"وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران:123] تذكير لنصر الله يوم بدر لتقوى قلوبهم."
غزوة بدر في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية، وغزوة أحد كانت في السنة الثالثة في منتصف شهر شوال كما سبق.
"قوله: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123] أذلة هي قلة عددهم، وضعف عُدَدِهم، كانوا يوم بدر ثلاثمائة، وثلاثة عشر رجلًا، ولم يكن لهم إلا فرس واحد، وكان المشركون ما بين التسعمائة، والألف، وكان معهم مائة فرس، فقتل من المشركون سبعون، وأسر منهم سبعون، وانهزم سائرهم."
وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ أصل الذل: يقال للخضوع، والاستكانة، والضعف، وأنتم ضعفاء، وأنتم أذلة، فنصركم الله على ما بكم من ضعف، وعجز، وقلة عدد، وعدة، وذلك أن النصر بيد الله - تبارك، وتعالى - ليس بالعدد، والعدة، والكثرة، ففي يوم حنين أعجبتهم كثرتهم، فلم تغني عنهم من الله شيئًا، وضافت عليهم الأرض بما رحبت، وكانت النتيجة: ثم، وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله، وعلى المؤمنين، وأنزل جنودًا لم تروها.
فالنصر بيده وحده، وليس بكثرةٍ، وعددٍ، وعدة.
"قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] متعلقٌ بنَصَركم، أو بالتقوى، والأول أظهر."
يعني: نَصَرَكم ببدر، وأنتم أذلاء، نصركم لعلكم تشركون. يعني: يقول، وقد نصركم ببدر، وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون، متعلقٌ بالتقوى، اتقوه لعلكم تشكرون، فإذا اتقى العبد رجي أن يكون شاكرًا لله . قال: والأول أظهر، أن ذلك يتعلق بنصركم، نصركم لعلكم تشكرون وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123] ولا يبعد بأن يكون بين القولين ملازمة؛ وذلك أن هذا النصر له متطلبات، ومقتضيات، فتقوى الله - تبارك، وتعالى - هي من الشكر فَاتَّقُوا اللَّهَ والفاء تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، وتفيد التعليل، نصركم الله ببدر، وأنتم أذلة، فاتقوا الله اتقوه لعلكم تتحققون بالشكر، فتقوى الله - تبارك، وتعالى - هي من جملة الشكر، كيف يُشكَر؟ يشكر بتقواه، وطاعته، وطاعة رسول الله - عليه الصلاة، والسلام - .