين: الغلبة في الدنيا - وهذه حصلت بالنسبة لليهود، وحصلت أيضًا فيما يتعلق بالمشركين - فهم متوعدون في الدنيا، والآخرة، في الدنيا بالغلبة، وفي الآخرة بالنار.

وبعضهم يقول: قل لليهود سيُغلب مشركوا العرب قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ يعني: المشركين من العرب، لكن هذا لا يخلو من التكلف.

على كل حال: هذا المعنى أعم، فهو وعيد للكفار؛ لأنهم سيغلبون، ويحشرون إلى جهنم أيضًا، يغلبون في الدنيا، ويحشرون إلى جهنم في الآخرة، وهو إن حصل لهم بعض الظفر في بعض الأوقات، إلا أن مستقبلهم إلى غلبة، وهزيمة، وخسران هذا في الدنيا، وفي الآخرة إلى النار، هذا المستقبل الذي ينتظر الكفار في كل زمان.

يقول: "والأشهر أنها في بني قينقاع؛ لأن النبي ﷺ دعاهم للإسلام. . إلى آخره" فقالوا: لا يغرنك فنزلت الآية.

هذا في سبب النزول، ضعَّفه بعض أهل العلم مثل الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - وبعضهم حسن هذه الرواية، حتى لو كانت نازلة في بني قينقاع، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالمعنى عام لا يختص بهم، لكنهم يدخلون فيه دخولًا أوليًّا لو صحت الرواية. 

  1.  سنن أبي داود، كتاب الخراج، والإمارة، والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة؟ رقم: (3001) وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (2/430).
  2.  تفسير السمرقندي = بحر العلوم (1/197).
  3.  تفسير الطبري (6/227).
  4. تفسير ابن كثير (2/17).

مرات الإستماع: 0

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، قل يا محمد ﷺ قل للذين كفروا، يدخل في هذا الذين كفروا من أهل الكتاب؛ لأن هذه الآيات كما قلنا في صدر هذه السورة في مخاطبتهم ومجادلتهم والرد عليهم، وكذلك عموم الذين كفروا يدخل فيه سائر طوائف الكفار؛ لأن ذلك يصدق عليهم، وإذا كان يُعنى به أهل الكتاب بطريق الأساس أو الأولى فهذا يدل على أن أهل الكتاب يُقال لهم: الكفار، والذين كفروا، وهذا كثير في كتاب الله : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:1]، فسماهم كفارًا، وكذلك أيضًا وصفهم بالإشراك: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73]، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30]، فهم كفار وهم مشركون بلا شك.

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، هذا وعيد لهم في الدنيا والآخرة، وهو وعد من الله -تبارك وتعالى- لنبيه ﷺ "سُتغلبون"، والغلبة هنا يدخل فيها الغلبة بنوعيها الغلبة في ميدان المعركة، وهي المُتبادرة، وهي الإطلاق الأغلب في كتاب الله ، وكلام الله يُفسر بالأغلب في الاستعمال في القرآن، ويدخل فيه الغلبة أيضًا بالحُجة والبُرهان، ولا شك أن هذه الغلبة بنوعيها حاصلة ومتحققة، وقد حصل ذلك؛ فقد غُلبوا في ميدان المعركة، وغلبوا أيضًا في ميدان الحجة، وذلك ليس للرسول ﷺ بل يكون لأتباعه بقدر ما يكون لهم من الاقتداء والاتساء والاتباع، فيكون لهم من النصر والغلبة بحسب ذلك.

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ فهذا لكل الكفار في كل زمان ومكان وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، والحشر هو سوق الجمع يُحشرون، يُحشرون إلى جهنم وَبِئْسَ الْمِهَادُ الفراش الموطأ للصبي يُقال له: مهاد فيكون مهادهم لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41]، فهذا هو حال هؤلاء الكفار يفترشون النار -نسأل الله العافية- تكون لهم فراشًا، وأيضًا تغشاهم النار من فوقهم.

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ [آل عمران:12]، النبي ﷺ عبد مأمور مُكلف من قِبل الله أن يُبلغ فعليه البلاغ، وإنما الذي يحكم ويُشرع ويأمر وينهى هو الله -تبارك وتعالى-، فهو يأمر نبيه ﷺ أن يقول لهم ذلك، إذن ليس ذلك إليه أعني أن النصر لا يتنزل من النبي ﷺ، ولا يملكه رسول الله ﷺ، وكذلك العذاب الذي يقع في الدنيا والآخرة على هؤلاء الكفار لا يملكه الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، ولهذا حينما كان أقوامهم يُطالبونهم بمثل هذا وبتعجيل العذاب كان الرسل -عليهم الصلاة والسلام- يُجيبونهم بهذا الجواب، وهو أنهم رسل من الله إنما عليهم البلاغ، وأنهم لا يملكون لهم ذلك.

