الإثنين 15 / ربيع الأوّل / 1447 - 08 / سبتمبر 2025
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ [سورة آل عمران:123] أي: يوم بدر، وكان في يوم جمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام، وأهله، ودمغَ فيه الشرك، وخرَّب محِلَّه مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً فيهم فرسان، وسبعُون بعِيراً، والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد، والبَيض، والعدة الكاملة، والخيول المسومة".

في قوله: "والبَيض" البيض جمع بيضة وهي الخوذة من الحديد التي يضعها المقاتل على رأسه، وهي غير المغفر، فالمغفر مثل الدرع يضعه المقاتل على رأسه، حيث يضع تحته مثل الطاقية وهو من فوقها كالدرع تماماً منسوج من حلق، ويحمي به رأسه، والمغفر كذلك عبارة عن حديد مصمت صبة واحدة وليس حلقات، وأظنه مثل طاقية الحديد تماماً.
"في سوابغ الحديد، والبَيض، والعدة الكاملة، والخيول المسومة، والحلي الزائد، فأعز الله رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبيَّض وجه النبي ﷺ وقبيله، وأخْزى الشيطان وجيله، ولهذا قال تعالى ممتناً على عباده المؤمنين، وحِزبه المتقين: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ [سورة آل عمران:123] أي: قليل عددكم؛ ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله، لا بكثرة العدد والعُدَد؛ ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا [سورة التوبة:25] إلى وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة التوبة:27].
وبدر: مَحلَّة بين مكة والمدينة، تعرف ببئرها، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له: بدر بن النارين.
وقوله: فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [سورة آل عمران:123] أي: تقومون بطاعته".

يعني من أجل أن تشكروه، وهذا باعتبار أن "لعل" المراد بها هنا التعليل وليس الترجي.

مرات الإستماع: 0

"وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران:123] تذكير لنصر الله يوم بدر لتقوى قلوبهم."

غزوة بدر في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية، وغزوة أحد كانت في السنة الثالثة في منتصف شهر شوال كما سبق.

 

"قوله: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123] أذلة هي قلة عددهم، وضعف عُدَدِهم، كانوا يوم بدر ثلاثمائة، وثلاثة عشر رجلًا، ولم يكن لهم إلا فرس واحد، وكان المشركون ما بين التسعمائة، والألف، وكان معهم مائة فرس، فقتل من المشركون سبعون، وأسر منهم سبعون، وانهزم سائرهم."

وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ أصل الذل: يقال للخضوع، والاستكانة، والضعف، وأنتم ضعفاء، وأنتم أذلة، فنصركم الله  على ما بكم من ضعف، وعجز، وقلة عدد، وعدة، وذلك أن النصر بيد الله - تبارك، وتعالى - ليس بالعدد، والعدة، والكثرة، ففي يوم حنين أعجبتهم كثرتهم، فلم تغني عنهم من الله شيئًا، وضافت عليهم الأرض بما رحبت، وكانت النتيجة: ثم، وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله، وعلى المؤمنين، وأنزل جنودًا لم تروها.

فالنصر بيده وحده، وليس بكثرةٍ، وعددٍ، وعدة.

"قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] متعلقٌ بنَصَركم، أو بالتقوى، والأول أظهر."

يعني: نَصَرَكم ببدر، وأنتم أذلاء، نصركم لعلكم تشركون. يعني: يقول، وقد نصركم ببدر، وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون، متعلقٌ بالتقوى، اتقوه لعلكم تشكرون، فإذا اتقى العبد رجي أن يكون شاكرًا لله . قال: والأول أظهر، أن ذلك يتعلق بنصركم، نصركم لعلكم تشكرون وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] ولا يبعد بأن يكون بين القولين ملازمة؛ وذلك أن هذا النصر له متطلبات، ومقتضيات، فتقوى الله - تبارك، وتعالى - هي من الشكر فَاتَّقُوا اللَّهَ والفاء تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، وتفيد التعليل، نصركم الله ببدر، وأنتم أذلة، فاتقوا الله اتقوه لعلكم تتحققون بالشكر، فتقوى الله - تبارك، وتعالى - هي من جملة الشكر، كيف يُشكَر؟ يشكر بتقواه، وطاعته، وطاعة رسول الله - عليه الصلاة، والسلام - .