الثلاثاء 16 / ربيع الأوّل / 1447 - 09 / سبتمبر 2025
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ ۝ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ۝ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ ۝ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ۝ وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة آل عمران:124-129].
اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بَدْر أو يوم أُحُد على قولين: أحدهما: أن قوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران:124] متعلق بقوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ [سورة آل عمران:123].
ورُوي هذا عن الحسن البصري وعامر الشعبي، والرَّبِيع بن أنس وغيرهم، واختاره ابن جرير.
قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ [سورة آل عمران:124] قال: هذا يوم بَدْر [رواه ابن أبي حاتم].
ثم روى عن عامر الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كُرْز بن جابر يُمدّ المشركين، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله تعالى: أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ [سورة آل عمران:124] إلى قوله: مُسَوِّمِينَ [سورة آل عمران:125]".

الملائكة نزلوا في ثلاث غزوات هي: بدر، والخندق، وحنين، وما يتبع الخندق وهو قريظة، أما بدر فمما لا شك فيه هو نزول الألف لقوله تعالى: أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال:9] فهذا لا شك فيه، وهل قاتلوا في يوم بدر؟
الراجح أنهم قاتلوا، وفي صحيح مسلم: أقدم حيزوم وهو فرس جبريل - عليه الصلاة والسلام -، وجاء في هذا آثار وأحاديث عن النبي ﷺ، وعن الصحابة الذين شهدوا الوقعة، وكانوا يعرفون به من قُتل من المشركين ممن قتلهم الملائكة مثل ضرب السوط الذي قد تغير وازرق أو اخضر، فهؤلاء من قتلى الملائكة، وجاء في الآثار أنهم كانوا يتبعون رجلاً فسقط رأسه قبل أن يصله السيف، فكل هذا يدل على أن الملائكة قاتلوا.
فالمقصود أن عدد الملائكة في يوم بدر لا يقل عن الألف وهذا لا شك فيه، لقوله تعالى: أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال:9] فهذا وعد من الله تعالى بأنه سيمدهم بألف منهم إلا أن ذكر الألف لا يمنع الزيادة على الألف؛ لأنه قال: مُرْدِفِينَ فهذا يعني أنهم يمكن أن يزاد عليهم.
وهنا يقول تعالى: أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ [سورة آل عمران:124] ثم قال: بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ [سورة آل عمران:125].
وقوله: مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا أي: من ساعتهم هذه - يعني المشركين -، أو من ناحيتهم هذه، أو من غضبهم هذا، حيث يقال لمن غضب إنه فار، والمشركون إنما خرجوا من مكة إلى أحد للتشفي لما وقع لهم من القتل في بدر، فقوله: مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا أي: من غضبتهم هذه - على أحد المعاني - أو يكون من فورهم من ساعتهم، أو من فورهم من هذه الناحية، أو كان المقصود به المدد الذي سيأتي من كرز هذا، فالمقصود أن هذا وعد معلق بثلاثة أشياء هي: الصبر، والتقوى، ومجيء هؤلاء.
على كل حال نزول الألف في بدر لا شك فيه، وأما الزيادة على الألف فهل هي المقصودة هنا في بدر أو في أحد؟
الأقرب أن هذا أيضاً في بدر، ومسألة هل تحقَّقَ الشرطُ فزادهم الله ، وصاروا ثلاثة آلاف، ثم خمسة؟ هذا فيه خلاف بين أهل العلم، لكن أصل نزول الملائكة في يوم بدر هذا لا شك فيه، وكذلك هل قاتلوا؟
الراجح أنهم قاتلوا، ويدل على هذا أدلة كثيرة، أما في الخندق فقد أرسل الله عليهم الريح، وأنزل جنوداً زلزل بهم العدو كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا [سورة الأحزاب:9] فالله زلزل بهم، ولم يقع قتال كما قال تعالى: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [سورة الأحزاب:25] فالحاصل أنه في الخندق لم يحصل قتال وإنما حصل زلزلة للمشركين، ثم في غزوة بني قريظة لما دخل النبي ﷺ يغتسل، ووضع السلاح؛ جاء جبريل وقال: وضعتم السلاح، وإن الملائكة لم تضع أسلحتها، وأمر النبي ﷺ أن يأمر أصحابه أن يخرجوا إلى قريظة، قال جبريل - عليه الصلاة والسلام -: فإني مزلزل بهم.
وفي يوم حنين يقول تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ۝ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا [سورة التوبة:25-26] فالملائكة نزلت في يوم حنين، وكثير من أهل العلم يقولون: إنهم نزلوا لتثبيت المؤمنين، وإنهم لم يقاتلوا في يوم حنين، والعلم عند الله ، فالحاصل أن الأقرب أن هذه الآيات في يوم بدر، وقوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ [سورة آل عمران:124] يمكن أن يكون كما قال ابن جرير - رحمه الله - وجماعة من السلف ومن بعدهم: إنه متعلق بقوله: ولقد نصركم الله ببدر إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم، وهكذا إذا قيل متعلق بكذا، فتربط أجزاء الكلام بهذه الطريقة.
"فبلغت كُرْزًا الهزيمة؛ فلم يمد المشركين، ولم يمد الله المسلمين بالخمسة، وقال الرَّبِيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف، فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية - على هذا القول - وبين قوله تعالى في قصة بدر: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [سورة الأنفال:9] إلى قوله: إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة الأنفال:10]، فالجواب: أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها، لقوله: مُرْدِفِينَ بمعنى يَرْدفُهم غيرُهم، ويَتْبَعهم ألوف أخر مثلهم، وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر، والله أعلم".