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، هذا يبعث الطمأنينة والثقة لدى أهل الإيمان بما هم عليه مهما انتفش الباطل ومهما استطال أهله، ومهما تعاظم فإن ذلك يزول عن قريب ولا محالة، ووعد الله لا يتخلف، سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ هذه قضية تُلاحقهم وتُطاردهم، ولا يمكن لهم الخلاص منها، أما ما يحصل في بعض الأوقات من إدالتهم على أهل الإيمان فإن ذلك مؤقت، والعبرة بكمال النهايات، فإن العاقبة لأهل الإيمان وليست لهؤلاء الكفار.

ولذلك فإن المؤمن لا يبتأس ولا ييأس ولا ينكسر ولا يضعف ولا يتراجع ولا يتنازل عن دينه والحق الذي هو عليه، ولا يتشكك بحال من الأحوال حينما يرى للباطل صولة؛ لأنه يعلم أن للحق جولة تمحوا هذا الباطل وتزيله من أساسه وأصوله، وذلك مُقرر في كتاب الله في مواضع كثيرة، وقال الله : كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21]، "كتب" فهذا أمر مُتحقق لا محالة، وكما ذكر أهل العلم بأن ذلك يكون لأتباع الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، لكن بحسب الاتباع، بحسب ما يكون لهم من الاتباع، وقوله ﷺ: نُصرت بالرعب مسيرة شهر[1]، كذلك قرر أهل العلم كالحافظ ابن القيم[2] وغيره بأن أتباعه يكون لهم من ذلك أيضًا لكن بقدر ما هم عليه من تحقيق متابعته ﷺ: نُصرت بالرُعب مسيرة شهر، يعني: العدو الذي يبعُد عن مقامه ﷺ مسيرة شهر يعني على الإبل، وذلك أبعد من الشام، الله قال عن ما سخر من الريح لسليمان ﷺ: غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12]، فهي تسير به من الشام إلى اليمن هذه مسيرة شهر تقطعها في غداة يوم، وكذلك أيضًا في الرجوع الرواح بعد الزوال كذلك أيضًا تقطعها مسيرة شهر تقطعها في روحة في عشية من ذلك اليوم، فالمدينة تكون إذًا على نصف المسافة تقريبًا بين اليمن والشام، إذًا أبعد من الشام، ما وراء الشام يعيشون في حال من الهلع والاضطراب والخوف، هذا نُصرت بالرُعب مسيرة شهر.

فإذا كان هذا لأتباعه من بعده فإن ذلك يكون بحسب اتباعهم وإيمانهم وتمسكهم بدينهم، ولذلك انظروا إلى حال هؤلاء الكفار مع ما هم فيه من الشدة والقوة والتمكن وأسباب القوة المادية ومع ذلك هم يعيشون في حال من الخوف الشديد من الإسلام، ويبثون الدعايات الكاذبة، ويستغلون حماقات بعض المنتسبين إلى الإسلام لتشويه صورته، ويمزقون الشعارات التي لطالما تغنوا بها من الحرية وحقوق الإنسان، وما أشبه ذلك، فيفعلون ويقولون ما تُشاهدونه ويُشاهده العالم أجمع، كل ذلك خوفًا من الإسلام، يخافون مع أن المسلمين ليس لهم قوة تُذكر وهم متفرقون غاية التفرق، مُنقسمون على أنفسهم، وهؤلاء يشغلونهم بالصراعات والحروب والفتن وما إلى ذلك، فعلى كل حال هذا وعد من الله والواقع والتاريخ شاهد بذلك.

وهؤلاء الكفار ينبغي أن تكون نفوسهم مُنهزمة دائمًا؛ لأن الله كتب الغلبة لرسوله ولأهل الإيمان، وكتب على هؤلاء الهزيمة في الدنيا، وكذلك أيضًا الحشر إلى النار في الآخرة، فهي خيبة مُعجلة، وخيبة أيضًا أعظم منها مؤجلة، ليس لهم إلا الخيبة، فبماذا يغتر الإنسان، وعلى ما يُعطون أكبر من حجمهم ويُفخمون ويُعظمون، وكما قال الله : إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175]، يعني: يخوفكم من أوليائه، يجعل لهم حالة من الهالة والضخامة والعظمة من أجل أن تخافوهم: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ، يعني: يخوف الناس من أوليائه، فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175].

  1. أخرجه البخاري، أوائل كتاب التيمم، برقم (335).
  2. هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (2/ 353).

لما أمر الله -تبارك وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن يقول للمشركين: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، وعلق ذلك بهذا الوصف ولم يذكر الضمير لبيان أن ما يُذكر بعده متعلق به، أن هذه الغلبة والحشر إلى جهنم بسبب الكفر، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا وجد الكفر في أي وقت، وفي أي زمان، وفي أي مكان، فهذا الوعيد متوجه إلى أصحابه، ولهذا لم يذكر الضمير فلم يقل: قل لهم ستغلبون وتُحشرون إلى جهنم، وإنما: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:12]، وهذا فيه إبراز للعلة التي حصل بسببها هذا الحكم، وهو الغلبة في الدنيا، والحشر إلى جهنم في الآخرة، وذلك هو هذا الفعل القبيح أعني الكفر بالله، جل جلاله وتقدست أسماءه.