يعني قدموا الإحسان، والبذل، والنفقة حيث دعت الحاجة سواء كان ذلك في الليل، أو في النهار، وينفقون في السراء، وفي الضراء، ومن الناس من يبخل في حال السراء، ولا ينشط للنفقة، ومن الناس من يمسك في حال الضراء، ويزداد خوفه على ما في يده، وتنتابه ألوان الوساوس، فيزداد حرصه فلا يبذل شيئاً.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[1] وقد رواه الشيخان.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: من أنظر معسراً، أو وضع له؛ وقاه الله من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حَزْنٌ بربوة - ثلاثاً -، ألا إن عمل النار سهل بسهوة".
قوله: حَزْنٌ بربوة الربوة هي المكان المرتفع، والحزن هو الصعب أو الذي يصعب المشي فيه، فهو ليس سهلاً، والمعنى أن ذلك يحتاج إلى جهد، ومجاهدة، ومشقة، وصبر، وتحمل.
وقوله: ألا إن عمل النار سهل بسهوة السهوة هي الأرض ذات التربة اللينة، السهلة التي يسهل المشي عليها دون مشقة.
وبعض أهل العلم ضعف الحديث؛ لأن فيه رجلاً مجهولاً، لكن قوله: من أنظر معسراً يوجد ما يشهد له[3]، ولهذا فهو يحتمل التحسين، لكن إسناده عند الإمام أحمد فيه رجل مجهول.
وروى ابن مردويه عن ابن عمر - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: ما تجرع عبد من جرعة أفضل أجراً من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله [رواه ابن جرير وكذا رواه ابن ماجه][5]".
وهذا يشهد لبعض الحديث السابق، وهذا هو المعتاد المعمول به.
ثم قال تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [سورة آل عمران:134] أي: مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فهذا من مقامات الإحسان، وفي الحديث: ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه الله[6]".
هذا التفسير مثل ما تقول: عفت الريح الأثر إذا طمسته، ومحته، فلا يبقى له في النفس بقية أو أثر، وأما الصفح فهو الإعراض كما في قوله تعالى: فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ [سورة البقرة:109] فالصفح من صفحة العنق وهو أن يُعرض الإنسان عن إساءة المسيء، وقد يُعرض الإنسان لكن يبقى في نفسه شيء، وقد يذهب الذي في النفس لكنه يحتاج إلى معاتبة لسبب أو لآخر، والذي ينبغي للمسلم أن يعفو ويصفح.
- أخرجه البخاري في كتاب الأدب - باب الحذر من الغضب (5763) (ج 5 / ص 2267) ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب (2609) (ج 4 / ص 2014).
- أخرجه أحمد (3017) (ج 1 / ص 327) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف جداً.
- صحيح مسلم في كتاب الزهد والرقائق - باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر (3006) (ج 4 / ص 2301).
- أخرجه أبو داود في كتاب الأدب - باب من كظم غيظاً (4779) (ج 4 / ص 394) وابن ماجه في كتاب الزهد - باب الحلم (4186) (ج 2 / ص 1400) وأحمد (15675) (ج 3 / ص 440) وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
- أخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد - باب الحلم (4189) (ج 2 / ص 1401) وأحمد (6114) (ج 2 / ص 128) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2752).
- أخرجه أحمد (18060) (ج 4 / ص 231) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3024).