ابن جرير جزم بالألف في يوم بدر، وتوقف في الثلاثة الآلاف، والخمسة الآلاف، فقال: ليس عندنا دليل نستطيع الوقوف عنده أنه نزل هذا العدد ثلاثة آلاف، أو خمسة آلاف، لكن يحتمل أن يكون هؤلاء قد نزلوا، أو لم ينزلوا، فليس هناك ما يرفع الخلاف، أما ألف فهو مجزوم به، أما في أحد فلم يُمَدوا بالملائكة على الراجح.

مرات الإستماع: 0

"إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:124] كان هذا القول يوم بدرٍ، وقيل يوم أحد، فالعامل في إذ على الأول محذوف، وعلى الثاني بدلٌ من إذ غدوت."

إِذْ تَقُولُ يقول: كان هذا القول يوم بدر، وهذا نسبه الطاهر بن عاشور - رحمه الله - إلى الجمهور[1].

وهذا مروي عن جماعة كالحسن، والشعبي، والربيع[2] واختاره أبو جعفر ابن جرير - رحمه الله -[3] والحافظ بن كثير[4] جزم ابن جرير - رحمه الله - بأن الألف يوم بدر، في سورة الأنفال: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] سورة الأنفال تتحدث عن غزوة بدر، فالألف في بدر، وتوقف ابن جرير - رحمه الله - في الثلاثة آلاف المذكورة هنا، والخمسة آلاف أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ۝ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:124، 125] فابن جرير توقف في الثلاثة، والخمسة هنا، هل هي في بدر ، أم في أحد؟

منشأ الإشكال: أنه في بدر في سورة الأنفال قال: أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] ألف، وهنا ذكر ثلاثة آلاف، وخمسة، وأكثر أهل العلم الجمهور من السلف، فمن بعدهم أن الملائكة لم تقاتل في يوم أحد، ولهذا قالوا: كما أضاف ابن عاشور إلى الجمهور أن الثلاثة، والخمسة في يوم بدر[5] لكن قوله - تبارك، وتعالى -: أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ التي في الأنفال، معنى مردفين: أنهم مردفين يُتبعون بآخرين، يتبعون بثلاثة، ثم إلى الخمسة، لكنه مشروط.

وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا [آل عمران:125] - كما سيأتي -.

يقول: "كان هذا القول يوم بدر، وقيل يوم أحد فالعامل في إذ على الأول محذوف". العامل في إذ، يعني: واذكر إذ تقولوا للمؤمنين، وبعضهم يقول متعلق بـ "ولقد نصركم الله إذ تقول" نصركم الله ببدر إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران: 124] بعضهم يقول: متعلق بهذا.

وعلى الثاني: يعني على القول بأن هذا في أُحد يكون بدل من وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ [آل عمران:121] وإذ غدوت في أُحد إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وإذ غدوت، وإذ تقول للمؤمنين يكون بدلًا منه، يكون هذا في أحد.

"قوله: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ [آل عمران:124] تقرير جوابه بلى، وإنما جاوب المتكلم لصحة الأمر، وبيانه، كقوله: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ [الرعد: 16]."

الجواب هو: بلى كما هو معلوم في مثل هذا في النفي أن يكون الجواب ببلى، فإذا قال: نعم، يعني معنى ذلك النفي، أنه لن يكفي، تقول: أليس زيد مسافر؟ فإذا قلت: بلى، فقد أثبت، وأقررت بسفره، وإذا قلت: نعم، فمعنى ذلك أنك أثبت النفي أنه ليس بمسافر. تقول للمؤمنين: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بلى: هذا جاوب المتكلم، المتكلم من هو؟ الله - سبحانه، وتعالى - فأجاب: بلى يكفي، فالأصل أن يجيب المخاطب، فأجاب المتكلم؛ لصحة الأمر، وبيانه واضح أنه يكفي، الملائكة واحد يكفي بحركة في جناحه، أو نفخة يطير هؤلاء، هم، ورواحلهم، ودوابهم، وخيامهم، وأمتعتهم، فيكونون خبرًا بعد عين، لا يوقف بعد ذلك منهم على أثر.

ملك واحد، جبريل - عليه الصلاة، السلام - رفع قرى، وليست قرية واحدة - قرى يعني مدن - قرى قوم لوط، والمؤتفكات وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى [النجم:53] رفعها إلى السماء، ثم قلبها، وأتبعوا بالحجارة، ملك واحد، فكيف بألف؟ وكيف بثلاثة آلاف؟ وكيف بخمسة آلاف؟ وعدد المشركين بين التسعمائة إلى الألف في بدر، باعتبار أن هذا في بدر إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:124] ثلاثة آلاف، وخمسة آلاف ملك مقابل تسعمائة من الأوباش، لكن هذا كما قال الله : وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى [آل عمران:126]، وفي سورة الأنفال: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:10] فبأقوى صيغة من صيغ الحصر في هذا، وهذا، يعني، وما جعله الله إلا بشرى، يعني: لا يغير ميزان المعركة هو مجرد بشارة، وأكد هذا: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126] يعني: نزول الملائكة ليس هو الذي جلب النصر، وإنما النصر من عند الله، وحده إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160].

فيطلب النصر منه بالتقوى، وطاعته، والتوكل عليه، والثقة به، وحسن الظن بالله - تبارك، وتعالى - إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7] مع الدعاء، والضراعة، والإخبات، والاستكانة لله رب العالمين، والاعتصام بحبله، والاجتماع، وترك التفرق، إلى غير ذلك من أسباب النصر.

يقول: كقوله: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ [الرعد:16].

يعني: أنه أجاب لظهور الأمر، وبيانه، فهو بيِّن.

  1.  التحرير، والتنوير (4/75).
  2.  تفسير ابن كثير (2/112).
  3.  تفسير الطبري (7/173).
  4.  تفسير ابن كثير (2/112).
  5.  التحرير، والتنوير (4/75).