الخميس 22 / ذو الحجة / 1446 - 19 / يونيو 2025
لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا۟ خَآئِبِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"ثم قال تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ [سورة آل عمران:127] أي: أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهَدين، فقال: لِيَقْطَعَ طَرَفًا [سورة آل عمران:127] أي: ليهلك أمة مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ [سورة آل عمران:127]".

في قوله تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ ابن كثير - رحمه الله - ذكر معنىً عام أي أنه أمركم بالجهاد ليقطع طرفاً من الذين كفروا.
وبعض أهل العلم يربط ذلك بكلام قبله فيقول: إنه متعلق بقوله: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ليقطع طرفاً من الذين كفروا، وذلك بما حصل من قتل سبعين منهم، وأسرِ سبعين، وهذا الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - أي أنه متعلق بقوله: ولقد نصركم الله ببدر أي إن الذي حصل في بدر من الانتصار كان من أجل أن يقطع طرفاً من الذين كفروا، وبهذا الاعتبار يكون ذلك مختصاً ببدر، لكن على كلام ابن كثير المعنى أعم من هذا، وهو أن الله أمر بالجهاد من أجل حكم بالغة، ومنها ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين، فلا يحصل مقصودهم.
ومن أهل العلم من يقول: إنه متعلق بقوله: وما النصر إلا من عند الله ليقطع طرفاً، وهذا القول أبعد من الأول، والله تعالى أعلم.
وبعضهم يقول: إنه متعلق بالإمداد بالملائكة، أي يمددكم ربكم بهؤلاء الملائكة ليقطع طرفاً من الذين كفروا، وعلى كل حال الآيات: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ [سورة آل عمران:123]، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ [سورة آل عمران:124] وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ [سورة آل عمران:126]، وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [سورة آل عمران:126] لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ [سورة آل عمران:127] فالذين قالوا: إنه متعلق بقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [سورة آل عمران:126] وصلوها بالتي قبلها مباشرة، أي وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ليقطع، وأقرب هذه المعاني - والله تعالى أعلم - هو الأول؛ لأن ما ذكر بعده إنما هو تكملة، وهو بمنزلة الشرح له، أي: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم، وما جعله الله إلا بشرى، ثم قال: حصل كل هذا ليقطع طرفاً من الذين كفروا.
"فقال: لِيَقْطَعَ طَرَفًا [سورة آل عمران:127] أي: ليهلك أمة".

"ليهلك أمة" يعني طائفة أي فريقاً من الكفار.
"مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ [سورة آل عمران:127] أي: يخزيهم، ويردهم بغيظهم".

الكبت هو الخزي، والحزن أي: إنه يخزيهم، ويحزنهم بما يقع لهم من المصائب.
"أي: يخزيهم، ويردهم بغيظهم، لمّا لم ينالوا منكم ما أرادوا؛ ولهذا قال: أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ [سورة آل عمران:127] أي: يرجعوا خَآئِبِينَ لم يحصلوا على ما أمَّلُوا".

مرات الإستماع: 0

"لِيَقْطَعَ [آل عمران:127] يتعلق بقوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ [آل عمران:123] أو بقوله: وَمَا النَّصْرُ [آل عمران:126]."

لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: ليقتل فرقة من هؤلاء الكفار، أو يهلك جماعة، يقطع طرفًا، أو الاستيلاء على أموالهم، وبلادهم، وغير ذلك، يقطع طرفًا بقتل طائفة منهم، أو بأخذ شيء من أموالهم، أو الاستيلاء على شيء من بلادهم، وغير ذلك.

لِيَقْطَعَ ابن جرير - رحمه الله - يقول: يتعلق بقوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ.

لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بقتل سراتهم، وأسر أيضًا سبعين، أو بقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ نصر ليقطع، ينصركم ليقطع طرفًا من الذين كفروا.

وبعضهم يقول: إنه متعلق بقوله: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران: 125] ليقطع طرفًا كالذين كفروا، لكن ابن جرير يقول أنه يتعلق بما ذكره ابن جزي وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ يقطع طرفًا من الذين كفروا.