الأحد 14 / ربيع الأوّل / 1447 - 07 / سبتمبر 2025
إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ الآية [سورة آل عمران:122]".

يعني وإن كان وقع منهم هذا النقص حيث هموا بالانصراف إلا أن هذه تزكية لهم، وشهادة أن ولاءهم لله ، ولم يكن ولاؤهم للكفار، أو للمنافقين، أو أن ولاءهم مطعون فيه، فليسوا بمنافقين وإنما وقع لهم شيء من الضعف حيث هموا بالرجوع إلى المدينة، ولكن الله ثبتهم، وهذه الشهادة هي التي قال فيها أبو سفيان: "ما يسرني أنها لم تنزل، لقول الله: وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا [سورة آل عمران:122]".
وفي قوله تعالى في سورة الأحزاب: وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ [سورة الأحزاب:15] كثير من المفسرين يقولون: المراد به بنو حارثة، وبنو سلمة؛ الذين قال الله فيهم هنا: إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ [ سورة آل عمران:122] فهم تابوا من هذا، وعاهدوا الله أن لا يقع ذلك منهم، ثم لما كان في يوم الخندق كان بعضهم يتنصل، ويعتذر، ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [سورة الأحزاب:13] حيث إنها مكشوفة خارج الخندق مما يلي ناحية مسجد القبلتين أي خارج الخندق، والخندق مباشرة تحت الجبل المعروف الآن بجبل سلع في السيح، فهم يقولون: هي مكشوفة للعدو، فكان بعضهم يتنصل، وإن شئت فقل ضعفاء الإيمان، والمنافقون.

مرات الإستماع: 0

"طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ [آل عمران:122] هما بنو حارثة - وفي جميع النسخ - هم بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج، لما رأوا كثرة المشركين، وقلة المؤمنين هموا بالانصراف، فعصمهم الله ونهضوا مع رسول الله ﷺ."

هذا قد نفى ابن جرير - رحمه الله - وقوع الخلاف فيه[1] يعني: أنه لا خلاف في أن المراد بالطائفتين هما من الأنصار: بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج، هموا بالرجوع، ولكن الله عصمهم من ذلك.

"قوله: أَنْ تَفْشَلا [آل عمران:122]، الفشل في البدن هو الإعياء، والفشل في الرأي هو العجز، والحيرة، وفساد العزم."

والمقصود هنا: أَنْ تَفْشَلا يعني: تجبنا وتضعفا، هذا المراد بالفشل - والله أعلم - يجبن عن اللقاء، ويضعف، فيحصل له بسبب ذلك التراجع، وترك القتال مع رسول الله ﷺ. 

"قوله تعالى: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا [آل عمران:122]، أي: مثبتهما، وقال جابر بن عبد الله: ما وددنا أنها لم تنزل لقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا[2]. "

يقول جابر فينا نزلت: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا قال: نحن طائفتان بنو حارثة، وبنو سلمة، وما نحب بها أنها لم تنزل لقوله الله: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا فهذه منقذة وشهادة بالإيمان، أن هؤلاء لم يكونوا من المنافقين؛ فإن الله ولي المؤمنين. فهذا محمله، وهذا الأثر، والحديث مخرج في الصحيحين. 

  1. تفسير الطبري (7/161).
  2. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون [آل عمران:122]، رقم: (4051)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل الأنصار ، (2505).