اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بَدْر أو يوم أُحُد على قولين: أحدهما: أن قوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران:124] متعلق بقوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ [سورة آل عمران:123].
ورُوي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي، والرَّبِيع بن أنس وغيرهم، واختاره ابن جرير.
قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ [سورة آل عمران:124] قال: هذا يوم بَدْر [رواه ابن أبي حاتم].
ثم روى عن عامر الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كُرْز بن جابر يُمدّ المشركين، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله تعالى: أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ [سورة آل عمران:124] إلى قوله: مُسَوِّمِينَ [سورة آل عمران:125]".
الملائكة نزلوا في ثلاث غزوات هي: بدر، والخندق، وحنين، وما يتبع الخندق وهو قريظة، أما بدر فمما لا شك فيه هو نزول الألف لقوله تعالى: أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال:9] فهذا لا شك فيه، وهل قاتلوا في يوم بدر؟
الراجح أنهم قاتلوا، وفي صحيح مسلم: أقدم حيزوم وهو فرس جبريل - عليه الصلاة والسلام -، وجاء في هذا آثار وأحاديث عن النبي ﷺ، وعن الصحابة الذين شهدوا الوقعة، وكانوا يعرفون به من قُتل من المشركين ممن قتلهم الملائكة مثل ضرب السوط الذي قد تغير وازرق أو اخضر، فهؤلاء من قتلى الملائكة، وجاء في الآثار أنهم كانوا يتبعون رجلاً فسقط رأسه قبل أن يصله السيف، فكل هذا يدل على أن الملائكة قاتلوا.
فالمقصود أن عدد الملائكة في يوم بدر لا يقل عن الألف وهذا لا شك فيه، لقوله تعالى: أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال:9] فهذا وعد من الله تعالى بأنه سيمدهم بألف منهم إلا أن ذكر الألف لا يمنع الزيادة على الألف؛ لأنه قال: مُرْدِفِينَ فهذا يعني أنهم يمكن أن يزاد عليهم.
وهنا يقول تعالى: أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ [سورة آل عمران:124] ثم قال: بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ [سورة آل عمران:125].
وقوله: مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا أي: من ساعتهم هذه - يعني المشركين -، أو من ناحيتهم هذه، أو من غضبهم هذا، حيث يقال لمن غضب إنه فار، والمشركون إنما خرجوا من مكة إلى أحد للتشفي لما وقع لهم من القتل في بدر، فقوله: مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا أي: من غضبتهم هذه - على أحد المعاني - أو يكون من فورهم من ساعتهم، أو من فورهم من هذه الناحية، أو كان المقصود به المدد الذي سيأتي من كرز هذا، فالمقصود أن هذا وعد معلق بثلاثة أشياء هي: الصبر، والتقوى، ومجيء هؤلاء.
على كل حال نزول الألف في بدر لا شك فيه، وأما الزيادة على الألف فهل هي المقصودة هنا في بدر أو في أحد؟
الأقرب أن هذا أيضاً في بدر، ومسألة هل تحقَّقَ الشرطُ فزادهم الله ، وصاروا ثلاثة آلاف، ثم خمسة؟ هذا فيه خلاف بين أهل العلم، لكن أصل نزول الملائكة في يوم بدر هذا لا شك فيه، وكذلك هل قاتلوا؟
الراجح أنهم قاتلوا، ويدل على هذا أدلة كثيرة، أما في الخندق فقد أرسل الله عليهم الريح، وأنزل جنوداً زلزل بهم العدو كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا [سورة الأحزاب:9] فالله زلزل بهم، ولم يقع قتال كما قال تعالى: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [سورة الأحزاب:25] فالحاصل أنه في الخندق لم يحصل قتال وإنما حصل زلزلة للمشركين، ثم في غزوة بني قريظة لما دخل النبي ﷺ يغتسل، ووضع السلاح؛ جاء جبريل وقال: وضعتم السلاح، وإن الملائكة لم تضع أسلحتها، وأمر النبي ﷺ أن يأمر أصحابه أن يخرجوا إلى قريظة، قال جبريل - عليه الصلاة والسلام -: فإني مزلزل بهم.
وفي يوم حنين يقول تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا [سورة التوبة:25-26] فالملائكة نزلت في يوم حنين، وكثير من أهل العلم يقولون: إنهم نزلوا لتثبيت المؤمنين، وإنهم لم يقاتلوا في يوم حنين، والعلم عند الله ، فالحاصل أن الأقرب أن هذه الآيات في يوم بدر، وقوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ [سورة آل عمران:124] يمكن أن يكون كما قال ابن جرير - رحمه الله - وجماعة من السلف ومن بعدهم: إنه متعلق بقوله: ولقد نصركم الله ببدر إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم، وهكذا إذا قيل متعلق بكذا، فتربط أجزاء الكلام بهذه الطريقة.
ابن جرير جزم بالألف في يوم بدر، وتوقف في الثلاثة الآلاف، والخمسة الآلاف، فقال: ليس عندنا دليل نستطيع الوقوف عنده أنه نزل هذا العدد ثلاثة آلاف، أو خمسة آلاف، لكن يحتمل أن يكون هؤلاء قد نزلوا، أو لم ينزلوا، فليس هناك ما يرفع الخلاف، أما ألف فهو مجزوم به، أما في أحد فلم يُمَدوا بالملائكة على الراجح.