فقوله - تبارك وتعالى -: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ [سورة آل عمران:126] الحافظ ابن كثير - رحمه الله - حمل ذلك على إنزال الملائكة يعني وما جعله الله - أي المدد بالملائكة الذي في قوله: أَنِّي مُمِدُّكُم [سورة الأنفال:9] - إلا بشرى لكم، وهذا هو المشهور، وهو الأليق بالسياق.
ومن أهل العلم من جعل ذلك يرجع إلى التسويم، يعني مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم، وهذا لا يظهر كل الظهور، والله تعالى أعلم، وعلى كل حال هذه الآية يستدل بها من يقول: إن الملائكة لم تقاتل لا في بدر، ولا في غير بدر، وقالوا: إن الله ذكر ذلك بصيغة الحصر، يعني وما جعله - أي الإنزال - إلا بشرى، وأقوى صيغة من صيغ الحصر هي النفي، والاستثناء، وهو هنا لم يذكر القتال وإنما البشارة، وطمأنينة القلب، لكن على كل حال السياق هنا يدل على أن النصر لا يتنزل من جهة سوى الله - تبارك وتعالى -، فالذين يُنزِّلون النصر ليسوا هم الملائكة، ولا غير الملائكة؛ وذلك من أجل أن ترتبط القلوب بالله ، فحينما يذكر هذه القضية لتحقيق هذا المعنى فإن ذلك لا يدل على نفي أمور أخرى حصلت مع تنزيل الملائكة - عليهم السلام -، ولذلك فإن الأرجح من قولي العلماء وهو المشهور الذي عليه عامة أهل العلم أن الملائكة قاتلوا في يوم بدر.
ومما يحتج به من يقول: إن الملائكة لم تقاتل، من النظر أنهم يقولون: ما الحاجة أن ينزل الله ألفاً، أو ثلاثة آلاف، أو خمسة آلاف، وملك واحد يمكن أن يسحق هؤلاء جميعاً، ويقتلع الأرض التي يطئون عليها؟
يقال لهم: إن الله له في ذلك حكم بالغة، وإلا فإن النصر يأتي من غير تنزيل الملائكة أصلاً، فالله يخذلهم، ويموتون في أماكنهم، والله يقول: وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ [سورة محمد:4] فالمقصود أن مثل هذه الأسئلة والإشكالات لا ترد؛ لأن لله حكماً، والله يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه.