وقوله تعالى: وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا [سورة آل عمران:125] قال الحسن وقتادة، والربيع والسُّدِّي أي من وجههم هذا، وقال العَوْفيّ عن ابن عباس - ا -..."
قوله: من وجههم هذا يعني من خروجهم هذا.
وهذا بمعنى الأول، فقوله: من فورهم هذا، أو من وجههم، أو من سفرهم هذا؛ كل ذلك بمعنىً واحد، وهذا من اختلاف التنوع.
يقال: من غضبهم هذا باعتبار معنى الفوران وهو الغضب، أي: فاروا غضباً، فمخرجهم كان بناء على هذا الغضب، وعلى كل حال كل ذلك واقع فيهم، فيمكن أن يقال: من فورهم هذا أي: من مخرجهم، ووجههم الذي خرجوا فيه غضبة بمصابهم في يوم بدر.
نحن عرفنا أن الراجح في قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ أنها في يوم أحد وليست في يوم بدر، فإذا كان وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم؛ فعلى هذا الاعتبار لم يحصل الصبر مع أنهم وعدوا بثلاثة ويزيدون إلى خمسة، فلما لم يحصل منهم الصبر، ولا التقوى حيث خالفوا أمر رسول الله ﷺ، فحصلت الهزيمة، ولم يمدهم الله بالملائكة، لكن الأرجح هو الأول، والله أعلم.
وقوله تعالى: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ [سورة آل عمران:125] أي: معلَّمين بالسِّيما".
قوله: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم المدد هو إعطاء الشيء حالاً بعد حال، أو شيئاً بعد شيء.
وقوله - تبارك وتعالى -: مُسَوِّمِينَ [سورة آل عمران:125] هذه قراءة متواترة، والقراءة الأخرى أيضاً متواترة وهي مسوَّمِين، وعلى هذه القراءة الثانية يكون المعنى معلَّمين بعلامات يُعرفون بها، وقد جاء في بعض الروايات عن بعض السلف وليس فيه دليل صريح واضح يجب الوقوف عنده في هذه العلامة والسمة فيما أعلم، فمنهم من يقول: العمائم، بعضهم يقول: صفر، وبعضهم يقول: سود، وبعضهم يقول: بيض، وبعضهم يقول: حمر، وبعضهم يقول غير هذا.
فالمقصود أنه على قراءة مسوَّمِين أي: أنهم قد وضعت لهم علامات، والقراءة الثانية مسوِّمِين أي قد جعلوا علامات لأنفسهم، فهذا هو الفرق بين مسوَّمين ومسوِّمين.
وقال مكحول: "مسوَّمين بالعمائم، وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود، ويوم حنين عمائم حمر".
وروى عن ابن عباس - ا - قال: "لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر".
وروى ابن أبي حاتم عن يحيى بن عباد: أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء مُعْتَجرًا بها، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر".
وجاء في بعض الروايات أنها خضر، وفي بعضها أنها حمر أي في وقعة بدر، وهنا في الرواية التي سبقت أنها في يوم بدر عمائم سود، و في يوم حنين عمائم حمر، وفي بعض الروايات أنها في يوم بدر عمائم حمر، وعلى كل حال هذا كله فيه مثل هذا التفاوت، والاختلاف، والمقصود أنه كانت لهم علامة، والله تعالى أعلم.